issue16675

الثقافة CULTURE 18 Issue 16675 - العدد Wednesday - 2024/7/24 الأربعاء ميرزا الخويلدي الزيت و«القافلة» أتمّت مجلة «القافلة» السعودية، التي تصدر عن شركة «أرامكو» عامها السبعين في أشهر ستحتفل بعيد ميلادها الحادي والسبعين. 3 ، وبعد 2023 ) أكتوبر (تشرين الأول ، كانت أول رسالة للثقافة والمعرفة تنبعث من عالم 1953 المجلة التي صدرت رسمياً عام البترول. ، تمكّنت شركة «أرامكو» النفطية من إطلاق 1938 قبلها بخمسة عشر عاماً، أي في عام »، التي أُطلق عليها فيما بعد 7« باكورة إنتاج النفط بكميات تجارية من بئر الدمام رقم اسم «بئر الخير»، ومع تدفق الرساميل، وزيادة قوى العمل والإنتاج، جاءت الحاجة إلى صدرت المجلة باسم «قافلة الزيت»، وأصبحت منذ ذلك 1953 تعزيز الثقافة. وفي أكتوبر الوقت مجلة شهرية، وبعد ثلاثين عاماً من صدورها تحوّلت «قافلة الزيت» في عدد «مايو » إلى اسمها الجديد «القافلة». 1983 ) (أيار) - يونيو (حزيران لذلك على الرغم من المسار الثقافي العميق والواضح للمجلة، الذي شقّ طريقاً ساطعاً في نشر المعرفة والتنوير، فإنه لا يمكن فصلها عن الرسالة الإنسانية لشركة النفط التي أصدرتها، في وقت مبكر جداً في تاريخ الصحافة الثقافية في السعودية وفي الخليج. تُعدّ مجلة «القافلة» واحدة من أقدم المجلات الثقافية والعلمية السعودية؛ نتذكر أن مجلة «القافلة» سبقت كثيراً من المجلات الثقافية المعروفة، مثلاً مجلة «العربي» الكويتية ، ومجلة «العرب» الثقافية المهمة، التي أصدرها علامة المملكة 1958 صدرت بعدها في عام )، ومثلها «المجلة العربية»، التي 1966 حمد الجاسر، صدر العدد الأول منها في (أكتوبر »، ومجلة «الفيصل» التي صدر 1975 ) صدر العدد الأول منها في «يونيو - يوليو (تموز ، حتى مجلة «الـدوحـة» الثقافية صـدر العدد الأول منها في 1977 العدد الأول منها عـام .1969 ) نوفمبر (تشرين الثاني وعُـدّت المجلة، التي تلقفتها الأيـادي السعودية، واحدة من أهم الحواضن الطبيعية لـــأدب والثقافة والشعر والمـقـالـة، فـي وقــت شـحّـت فيه وسـائـل المـعـرفـة، وقـلـتّ فيه الأطـر الحاضنة للإبداع. وعلى مدىسبعين عاماً من عمرها، احتضنت «القافلة» أهم الكتاب والأدباء والمفكرين العرب والسعوديين، وقدّمتهم إلى القارئ في المملكة وفي العالم العربي، خصوصاً إذا عرفنا أن المجلة أخذت على عاتقها توزيع عشرات الآلاف من النسخ وإرسالها مجاناً إلى من يطلب من قرائها، بالإضافة إلى موظفيها والمجتمعات المحلية. من بين كتّابها: محمود عباس العقاد الذي نُشرت له مجموعة مقالات، منذ أواخر الخمسينات الميلادية تقريباً، كما كتب لها طه حسين، بينها مقالته الموجهة إلى أهل المنطقة الشرقية على هامش زيارة . وكتب لها نخبة من المفكرين والأدباء 1968 له إلى المملكة، وأجرت معه حواراً أيضاً عام والـكـتـاب الـعـرب، منهم: أحـمـد الــزيــات، ومحمد حسين هيكل، وأحـمـد الصافي النجفي، ووديـــع فلسطين، وجـبـرا إبراهيم جـبـرا، ومحمد عبد المنعم خفاجي، ونجيب محفوظ، وإيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، وفؤاد صروف، ونقولا زيادة، وعبد الرحمن بدوي، وجورج صيدح، وفدوى طوقان، ومارون عبود، ورياض المعلوف، ومنذر الشعار، وجميل علوش، ويوسف نوفل، وجاذبية صدقي، ونعمات أحمد فـؤاد، وعدنان الصائغ، وبلند الـحـيـدري، وصــ ح فـضـل... كما نشرت لكتاب ومفكرين وأدبـــاء سعوديين، بينهم: عبد القدوس الأنـصـاري، وحمد الجاسر، وأحمد صالح قنديل، ومحمد حسن عـواد، وطاهر زمخشري، وعبد الله بن خميس، ومحمد علي السنوسي، وفؤاد إسماعيل شاكر، وأمين مدني، وغازي القصيبي، ومحمد سعيد باعشن، ومحمد العلي، وعدنان العوامي، وعلي الدميني، وحسن السبع. حافظت «القافلة» طيلة مشوارها على جودة المحتوى، الذي يجمع بين المادة الأدبية والثقافية والعلمية، وظلّت منفتحة على التيارات الأدبية الحديثة في العالم، كما كانت جسر الوصل بين الأدبـــاء والمثقفين الـعـرب، وحاضنة لإبداعهم، كما حافظت على اللغة الراقية الرصينة التي تمتاز بها، رغم كونها المجلة الثقافية التي تصدر من شركة نفط لا علاقة مباشرة بينها وبين الجانب الثقافي والأدبي. كـبـرت «الـقـافـلـة» لتجد أمـامـهـا عـالمـ يتشكّل سريعاً بتقنيات الاتــصــال والـتـواصـل، والحقيقة أنها أثبتت قدرتها على مواكبة التحول الهائل في مزاج القارئ، فسارعت مبكراً إلــى تحديث أسـالـيـب الـعـرض لتلائم مستجدات الـعـصـر، واسـتـحـداث منصات تفاعلية تشارك القراء في تقديم المادة الأدبية والثقافية والعلمية. المهم أنـه في وسـط طغيان شبكات التواصل الاجتماعي، وترويج المحتوى المبتذل والسطحي، تبقى الحاجة ملحة إلى الحفاظ على هذه المجلة وغيرها من حواضن المعرفة، لمنح حياتنا شيئاً من العمق، وشيئاً من الثقافة الجادة والرصينة. تجسد طرازاً لا نجد ما يماثله في جنوب الجزيرة العربية رؤوسثيران برونزية من موقع مليحة في الشارقة يحتفظ مـركـز مليحة لـآثـار فـي إمــارة الشارقة بمجموعة من اللقى البرونزية، منها مـجـسـمـات منمنمة تـمـثّـل رأس ثـــور يتميّز بأنف طويل صيغ على شكل خرطوم. تعود هـذه الـــرؤوس فـي الـواقـع إلـى أوان شعائرية جنائزية، على ما تؤكّد المواقع الأثرية التي خرجت منها، وتتبع كما يبدو تقليداً فنياً مـحـلـيـ ظــهــرت شـــواهـــده فـــي مــوقــع مليحة، كما في نواح أثرية أخرى تتّصل به في شكل وثيق. يـعـرض مـركـز مليحة لـآثـار نموذجين من هذه الرؤوس، وصل أحدهما بشكل كامل، فيما فقد الآخــر طرفي قرنيه. يتماثل هـذان الرأسان بشكل كبير، ويتبنيان في تكوينهما أسلوباً تحويرياً مبتكراً، يجسّد طرازاً خاصاً لا نجد ما يماثله في أقاليم جنوب الجزيرة العربية المتعددة، حيث حضر الثور في سائر الميادين الفنية بشكل كبير على مر العصور، وتـــعـــدّدت أنـــواعـــه وقــوالــبــه، وشـكّـلـت نـمـاذج ثابتة بلغت نواحي أخرى من جزيرة العرب الـشـاسـعـة. ظهر رأس الـثـور بشكل مستقل، وحضر فـي عـدد كبير مـن الشواهد الأثـريـة، مــنــهــا الــــعــــاجــــي، والــــحــــجــــري، والــــبــــرونــــزي. تـعـدّدت وظـائـف هــذه الــــرؤوس، كما تـعـدّدت أحجامها، فمنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير. وتُظهر الأبحاث أنها تعود إلـى حقبة زمنية تمتد من القرن الـرابـع قبل الميلاد إلى القرون الميلادية الأولى. فــــي المــــقــــابــــل، يـــصـــعـــب تـــحـــديـــد تـــاريـــخ رؤوس ثـــيـــران مـلـيـحـة، والأكـــيـــد أنــهــا تـعـود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الميلادي الأول، حسب كبار عملاء الآثـار الذين واكبوا اكتشافها في تسعينات الــقــرن المـــاضـــي. تـتـبـنّـى هـــذه الـــــرؤوس قالباً جــامــعــ واحـــــداً يـتـمـيّـز بـتـكـويـنـه المــخــروطــي وبـمـ مـحـه المـــحـــدّدة بـشـكـل هــنــدســي، وهـي مـــن الــحــجــم المــنــمــنــم، ويــبــلــغ طــــول كـــل منها سنتمترات. الأنف طويل، وهو أشبه 5 نحو بــخــرطــوم تــحــدّ طــرفــه الــنـاتــئ فــجــوة دائــريــة فـارغـة. تـزيّـن هـذا الأنــف شبكة مـن الخطوط الــعــمــوديــة المـسـتـقـيـمـة الــغــائــرة نُـقـشـت على القسم الأعلى منه. العينان دائريتان. تأخذ الحدقة شكل دائرة كبيرة تحوي دائرة أصغر حجماً تمثّل الـبـؤبـؤ، ويظهر فـي وســط هذا البؤبؤ ثقب دائري غائر. الأذنان مبسوطتان أفقياً، والقرنان مقوّسان ومـمـدّدان عمودياً. أعـــلـــى الـــــــرأس مــــزيّــــن بــشــبــكــة مــــن الــــزخــــارف الــتــجــريــديــة المــــحــــززة تــرتــســم حــــول الـجـبـ وتمتدّ بين العينين وتبلغ حدود الأنف. يـــشـــكّـــل هـــــذا الـــــــرأس فــــي الــــواقــــع فــوهــة لإنــــــاء، وتــشــكّــل هــــذه الــفــوهــة مــصــبّــ تـخـرج مـــنـــه الــــســــوائــــل المـــحـــفـــوظـــة فــــي هـــــذا الإنـــــــاء، والمثال الأشهر قطعة عُرضت ضمن معرض مخصّص لآثـار الشارقة استضافته جامعة أتـونـومـا فــي متحف مــدريــد الـوطـنـي لـآثـار . يعود هـذا الإنــاء إلـى القرن 2016 خـ ل عـام الثاني قبل الميلاد، وقد وصل بشكل مهشّم، واستعاد شكله التكويني الأوّل بعد عملية ترميم طويلة ودقـيـقـة. تـتـكـوّن هــذه القطعة الأثــــريــــة مـــن وعـــــاء صــغــيــر ثُـــبّـــت عــنــد طـرفـه 4.6 الأعلى مصبّ على شكل رأس ثور طوله سـنـتـمـتـرات. عُــــرف هـــذا الـــطـــراز تــحــديــداً في هـذه الناحية مـن شمال شـرق شبه الجزيرة الـــعـــربـــيـــة الـــتـــي تـــقـــع فــــي جـــنـــوب غـــــرب قــــارة آسيا، وتطلّ على الشاطئ الجنوبي للخليج العربي. عُــثــر عـلـى هـــذه الآنـــيـــة إلـــى جــانــب أوان أخـرى تتبع تقاليد فنية متعدّدة، في مقبرة مــن مـقـابـر مليحة الأثـــريـــة الـتـي تتبع الـيـوم إمارة الشارقة، كما عُثر على أوان مشابهة في مقابر أخرى تقع في المملكة الأثريّة المندثرة التي شكّلت مليحة في الماضي حاضرة من حـــواضـــرهـــا. ظــهــر هــــذا الــنــســق مـــن الأوانـــــي الجنائزية في مدينة الـدّور الأثرية التي تقع الـيـوم فـي إمـــارة أم القيوين، على مقربة من الطريق الحديث الذي يربط بين رأس الخيمة والـشـارقـة، وهــي على الأرجـــح مدينة عُمانا الـتـي حضنت أهـــم مـيـنـاء فــي الخليج خـ ل الــقــرن الأول المـــيـــ دي. كـمـا ظـهـر فــي منطقة دبـا التي تتبع إمـــارة الفجيرة، وفـي مناطق أخـــرى تتبع فـي زمننا سلطنة عُــمــان، منها منطقة سلوت في ولايـة بهلاء، في محافظة الداخلية، ومنطقة سمد في ولاية المضيبي، شمال المحافظة الشرقية. محمود الزيباوي المرأة التي شيطنتها السردية التوراتية هل دليلة الفلسطينية خائنة أم بطلة قومية؟ قـــلّ أن حـمـلـت قـصـة مـــن قـصـص الـحـب ذلـك القدر من المفارقات والملابسات الملغزة، كما هي حال القصة التي ربطت بين شمشون اليهودي ودليلة الفلسطينية. ولعل رسوخ تلك القصة في المخيلة الإنسانية الجمعية لا يعود إلـى عدّها جـزءاً لا يتجزأ من السردية الـــتـــوراتـــيـــة فـــحـــســـب، خـــصـــوصـــ أن قـصـص الحب المتصلة بالخيانة والعشق الشهواني والــعــ قــات الآثــمــة فــي «الـعـهـد الـقـديـم» أكثر مـــن أن تُــحــصــى، ولــكــن مـــا أكـسـبـهـا طـابَـعـهـا الـشـعـبـي الـــواســـع هــو وقـوعـهـا عـلـى خطوط التماس الفاصلة بين الدين والأسـطـورة من جهة، وبـ الـــولاء للقلب والـــولاء للوطن من جهة أخرى. والــــواقــــع أن أي قــــــراءة مــتــأنـيـة لـعـ قـة شمشون بدليلة لا يمكن أن تتم على أرض العاطفة والحب اللذين تحرص التوراة على استبعادهما عن سياق الأحــداث، بل يتضح لـلـقـارئ أن الخلفية الـتـي تُــــروى مــن خلالها الــوقــائــع هـــي خـلـفـيـة المــواجــهــة الــضــديــة بين الـخـيـر الـعـبـري والــشــر الفلسطيني. ويكفي أن نعود إلى الجملة التي يستهل بها «سفر القضاة» القصة بقوله: «ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر فـي عيني الــرب فدفعهم الـرب لـيـد الفلسطينيين أربــعــ ســنــة»، لـكـي نقرأ المكتوب من عنوانه، إذ ستكون علاقتا الزواج اللتان ربطتا شمشون بامرأتين فلسطينيتين متتاليتين ترجمة بالغة الدلالة لامتداح الذات الـجـمـعـيـة الــفــحــولــيــة، مــقــابــل تــأنــيــث الــعــدو وتشويه صـورتـه، ولـو أن العقاب الإلـهـي قد توزع مناصفةً بين طرفَي الصراع. ولا بـــــد مـــــن الإشــــــــــــارة أيــــضــــ إلـــــــى أن شـمـشـون قــد ولـــد، وفـــق الـــروايـــة الـتـوراتـيـة، بــتــدخــل مــبــاشــر مـــن الـــــرب الـــــذي اســتــجــاب لرغبة أبيه منوح وأمه العاقر في الحصول عـــلـــى طـــفـــل يــــوفــــر لـــهـــمـــا أســــبــــاب الـــســـعـــادة والاســــــتــــــمــــــرار. وبــــعــــد تـــــجـــــاوز الـــفـــتـــى سـن الـــبـــلـــوغ، الــتــقــى صـــدفـــة بــفــتــاة فلسطينية حــــازت عــلــى إعـــجـــابـــه، فـــســـارع بـالـطـلـب من أبـــيـــه وأمــــــه أن يـــأخـــذاهـــا زوجــــــة لـــــه. وعــلــى الـرغـم مـن أن أبـويـه واجـهـا طلبه باستنكار بــــالــــغ، لأن الـفـلـسـطـيـنـيـ فــــي تـــلـــك الــفــتــرة كــانــوا «متسلطين عـلـى إســرائــيــل»، فإنهما أذعـنـا لطلبه فـي نهاية الأمـــر. وبينما كان ذاهباً للزواج التقى شمشون بشبلٍ مفترس فشقّه باليد المجردة كما يُشقّ الجدي. على أن عروسه الفلسطينية ما لبثت أن خانته مــرتــ ؛ الأولــــى حــ أطـلـعـت الفلسطينيين عــلــى حـــل الأُحـــجـــيـــة الـــتـــي طــرحــهــا عـلـيـهـم، والثانية حين تركته بغتةً لترقد في أحضان أحد أصدقائه المقربين. ومـع انتقاله إلـى غـزة تُنبئنا السردية التوراتية بأن شمشون لم يكد يقع في حب امرأة أخرى اسمها دليلة، حتى «صعد إليها أقـــطـــاب الـفـلـسـطـيـنـيـ وقـــالـــوا لـهـا تملّقيه وانــــظــــري بـــمـــاذا قـــوتـــه عــظــيــمــة»، عــارضــ عــلــيــهــا مــبــلــغــ مـــغـــريـــ مــــن المــــــــال. عـــلـــى أن شمشون المتوجس من السؤال أعطى دليلة ثــ ث إجــابــات كـاذبـة حــول سـر قـوتـه، حتى إذا بالغت في إلحاحها «وضاقت نفسه إلى المـــوت» أخبرها بــأن قـوتـه كامنة فـي خصل شعره الطويلة، فـإن تـمّ قصّها فارقته هذه القوة بالكامل. وإذ نـجـحـت دلــيــلــة فـــي الـــوقـــوف على ســر بطلها الـعـاشـق، أنـامـتـه عـلـى ركبتيها وطلبت من أحد الرجال قصجدائله السبع، حــتــى إذا أيـقـظـتـه وأراد الانـــقـــضـــاض على الفلسطينيين، اكتشف أنــه بـ حـــوْل، وأنـه وقــع ضحية المـــرأة المخاتلة الـتـي أسـلـم لها قلبه. بعد ذلـك اقتلع الفلسطينيون عينيه وأوثــــــقــــــوه بـــالـــســـ ســـل وســــجــــنــــوه، آمـــريـــن إيــاه أن يدير فـي سجنه حجر رحــىً ثقيلاً. وبعد انتشاء الفلسطينيين بالنصر جاءوا بشمشون ليبهجهم بـعـروضـه المسلية في أحـــد أعــيــادهــم الـوثـنـيـة، فـدعـا الأخــيــر الــرب ليساعده على الانتقام، وكان شعره قد نما عـلـى غفلة مــن أعـــدائـــه، حـتـى إذا أعـــاد الــرب له قوته هتف من أعماقه «لتمتْ نفسي مع الفلسطينيين» ثـم هـدم الهيكل على نفسه، وعلى الآلاف الثلاثة من الفلسطينيين الذين لم ينجُ منهم أحد. ولـــــم تـــكـــن مـــثـــل هـــــذه الـــقـــصـــة الــحــافــلــة بـالـرمـوز لتسهوَ عـن بــال الـشـعـراء والكتاب والــفــنــانــ ، الــذيــن تـنـاولـوهـا عـبـر الـتـاريـخ من زوايـاهـم المختلفة، وأفـــردوا لها قصائد ولـوحـات وأعـمـالاً إبداعية كثيرة. ولـم يَفُت مـــنـــتـــجـــي هــــولــــيــــوود ومـــخـــرجـــيـــهـــا الـــكـــبـــار اســتــثــمــار هــــذه الــقــصــة المـــثـــيـــرة فـــي المــجــال الـسـيـنـمـائـي، فـتـم اسـتـلـهـامـهـا مــــرات ثـ ثـ بين مطلع القرن الفائت ومنتصفه، إضافة إلى عشرات العروض المسرحية والموسيقية والأوبرالية. أمـــــــا فـــــي مــــجــــال الــــشــــعــــر فــــقــــد اســـتـــنــد الــــشــــاعــــر الإنــــجــــلــــيــــزي جــــــون مـــيـــلـــتـــون إلـــى قـصـة شـمـشـون ودلــيــلــة فـــي عـمـلـه الـــدرامـــي «ســـامـــســـون أغـــونـــيـــســـتـــس» الــــــذي اسـتـلـهـم مـن خلاله التراجيديا الملحمية الإغريقية، مـــبـــتـــعـــداً عــــن قــــواعــــد المــــســــرح الإلـــيـــزابـــيـــثـــي وأعــــرافــــه. ومـــع أن مـيـلـتـون قـــد آثـــر الالـــتـــزام بـــالـــنـــص الـــــتـــــوراتـــــي، فــــإنــــه وهــــــو المـــصـــاب بـالـعـمـى تــمــاهــى مـــن نـــــواحٍ عـــدة مـــع البطل الـعـبـري الـــذي سـمـل الفلسطينيون عينيه. عـلـى أن أكـثـر مــا يستوقفنا كــقــراء هــو قـول دليلة لشمشون الغاضب والرافض للصفح بـــــأن الـفـلـسـطـيـنـيـ «ســيــمــتــدحــونــهــا عـبـر الأجيال»، كما لو أن ميلتون كان يستطلع، بـحـدسـه الــشــعــري الــثــاقــب، مــــآلات الــصــراع الوجودي الذي لا نهاية له بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإذا كانت ثنائية الجمال والمــوت هي التي حكمت قصائد الشاعر اللبناني إلياس أبـــو شبكة فــي ديــوانــه «أفــاعــي الـــفـــردوس»، فقد بدت قصيدته «شمشون» ذروة الديوان وواســطــة عـقـده الأهــــم. وإذا كـــان أبـــو شبكة قد اكتفى بإعادة تظهير الواقعة كما وردت في التوراة، نائياً بنفسه عن أي بعد قومي أو آيديولوجي، فـأن معاناته القاسية مع المـــرأة لـم تمكنه مـن أن يـرى فـي دليلة سوى واحدة من الرموز الأنثوية الأكثر دلالة على الخيانة والغدر. وهو إذ يتقمص شخصية شمشون المخدوع، يخاطب دليلة قائلاً: ِملّقيهِ بحسنكِ المأجورِ وادفعيه للانتقام الكبير إنما الحسْن يا دليلةُ أفعى كم سمعنا فحيحها في سرير ِملّقيهِ ففي ملاغمك الحمرِ مساحيقُ معدنٍ مصهور ِوارقصي إنما البراكين تغلي تحت رجليكِ كالجحيم النذير وبينما يـــرى الـبـاحـث الـعـراقـي فاضل الــربــيــعــي، الــــذي يـعـمـل عـلـى تـفـكـيـك البنية التاريخية للسرديات الدينية والميثولوجية، أن الــــحــــادثــــة بـــرمـــتـــهـــا ذات جـــــــذور يـمـنـيـة ســبــئــيــة، إذ إن اســـــم شـــمـــشـــون مــشــتــق مـن الشمس، واسـم دليلة مشتق من الليل، وأن الـــصـــراع فـــي عـمـقـه الـــرمـــزي هـــو صــــراع بين التقويمَين الشمسي والقمري، يرى الشاعر الفلسطيني معين بسيسو القصة القديمة من منظور معاصر، محولاً عمله المسرحي «شـــمـــشـــون ودلـــيـــلـــة» إلـــــى مــنــاســبــة لــوضــع التاريخ على سكته الصحيحة. اللافت في عـمـل بسيسو أن عــنــوان المـسـرحـيـة قــد ظل غريباً عـن سياقاتها حتى فصلها الأخير، حيث تتم على نحو مفاجئ إماطة اللثام عن الحقيقة المُــرة. فالفلسطينيون المحشورون فــي عـربـة معطلة لــم يــعــودوا يـمـلـكـون، وقـد أسفرت كل إشارات المرور عن لونها الأحمر، ســـــوى قــــرارهــــم بــــإعــــ ن الــــثــــورة دفــــاعــــ عـن هُويّتهم المهددة بالامّحاء. أما سكان العربة الـــذيـــن يـتـحـكـم بــهــم جـــبـــروت ســـائـــق حـاقـد ومبهم الملامح، فبينهم الأم والأب وابناهما عـاصـم مـــازن وريــــم، الـتـي لــم تستطع أثـنـاء إجـبـارهـا عـلـى الــنــزوح أن تميز بــ طفلها يونس وصرة ثيابها، فتركت الأول وحملت الـــثـــانـــيـــة، لــتــربــي فـــي داخـــلـــهـــا مــــــرارة الـفـقـد وشهوة الانتصار على الجلاد. وســــرعــــان مـــا نـكـتـشـف أن مـــن يمسك بزمام العربة هو شمشون الإسرائيلي الذي لا يكف عـن تجديد وجهه الكالح مـن عصر إلــــى عـــصـــر، والـــــذي يـهـتـف بالفلسطينيين بنبرة هازئة: هل تنتظرون دليلة؟ تكشف سرّي وتجزّ ضفائر شَعري تفقأ عينيّ وتربطني كالثور أجرّ الطاحون عبثاً تنتظرون دليلة أنتم في راحة كفّي كلّ قنابلكم تتفجر في داخل هذي الخوذة كصواريخ الأطفال وإذ يتابع الـنـص المسرحي مفاجآته، تتقمص ريــم شخصية دليلة الفلسطينية مـــحـــذرة شــمــشــون مـــن الـــتـــمـــادي فـــي بطشه المتغطرس، ومبلغة إياه بأن دليلة الجديدة ســــتــــكــــون أكــــثــــر دهــــــــــاءً مـــــن الأولــــــــــى وأكــــثــــر شـــــراســـــةً فـــــي الـــــدفـــــاع عـــــن حــــقــــوق شـعـبـهـا المهدورة. وفيما يُسمع من وراء العربة دوي الانـفـجـارات وأزيـــز الــرصــاص، تتماهى ريم ْمع صورة الأرض نفسها، هاتفة بشمشون: صار لنا دفتر يومياتٍ آخرُ يا شمشون صـــرنـــا يــــا شـــمـــشـــونُ نــــوقّــــع فـــــوق الأربـــطـــة البيضاء على الجرحِ، الأربطةُ البيضاءُ تغطّي الأرض فوق جبين الزيتونة صار رباطٌ أبيضُ، والشمس ممرّضةٌ تسعى بين الجرحى شوقي بزيع يرى الشاعر الفلسطيني بسيسو القصة القديمة من منظور معاصر، محاولاً في عمله المسرحي «شمشون ودليلة» وضع التاريخ علىسكته الصحيحة قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة النصالكامل على الموقع الإلكتروني إلياسأبو شبكة

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky