issue16669

كلما قـــرأت شيئًا عـن رغـبـة الرئيس التركي رجــب طيب إردوغان في لقاء الرئيس السوري بشار األسد، تذكرت أحمد داود أوغــلــو، وزيـــر خـارجـيـة تركيا رئـيـس وزرائــهــا األسـبـق، الذي كان نجمًا سياسيًا في سمائها لسنوات. كـان أوغلو قريبًا من إردوغـــان، وكانا رفيقني في العمل الـــســـيـــاســـي، وكــــــان يـــوصـــف بـــأنـــه «فـــيـــلـــســـوف حـــــزب الـــعـــدالـــة والتنمية»، الذي ال يزال إردوغان يحكم تحت مظلته إلى اليوم. ولـــكـــن جــــاء وقــــت افـــتـــرق فــيــه الــرفــيــقــان بــعــد أن بــاعــدت بينهما السياسة، واتجه أوغلو إلـى التأسيس لحزب جديد يرأسه هو، وقد أسسه بالفعل وخرج الحزب إلى النور، وصار جاهزًا للمنافسة في االستحقاقات االنتخابية املختلفة. ولكن صاحب «تصفير املشكالت» لم يأخذ معه نظريته عـنـدمـا ذهـــب، وإنــمــا بقيت مــن بـعـده نهجًا للرئيس التركي الذي أصبح يستوحيها كلما وجد نفسه مدعوًّا إلى النظر في عالقات بالده السياسية مع دول الجوار وغير دول الجوار. وتـكـفـي نــظــرة عــابــرة عـلـى مــا كـــان بــ أنــقــرة وعــــدد من عواصم املنطقة من حولها قبل سنوات، وما صارت إليه الحال بينها وبـ العواصم نفسها في هـذه املرحلة؛ فمن قبل كان الخصام والتوتر العنوان لعالقات الطرفني، ومن بعد انقلب الخصام إلــى تـعـاون، والـتـوتـر إلــى عـ قـات طبيعية، وطـوت تركيا الصفحة القديمة تمامًا، وبــدأت صفحة تبدو مغايرة كليًا ملـا كانت سياساتها الخارجية تمضي عليه فـي سنني مضت. ومن بني دول الجوار املباشر وغير املباشر بقيت سوريا وحــدهــا بـعـيـدة عــن مـتـنـاول يــد «نـظـريـة أوغـــلـــو»، ومـــع مــرور الوقت بدا إردوغــان راغبًا في ضم دمشق إلى بقية العواصم التي تولى هـو «تصفير مشكالت» بــ ده معها، عاصمة من بـعـد عـاصـمـة. ولـكـن الـعـاصـمـة الــســوريــة تـبـدو مــن ناحيتها متحفظة في أي رد يخرج عنها، وتظهر كأنها تتدلل أو تتمنع عن االستجابة إلشارات إردوغان. فأنقرة ال تتوقف عن إرسال عبارات من الغزل السياسي الواضح إلى دمشق، ولكن األخيرة تتباطأ في االستجابة وتحسب خطواتها، وعندما وجدت أن عليها أن تتجاوب، قالت إن أي تطبيع سياسي للعالقات مع األتراك تَلزمه عودة األوضاع على الحدود التركية - السورية .2011 إلى ما قبل وإذا كـان الرئيس التركي يبدو في عجلة من أمـر لقائه الرئيس السوري، فاألخير ال يرى داعيًا إلى التسرع؛ ألن من شأن ذلك أن يجعل البلدين يقفزان فوق ما ال يجب القفز فوقه في عالقاتهما، فتصبح العالقات العائدة واقفة بالتالي فوق أرض غير مستقرة. وفي طريق عودته من قمة «حلف شمال األطلسي» التي يوليو (تموز) الحالي، كان إردوغان 9 عُقدت في واشنطن يوم قد أبدى استعداده للقاء األسد في تركيا أو في أي مكان، وكان قـد قـال للصحافيني املرافقني لـه على طائرته إنـه كلف وزيـر خارجيته، هاكان فيدان، العمل على إتمام اللقاء، وإنه يرغب أن ينعقد في أسرع وقت ممكن. وألنـــه يـعـرف أن الــواليــات املـتـحـدة وإيــــران ال يسعدهما الـتـقـارب الـتـركـي - الـــســـوري، فـإنـه راح يسترضيهما ويـقـول إنهما يجب أال ينزعجا مما يسعى إليه، وإن إنهاء املعاناة السورية ال بد من أن يكون مما ينال تأييدهما ومباركتهما. وكـان من املفترض أن يستضيف الرئيس الروسي فالديمير بوتني قمة تركية - سورية، ولكنه، لسبب غير مفهوم، أبعد نفسه عـن املــوضــوع، وقـــال إن عقدها على األراضــــي التركية ربما يكون أفضل. وليس من املنطق في شيء أن يذهب األسد إلى مثل هذه القمة بينما الــقــوات التركية تحتل أرضـــ فـي شـمـال الـبـ د، ولذلك؛ فإن دعوته إلى عودة األمور على الحدود إلى طبيعتها معناها أن تـخـرج هــذه الــقــوات ثـم تلتئم القمة ال 2011 قبل العكس، وإال؛ فإن العالقات تعود على غير أساس. لقد جاء وقت كنا نتساءل فيه عما إذا كانت األوضاع في شمال سوريا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبل ما يسمى «الـربـيـع الـعـربـي»، ولــم نكن ننتبه إلــى أن مـن مـبـادئ الحياه الـثـابـتـة أن أوضــاعــ مقلوبة فيها تصحح نفسها بنفسها، وأن مــرور الـوقـت قـد يكون نوعًا مـن الـعـ ج، وأن ذلـك يسري على األشــخــاص، وأيـضـ يـجـري على الــــدول. وقــد حــدث ذلك مع سوريا، وهو يحدث على مرحلتني؛ إحداهما حني عادت إلى جامعة الدول العربية في القمة العربية التي عُقدت السنة املاضية في السعودية. واألخرى ستكون عندما ينجح مسعى إردوغان. صحيح أن الـوقـت ال يمر دون ثـمـن، وأن مــرور مـا يزيد عـلـى عـقـد مــن الــزمــان مـنـذ هـبـوب ريـــاح «الــربــيــع» قــد نـــال من سوريا الكثير جدًا، لكن األهم أن تعود سوريا التي عرفناها؛ ألن غـيـابـهـا بـــوطـــأة مــن أحــــداث ذلـــك «الــربــيــع» قــد جـنـى على املـنـطـقـة؛ وألن فــي حـضـورهـا مــا يـعـزز مــن فـــرص الــســ م في منطقة طال شوقها إليه. إنني أفرق هنا بني الحكومة في سوريا، وسوريا نفسها بصفتها وطنًا لكل سوري؛ ألن الحكومة التي تأتي إلى مقاعد السلطة تذهب عنها مهما طال بقاؤها، ولكن الوطن ال يذهب؛ ألنه إذا ذهب فهو في الغالب ال يعود. ال يختلف اثنان على أن أنور خوجة الــذي حكم ألبانيا أربـعـ عامًا بالحديد والنار، حوّلها إلى واحد من أكبر السجون وأشدها ظلمًا. عذّب رجال الدين، العمّال، الـــكـــتّـــاب، املــــزارعــــ ، األغـــنـــيـــاء، املــعــدمــ . لــــم تــفــلــت مــــن ســـطـــوة خــــوجــــة، املــتــطــرف فـي إلــحــاده ونقمته، حتى املـسـاجـد التي هدمها. أجبر رجاال على الزواج من نساء ال يريدونهن، وأرغمهم على طالقهن، حني أراد. أنــــزل عـقـابـه عـلـى عـــائـــ ت بأكملها يوم لم يرض عنها، فعزلها وحرمها طعم الضوء. كـل شــيء كــان ممكنًا مـن الستاليني املـجـنـون، الـــذي اختلف حتى مـع االتـحـاد السوفياتي في زمن خروتشوف، فأدار له ظهره، مفضال عليه ماوتسي تونغ. لــــذلــــك يـــبـــقـــى الـــــســـــؤال مـــحـــيّـــرًا حـــول تــســامــح خـــوجـــة مـــع إســمــاعــيــل كــــاداريــــه، الـذي غادرنا مؤخرًا، في الوقت الـذي كان أمـثـالـه مـن الـكـتّــاب املـتـبـرمـ ، يـرمـون في زنــازيــن حتى املـــوت. لـم يـفـر هــذا الـروائـي من بلده إال بعد وفاة خوجة بسنوات. قيل الكثير عما عاناه من قمع، ومنع ملؤلفات، وتغيير فـي الـنـصـوص، لكنه بقي الطفل املدلل في رحاب الديكتاتور. يــعــتــرف كــــاداريــــه فـــي مـقـابـلـة لـــه مع الــزمــيــل حــســونــة املــصــبــاحــي: «نـــعـــم، لقد حماني أنور خوجة» مع أنه ابتكر نظامًا سـيـاسـيـ مـرعـبـ . و«قـــــــد قـــام بـهـذا بشـكل استثنائي لكـــي يرضي غروره». تـــبـــريـــر مـــضـــلـــل، ألن كــــــاداريــــــه كـــان مـــدلـــ ومـحـتـضـنـ مـــن خـــوجـــة، تُـــقـــدم له الخدمات. غير أن الصدق منجاة. واملأخذ 1991 عـــلـــى كــــــاداريــــــه الـــــــذي أصــــبــــح عــــــام الجـــئـــ فـــي فــرنــســا، اســتــخــدامــه لـتـصـديـه للديكتاتورية، ونضاله من أجـل الحرية، سالحًا وشعارًا، وسلمًا لتسلق املزيد من املجد، مستفيدًا من حب فرنسا للترويج لـــصـــورتـــهـــا بـــوصـــفـــهـــا حـــاضـــنـــة لــــأدبــــاء املـــضـــطـــهـــديـــن، مـــثـــل الــبــنــغــالــيــة تـسـلـيـمـة نسرين التي استقبلت في الفترة نفسها. الـحـريـة حـــق، لـكـن املـتـاجـرة بـالـدفـاع عن الديمقراطية والقيم الغربية بوصفها وســـيـــلـــة لـــلـــتـــرقـــي فــــي ســـلـــم الــــشــــهــــرة فـي الــغــرب، لــم يستخدمها مـحـمـود درويـــش في باريس مع أنه كان مطرودًا وذاق مرارة السجن وسرقة وطنه كله. كــــاداريــــه روائـــــي مـسـتـحـق، وألــبــانــي حتى النخاع، كتب معاناة بلده، بالطريقة الـــــتـــــي فــــهــــمــــهــــا، مـــســـتـــخـــدمـــ األســــاطــــيــــر والـــقـــصـــص الــشــعــبــيــة والـــــتـــــوريـــــات، ولـــه أسلوبه وقدرته على املواربة في الحكاية. لكن األسـلـوب األدبـــي أمـــر، واملبالغة في ادعـاء النبل اإلنساني شأن آخـر. ففي العمق كــان كــاداريــه مفتونًا بـالـغـرب حد االنسحاق. عندما ترجمت روايته األولى «جنرال الجيش امليت» ونشرت في فرنسا، رغم أنه مواطن من أكثر الــدول الشيوعية تطرفًا، أصابه الدوار. «كنـــت ســـعيدًا، ووجـدت نفسي أمام صعوبة كبيرة، إذ كيف باستطاعتي أن أعـيـش فــي هـذيـن الـعـاملـيـــن بـمـا أن الـعـدو األول أللبانيا هو الغرب؟». وبــدل أن يبقى أمينًا لفكره وضمير شــعــبــه، حــــار؛ كــيــف بـــمـــقـــدوره أن يـرضـي الجهتني: «قراء أحـــرارًا، هم املوجودون في الغرب، وقـراء مساجني وهم األلبان؟ كان علي أن أختار أو أتوقـــف نهائيًا». بقي كـاداريـه يكتب عـن ألبانيا التي يمتلك مادتها ومفاتيحها وعيونه معلقة بـالـغـرب. إحـسـاس بـالـدونـيـة جعله يبدو متناقضًا، كما بــ ده التائهة بـ الشرق والغرب، اإلسالم واملسيحية واإللحاد بني االشتراكية والليبرالية. ارتـــــهـــــان بـــــدا بـــعـــده مـــضـــحـــكـــ ، وهـــو فـي املـائـة مـن الكنوز 90 إلـى 80« يكرر أن سـنـة أنتجت 3000 الــروحــيــة الــتــي دامــــت فـي أوروبــــا. ال يوجد مسرح يوناني ثـان في أي مكان آخر في العالم، وال شكسبير أو دانـتـي أو سرفانتس ثــــانٍ». أنـكـر على بقية الشعوب آدابها وفنونها، مع أن أشد األوروبيني شوفينية يخجل من رأي كهذا. نال «جائزة أورشليم لحرية الفرد في التي تمنحها بلدية 2015 املجتمع» عـام الـــقـــدس، واســمــهــا يـكـفـي ليجعلها تليق بـكـاداريـه وادعــاءاتــه النبيلة وهــو عاشق الجوائز، والطامح حتى اللحظة األخيرة لـنـوبـل الـتـي لــم ينلها رغـــم كــل الـتـنـازالت واالحــتــيـاالت. يومها سئل مـن الصحافة اإلســـرائـــيـــلـــيـــة، عـــمـــا يــجــيــب لــــو قـــيـــل إنـــه يتغاضي عن حرية الفلسطينيني ويقبل الجائزة؟ اســتــنــكــر ألنـــــه فــــي كـــــل مـــكـــان يـــــزوره يسأل عـن السياسة املحلية: «أنــا ال أفهم جلّهـا وال أرغــب فـي أن أحـلّــل تعقيداتها. ال شــــك فـــي أن ثــمــة تــنــاقــضــ بـــ الـــقـــدوم إلى مكان للحديث عن الفن والثقافة، في الوقت الذي يعاني فيه من عنف وحروب وإرهــــــــاب. لــســت ســـاحـــرًا وال أعـــــرف كيف يمكن إيجاد حل له». دون أن يحدد مصدر العنف واإلرهاب. بقي كــاداريــه متعلقًا بحبال الغرب، رافــــضــــ أي نـــســـب أللـــبـــانـــيـــا، بــجــيــرانــهــا الـشـرقـيـ ، أو تـاريـخـهـا الـعـثـمـانـي الــذي عـــدّه محض اسـتـعـمـار، مـشـددًا على الـود العظيم بني األلبان واليهود. كــــــان يــــقــــرأ الـــصـــحـــف بـــانـــتـــظـــام فـي الـصـبـاح، على عكس مـا يدعيه مـن جهل فـــي الــســيــاســة. لــذلــك كـنـا نـــود لـــو نـعـرف، إن كــــان قـــد فـــهـــم، خــــ ل األشـــهـــر األخـــيـــرة مـن حياته، وهــو يـراقـب املـجـازر الفظيعة فـــي غـــــزة، حـــاجـــة الـفـلـسـطـيـنـيـ لـلـحـريـة واألمل واالنعتاق، أم أنه بقي يعدّها نعمًا، يستحقها وحده؟ OPINION الرأي 12 Issue 16669 - العدد Thursday - 2024/7/18 اخلميس دمشق العائدة على مرحلتين كاداريه وعقدة النقص وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com سوسن األبطح بقي كاداريه متعلقا بحبال الغرب رافضا أي نسب أللبانيا بجيرانها الشرقيين أو تاريخها العثماني الرئيس التركي يبدو في عجلة من أمر لقائه الرئيس السوري سليمان جودة ثمة بداية ارتياح عربي إلعـادة النظر املتدرجة، وإن كـانـت بطيئة بـعـض الـــشـــيء، مــن جـانـب الـرئـيـس التركي رجب طيب إردوغان إزاء حاالت من القطيعة الحادة سبق أن اتخذها فـي مرحلة جبروتية بعض الـشـيء ومقرونة بالتشاوف والتطلع إلى دور أساسي في اإلقليم يستعيد به املكانة التي ارتبطت بالسلطنة العثمانية. ولقد وظف لتطلعاته هذه أوراقًا سياسية ومذهبية. ثم تدور الدوائر وال يجني الرئيس إردوغان مما زرع في حقل الدور املنشود ما تمناه. وفي ضوء ذلك بدأت إعادة النظر املتدرجة، حيث لــم يـعـد قـيـاديـو «اإلخــــــوان» املــصــريــون ضـيـوفـ فــي أنـقـرة وإسطنبول بدرجة أربـع نجوم ويمارسون عمال إعالميًا وفضائيًا، إلى جانب املؤتمرات بني الحني واآلخر. وأعقب هـذه الخطوة بلقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في الـــدوحـــة، رفــــده مضيفهما أمــيــر دولــــة قـطـر الـشـيـخ تميم بـــن حـمـد بـمـا يـجـعـل الــلــقــاء خــطــوة أولــــى تـلـيـهـا الـثـانـيـة التي يتبادل فيها الرئيسان السيسي وإردوغـــان التزاور واملباشرة في كتابة صفحة مستقرة للعالقات. وها نحن أمام خطوة من النوع نفسه مأمول إنجازها بني تركيا وسوريا. ويبدو أن الرئيس إردوغــان وبشار األســــد عـلـى درجــــة مــن االقــتــنــاع بــوجــوب تبييض قتامة سنوات من القطيعة املقرونة في بعض املرات بتصريحات نارية تتجاوز في بعض كلماتها موجبات مراعاة املصير والجوار. وتحضُرنا عبارة في هذا الصدد قالها الرئيس سبتمبر 16 إردوغـــــــان قــبــل ثــــ ث عـــشـــرة ســنــة (الــجــمــعــة ) أمام حشد شعبي خالل زيارة إلى العاصمة 2011 » «أيلول الليبية: «إن مَــن يـمـارسـون القمع على شعب سـوريـا لن يبقوا». وعندما تصل العالقة بني تركيا وسوريا إلى مدار االسـتـقـرار والثقة وانـحـسـار التطلع إلــى الـــدور األسـاسـي الذي تمارسه تركيا اإلردوغانية، فإن املعادلة الراهنة في اإلقليم لن تعود على نحو ما هي عليه من التأزم وأحيانًا الخشية من حدوث ما هو أعظم، بمعنى أن تتطور حاالت التدخل التي يتسم بها الدور السياسي - العسكري التركي في ليبيا إلى ما كان عليه الدور املماثل لسوريا في لبنان. بل وكما في حال لم تثمر محاولة إعادة النظر اإلردوغانية إزاء سـوريـا أن ينتهي حــال سـوريـا مـع تركيا إلــى مـا هو عليه حال ليبيا التي تعيش منذ سنوات ما عاشه لبنان مع سوريا في النصف الثاني من السبعينات. وباألهمية نفسها هنالك الدور اإليراني املأمول أن يصار مع الرئيس الجديد مسعود بزشكيان إلى البدء بإعادة نظر متدرجة في املواقف التي شكلت تأزمًا بالغ الحدة في العالقة بني إيـــران ومعظم الـــدول العربية. ومـن الخطوات املأمولة أال تبقى األذرع العربية للنظام اإليراني تتخذ من الخطوات وتدلي من األقوال ما ينعكس إساءة لجوهر العالقة التي شكَّل فيها التطبيع الدبلوماسي والـزيـارة الدبلوماسية الطابع خطوة نوعية على طريق االستقرار. ونعني تحديدًا بما نشير إليه ما بــادرت إليه اململكة العربية السعودية » طريقها نحو االكتمال 2030 التي من أجل أن تشق «رؤية عربيًا وإقليميًا ودوليًا، كان تصحيح مسار العالقة بإيران ثم بسوريا. وهذا التصحيح الذي يعزز االستقرار يحتاج إلى عدم إضفاء الحذاقة والشطارة على املبدئية، أي بما معناه: تقول هذه الـذراع اليمنية أو العراقية أو اللبنانية أو الغزاوية «الحمساوية» و«الجهادية» من الكالم املسيء، وتكون الشطارة من جانب إيران في أن من قال هذا الكالم ليس مسؤوال إيرانيًا. خالصة القول أن املنطقة في كثير من مداراتها غارقة في الهموم، وباتت في ضوء التطورات الدولية تحتاج إلى جرعات اهتمام من جانب ممتلكي السُلطة واتخاذ القرار الـــذي يـبـدد الخشية والــظــن والــتــدخــل، وبـحـيـث ينصرف كـــل مـمـتـلـك إلـــى االهــتــمــام بـالـكـيـان الــــذي يـــتـــرأس مقاليد الـحـكـم فـيـه وبـالـشـعـب الـــذي ينشد الـطـمـأنـيـنـة. ويـتـفـاءل املــرء بالخير علّه يجده. وعندما يسجل الرئيس التركي إردوغان، وإن بعد سنوات، الخطى الطيبة املتدرجة تجاه سوريا بعد خطى مثيلة تجاه مصر، ونتطلع إلى خطى إردوغـانـيـة تجاه ليبيا، التي يفرض الـواجـب مساندتها بـالـرأي السديد وليس التدخل املـديـد، ال يطول زمـن عدم اإلقدام عليها، كما إلى خطى من جانب الرئيس اإليراني بــحـيــث ال تــبــقـى األذرع الــحــوثــيــة الــلــبــنـانــيــة الــعــراقــيــة الغزاوية هي إيران الظل، ويقول رموز «مرجعياتها» من الكالم ما يشعل حرائق في العالقات تؤذي الشعوب. وما خسر من أصلح. الخطى المأمولة من تركيا وإيران باتت المنطقة في ضوء التطورات الدولية تحتاج إلى جرعات اهتمام فؤاد مطر

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==