issue16668

الثقافة CULTURE 18 Issue 16668 - العدد Wednesday - 2024/7/17 األربعاء ماريو فارغاس يوسا على المحك فيكتور هوغو... المحيط يقدّر جان مـارك هوفاس، أكثر املتبحرين في سيرة فيكتور هوغو التي مـا زالــت قيد اإلنـجـاز، أن باحثًا شغوفًا بأعمال الـروائـي الفرنسي يخصص أربع عشرة ساعة يوميًا للمطالعة يلزمه عشرون عامًا لينتهي مــن قــــراءة الـكـتـب الـتـي وضـعـت حـــول صـاحـب «الــبــؤســاء» واملـــودعـــة في املكتبة الوطنية الفرنسية فـي بــاريــس، ألن هـوغـو، بعد شكسبير، هو املؤلف الغربي الـذي استقطبت أعماله أكبر عـدد من الـدراسـات األدبية، والبحوث اللغوية والنقدية، والسير والترجمات. ال بــد مــن الـتـسـاؤل، فـي ضــوء ذلـــك، عـن الـوقـت الـــذي يـلـزم مثل هذا الـبـاحـث الـــــدؤوب لـــقـــراءة جـمـيـع أعــمــال فـيـكـتـور هــوغــو، بـمـا فـيـهـا آالف الرسائل والـتـدويـنـات، واملــســودات التي مـا زالــت غير منشورة وموزعة على املكتبات العامة والخاصة ومـخـازن التحف القديمة في العالم. ال سنوات، هذا في حال تفرّغ لذلك بشكل كامل. 10 أعتقد أنه يحتاج أقل من ولست أبالغ في القول، ألن خصوبة هذا الشاعر والـروائـي الـذي يجسّد التيّار الرومانسي في فرنسا تصيب بالذهول كل من يقدم على الغوص في أعماله التي تبدو بال نهاية. كان مبكارًا في إنتاجه األدبي والشعري، قـــدر مــا كـــان مـكـثـارًا يتمتع بـطـاقـة تعجيزية عـلـى الـعـمـل، ومـوهـبـة قـل نظيرها على قرض الشعر والوصف التعبيري في النثر الذي كان يخرج من ريشته. قبل بلوغه الخامسة عشرة كان قد نظم آالف األبيات الشعرية، وكتب نصًا مسرحيًا فكاهيًا، وآخر دراميًا «إينيز دي كاسترو»، ومسودة ملسرحية شعرية من خمسة فصول «آتيلي أو السكندينافيون»، وملحمة «الطوفان»، فضال عن مئات الـرسـوم. وفـي املجلة التي أصدرها مراهقًا مع شقيقيه أوجني وآبيل ولم تدم أكثر من عام ونصف العام، نشر مائة واثنتي عشرة مقالة وعشرين قصيدة. وقد حافظ على الوتيرة اإلنتاجية املذهلة طيلة حياته التي امـتـدت تقريبًا على كامل الـقـرن التاسع عشر )، وترك أهرامًا من األعمال التي لم ولن يقرأها أحد من ألفها 1885 - 1802( إلى يائها. يبدو، للوهلة األولى، أن حياة هذا الذي حبّر أطنانًا من الورق كانت أشبه بحياة ناسك أمضى عمره وراء مكتبه منكبًّا على التأليف ومتفرغًا له. لكن فيكتور هوغو، وهذا هو املدهش، أقبل على الحياة بكل ما فيها، وتمتع منها بما جادت به مخيلته في أعماله، ويمكن القول إنه عاش كل أنواع املغامرات الوجودية، وكان يتدبر أمره دائمًا ليكون في قلب التاريخ واألحـداث، كفاعل فيها أو شاهد عليها. أما حياته العاطفية فهي كانت أيضًا مبعث اندهاش وغيرة، إذ تقول جوانا ريتشارد الباحثة في سيرته إنه ليلة زفافه من آديل فوشيه، وهو ما زال في العشرين من عمره، مارس الجنس معها تسع مرات. وطوال سنوات زواجه واصل مآثره بكل حياد ديموقراطي مـوزعـ مغامراته بـ األرستقراطيات والـخـادمـات بالعدل والقسطاس. ويـؤكـد كاتبو سيرته أنـه قبل أسابيع مـن وفـاتـه وهـو في الثالثة والثمانني من عمره، تسلل خلسة من بيته ملالقاة خادمة عشيقته جولييت درويه. لكن هوغو لـم يكتف بخوض غمار املـغـامـرات الدنيوية، بـل يمكن القول إن هـذا الكاتب، والشاعر، واملـؤلـف املسرحي والـرسّــام، كـان أيضًا يدّعي التبحّر في العلوم الالهوتية وأسرار العالم اآلخر، وأن «البؤساء» لم تكن في الواقع رواية مغامرات، بل بحث مطول في الشؤون الدينية. إســبــانــيــا ومــــا اتـــصّـــل بــهــا لــعــبــت دورًا مـــحـــوريـــ فـــي مـيـثـولـوجـيـا الرومانسية األوروبية، وفي أعمال فيكتور هوغو أكثر من أي كاتب آخر في عصره. تعلّم اللغة اإلسبانية في التاسعة من عمره، قبل أن يسافر ، إلـى جانب والدته وشقيقيه، تمهيدًا لاللتحاق 1811 إلـى إسبانيا عـام بالوالد الذي كان ضابطًا كبيرًا في جيش جوزيف بونابرت. وقد استخدم اإلسبانية الحـقـ فـي روايــاتــه وأشــعــاره، خصوصًا فـي «الـبـؤسـاء» على لـسـان طولوميس فـي ترنيمته الشهيرة لعشيقته فانتني. وفــي مدريد أمضى أشـهـرًا فـي «معهد النبالء» الــذي كـان يـديـره الـرهـبـان، حيث كان فيكتور وشقيقاه معفيني من أداء الطقوس الدينية، ألن الوالدة، وكانت من أتباع فولتير، زعمت أنـه من املذهب اإلنجيلي. أمـا ذكرياته في ذلك املـعـهـد فـكـانـت ألـيـمـة جـــدًا، إذ كـتـب فيما بـعـد أنـــه كـــان يـعـانـي مــن الـبـرد والــجــوع، والـخـصـام الـدائـم مـع رفـاقـه. لكن فـي املـقـابـل، تعلّم الكثير عن إسـبـانـيـا والـلـغـة اإلسـبـانـيـة، مــا رافــقــه طيلة حـيـاتـه ورصّــــع بشكل بــارز إبداعه األدبي والفني. لــم تسعفه الـلـغـة اإلسـبـانـيـة فحسب للتشبّع بـأسـاطـيـر وروايــــات ومغامرات أبطال البلد الذي وجد فيه جنّة املشاعر الجياشة التي تعتمل في مخيلته الخصبة، وسخّرها لتمويه املـدونـات الفاضحة في دفاتره السرية التي كان يسجّل على صفحاتها تفاصيل مصاريفه اليومية، ما يسمح لنا اليوم بمعرفة مقادير مداخيله وإنفاقه بدقة ال نجدها عند أي كاتب آخر، وأنه مات ثريًا. هـذه الدفاتر السرية التي كـان فيكتور هوغو يــدوّن فيها تفاصيل إنفاقه خالل سنوات املنفى التي أمضاها في جرسي وغيرنسي، يشرحها لنا البروفسور هنري غيومان في كتاب ظريف عنوانه «هوغو والجنس»، وهي السنوات التي أطلق عليها الباحثون «سنوات الخادمة». في تلك الــفــتــرة، ورغــــم أن الــكــاتــب اصـطـحـب مـعـه إلـــى الــجــزيــرتــ زوجـــتـــه آديـــل وعشيقته جولييت، وأقام عالقات عاطفية متفرقة مع مقيمات وعابرات، كانت له مغامرات منتظمة مع الخادمات. وكان يدوّن في دفاتره مقادير املــال التي كــان يدفعها للبنات، وفقًا لطبيعة اللقاء ودرجـــة حميميته. أما اللغة التي استخدمها لتلك املدونات، فكانت اإلسبانية التي تعلمها خالل إقامته صغيرًا في مدريد. هل أصــاب الباحثون في سبر أغــوار هـذه التفاصيل املحرجة في حياة هوغو ونشرها؟ ال شك عندي في أنهم قد أحسنوا صنعًا، ألنهم بذلك أضفوا على هالة هـذا العبقري مسحة من اإلنسانية تذكرنا بأنه أيضًا من طينة البشر العاديني. في بعض أعماله، خصوصًا «البؤساء»، بــلــغ هـــوغـــو ذروة اإلبــــــداع االدبــــــي فـــي الـــقـــرن الــتــاســع عــشــر إلــــى جـانـب تـولـسـتـوي وبـــلـــزاك. لكنه إلـــى جـانـب ذلـــك كـــان شـديـد الــغــرور متحذلقًا، وقسم ال بأس به من أعماله الضخمة قد طواه النسيان. يقول عنه أندريه بروتون «كـان سورياليًا عندما كـان يكف عن الحماقة». لكن لعل أجمل ما قيل في تعريفه كان على لسان كوكتو حني كتب «فيكتور هوغو كان مجنونًا يعتقد أنه فيكتور هوغو». شاهد قبر أثري مميز من البحرين الفتى حامل الطير وعنقود العنب يحتفظ متحف الـبـحـريـن الـوطـنـي في املنامة بمجموعة كبيرة من شواهد القبور األثـــريـــة املــزيــنــة بـنـقـوش تـصـويـريـة آدمــيــة، منها شاهد مميّز يمثّل فتى يحمل عصفورًا وعـنـقـودًا مــن الـعـنـب، وفـقـ لتأليف خــاص، اعـــتُـــمـــد بــشــكــل واســـــع فـــي الـــفـــن الــجــنــائــزي الخاص بمدينة تدمر األثرية، عروس بادية الشام ولؤلؤتها. خرج هذا الشاهد من مقبرة أثرية تُعرَف باملقشع، وهــو اســم الـقـريـة الـتـي تحاذيها، 5 وتــقــع غـــرب املــنــامــة، وتـبـعـد عـنـهـا بـنـحـو كيلومترات. عُثر على هذا الشاهد في مطلع تسعينات القرن املاضي، خالل أعمال املسح والــتــنــقــيــب الـــتـــي قـــامـــت بــهــا بـعـثـة مـحـلـيـة، 36 وهـو مـن الحجر الجيري املـحـلّــي، طوله سنتمترًا، ويتكوّن من 16 سنتمترًا، وعرضه كتلة مستطيلة مجوّفة في الوسط، تعلوها مــســاحــة هــ لــيــة أفـــقـــيـــة. يـــحـــد هــــذه الـكـتـلـة عـمـودان ناتئان يعلوهما مكعّبان يشكّالن تــاجــ مــجــرّديــن مــن أي عـنـاصـر تزيينية. وفوق هذين التاجني، يستقر الهالل األفقي، مــشــكّــ مـــا يُـــعـــرف بــاســم قــــوس الــنـصــر في قاموس الفن اليوناني الكالسيكي. فــــي وســـــط املـــســـاحـــة املـــجـــوفـــة، وتــحــت قـوس النصر، تنتصب قامة آدمـيـة، وتبدو أشبه بتمثال نصفي حوى الجزء األعلى من الـسـاقـ ، تبعًا لتقليد اعـتُــمـد بشكل واسـع فـــي الــبــحــريــن بـــ الـــقـــرنـــ األول والــثــانــي للميالد، في الحقبة التي أطلق املستشرقون اإلغـريـقـيـون عـلـى هـــذه الـجـزيـرة الخليجية اسم تايلوس. تقف هذه القامة في وضعيّة املـواجـهـة، وتنتصب بثبات فـي كتلة يغلب عــلــيــهــا طـــابـــع الـــجـــمـــود والــــســــكــــون. تُــمــثّــل هـــذه الـقـامـة فـتـى يـافـعـ يـقـف بـثـبـات، رافـعـ يــده الـيـسـرى نحو أعـلـى الــصــدر، محتضنًا فــي قبضته عـصـفـورًا كـبـيـرًا حُـــــدّدت معامله بشكل مختزل. يحضر هذا الطير املجرّد في وضعية جانبية خـالـصـة، ويتميّز بجناح وذنب طويلني ومنقار بارز، ممّا يوحي بأنه يـمـامـة. الـــــذراع الـيـمـنـى ملتصقة بـالـصـدر، وهــــي مـــمـــدّدة عـــمـــوديـــ ، ويــظــهــر فـــي قبضة يـدهـا عـنـقـود مــن الـعـنـب يـتـكـوّن مــن حبات كتلويّة كبيرة متراصة. الـــلـــبـــاس بـــســـيـــط، ويـــتـــألّـــف مــــن قـطـعـة واحــــدة تـشـابـه الـجـلـبـاب، يـتـوسّــطـهـا حــزام رفــيــع مـعـقـود حـــول الــخــصــر، وهـــو الـلـبـاس الـــــــذي يُـــــعـــــرف بــــاســــم الــــفــــرثــــي، نـــســـبـــة إلـــى اإلمـــبـــراطـــوريـــة الــفــرثــيــة الـــتـــي شــكّــلــت قــوة سياسية وثقافية كبيرة في إيـران القديمة، بــلــغــت الـــعـــالـــم الـــيـــونـــانـــي ومـــــن ثـــــم الــعــالــم الـرومـانـي، غربًا وشـرقـ. ثنايا هـذا اللباس مـحـدّدة بأسلوب هندسي، وتتمثّل بشبكة من الخطوط العمودية تنطبع على مساحة الـصـدر والـسـاقـ ، وتحجب مفصل الـبـدن، إضـــافـــة إلــــى شــبــكــة صــغــيــرة مـــن الــخــطــوط األفقية تلتف حـول الـــذراع اليمنى، وتشكل ثنايا الـكـم الـخـاص بـهـذا الـثـوب التقليدي. يـعـلـو هــــذه الـكـتـلـة رأس يـسـتـقـر فــــوق عنق عــــريــــضــــة وقـــــصـــــيـــــرة. الــــــوجــــــه بــــيــــضــــاوي، ووجــــنــــتــــاه مـــكـــتـــنـــزتـــان. الـــعـــيـــنـــان لــــوزتــــان فـــارغـــتـــان، يــعــلــوهــمــا حـــاجـــبـــان عــريــضــان. األنف مهشّم، واألذنــان محتجبتان، والثغر شفتان صغيرتان مطبقتان، يفصل بينهما شـــق بـسـيـط. خـصـل الـشـعـر مـــحـــوّرة، وهـي هـنـا عـلـى شـكـل سلسلة مـتـراصـة مــن الكتل الدائرية، تنعقد حول هامة الـرأس في إطار متني يُعمّق ثبات الوجه وسموّه. يـــبـــدو تــألــيــف هــــذا الـــشـــاهـــد فـــريـــدًا من نوعه في الفن الجنائزي الخاص بالبحرين، وتكمن هــذه الــفــرادة فـي حـضـور العصفور وعـنـقـود الـعـنـب بــوجــه خــــاص. فــي الــواقــع، يحاكي هذا النصب مثاال شاع بشكل واسع في مدينة تدمر األثرية التي تقع في بادية الــشــام، وتـتـبـع حـالـيـ محافظة حـمـص، في الجزء األوسط من دولة سوريا. ازدهرت هذه املدينة قديمًا وعُرفت بثرائها الكبير بفضل موقعها عند نقطة تقاطع عِدَّة طرق تجارية، وتميّزت بتعدّديتها الثقافية. اعتمدت تدمر لــغــة آرامــــيــــة خـــاصـــة بـــهـــا، كــمــا اسـتـخـدمـت الـلـغـة الـيـونـانـيـة فـــي مـــداوالتـــهـــا الـتـجـاريـة والسياسية، وجمعت بـ ديــانــات عـديـدة، منها الـديـانـات السامية واألديــــان العربية الـقـديـمـة واألديــــــان الـيـونـانـيـة والــرومــانــيــة، وظـهـر هــذا الـتـمـازج فـي فنونها املعمارية، كما فـي فنونها الجنائزية، حيث امتزجت األنــمــاط الـيـونـانـيـة والهلنستية واألنــمــاط الفنية الشرقية في قالب محلّي خاص بها. خـــضـــع الـــنـــحـــت الـــجـــنـــائـــزي الـــتـــدمـــري لـقـواعـد شـرقـيـة، أبــرزهــا وضـعـيـة املـواجـهـة واالعــــــــتــــــــمــــــــاد عـــــلـــــى الــــــخــــــطــــــوط املـــــــحـــــــددة لــــأشــــخــــاص واملــــعــــالــــم. واعــــتــــمــــد الـــنـــحـــات التدمري في إنجاز أعماله بشكل واسع على الحجر الكلسي الطري الذي يسهل تطويعه، وتمثّلت منحوتاته بتماثيل نصفية وألواح مستطيلة تضم شخصني أو أسرة جنائزية تـــحـــضـــر فـــــي مـــشـــهـــد جــــامــــع يُـــــعـــــرف بـــاســـم الوليمة الجنائزية، ويتمثّل بسرير جنائزي يتصدر املدفن أو جناحًا منه. نُصبت هذه املنحوتات التدمرية في املدافن حيث ثُبّتت فـي واجـهـة القبور، واتّسمت هـذه الشواهد بسمات مشتركة، تجلّت فـي سـمـات الوجه الواحد الجامع، كما في أسلوب نقش ثياب بشكل تزييني غير خاضع لحركة الجسم. بـــدت الـــوجـــوه متجهة إلـــى األمـــــام، واتّــضــح أنــــهــــا تـــتـــبـــع نــــمــــاذج ثــــابــــتــــة، مـــنـــهـــا الـــوجـــه األنثوي، والوجه الذكوري امللتحي، والوجه الـذكـوري الحليق الخاص بالكهنة، إضافة إلى الوجه الطفولي الخاص بحديثي السن. من جهة أخرى، حملت هذه الشواهد نقوشًا كـتـابـيـة تــذكــر اســـم املــتــوفــى وســـنّـــه وعــبــارة محلية تعني «وا أسفاه»، فـــي هــــذا املــــيــــدان، يـحـضـر مــثــال الـفـتـى الــــــذي يــحــمــل طـــيـــرًا وعــــنــــقــــودًا مــــن الــعــنــب، ويتكرّر بشكل واســـع، واألمثلة ال تُحصى، منها شاهد محفوظ في متحف تدمر يتميّز بقمّته الهاللية، يشابه بشكل كبير الشاهد الذي خرج من مقبرة املقشع. يحتفظ متحف اللوفر بشاهد مستطيل يماثل في تكوينه هــــذا الــتــألــيــف، ويــتــمــيّــز بــحــضــور عـصـفـور كبير يطل من بني أصابع اليد التي تقبض عليه. في كل هذه األعمال التدمرية، يحضر فـــتـــى أمــــــرد نـــضـــر الــــوجــــه، يــــرتــــدي الــلــبــاس الــفــرثــي الـتـقـلـيـدي، مـــع حــــزام رفــيــع معقود حول الخصر. يصعب تحديد رمزية الطير وعنقود العنب، واألكيد أنها رموز أخروية تـرتـبـط بـــاملـــوت وبــخــلــود الــنــفــس، وتـتـعـلّــق بنوع خـاص بالحياة القصيرة العهد، كما تشير سن حاملها الذي رحل باكرًا. يــعــود هــــذان الــعــنــصــران الـــرمـــزيـــان في األصـــل إلـــى الـعـالـم الـيـونـانـي عـلـى األرجـــح، الالفت أنهما يرافقان في هذا العالم فتيات صبايا، وأشـهـر األمثلة نصب محفوظ في مـتـحـف اآلثـــــار الــوطــنــي فـــي أثــيــنــا، مـصـدره مدينة بيرايوس األثرية. يمثّل هذا النصب صبية تقف منتصبة، حانية ساقها اليمنى، وفــقــ للجمالية الـكـ سـيـكـيـة الــنــي تتجلّى كـذلـك فــي التجسيم الـواقـعـي الـحـسّــي الـذي يسيطر على سـائـر عناصر الــصــورة. على عـــكـــس مــــا نـــــرى فــــي تـــدمـــر وفـــــي الــبــحــريــن، تحمل هذه الصبية العنقود بيدها اليسرى، وتقبض على الطير بيدها اليمنى، ويبدو هذا الطير أشبه بإوزّة. شاهد قبر من البحرين يقابله شاهدان من تدمر محمود الزيباوي الرواية الفلسطينية... ممارسات االحتالل وآليات المقاومة «أســـئـــلـــة الـــــروايـــــة الــفــلــســطــيــنــيــة» هـو الـــكـــتـــاب الــــحــــادي عــشــر فـــي الــنــقــد الـــروائـــي لـــلـــشـــاعـــر والــــنــــاقــــد الـــلـــبـــنـــانـــي ســـلـــمـــان زيـــن الدين، وقد صدر مؤخّرًا عن «مركز ليفانت لـــــلـــــدراســـــات والـــــنـــــشـــــر» فـــــي اإلســــكــــنــــدريــــة. ويـــشـــتـــمـــل عـــلـــى قـــــــــراءة فـــــي ثــــ ثــــ روايــــــة فــلــســطــيــنــيــة، صــــــدرت فــــي الـــعـــقـــود الــثــ ثــة األخيرة، وكتبها فلسطينيون أو متحدّرون مـن أصـــول فلسطينية، ينتمون إلــى أجيال عـــدّة. فبني «حــارة الـنـصـارى» لنبيل خـوري و«الــــقــــمــــح املــــــرّ» 1995 الــــــصــــــادرة فــــي عــــــام ،2023 لـــجـــ ل جـــبّـــاريـــن الــــصــــادرة فـــي عــــام نحو ثـ ثـة عـقـود، شـهـدت خاللها القضية الفلسطينية الكثير من التحوّالت، وتمخّض فيها الـواقـع عـن كثير مـن األسئلة، وهـو ما تــطــرحــه الـــــروايـــــات املــــدروســــة فـــي الــكــتــاب. و«ألن الواقع الفلسطيني موغل في الغرابة إلى حد السوريالية، وال يشبهه واقـع آخر؛ فإن الرواية الراصدة له تكتسب خصوصيّة مـعـيّــنـة، بــاملــقــارنــة مـــع الـــروايـــة الــعــربــيــة، ال ســيّــمــا عــلــى املــســتــوى الــحــكــائــي. وهــــي إذا كانت تتقاطع مع األخيرة في أسئلة كثيرة، فإنّها تفترق عنها، في معظم األسئلة؛ ألنّها تـصـدر عــن واقـــع مـغـايـر، غـرائـبـي، سـحـري، سوريالي، موجع، قاتل، ما يمنحها هوّيّتها الخاصّة»، على ما ورد في تقديم الكتاب. تـــتـــراوح األســئــلــة املـــطـــروحـــة بـــ تلك املتعلّقة باالحتالل وتداعياته املـدمّــرة على الـشـعـب الـفـلـسـطـيـنـي، مـــن قـبـيـل: االعــتــقــال، اللجوء، النزوح، التهجير، السلطة، الهجرة غير الشرعية، اإلرهـــاب، التطبيع، العمالة، وبـ تلك املتعلّقة باملقاومة وآلـيّــات عملها املـسـتـخـدمـة فــي تـحـريـر األرض واســتــعــادة الـــحـــقـــوق املــــشــــروعــــة، مــــن قـــبـــيـــل: الـــتـــاريـــخ، الــذاكــرة، االنـتـمـاء، الــجــذور، املـكـان، األرض، والـــعـــمـــل الـــفـــدائـــي. عــلــى أن الــــســــؤال نفسه قــد تـطـرحـه روايــــات عـــدّة بـخـطـابـات روائـيـة مختلفة، والـــروايـــة الـــواحـــدة قــد تجمع بني أسئلة عدّة في الحيّز الروائي نفسه. ولعلّه من املفيد، في هـذا السياق، اإلشـــارة إلـى أن الدارس يتوقّف في درسه النقدي عند ماهيّة الـــســـؤال / األســئــلــة املـــطـــروحـــة فـــي الـــروايـــة املدروسة، من جهة، وعند كيفيّة طرحها، من جهة ثانية؛ ما يجعل الدرس النقدي يجاور بني ماهيّة السؤال وكيفيّة الطرح، في الوقت نفسه، ويجعل الفائدة املـرجـوّة من القراءة مضاعفة. فـــي «أســـئـــلـــة الــــروايــــة الـفـلـسـطـيـنـيـة»، يـطـرح نبيل خـــوري ســـؤال الــقــدس، ويكتب إبـــراهـــيـــم نــصــر الـــلـــه عـــن الـــقـــيـــادة واإلرادة والـتـاريــخ، ويـتـنـاول إلـيـاس خـــوري سـؤالَــي الذاكرة والتطبيع، وباسم خندقجي سؤالَي التاريخ واملقاومة، ومروان عبد العال سؤال األرض، ويـــحـــيـــى يــخــلــف ســــــؤال الــــجــــذور، وســلــوى الــبـنّــا ســؤالــي الـسـلـطـة واإلرهـــــاب، وحــنــان بكير ســـؤال املــــرأة. تـتـعـدّد األسئلة وتتنوّع، من منظورات روائية مختلفة. وعـــــلـــــيـــــه؛ يـــــــقـــــــدّم «أســـــئـــــلـــــة الـــــــروايـــــــة الـفـلـسـطـيـنـيـة» مـــــادّة نـقـديــة حــــرص املـؤلــف على تقديمها بطريقة تتعدّى االنطباعات النقدية السريعة مـمّــا تـزخـر بـه الصفحات الثقافية، من جهة، وال تسقط في درك التقعّر الـــنـــقـــدي مـــمّـــا يــســقــط فـــيـــه الـــــــدرس الــنــقــدي األكــاديــمــي، مــن جـهـة ثـانـيـة. ويـضـاعـف من أهمّية الكتاب تزامن صـدوره مع التحوّالت الكبرى التي تعيشها القضية الفلسطينية. بيروت: «الشرق األوسط» عُثر على هذا الشاهد في مطلع تسعينات القرن الماضي خالل أعمال المسح والتنقيب التي قامت بها بعثة محلية

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==