issue16675

إذا كانت الأفـ م السينمائية والمسلسلات التلفزيونية الأمــيــركــيــة تـشـتـهـر بــــالإثــــارة، فـــــإنّ الانـــتـــخـــابـــات الــرئــاســيــة الأميركية لا تقل عنها إثــــارةً، الـفـرق بـن الاثـنـن أن الإثـــارة في الأولــى مصطنَعة ومبنية على الخيال والتشويق، لكن الإثـــــــارة فـــي الانـــتـــخـــابـــات الأمــيــركــيــة حـقـيـقـيـة، وتــخــلــو من المتعة والتشويق، ومرعبة أحياناً. ولعل ما حدث للمرشح يـولـيـو (تـمـوز) 13 الـجـمـهـوري دونــالــد تــرمــب، يـــوم الـسـبـت الحالي، في بنسلفانيا، غير بعيد، وخير مثال. آخــر تـلـوّنـات الإثـــارة الانتخابية الرئاسية الأميركية، كـان مساء الأحـد الماضي، حي فوجئ الأميركيون وغيرهم فـي بقية الــقــارات بـقـرار الـرئـيـس جــو بــايــدن الانـسـحـاب من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر، وعلى بُعد أيام فقط من الموعد المقرّر. 107 كان من الطبيعي أن يستحوذ خبر كهذا على القنوات التلفزيونية الإخـبـاريـة فـي أمـيـركـا وخـارجـهـا، منذ صـدور الرسالة الموقّعة من قِبل الرئيس بايدن على الإنترنت، قرابة الساعة الثانية ظـهـراً بتوقيت واشنطن دي ســي، واستمر حتى ساعة متأخرة من الليل. وبــالــتــأكــيــد، لا يـــبـــدو الأمـــــر غــريــبــ مـــن تــلــك الـــقـــنـــوات؛ فأميركا هي أميركا، ورئيسها يشغل أكبر وأخطر منصب في العالم. موضع الغرابة يكمن في التغيّر الفجائي الذي درجـة، أي من 180 حدث في موقف الرئيس بايدن بانتقاله الـرفـض الـكـامـل لفكرة الانـسـحـاب مـن الـتـرشـح، إلــى القبول بـالانـسـحـاب، والـتـنـحّـي مــن الــطــريــق، والـتـوصـيـة بترشيح نائبته كامالا هاريس لتكون المرشح البديل. كـــلـــمـــة)، والمـــوقّـــعـــة بــخــط يد 323( الـــرســـالـــة الــقــصــيــرة الـرئـيـس بــايــدن، عقب نشرها على الإنـتـرنـت، قلبت الدنيا رأساً على عقب، وجعلت من المتابعي للانتخابات الرئاسية مـــن خــــارج الــســاحــة الأمــيــركــيــة فـــي مـخـتـلـف بـــلـــدان الــعــالــم، والراصدين لها من الداخل من المعلّقي والمراقبي والمحلّلي الأميركيي، شهودَ عيان على انعطافة تاريخية لم تكن في حسابات تحليلاتهم وتكهّناتهم، كونها واقـعـة لـم تسجّل في عهد الرئيس ليندون جونسون. 1968 منذ عام وهــــذا الـــحـــدث يـتـرتـب عـلـيـه تـــطـــورات أخـــــرى، وأسـئـلـة مـفـتـوحـة، واخــتــ فــات ونـقـاشـات عــديــدة، ومـــن المحتمل أن تبرز وجوه ديمقراطية جديدة على الساحة، تتهيّأ لدخول معركة الرئاسة. وعلى الجانب الآخر في الحزب الجمهوري، بــدأت مباشرة إعـــادة مراجعة الحسابات، وتصميم خطط انــتــخــابــيــة جــــديــــدة، والإعـــــــــداد لـــكـــل الاحــــتــــمــــالات المــمــكــنــة، التي ستظهر فـي الـواجـهـة، بـنـاءً على قــرار الرئيس بايدن بالانسحاب والتنحّي. قائمة الأولويات، في أجندة الفريق الـذي يقود الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري ترمب، ستشهد بــالــضــرورة تـغـيـيـرات عــــدة، فـالـواقـعـة قـلـبـت على أفــراد الفريق الطاولة، وعليهم الإعـــداد لمواجهة ما سيأتي وبأقصى سرعة. فريق المرشح ترمب فوجئ كغيره بالقرار، فهم -على عكس أغلب الديمقراطيي- كانوا يودّون بقاء الرئيس بايدن في السباق؛ لأن استمراره يقرّبهم كل يوم من البيت الأبيض، ولوحظ كذلك أن فريق الحملة الترمبية، قبل حادثة محاولة يـولـيـو الـــجـــاري، كــانــوا يـتـهـجّـمـون كثيراً 13 الاغــتــيــال يـــوم بالنقد على نائبة الرئيس بايدن. لـكـن الـخـطـة تـغـيّـرت بـعـد الـحـادثـة بشكل واضــــح، كـان الناطق باسم فريق الحملة في تصريحاته يؤكّد على نقطة أساسية، وهي أنّه لا يمكن استبدال نائبة الرئيس به بسبب ضعف حالته الصحية؛ إذ لو حدث ذلـك، فالأولى بالرئيس الاسـتـقـالـة مـن منصبه الـرئـاسـي؛ لـعـدم قـدرتـه صحياً على أداء واجبات منصبه السياسي رئيساً وقائداً عامّاً للقوات الأميركية. وهذا استدعى من فريق الحملة الترمبية التخفيف من موجة هجماتهم الانتقادية ضد الرئيس بايدن، حتى يَحِي أغسطس المقبل، 19 انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي يوم لتسميته مرشحاً للرئاسة، وبعدها يستأنفون الهجوم، وكـان دافعهم إلـى ذلـك التأكيد على ألا تتم تسمية مرشح ديـمـقـراطـي آخـــر بــديــً عــن الـرئـيـس بــايــدن خـــ ل المـؤتـمـر، ومـتـى تـــمّ الـتـأكـد مــن ذلـــك، وأُعــلــن بــايــدن مـرشـحـ للحزب، تضيق المساحة الزمنية على الديمقراطيي لاختيار مرشح بــديــل، لـكـن بـيـان الـرئـيـس بــايــدن بـالانـسـحـاب أودى بتلك الخطة. التقارير الإعـ مـيـة تشير إلــى احتمال التفاف الحزب الـديـمـقـراطـي حـــول نـائـبـة الـرئـيـس كــامــالا هـــاريـــس، تـفـاديـ لإضـاعـة مـا تبقّى مـن وقـــت، وإعــــادة وحـــدة الــحــزب، وهناك فريق غير متحمّس للفكرة، ويطالب بإجراء ديمقراطي قائم على منافسة تتيح لكوادر الحزب وأنصاره فرصة لاختيار المـرشـح الأنـسـب. ويُـحـاجِـجـون بقولهم إنــه مـن المفترض أن يكون الحزب الديمقراطي ديمقراطياً. من يونيو 27 لا شك أنّ الضغوط تراكمت سريعاً منذ الـ (حزيران) الماضي، وهو تاريخ المناظرة الانتخابية بي بايدن وترمب، وخسرها الأول بشكل واضح، نتيجة تدهور حالته الصحية، وازداد حجم الضغوطات ثـقـً فيما تـ ذلــك من مقابلات وتصريحات أدلى بها بايدن، أكّدت هشاشة وضعه الصحي، وزادت في اتساع دائرة المطالبي بانسحابه. لــكــن مـهـمـا فــعــل الـــحـــزب الــديــمــقــراطــي -فــــي رأيــــــي- من تـغـيـيـرات وتـوصـيـات فــي غـضـون هـــذه المـــدة الـقـصـيـرة، فــإنّ خيول ترمب قادمة لا محالة. في كوكب بعض المُمسِكي بمقاليد السلطة، الذين في القمة، والذين في بعض المناصب تُوكَل إليهم بالذات، شعور بالاستقواء يُفرِز مع الممارسة شعوراً بالاستعظام، وهذان -الاستقواء والاستعظام- يدفعان بالبعض، عند وصولهما إلى درجة الفائض من الشعور، إلى أن يقولوا من الكلام ما ليس جـائـزاً قـولـه، وأن يفعلوا مـن الفعل مـا ليس مستحباً فِعله. وفــــي حــالــنــا الـــحـــاضـــرة هــــذه تــعــيـش المــنــطــقــة ظــاهــرة الاســـتـــقـــواء والاســتــعــظــام فـــي أعــلــى درجــاتــهــا قــــولاً وفــعــ ً، وتـــتـــجـــسّـــد فــــي شـــخـــص رئـــيـــس وزراء إســـرائـــيـــل بـنـيـامـن نتنياهو، الــذي اقـتـرف مـن أغلظ الـكـ م وأفـجـع الاعـتـداءات مـــا مـــن شــأنــه جَـــعْـــل الـخـشـيـة واردة مـمـا قـــد يــكــون الأدهـــى مـن الاعــتــداءات والتحديات الصاروخية المتبادلة، ومعها المسيّرات التي تعكّر صفو المنطقة. على 2024 - 7 - 19 وجاء رد فعل نتنياهو يوم الجمعة المطالعة الموضوعية لمحكمة العدل الدولية، التي تلاها عبْر الفضائيات على المــأ الـدولـي رئيس المحكمة نــواف سـ م، يعكس كم أن الاستعظام مقروناً بالاستقواء بلغ أن نتنياهو وبـعـض المتشنّجي فـي طاقمه الحكومي، يستهزئون بما جـاء فـي تلك المطالعة؛ لأنها تـؤكّـد على حقائق ومـبـادئ لا جـــدال فــي صـــواب وقـانـونـيـة مضامينها، ومـنـهـا أن بعض فلسطي (المستملَكة أصـً لليهود بموجب وعد بريطاني؛ ) له وضعية الأرض المحتلة. 1917 نوفمبر 2 وعد بلفور ومــمــا قــالــه نـتـنـيـاهـو، الــفــاقــد حـديـثـ عـــمـــوده الـفـقـري الأمــيــركــي الـــواهـــن الـرئـيـس جــو بـــايـــدن: «الـشـعـب الـيـهـودي لا يـحـتـل أرضـــــه، ولا عـاصـمـتـنـا الـــقـــدس، ولا أرض آبـائـنـا وأجـــــــدادنـــــــا فـــــي يـــــهـــــودا والـــــســـــامـــــرة (الاســـــــــم الـــــــذي يـطـلـقـه الإسرائيليون على الضفة الغربية المحتلة)، ليس لأي قرار كاذب في لاهاي أن يشوّه هذه الحقيقة التاريخية، ولا يمكن التشكيك فـي شرعية المستوطنات الإسرائيلية فـي جميع مناطق أراضينا». وفــي سـيـاق فـائـض الاسـتـقـواء والاسـتـعـظـام تحضرنا مــفــردات كـلـمـات، قالها عبد الحليم خـــدّام وزيـــر الخارجية السورية، المستقوي برعاية نظام الرئيس حافظ الأسد، في ،)1976( تصريحات أدلـــى بها وهــو فـي زيـــارة إلــى الكويت ومما قاله الـوزيـر خــدّام (الـراحـل) حـول محطة من محطات الأزمة اللبنانية، التي يدير شأنها زمنذاك النظام السوري، ثـم يتم تجييرها بطبعة جـديـدة وبـأسـلـوب مغاير النظام الإيراني بارتضاء ومساندة من جانب سوريا الحالية: «إن مـحــاولات تعريب الأزمـــة اللبنانية تعني كـثـرة الطبّاخي، وتعني تشتيت المساعي، وإنـنـا لـن نسمح بتقسيم لبنان، وأي مباشرة للتقسيم ستعني تدخّلنا الـفـوري؛ لأن لبنان كان جزءاً من سوريا، ولسوف نعيده لدى أي محاولة فعلية للتقسيم...». إلـــى ذلـــك فـــإن ظـــاهـــرة الاســـتـــقـــواء والاســتــعــظــام عشنا عـــقـــود، وبـــالـــذات فـــي زمـــن الـحـرب 4 بـعـض مـحـطـاتـهـا قـبـل العراقية – الإيـرانـيـة. وثمة أوجُــه تشابه بي قـول نتنياهو بــغــرض دحـــض وصـــف الـضـفـة الـغـربـيـة وقــطــاع غـــزة أرضــ فلسطينية محتلة، وأقــوال استوقفتنا بوصفنا صحافيي نتابع مجريات الـحـرب الخمينية – الصدّامية، تماماً كما استوقفت مـئـات المـسـؤولـن والـدبـلـومـاسـيـن والعسكريي الـــعـــرب، الــذيــن اسـتـهـجـنـوا قـولـهـا، ومـــن جـانـب أهـــل الحكم الإيراني. وللتذكير هنالك على سبيل المثال قول الخميني: «إن إيران ستطالب بفرضسياستها على بغداد إذا ما أصرّ الـعـراق على مطالبته بالجُزر العربية الـثـ ث»، و«الـدخـول للراضي العراقية ليس هجوماً على العراق، بل دفاعاً عن الإســــ م والــوطــن الإســـ مـــي»، و«إن حـربـنـا حـــرب لا تعرف الحدود والأطر الجغرافية، وعلينا أن نعبّئ ونحشد جنود الإسلام في العالم من أجْل هذه الحرب». كذلك قول رافسنجاني: «إننا عازمون على أخْذ العراق من يد حزب البعث»، و«إننا سنواصل هذه الحرب بجيشنا وجــنــودنــا حـتـى احـــتـــ ل الــــعــــراق»، و«لا فـــرق بـــن الـبـصـرة وعبادان، وإذا استطعنا أن نكون بلا عبادان فإننا لا يمكن أن نتخلّى عن البصرة»، و«إن كل منطقة نحتلها من أرض الــعــراق لــن نـعـيـدهـا، وإن مـــدن الــعــراق هــي مـدنـنـا»، و«إنـنـا نستطيع تهديد بغداد والضغط عليها في أي وقـت نشاء، ومـن دون خــوف، وأن نسلبها الأمــن، وأن نوجّه لها ضربة كبيرة». لــقــد بــــات أصـــحـــاب تــلــك الأقـــــــوال فـــي دنـــيـــا الآخـــــــرة، لم يتحقّق مبتغاهم من اعتماد نهج الاستقواء والاستعظام، ولن يكون بمقدور الطبعة الإسرائيلية نيْل ما ترومه، مهما أوغلت في الاستقواء وممارسة العدوان بكل أنواعه، وبالغت فـــي الاســتــعــظــام بــتــنــوع مــــفــــردات الـتـعـلـيـق عــلــى الـحـقـائـق بمفردات لا جدوى من فاعليتها، وإن طال الزمن؛ فالاحتلال كما العدوان... حالة ظلم قد يمارس جولاتها لبعض الوقت مـسـتـبـدّ ظـالـم مُـتـخَـم بـالمـعـونـة الـعـسـكـريـة والـسـيـاسـيـة من جانب دول ظالمة، تتصدّرها الولايات المتحدة وبريطانيا، ومَن يغرّد في سربهما الصهيوني. ، أي 1789 ) آب (أغــــســــطــــس 26 فــــي يوماً بالتمام على اقتحام سجن 42 بعد الباستيل، الــذي عُــدّ يــوم انتصار الثورة الفرنسيّة، أصـدرت الجمعيّة التأسيسيّة فــــي بــــاريــــس مــــا عُــــــرف بـــــ «إعـــــــ ن حــقــوق الإنـــســـان والمــــواطــــن». هـــذه الـوثـيـقـة باتت إحدى أهمّ الوثائق التحرّريّة في التاريخ الكونيّ بـأسـره، مُستوحيةً قيم التنوير، ومـــــكـــــرّرة مــــا فـــعـــلــه «إعــــــــ ن الاســـتـــقـــ ل» عــامــ عـلـيـهـا. صياغة 13 الأمـــيـــركـــيّ قـبـل الوثيقة تلك عادت إلى الجنرال والماركيز لافاييت، الأرستوقراطيّ المتطوّع للقتال مـــع الــــثــــوّار الأمـــيـــركـــيّـــن ضــــدّ بـريـطـانـيـا، والمتحمّس لإلـغـاء الـعـبـوديّـة، ولتأسيس دولـة أمّـة ديمقراطيّة على قاعدة القانون الـطـبـيـعـيّ. وفـــي مـهـمّـة الـصـيـاغـة، شــارك تــــومــــاس جـــيـــفـــرســـون أيــــضــــ ، وهـــــو أبــــرز واضعي «إعـ ن الاستقلال» وأحد «الآباء المؤسّسي» للولايات المتّحدة. وإذ اكـتـسـب الإعــــ ن نـصـف أهميّته مـــن نـــصّـــه، فـــإنّـــه اكــتــســب نــصــف أهـمـيّـتـه الآخر من عنوانه. ذاك أنّ الإنسان والمواطن كانا، حتّى ذاك الحي، ينتميان إلى أفقي مختلفي: فــ «الإنــســان» هـو مـــدار اهتمام الأديـــــان والـفـلـسـفـات والــعــلــوم والــنــزعــات الــطــوبــاويّــة عـلـى أنــواعــهــا، وإن كـــان لكلّ واحـــد منها شكله الــخــاصّ مــن الاهـتـمـام بـ «الإنسان». أمّا «المواطن» فمدار اهتمام الــســيــاســة والأحـــــــزاب والإدارة والـتـعـلـيـم والخطط الاقتصاديّة والتنمويّة... والاثـــــنـــــان، الإنــــســــان والمـــــواطـــــن، لئن وُجـــــــدا دائــــمــــ فــــي صــــــورة أوّلـــــيّـــــة، إلاّ أنّ ولادتهما، بوصفهما فاعلي تاريخيّي، تبقى حديثة نسبيّاً. وقد جاء هذا الدمج بينهما كما لو أنّه يحاول دمج بُعدين لن يكون الافتقار إلـى أيّ منهما غير افتقار عـمـيـق إلـــى شــــروط وجـــودنـــا نـفـسـه: بُـعـد أخـــ قـــيّ يــنــشــدّ إلــــى مـــثـــالات جــامــعــة بي الـبـشـر مـــن غـيـر اســتــثــنــاء، وبُـــعـــد واقــعــيّ يـــنـــشـــدّ إلــــــى حــــلــــول لــــــــدول ومـــجـــتــمــعــات بعينها، وبهما معاً يُنجَز الـقـران الكبير بي المجرّد والمحدّد. لـكـنّ لـحـظـات الــتــاريــخ نــــادراً جـــدّاً ما عــرفــت تـحـقّـق ذاك الـــوعـــد أو نـجـحـت في اسـتـبـعـاد الـتـوتّـر بــن بُـعـديـه المـذكـوريـن، بـحـيـث جـــاز الــقــول إنّ انــســجــام الـبُـعـديـن بات أقرب إلى معيار تقاس عليه السياسة وتُحاكَم بموجبه أخلاقيّاً. فــــمــــن جـــــهـــــة، أجّـــــــــج الــــتــــعــــويــــلُ عــلــى «الإنسان» وحده نزعاتٍ، زمنيّة أو دينيّة، اتّجه بعضها إلى فرض «إنسانه» بوصفه الإنسان الأوحـد، ومال بعضها الآخر إلى تهميش كلّ صلة بالواقع والاقتصار على التبشير بالمثالات العليا المفترضة. وفي النهاية نشأت أوضاع موصوفة بالأمميّة أو بالمسكونيّة، أوضـاعٌ يصعب الــقــول، على رغــم أوصـافـهـا، إنّـهـا عاملت الإنسان على النحو الذي يليق به. ومن جهة أخرى، أطلق التركيز على «المواطن» وحده اتّجاهاتٍ أنانيّة وقوميّة مـــتـــطـــرّفـــة بــلــغــت ذروتـــــهـــــا مــــع الـــحـــركـــات الـفـاشـيّـة الـكـارهـة لـكـلّ آخـــر. وهـنـا أيضاً، تـــعـــرّض المــــواطــــن، الــــذي يُــفــتــرض أنّ تلك الحركات جاءت لتكريمه وتعزيز موقعه، لامتهان غير مسبوق في تاريخه. وبـن النموذجي استطاع النموذج الـــديـــمـــقـــراطـــيّ أن يــقــيــم درجــــــة أعـــلـــى مـن انسجام الـبُـعـديـن، وإن ظــلّ الـشـوط الـذي قــطــعــه مــــع المــــواطــــن أبـــعـــد مــــن ذاك الــــذي قـــطـــعـــه مــــع الإنــــــســــــان. وهـــــــذا مــــن طــبــائــع الــدول والوطنيّات مهما بلغ بها التمدّن وطــغــت عـلـيـهـا المـــثـــالات والــقــيــم، وهـــو ما يُرجّح أن يبقى ما بقيت على الأرض دول ووطـــنـــيّـــات. لــكــنّ المـــرجّـــح أيــضــ أن يـؤثّـر نـجـاح الآخـــريـــن فــي بـنـاء تــجــارب تحترم المــواطــن والإنـــســـان، سلباً أو إيـجـابـ ، في تعاطي الديمقراطيّات مع الآخرين أولئك، تماماً كما أنّ اتّسام السلوك الديمقراطيّ بانسجام أكبر بي البُعدين قد يترك أثراً أفضل على الآخرين. أمّـا عندنا، أقلّه في المشرق العربيّ، فقد وقعنا على نموذج شوربائيّ تُلصق بموجبه نُـتـف مـن هــذا بنُتف مـن ذاك. فـ «المـــــواطـــــن» يــبــقــى نـــصـــف مــــواطــــن، لأنّــــه فــي الــوقــت نفسه ينتمي إلـــى وطـــن أكبر مـــفـــتـــرض، عـــربـــيّ تــــــارةً إســــ مــــيّ طــــوراً. و«الإنـــســـان» هــو الآخـــر تبقى إنسانيّته مــــغــــلــــولــــة، إمّـــــــــا بـــفـــعـــل ضــــعــــف نـــزعـــتـــنـــا الكونيّة الـتـي عـوّدتـنـا على رؤيـــة العالم مـن ثقب «قـضـايـانـا»، أو بسبب نـوع من المــطــابــقــة الــحــصــريّــة الــتــي نُــجــريــهــا بي المــــدى الإنــســانــيّ والمــــدى الــديــنــيّ. وفــوق هــذا، ظلّت الــــولاءات العصبيّة للجماعة الـــصـــغـــرى، الــطــائــفــيّــة أو الإثـــنـــيّـــة، تثقل على صدر المفهومي إذ تلوّنهما بلونها الطاغي. وبالباقي تكفّلت أنظمة ذبحت مــا كـــان يـمـكـن أن يــتــوافــر فـيـنـا، رغـــم كـلّ شيء، من مواطن ومن إنسان. والحروب، عـــــــــــادةً، مـــــن أكــــثــــر مـــــا يـــطـــحـــن الإنــــســــان والمـــواطـــن مـعـ بـضـربـة واحـــــدة. والــيــوم، مـــع الـــحـــرب الإبــــاديّــــة عــلــى غــــــزّة، نلمس يـومـيّـ كيف يضحي هــذا المـبـدأ لـــزوم ما لا يــلــزم. وقـــد كـــان مــن مـفـارقـات الـتـاريـخ أنّ الثورة الفرنسيّة، التي أسّست مفهوم دمـــج الــبُــعــديــن، مـــا لـبـثـت أن همّشتهما وأخـــضـــعـــتـــهـــمـــا بــــعــــد إعــــ نــــهــــا الــــحــــرب على النمسا وبـروسـيـا. هـكـذا سيق إلى المقصلة قـــادة الـحـزب الـجـيـرونـديّ الـذي أطــلــق الـــحـــرب، فـيـمـا مُـــهّـــدت الـسـبـل إلـى «عهد الإرهاب». وتـــبـــقـــى الـــقـــاعـــدة والمـــعـــيـــار الـسـلـيـم قـائـمـن، يـحـضّـان عـلـى تــــوازن الـبُـعـديـن، حيث أنّ مـن لا يـتـصـرّف كـمـواطـن صالح لا يغدو، كإنسان، حالة سياسيّة فاعلة. والعكس، في أغلب الظنّ، صحيح. OPINION الرأي 12 Issue 16675 - العدد Wednesday - 2024/7/24 الأربعاء فائضالاستقواء والاستعظام خيول ترمب قادمة لا محالة ... عن «المواطن» و«الإنسان» ومطحنة الحرب وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة فؤاد مطر جمعة بوكليب

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky