issue16672

الثقافة CULTURE 17 Issue 16672 - العدد Sunday - 2024/7/21 األحد كتاب جديد له صدرت حديثا ترجمته للعربية ألبرتو مانغويل: الترجمات األولى للقرآن كان هدفها دحضه كتاب غير تقليدي عن «فن الترجمة» لكاتب فذّ، عشق متابِعوه مؤلّفاته الشيقة حول القراءة، فقد تحوّل ألبرتو مانغويل، الكندي األرجنتيني، إلى ما يشبه اإلدمان بالنسبة للبعض، وكـتـابـه الـجـديـد، الـذي صدرت ترجمته العربية عن «دار الساقي» فـــي بــــيــــروت، ال بـــد سـيـلـقـى اهــتــمــامــا كما مؤلّفاته السابقة، سيّما وأن املترجِم مالك سلمان، بذل جهدًا للخروج بنص يـوازي، قـدر املمكن، األصـــل، ال سيما وأنــه امتُحن فــي نـقـل تعابير صـعـبـة، وأســمــاء أجنبية كـثـيـرة، بينها التينية ويـونـانـيـة، تحتاج عودة إلى املصادر. قـد يخطر لـك أنــك ستقرأ تنظيرًا في أهــمــيــة الــتــرجــمــة، ودورهـــــــا، وسـقـطـاتـهـا، والخدمات الحضارية التي قدمتها لتوثيق الـعُــرى الفكرية واإلنسانية بـن الشعوب، لكنك سرعان ما تكتشف نصوصا قصيرة ال يــتــجــاوز كـــل مـنـهـا الــصــفــحــات الــثــاث، ولـــكـــل نــــص عــــنــــوان مــــن كــلــمــة واحــــــــدة، ال يبدو ظاهريا أنها تَــمُــت للترجمة بصِلة، مـثـل، «قـــدّيـــس»، «هــــدوء»، «نــقــي»، «اســـم»، «بــــذرة»، «مــــوت»، «ظــــلّ»، أي أنـهـا عناوين تــزيــد إحـــســـاس الـــقـــارئ بـالـغـمـوض مـــا لم يـقـرأ ويتمعّن. أمــا املضمون فيُعيدك إلى املـــوضـــوع األثــيــر عـنـد مـانـغـويـل، أال وهـو القراءة، ال، بل إن الترجمة بالنسبة له نوع آخـــر مـــن أنـــــواع الـــقـــراءة لـيـس أكـــثـــر، وهـي أسمى أنواعها، وعلى هذا يبني الكتاب. مانغويل تحدّث صغيرا ثالث لغات فــــي الـــتـــقـــديـــم يـــشـــيـــر مـــانـــغـــويـــل إلـــى دوافــــعــــه الـــخـــاصـــة لـــاهـــتـــمـــام بــمــوضــوع الـــتـــرجـــمـــة، بـــاعـــتـــبـــاره نــشــأ مــتــحــدثــا عــدة لـغـات فــي وقـــت واحــــد، فـقـد تـكـلّــم األملـانـيـة واإلنــجــلــيــزيــة مـــع مُــربّــيــتــه الـتـشـيـكـيـة، ثم تـعـلّــم اإلســبــانــيــة فـــي ســـن الــثــامــنــة، وكـــان يـسـتـخـدم هــــذه الــلــغــات الـــثـــاث، ويـتـنـقّــل بينها بـعـفـويـة، دون شــعــور بـالـحـواجـز، وعـنـدمـا كـبـر قـلـيـا بـــدأ يـتـرجـم بتلقائية بعض النصوص التي يحبها؛ ليتشاركها مــــع أصـــحـــابـــه، وكــــأنــــه يـــقـــول لـــكـــل مـنـهـم: «وأنـت أيضا يجب أن تقرأ هــذا!»، من هنا فهم أن القارئ تقتصر معرفته على النص املـــتـــرجَـــم، بـيـنـمـا الــنــص األصـــلـــي يختفي تماما بالنسبة لـه، ببساطة ألنـه ال يجيد التعامل معه. أمــــا كــاتــب الــنــص األصـــلـــي، فــهــو ذاك الــشــخــص الــــذي يـبـقـى يـــحـــاول أن يـطـابـق بـن مـا يــدور فـي ذهنه ومــا يسطره، وهو يعلم أن محاوالته تبقى مشُوبة بالنقص، وأنـهـا لـن تصل إلـى مرحلة االكتمال أبـدًا، وبنتيجة استحالة تحقُّق هـــذا، فــإن الفن يـسـتـدعـي مُــشــاهــدًا أو مستمعا أو قـارئـا، «الفن يتخلّق؛ ألن اللغة محكومة بالفشل»، وقــد يـكـون الـفـن نـوعـا مــن الــكــذب، بحسب أفــــــاطــــــون؛ ألنــــــه يـــشـــبـــه انـــعـــكـــاس صــــورة الواقع على جدار، وفي هذه الحالة تصبح الترجمة هي ظل الظل، أو ظل لظل ظل. كل ترجمة هي حياة جديدة للنص يلفت الـكـاتـب إلــى أن كلمة «ترجمة» (تـرانـسـلـشـو) فــي الـاتـيـنـيـة فــي العصور الــوســطــى كــانــت تـعـنـي نـقـل رُفـــــات قـدّيـس مــن مــكــان إلـــى آخــــر، «وعــلــى غــــرار حاملي الــرُّفــات املــقــدّس، يـجـرّد املـتـرجـمـون النص من مظهره الخارجي، ويُعِيدون زراعته في تربة لغتهم األصلية»، من هنا فإن الترجمة «معجزة تنطوي على فِعل قياميّ»، وهي بمثابة رثـــاء للنص األصــلــي، واستنبات لنص جديد من السُّبات واملوت. هذا طقس على كل مترجِم أن يؤديه: «اسمح لـ(املوت) أن يظهر في النص، ولألحرف أن تتجمر، وآلخِـــر نــفَــس أن يــخــرج، ومــن ثــم وبـعـد أن يشهد وحــده على حضور املـــوت، يحصل املترجِم على اإلذن ليقلب الصفحة األخيرة، ويبدأ الترجمة من الصفحة األولى». وكل قـراءة هي يقظة جديدة للنص، وتـصـبـح جـمـيـع هـــذه الـيـقـظـات املتعاقبة جزءًا من النص نفسه، «نحن ال نقرأ النص األصـــلـــي أبـــــدًا، بـــل نـــقـــرأ الـــتـــاريـــخ املــتــراكِــم لقراءاته املتكررة». كائنات أريستوفان يــــســــتــــعــــن مـــــانـــــغـــــويـــــل بــــاألســــاطــــيــــر حينا، وبالفلسفة حينا آخـر، وبالقصص واالســتــشــهــادات األدبـــيـــة لـيـوضـح فـكـرتـه، وفي رأيـه أن كل نص في البداية هو كائن مــفــرد مـلــتـف عــلــى نــفـســه، ثـــم يــبــدأ الـنـص بـالـتـخـلُّــق والــتــشــكُّــل، ويُــقــسَــم إلـــى اثـنـن؛ النص األصـلـي مـن جـانـب، ومــن ثـم النص املقروء واملؤوّل واملترجَم من جهة أخرى. وعــــلــــى غــــــــرار كــــائــــنــــات أريـــســـتـــوفـــان املـــــشـــــطـــــورة، فـــــــإن الــــنــــصــــوص املــنــفــصــلــة تــــتُــــوق إلـــــى االتــــحــــاد مـــــرة أخـــــــرى، وملـــــن ال يعرف ما ورد عند أفلطون حـول كائنات أريـــســـتـــوفـــان، فـــــإن الـــبـــشـــر األوائــــــــل كـــانـــوا مـــخـــلـــوقـــات مـــخـــنّـــثـــة، لـــهـــا جـــســـد كــــــروي، وأربـــــع أرجـــــل، كـمـا أربــــع أذرع، ووجـــهـــان، ومـــجـــمـــوعـــتـــان مــــن األعـــــضـــــاء الــجــنــســيــة؛ أنــثــويــة وذكــــوريــــة. هــــذه املــخــلــوقــات الـتـي كانت متعجرفة وقوية، هــدّدَت بالصعود إلـــى الــســمــاء، فـلـجـأ زيــــوس إلـــى شـطـر كل منها إلى نصفَي، ومنذ ذلك الوقت يتُوق كل نصف مللقاة نصفه اآلخـر، وهكذا هي عـاقـة الـنـص األســاســي بالنصوص التي تـتـولّــد عنه فـي ذهــن الــقــارئ، أو عبر عمل املترجم. الترجمة نوع من التأويل لـــيـــســـت كــــــل الـــــتـــــرجـــــمـــــات بــــالــــجــــودة نفسها، كتب فولتير: «اللعنة على صانعي الــــتــــرجــــمــــات الــــحــــرفــــيــــة، الـــــذيـــــن يـــقـــومـــون بتحويل كل كلمة وتجريدها من معناها! فهنا يمكننا القول بدقة: إن الحرفية تقتل، والروح تخلُق الحياة». لـــكـــن قــــد تــــبُــــوء كــــل االجــــتــــهــــادات فـي الـتـرجـمـة بـالـفـشـل كـمـا يـشـرح لـنـا دانـتـي؛ ألن التناغم املنبثق مـن الـوحـي األدبـــي ال يـقـبـل الـتـرجـمـة دون الـتـضـحـيـة بعذوبته وتناسقه. قـال في كتابه «اللقاء» إن «هذا هو سبب افتقار األشعار في سِفر املزامير إلى عذوبة املوسيقى، والتناغم، فقد تمت الترجمة من العبرية إلـى اليونانية، ومن اليونانية إلى اللتينية، وبدءًا من الترجمة األولـــى أخـــذت تلك الـعـذوبـة فـي االنحسار حتى التلشي». فــــكــــل تــــرجــــمــــة هــــــي والدة جـــــديـــــدة، و«يُـــــحـــــدِث املـــتـــرجـــم فــــي الـــنـــص نـــوعـــا مـن الــتــقــمّــص الــــروحــــي، فــمــن خــــال الـتـرجـمـة يعود النص إلــى الحياة فـي جسد آخــر... الترجمة شكل مـن أشـكـال الــتــأويــل»، وكل نـــص يـمـكـن اسـتـنـطـاقـه تـبـعـا ملـــا يتخيّله القارئ، أو يريده املترجِم. مــــن هـــنـــا يــــأتــــي تـــعـــريـــف بـــورخـــيـــس، الــــــذي يـــــرى أن أي تـــرجـــمـــة هــــي «مـــســـودة أخرى للنص األصلي مكتوبة بلغة أخرى، والترجمة بهذه الحالة هي ببساطة حلقة أخـــرى فــي السلسلة اإلبــداعــيــة، ال تـقِــل أو تـفُــوق فـي جـودتـهـا أي مـسـودة أخـــرى، بل تختلف عنها». وتأتي ترجمة الكتاب الواحد، نسخة بـعـد أخــــرى، دون أن تـتـمـكّــن أي مـنـهـا من أن تـدّعـي أنـهـا األخــيــرة، أو أنـهـا األفـضـل، فقد اعتُبرت «أوديـسـة» بوب مثلً، تجربة شائنة، أمــا الـيـوم فهي تصنّف على أنها نص كلسيكي. ويـــعـــرّج الــكــتــاب عـلـى تـنـزيـل الـــقـــرآن، فهو كلم الله؛ لذا «هو غاية في النقاء، وال يمكن إعـــادة إنـتـاجـه بلغة أخـــرى أو شكل آخر؛ ألنه نزل بالعربية»، والترجمة تكون للمعنى في هذه الحالة. تُرجم القرآن في البدء ليُدحَض ومـــن طـريــف مــا يــذكــره أن الـتـرجـمـات األولـى التي وُضِعت للقرآن، جـاءت بهدف إنكاره، ال إيصاله إلى أمم أخرى، ففي القرن التاسع قام نيسيتاس بيزانتوس، الدارس املقيم فـي القسطنطينية، بـإنـجـاز ترجمة يـونـانـيـة، تحمل عــنــوان «دحـــض الــقــرآن»، وبـعـد ثـاثـة قـــرون قـــام روبــــرت ألكيتوني، بــطــلــب مــــن رئـــيـــس ديـــــر كـــلـــونـــي، بــإنــجــاز تـرجـمـة التـيـنـيـة أســمــاهــا «شــريــعــة النبي املزيّف محمد»، تعمّد فيها تشويه ترجمة بعض اآليات؛ لكي يسهل عليه دحضها. إشـــــــــــارات عـــــديـــــدة فـــــي الــــكــــتــــاب إلـــى نــصــوص عــربــيــة، مـنـهـا «رســـالـــة حـــي بن يـــقـــظـــان» البــــن طــفــيــل، الـــــذي كــــان طبيبا وفـــقـــيـــهـــا وفـــيـــلـــســـوفـــا، وشــــكّــــل كـــتـــابـــه مـا يــعــتــبــره مـــانـــغـــويـــل «الـــســـلـــف الـــســـحـــري» لـــروايـــة روبــنــســون كـــــروزو، وقــــرأه كــل من سبينوزا واليبنتز، وليسينغ، وغراسيان، وآخــــريــــن، وجــــــدوا فــيــه دفـــاعـــا عـــن الـعـقـل الـطـبـيـعـي، وإقـــــــرارًا بـأهـمـيـة اإليـــمـــان في الوقت نفسه. بــدا الـعـالـم بالنسبة لحي بـن يقظان وكـأنـه نـــصّ، عليه أن يفهمه ويـفـسّــره من خـال العقل والشعور، وهـي استراتيجية ستمكّنه مـن االسـتـنـارة، بــدون حاجة إلى الفلسفة. يــشــرح مــانــغــويــل: «بــــدا الــعــالــم لحي كتابا مترجَما قابل للفهم واإلدراك، هكذا أصـبـحـت الــجــزيــرة الــتــي وُجــــد عليها هي مكتبته، ومكانا للتعلّم من خـال فضوله الطبيعي وذكــائــه»، وحـن يلتقي بإنسان آخر هو «أبسال» الذي يعيش على جزيرة أخــــــرى، اعـــتـــزل فــيــهــا ســعــيــا إلــــى الـتـنـسـك الروحي، وجدنا «أن االستنارة التي وصل إليها حي هي أقـرب إلى تلك التي وجدها أبــســال مــن خـــال مكتبته، فمكتبة أبـسـال املكوّنة من الكتب، ومكتبة حي الطبيعية، كلتاهما مكرّستان للتعليم». يقسم غوته الترجمة إلى ثلثة أنواع؛ أوالً: الترجمة التي تُعرّف القارئ بالثقافة األجنبية، من خلل نقل حرفي، مثل إنجيل لـــوثـــر. ثــانــيــا: الــتــرجــمــة الـــتـــي تـسـعـى إلــى إيــجــاد مــعــادل فــي الــنــص املــتــرجَــم للنص األصـــــلـــــي، وتـــــحـــــاول إيــــجــــاد مـصـطـلـحـات ومـفـاهـيـم تــــوازي املـفـاهـيـم واملصطلحات األصـلـيـة، وثـالـثـا: الترجمة الـتـي ال تلتزم بـشـكـل دقــيــق بـالـنـص األول، وتـسـعـى ألن تـــكـــون بــذاتـــهــا عـــمـــا فـنـيـا يـتـمـتـع بـمـزايـا جمالية وأدبية، كالتي يتمتع بها األصل. املترجِم مغبون لـــكـــن تـــبـــقـــى مـــشـــكـــلـــة الـــتـــرجـــمـــة أنـــنـــا نحن الـقـرّاء في عجز عن قراءتها بطريقة مـحـايـدة وبـريـئـة، فحاملا نـعـرف أن النص مــتــرجَــم، نـبـدأ فــي الـتـعـامـل مـعـه بمعايير جديدة، ونادرًا ما نُضفي على املترجِم تلك الخصائص التي نعزوها للمؤلف. ويعيش املترجمون غُبنا كبيرًا، فهم يعملون في منطقة مجهولة أو خفية، فل تُذكَر أسماؤهم، وال يُعترَف لهم بفضل. ويُــنـقـل عــن شكسبير أنـــه بينما كـان يترجم مـع صديقه بـن جونسون «إنجيل املـــلـــك جـــيـــمـــز»، ســـألـــه بــــن جـــونـــســـون بـعـد ترجمة عدة أسطر من «سفر إسحاق»: «من سيعرف أننا شاركنا في العمل؟»، يجيبه شكسبير: «الله ربما». ألبرتو مانغويل بيروت: سوسن األبطح الترجمة بالنسبة لمانغويل نوع آخر من أنواع القراءة ليس أكثر هموم المرأة العربية في «حكاية صفية» ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها روايـــــــــة «حــــكــــايــــة صـــفـــيـــة» لـــلـــروائـــيـــة ،2023 الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام روايـــــــة جـــريـــئـــة بــشــكــل اســـتـــثـــنـــائـــي، فــهــي، مــن خـــال بـطـلـة الـــروايـــة «صــفــيــة»، تنحاز بـشـكـل صـــريـــح إلــــى هـــمـــوم املــــــرأة الـعـربـيـة وأشـــواقـــهـــا وحــريــتــهــا، وتــصــلــح أن تـكـون أنــمــوذجــا لــلــروايــة الـنـسـويـة الــواعــيــة التي ترفض هيمنة النزعة الذكورية على الحياة بشكل عـــام، وعـلـى حـق املـــرأة فـي االختيار وممارسة االستقلل بشكل خاص. بطلة الـروايـة صفية، ربما مثل (إيما بـــــوفـــــاري) بــطــلــة روايـــــــة «مـــــــدام بــــوفــــاري» لـلـروائـي الـفـرنـسـي فـلـوبـيـر، تـتـمـرد بوعي وإصـــــــرار عــلــى كـــل الـــتـــابـــوهـــات واألعــــــراف االجـتـمـاعـيـة واألســـريـــة، تـتـحـول تدريجيا ،Personality Novel إلـــى روايــــة شخصية تتحكم البطلة فيها بالحدث، بل تصنعه، وليس العكس. لـكـن سـلـوك البطلة املـتـمـرد واملـتـحـرر ال يمر بسلم؛ إذ تصطدم بقواني العرف االجــــتــــمــــاعــــي الــــتــــي تــمــثــلــهــا ســـلـــطـــة األب الـقـاسـيـة املــتــشــددة. فعندما يكتشف األب عيسى أن ابنته صفية تخرج خارج البيت، وتلعب مع األوالد يغضب ويعاقبها، لكنه عــنــدمــا يـكـتـشـف عــاقــتــهــا بـــابـــن الــجــيــران حــســن يــعــرضــهــا إلــــى صـــنـــوف الــتــعـذيـب، ويـخـضـعـهـا إلــــى مـخـتـلـف أشـــكـــال الـعـقـاب والـعـنـف الـجـسـدي والـنـفـسـي، بــل يتمادى فـــي قــســوتــه إلــــى تــدبــيــر املـــكـــائـــد الــعــديــدة لــقــتــلــهــا والـــتـــخـــلـــص مـــنـــهـــا. لــكــنــهــا كــانــت دائـــمـــا تـنـجـو مـنـهـا بــأعــجــوبــة، حــتــى قــال عنها أبـوهـا مــرة إنها «بسبعة أرواح مثل القطط»، ولذا يقرر أن يودعها السجن طيلة حياتها عـقـابـا لـهـا عـلـى تـمـاديـهـا. وهـكـذا تمضي صفية ثلثي عاما من عمرها داخل السجن الذي تتعرف فيه إلى عدد كبير من السجينات الــائــي يــرويـن لها حكاياتهن الخاصة املـؤملـة. وال تـخـرج مـن السجن إال بـعـد وفــــاة أبـيـهـا. وتـسـلـم أخــوهــا األصـغـر (هــال) الوصاية عليها، حيث يقدم طلبا، بـوصـفـه وصــيــا عليها بـعـد وفــــاة أبــيــه من أجـل إطــاق سراحها. لكنها تـكـون، آنــذاك، مثقلة بــاألحــزان واملــكــابــدات، وقــد تسربت إليها الشيخوخة، وذَوَى جمالها، وترهل جسدها. والرواية ال تنتهي عند هذا الحد، فهناك جـزء ثــانٍ، يشكل لعبة سردية ذكية تقتحم فيها املؤلفة ليلى العثمان باسمها الصريح عـالـم البطلة، وتـعـرض عليها أن تكتب سـيـرتـهـا وحـكـايـتـهـا، الـتـي تتحدث فيها عـن السنوات الثلثي التي أمضتها داخل السجن. تتردد صفية في البداية؛ ألنها سبق وأن وعــــدت أخـــاهـــا (هـــــال) بــــأن تـحـكـي له حكايتها تلك داخل السجن، لكنها تقنعها بـــأنـــهـــا ســـتـــتـــيـــح الــــفــــرصــــة ألخـــيـــهـــا هـــال بــــاالطــــاع عــلــى كـــافـــة الــتــفــاصــيــل، بــعــد أن أخبرتها أنها في الحقيقة هي التي كتبت حـكـايـتـهـا حــتــى لـحـظـة دخــولــهــا الـسـجـن، وتـــرغـــب اآلن فـــي اسـتـكـمـال ســـرد الـحـكـايـة بناء على رغبات قرائها الذين اطلعوا على الـــجـــزء األول مـــن سـيـرتـهـا، وهـــو مـــا يـؤكـد الطبيعة امليتا سردية للرواية: «مــــــــا يــــصــــيــــر يــــــا صــــفــــيــــة كــــــل قــــرائــــي لحكايتك األولى التي طلبت مني أن أكتبها يـــلـــحّـــون ويــطــالــبــونــنــي بــــأن أكـــتـــب جــزأهــا )166 الثاني عن حياتك في السجن». (ص وتكشف البطلة بشجاعة عن موقفها وحـقـهـا فـــي مــمــارســة حـريـتـهـا، وتـخـبـرهـا بأنها لم تخجل من أخيها، وقالت له إنها ) وهـكـذا 167 أعــطــت جـسـدهـا حـــقـــه». (ص تبدأ صفية بسرد حكايتها داخــل السجن إلى املؤلفة. وهنا تلعب البطلة دور الراوية «شهرزاد» في سفر «ألف ليلة وليلة» التي تروي سلسلة حكايات عن طريق التنضيد، تماما مثل «ألـف ليلة وليلة» التي تتحول إلـــى نـــص غـــائـــب، كـمـا تـلـعـب املــؤلــفــة ليلى العثمان دور املروي له «شهريار»، ويتحول الـسـجـن فـــي هـــذا الـــجـــزء إلـــى بـنـيـة إطــاريــة تنبثق منها، ومن Frame Structure مولدة عـــواملـــهـــا أســـــــرار الـــســـجـــيـــنـــات وتــجــاربــهــن املـــدهـــشـــة. فــالــســجــن هــــو الــبــنــيــة املــكــانــيــة التي اختزنت كل هـذه العذابات واألشــواق واألحلم واالنكسارات. واقــــتــــحــــام املــــؤلــــفــــة لـــيـــلـــى الـــعـــثـــمـــان، باسمها الصريح، عالم الرواية في جزئها الــــثــــانــــي، يـــثـــيـــر قـــضـــيـــة املــــؤلــــف الــضــمــنــي أو الـذات الثانية للمؤلف. Implied Author فمن املعروف أننا ال نعد املؤلف الحقيقي، الـــــــذي هــــو مــــن لـــحـــم ودم، مـــؤلـــفـــا لــلــســرد الـروائـي، بل تنوب عنه ذاتـه الثانية، التي هي ذات ورقية افتراضية. وهذا ما وجدناه في الجزء األول من الرواية. فاملؤلفة غائبة ال تـــتـــدخـــل فــــي ســـــرد األحــــــــــداث، بــــل تــتــرك ذلــك لـذاتـهـا الثانية أو للمؤلف الضمني، حـيـث وجــدنــا تـنـاوبـا فــي الــســرد بــن هـال األخ األصــغــر، وصـفـيـة، فـضـا عـن أصــوات سـرديـة أخـــرى جعلت الــروايــة ذات طبيعة بوليفونية متعددة األصوات. ولـــــــــــذا، فــــــــإن ظـــــهـــــور صــــــــوت املــــؤلــــفــــة الـحـقـيـقـيـة (لــيــلـى الــعــثــمــان) يــنـطـوي على لعبة سردية جريئة، مغايرة لنمط السرد فــي الــجــزء األول. ومـــع ذلـــك يمكن حــل هـذا اإلشــــكــــال عـــن طـــريـــق االفــــتــــراض بــــأن اســم املــؤلــفــة الـحـقـيـقـي لـيـلـى الـعـثـمـان هـــو اسـم افـــتـــراضـــي أيـــضـــا، بــوصــفــه الـــــذات الـثـانـيـة للمؤلفة. والـــــــــــروايـــــــــــة بـــــعـــــد ذلـــــــــك هـــــــي مـــتـــحـــف لـلـمـوروثـات الشعبية واألنثربولوجية في املجتمع العربي عموما، واملجتمع الخليجي بشكل أخـــص، حـيـث نـجـد فيها الـكـثـيـر من أجــواء الطفولة والحياة األسرية الداخلية، واملفردات واإلشارات التي تكشف عن الحياة االجتماعية الشعبية في املجتمع، فضل عن تصوير الـروائـيـة الــجــريء لحياة السجون والتجاوزات التي تحدث فيها بما يتعارض ومبادئ حقوق اإلنسان. ونــجــحــت املـــؤلـــفـــة إلـــــى حــــد كــبــيــر فـي تصوير عوالم الطفولة واملراهقة والنضج، وتـــحـــديـــدًا مــــن خـــــال مــــا تــســمــى بـطـقـوس ، حيث االنتقال من Rites of Passage العبور عـالـم الطفولة بطقوسه إلــى عـالـم املراهقة والنضج، من خلل ملحقة نمو شخصية البطلة (صفية) التي كانت منذ طفولتها تميل إلــى اللعب مـع الصبيان، وانتقالها إلـــــــى مــــرحــــلــــة الـــــوعـــــي بــــحــــاجــــات الـــجـــســـد ونداءاته السرية. يـــــســـــرد لــــنــــا (هــــــــــــال)، األخ األصــــغــــر لصفية، كيف أن أباها القاسي عاقب أخته، عـــنـــدمـــا اكـــتـــشـــف أنـــهـــا خـــرجـــت مــــن الـبـيـت لتلعب مع الصبيان: «يــومــهــا كـــان عــمــري خـمـس ســنــوات، مقرفصا بجانب أمـي الجالسة أمـام النار، حـن انـدفـعـت صفية مـن الدهليز الهـثـة... وأبي يركض على إثرها مسعورًا بصراخه )9 وزبد فمه املتطاير». (ص وربـــــمـــــا كــــانــــت قــــســــوة األب املـــفـــرطـــة هــذه أحــد أسـبـاب تـمـرد صفية وعنفوانها وإصــــرارهــــا عـلـى مـواقـفـهـا الــجــريــئــة. ومـن هـــنـــا تــشــكــلــت شــخــصــيــة (صــــفــــيــــة)، قـــويـــة ومتحدية ومتماسكةً، أهّلتها ألن تواجه كل الصعوبات والعقوبات ومنها سنوات السجن الثلثي. تـعـتـمـد الـبـنـيـة الـــســـرديـــة فـــي الـــروايـــة أســـاســـا عــلــى ســــرد مــتــنــاوب مـــن قــبــل األخ األصغر (هلل) وأخته (صفية) في مرويات ومــونــولــوغــات مــتــعــددة، فـضـا عــن ظهور أصـــــــوات فــــرديــــة مــتــفــرقــة وتـــوظـــيـــف ســـرد «الراوي العليم» في بعض الفقرات: فاضل ثامر النص الكامل على الموقع اإللكتروني

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==