issue16668

لـــــو أن املــــــــرء مــــنّــــا كـــــــان مــــســــافــــرًا عــلــى مـــن ســفــيــنــة، تـضـيــق بــمــســافــريــن مـــن شـــدّة االكتظاظ، في بحر متقلب وعكر املـــزاج، في أجواء طقسية ال تطمئن، ربما مع مرور الوقت يــتــعــوّد دوار الــبــحــر، ويـتـعـايـش بـصـبـر مع الوضعية غير املريحة، وقد يصاب بفيروس الالمباالة. لكن على حني فجأة، تهب عاصفة مــجــنــونــة، ويــكــتــشــف، حـيـنـئـذ، أن السفينة معرَّضة للغرق وحتمية هـ ك كل من فيها. قــد تــبــدو، هـــذه الـــصـــورة لـلـبـعـض، متخيّلة، وال تخلو من مبالغة. وهذا صحيح، إال أنّها ليست غريبة عـن واقـــع عـالـم نعيشه الـيـوم، وقد تكون أقرب وصف ممكن لتقريب ما حدث فـي واليـــة بنسلفانيا، يــوم السبت املـاضـي، إلـــــى األذهـــــــــان، مـــمـــثـــ فــــي حــــادثــــة مــحــاولــة اغتيال رئيس أميركي سابق ومرشح حاليًا النتخابات الرئاسة، وسط آالف من أنصاره، وعـــلـــى مــــــرأى ومـــســـمـــع مــــن شـــعـــوب الـــعـــالـــم. ال بد من االعتراف مبدئيًا، بأن الحدث يعدُّ، بــكــل املــقــايــيــس، مـنـعـطـفـ خــطــيــرًا، وتـــجــاوز فعليًا كل الخطوط الحمر. وقد يعصف بما تبقّى ثابتًا للبعض، أو هشًَّا للبعض اآلخر، من «الديمقراطية األميركية». وسـواء اتفقنا أم اختلفنا مع ما يمثله املــرشــح الـجـمـهـوري دونــالــد تــرمــب، إال أننا نستنكر بشدّة أن يتحول الحوار السلمي بني مختلف الخصوم إلى لغة الرصاص والقتل. دونالد ترمب، رغم ما يصدر عنه من تصرفات يجدها كثيرون غريبة، وتفتقد الدبلوماسية، وغــيــر مــقــبــولــة، فــــإن مــحــاولــة اغــتــيــالــه عمل إجــــــرامــــــي، وأفــــــكــــــاره ســـتـــبـــقـــى ولــــــن تـــمـــوت. اآلن، على أميركا واألميركيني واجـب إحكام ربــــــط األحــــــزمــــــة؛ ألن الــــرحــــلــــة، مـــنـــذ إطـــــ ق الـــــرصـــــاص عـــلـــى املــــرشــــح تـــرمـــب وصــــاعــــدًا، سـتـكـون شــديــدة الـصـعـوبـة، دون خــرائــط أو بوصالت. فحني يدخل الرصاص من الباب، فـــي وضــــح الـــنـــهـــار، ال يــبــقــى مـــكـــان لــلــحــوار الديمقراطي السلمي. أميركا تعرف ذلك، فقد سبق لها خوض ذات املستنقع فيما مضى. حـــادثـــة مـــحـــاولـــة االغـــتـــيـــال، فـــي هــــذا الــوقــت تـحـديـدًا، والـعـالـم يهتز مرتجفًا فـــوق قرني ثور أهوج من هول ما يعصف به من أحداث وحــــــروب، تُــعـلـم بــاالنــعــطــاف نـحـو طــريــق ال عودة منه. وبالتأكيد، لو نجح القاتل في مهمته، لــــكــــانــــت أمــــيــــركــــا اآلن فـــــي وضـــــــع ال يــمــكــن التنبؤ بـه. لكن في آخـر لحظة، نجا املرشح تــرمــب مـــن املـــــوت، ونــجــت أمــيــركــا كــذلــك من مــغـــبّـــة الـــســـقـــوط فــــي مـسـتـنـقـع حـــــرب أهـلـيـة ثـــانـــيـــة، وتـــنـــفّـــس الـــعـــالـــم الـــصـــعـــداء مــؤقــتــ . نـجـاة الـرئـيـس الـسـابـق واملـــرشـــح الـرئـاسـي ترمب من االغتيال ال تعني أن األمور ستعود إلــــى ســـابـــق عــهــدهــا، وكـــأنـــه ال شــــيء حـــدث؛ فـــهـــذا غـــيـــر مـــمـــكـــن، إن لــــم يـــكـــن مــســتــحــيــ ً. مــنــذ يــــوم الــســبــت املـــاضـــي وصــــاعــــدًا، حتى نوفمبر 5 موعد االنتخابات الرئاسية يـوم ، نـــحــن مــــوعــــودون 2024 ) (تـــشـــريـــن الـــثـــانـــي بـــتـــغـــيُّـــر فــــي الـــســـيـــنـــاريـــو، وتــــغــــيُّــــر فــــي لـغـة التخاطب والحوار بني املرشحني الخصمني وأنـــصـــارهـــمـــا. وأعـــتـــقـــد أن املــــرشــــح تـــرمـــب، كالعادة، سوف يعمل على استغالل الحادثة لحشد مـزيـد مــن األنـــصـــار، والـحـصـول على مزيد من أمـوال التبرعات، وتوسيع الفجوة فــــي اســـتـــطـــ عـــات الـــــــرأي الــــعــــام بــيــنــه وبـــ خصمه الـرئـيـس جــو بــايــدن. هـــذا مــن جهة. من جهة أخرى، سيجد الرئيس بايدن نفسه مـحـصـورًا فــي زاويــــة ضـيـقـة، إلثــبــات بـراءتـه مما حدث. هذا في حالة استمراره في معركة الترشح للرئاسة ولم يجر إبعاده. التقارير اإلعالمية األميركية نقلت إلينا تصريحات قـادمـة مـن معسكر املـرشـح تـرمـب تنسب ما حــــدث إلــــى الــرئــيــس بـــايـــدن وفـــريـــقـــه، بسبب مــــا صــــــدر ويــــصــــدر عـــنـــهـــم مــــن تــصــريــحــات مــنــاوئــة لـلـمـرشـح تـــرمـــب، تـصـفـه بــأوصــاف كــثــيــرة، وتـشـجـع عـلـى فــكــرة الـتـخـلـص مـنـه. املـرشـح دونــالــد تـرمـب، قـد ال يقبله كثيرون ســـواء داخـــل أمـيـركـا أم خـارجـهـا. ولنعترف بـــأن رجـوعــه املحتمل إلــى الـبـيـت األبـيـض ال يـحـمـل أخـــبـــارًا ســــارّة لكثير مــن األمـيـركـيـ ولكثير من قـادة بلدان العالم األخـــرى، لكنّه باق ويتمدد. ومن خالل متابعة الحمالت االنتخابية، يمكن القول إن حظوظه في العودة إلى البيت األبــيــض تــــزداد تـأكـيـدًا يــومــ إثـــر آخــــر، وفـي الـوقـت نفسه تتناقص حـظـوظ خصمه جو بايدن. ومن األسهل واألجدى لخصومه ومن يكرهونه البحث عن طريقة أو طـرق جديدة للتعامل معه، والسعي لتخفيف غلوائه إن أمكن، وعليهم واجب احترام إرادة الناخبني األميركيني؛ فهم أولى باختيار من سيقيم في أعوام أخرى. 4 البيت األبيض ملدة فــي الــقــرن الــرابــع عـشـر، وبـعـد عــودتــه األولــــى إلـى طـنـجـة، وصـــف ابـــن بـطـوطـة عــاملــ يـحـتـرق. تـنـهـار فيه القيم، وتتداعى املمالك واألمـصـار، وتشتعل الحروب بـــ املـــغـــول الـــتـــرك والــــفــــرس، والـــفـــرنـــجـــة واملـــســـكـــوف، وينتشر الطاعون في مصر والشام. وقتها، كانت أوروبا تستجر نسغ حضارة ممالك العالم، لتندفع في ثورتها الصناعية العلمية العظيمة! وخــــــ ل ســــــرده لـــســفــارتـــه بــــ األمـــــــم، وصـــــف ابـــن بـطـوطـة بــدقــة صــعــود الـعـصـبـيـات والــفــوضــى والـقـلـق والـخـوف االجتماعي، فـي عالم تنهار فيه املرجعيات واملؤسسات. وما كان ينقص كتاباته، كي تصير بحثًا سوسيولوجيًا راهنًا في صعود الشعبوية واالستبداد، إال استخدام بعض مصطلحاتنا الحديثة. ونـــحـــن نــنــظــر لــعــالــم الـــيـــوم املـــضـــطـــرب، ال يمكن تفادي استذكار حريق العالم زمن ابن بطوطة. فبحسب دولـــة 28 الـبـريـطـانـيـة عـــن IPO اســتــطــ عــات مـؤسـسـة في 58 متقدمة، تسود السوداوية عاملنا اليوم؛ إذ يعتقد املائة من مواطني هذه الـدول أن مجتمعاتهم تتراجع، فـــي املـــائـــة أن نـظـامـهـم الـسـيـاسـي معطل، 61 ويـعـتـقـد في املائة أن النخب السياسية واالقتصادية 67 ويعتقد فـــي املـــائـــة مـنـهـم إنـهـم 63 تـــديـــر ظــهــرهــا لـــهـــم، ويـــقـــول بحاجة لزعيم قــوي. وباملقارنة مـع بـدايـة الـقـرن زادت مرة. 200 األدبيات واملواقع التي تبث التشاؤم والحقد في املائة. وثلثهم يعيش 45 لذلك فاملراهقون اليائسون وحدة قاتلة ودون حب حقيقي. وحني يصبح الشباب خائفًا وغاضبًا وحزينًا ومتشائمًا، يصير أكثر بخالً، وأقل عطاء لآلخرين، وأكثر عنفًا وكراهية. يــــســــتــــوي فــــــي ذلــــــــك الــــشــــعــــبــــويــــون الـــيـــمـــيـــنـــيـــون والـــيـــســـاريـــون الـــذيـــن يــحــتــشــدون فـــي مــــد عــاملــي عــــارم. يــصــور الـيـمـ الـــبـــ د عـلـى شـفـا الـــكـــارثـــة: «هــــذا البلد على وشك الدمار الكامل». ويصور اليسار عامله املليء بالتشاؤم واالكتئاب والغضب و«الثورة». وما تثبته االستطالعات، هو أن صعود الشعبوية واالستبداد ليس مجرد انعطاف في املـزاج السياسي، بل ناجم عن غرق الشباب في اإلحباط والركود الروحي (الحاجة ملستبد منقذ وعادل). عندئذ يصبح التطرف السياسي بضاعة يعرضها القادة املتطرفون، بوصفها شكال من أشكال العالج االجتماعي. تــدل األبــحــاث على أن الـشـبـاب الـذيـن يشكون من الوحدة والعزلة في حياتهم هم أكثر عرضة بسبع مرات لالنخراط في التطرف السياسي، بل نجدهم يصعدون قمة الـتـيـارات املتطرفة، فالتطرف السياسي يـزودهـم بـالـهـدف، فيما يـبـدو حــ ألزمتهم النفسية، وتفريغًا لـحـنـقـهـم، وانــتــقــامــ مـــن اآلخـــــر. إنــهــا آلــيــة تعويضية ملجابهة اإلحباط والشعور الوهمي بالكفاية النفسية. فثمة حـرب بني الخير والـشـر، يمكن أن تمنح الشباب معنى وانتماءً. في هذه األيـام، ال يتطلب االنخراط في «النضال» العنيف املتطرف الذهاب لإلضراب، وال صعود الجبال في حرب العصابات، بل يكفي أن يجلس الشاب ساخطًا أمام شاشة الكومبيوتر، وينخرط في العنف والتطرف املجتمعي، لعل ذلـك يمأل فجوته الروحية الضاغطة، ليصير الـعـنـف الـسـيـاسـي إدمـــانـــ يــرطــب الــشــفــاه، وال يشفي الغليل قط. بـــحـــســـب الــــبــــاحــــثــــ االجــــتــــمــــاعــــيــــ واملــــشــــرعــــ الدستوريني، ال يمكن اعتبار القاعدة األخالقية املؤسسة للدولة مجرد عقد اجتماعي، يمكن تفكيكه سياسيًا، بل يفترض أن يكون عهدًا اجتماعيًا يرتقي فوق السياسة والديمقراطية، ليصبح عـهـدًا للهوية والقيمة العليا للدولة األمــة. هـذا العهد أشبه بالبديهيات الرياضية التي تسبق وتعلو على الرياضيات ذاتها وفرضياتها ونظرياتها، ومن دونها ال يمكن إثبات أي شيء. ينسج هـذا العهد قطبة، قطبة، في روح املجتمع واألمـــــة. وحـــ يـسـقـط تـسـقـط مـعـه روح األمــــة وعـهـود الحق واالنتماء، وتسقط الهوية. لكن األهم أنه عندما يـسـقـط هــــذا الــعــهــد تـسـقـط قـــاعـــدة األمــــــان والـتـضـامـن املجتمعي، لتصعد الفاشية والشعبوية واالسـتـبـداد على جثتها. وبغض النظر عن التدين واإليمان، تشكل هذه القيم البعد الثقافي والروحي لألمة، بل هي الوعاء الذي تسكب فيه قيم الحرية والتضامن املجتمعي. ومن دونه ال دولة وال أمة وال ديمقراطية. يــقــول أبـــراهـــام لـيـنـكـولـن: «إذا لـــم تـكـن الـعـبـوديـة خاطئة، فال شـيء خطأ». ومـع كل «استباحة ملنظومة الـعـدالـة والـقـيـم، وتـــراخ فـي مرجعية الخطأ والـصـواب يصبح كـل شــيء مستباحًا»، بــدءًا مـن الحب ووصــوال للوطن. ليفقد الشباب أرضية األمان، وينعزل ويتطرف. وفـــوق ذلــك تنمو ظـاهـرة أكـثـر خــطــورة؛ إذ تشير الـــــدراســـــات إلـــــى أن فـــرصـــة أطــــفــــال الـــطـــبـــقـــات الــفــقــيــرة فــي الـحـصـول عـلـى الــدبــلــوم هــي أقـــل خـمـسـ مـــرة من فرصة الطبقة املتوسطة والعليا. لينشأ لدينا تقسيم اجتماعي جديد يزيد يأس الشباب. إنه تقسيم بني من يعلمون ومن ال يعلمون. بني من لديهم شهادات عالية ومن ال يملكونها. نعم، يقتل التطرف الليبرالي، الليبرالية ذاتها. وبـــحـــســـب مــــســــوح الـــقـــيـــم الــــعــــاملــــيــــة، يـــنـــشـــأ نــــــوع مـن خـصـخـصـة الـقـيـم املـجـتـمـعـيـة، حـيـث يـتـحـرك الـشـبـاب جسديًا وروحــيــ، دون مرجعية وال هـــدى. وعـلـى هذه األرضية يزرع الشعبويون واملستبدون قيمهم البديلة الـتـي تـدعـي تـقـديـم طـريـق بـديـل لـلـخـ ص: «مــا عليكم إال أن تـوصّــلـونـي للسلطة وسـأعـيـد الـنـظـام لعاملكم»، و«لروحكم». مجابهة الشعبوية هي التحدي األخطر في العقد الراهن، وإال فإنها، من جديد، حريق ال ينتهي! هـــل يــجــد األمــيــركــيــون حــقــ مـشـقـة فـــي اخـتـيـار الرئيس القادم، للجمهورية، التي معها العالم يئن، ومن دونها يتألم؟ قـطـعـ ألــقــت مــحــاولــة اغــتــيــال الــرئــيــس الـسـابـق ترمب، املرشح األوفـر عن الحزب الجمهوري، الكثير مـن الـضـوء على مقام الـرئـاسـة، بعد أن كـاد مصيره يشابه أقدار رؤساء أميركيني سابقني مثل لينكولن، وغارفيلد، وماكينلي، وحديثًا جون كيندي. تــبــدو الـــواليـــات املــتــحــدة الـــيـــوم حـــائـــرة وقـلـقـة، تـشـعـر بــخــواء رئـــاســـي، ال سـيـمـا فــي ظــل مـرشـحـ ، ديمقراطي وجمهوري، ال يتقيدان بمقومات الرئاسة الحقيقية، وأهــم مـا فيها االستقامة والـحـرص على عدم الخطأ، والتفاهم وحب الناس، عطفًا على القدرة على رفع املعنويات وتوحيد الصفوف. يـخـبـرنـا املـــــؤرخ األمــيــركــي الـكـبـيـر، هـــــوارد زن، صـــاحـــب مـــوســـوعـــة «الــــتــــاريــــخ الـــشـــعـــبـــي لـــلـــواليـــات املتحدة»، كيف أن تـواريـخ أميركا بأجمعها تركَّزت دومــــ حـــول اآلبــــاء املــؤســســ ، والـــرؤســـاء املـنـقـذيـن، املخلصني، القادرين في أوقات املحن والشدائد، على اسـتـنـقـاذ أمـيـركـا أرضـــ وشـعـبـ ، مـمـا ينتظرهم من فـخـاخ مـنـصـوبـة، وبعضها قــد تسبب ذات مـــرة في حرب أهلية أولى، فيما يقول الراوي إن الثانية تكاد تكون على مرمى البصر ودون منظار. أي رئيس يعوز أميركا في حاضرات أيامنا؟ فـي فترة التأسيس، كـان هناك الجنرال جـورج واشنطن، الرجل املمتلئ حكمة، والذي خلّص بالده من حكم اإلنجليز، وحصل على االستقالل، ورغم ذلك اكتفى برئاستني فـقـط، ولــو أراد لبقي رئيسًا مدى الحياة، لكنه فضل تسليم الراية لخلفه، جون آدامز. عرفت أميركا رئيسًا مقدامًا، إنسانًا في مظهره ومـــخـــبـــره، أبــــراهــــام لــنــكــولــن، مــحــرر الـــرقـــيـــق، وبـطـل الحرب األهلية الذي منع االنقسام الشرس، حتى وإن كلفه األمر حياته. رؤســـــــــاء أمــــيــــركــــيــــون كــــثــــر، يـــمـــكـــن لــــلــــقــــارئ أن يتوقف معهم وأمـامـهـم فـي هــذه األوقــــات العصيبة فـــي الــــداخــــل األمـــيـــركـــي، لــيــس آخـــرهـــم روزفــــلــــت في زمـــــن األزمــــــــة االقــــتــــصــــاديــــة الـــطـــاحـــنـــة، وكـــــارتـــــر فـي خـضـم مــأســاة فـيـتـنـام وفـضـيـحـة ووتــرغــيــت، هــؤالء جميعهم استطاعوا أن يوحدوا األميركيني وراءهم، ليتجاوزوا هوة الخالفات السحيقة. لـم تقتصر فـكـرة املنقذ على مـجـال السياسة األميركية الداخلية فحسب، بل ترسخت في بناء الــثــقــافــة األمــيــركــيــة كـــلـــه، وقــــد تــعــلّــم األمــيــركــيــون كيف ينظرون إلى النجوم والقادة الخبراء في كل مـجـال مـتـنـازلـ عـن قـوتـهـم ومقللني مــن قدرتهم ومــتــنــاســ أنــفــســهــم، طـــاملـــا وجــــــدوا مـــن حـولـهـم الفارس املغوار، ذلك القائد القادر على عبور نهر الروبيكون بأقل قدر من الخسائر، متجنبًا تصدع البنية الهيكلية للنظام الفيدرالي. غير أن صفحات التاريخ األميركي حافلة كذلك بـأوقـات يرفض فيها األميركيون هـذه الفكرة، فكرة انتظار غودو، ويثورون ضدها. تـاريـخـيـ ، تــم احـــتـــواء كــل حــركــات الـتـمـرد التي قامت فـي الـداخـل األمـيـركـي، منذ قمع لنكولن تمرد جنراالت الجنوب، فالنظام األميركي من أكثر النظم في تاريخ العالم قدرة على التحكم، فهي دولة غنية بـــمـــواردهـــا الـطـبـيـعـيـة ومــهــاراتــهــا الـتـقـنـيـة وقـوتـهـا العاملة، وتستطيع أن تـوزع قليال من ثرواتها على مــواطــنــيــهــا، بــحــيــث تـــرضـــي غــالــبــيــتــهــم، مـــا يجعل السخط مقصورًا على أقلية مزعجة. هل يمكن للصراع األهلي الذي يتخلق في الرحم األميركية، هذه األيام، والذي أفرز لنا ماثيو كروكس، ، أن يــدخــل أمـيـركـا 15 - AR حــامــل الـبـنـدقـيـة اآللـــيـــة فــي دوامــــة عـنـف أشـــد هـــوال مــن زمـــن صـــراع الشمال والــــجــــنــــوب، وبـــخـــاصـــة فــــي زمـــــن الــتــســلــح الــــنــــووي، وصرعات الذكاء االصطناعي، ما يعني أنها ستكون نـهـايـة الـفـيـدرالـيـة وبـــدايـــة الـكـونـفـدرالـيـة فــي أفضل األحــــــوال؟ أم أنـــه سـيـكـون يـقـظـة للملمة األمـيـركـيـ وتصحيح املسار الدموي؟ أمــيــركــا الـــيـــوم فـــي انــتــظــار رئــيــس بـمـواصـفـات مغايرة عما هو عليه الحال، سيما أن كليهما حجر عـــثـــرة، ال زاويـــــة يـمـكـن الــبــنــاء عـلـيـهـا، مـــا يـعـنـي أن الـفـوضـى والـعـنـف يمكن أن يستتبعا مسيرتيهما في األشهر القليلة املقبلة، وقبل موعد االنتخابات الرئاسية. ال أحـــــد يـــرتـــضـــي الـــعـــنـــف الـــســـيـــاســـي املـــســـلـــح، والجميع يدين إزهـــاق األرواح، فهذه لغة عصابات املــافــيــا، ال األحـــــزاب الـسـيـاسـيـة املــؤدلــجــة املتنافسة بشرف في أزمنة عز فيها الشرف. نــــــرفــــــض مــــــحــــــاولــــــة اغــــــتــــــيــــــال تـــــــرمـــــــب، لـــكـــنـــنـــا نـتـوقـف طــويــ أمـــام مـــحـــاوالت شيطنته مــن جانب الـديـمـقـراطـيـ ، وتحميله بكل أوزار الـعـالـم، وليس أميركا فحسب. تـــرمـــب لـــيـــس مـــرشـــحـــ نـــمـــوذجـــيـــ ، ولـــــن تــكــون رئـــاســـتـــه لــــو فـــــاز بـــهـــا، بــــــردًا وســــ مــــ عـــلـــى أمــيــركــا واألميركيني، سيما في ظل روح االنتقام التي كانت تتملكه قبل محاولة االغتيال، فما بالنا بعدها، ومن »، يدرك 2025 صفحة، هي «مشروع 1000 يقرأ بتؤدة قـــدر االنــقــ ب املـقـبـل، والــصـــراع الــدمــوي املـتـوقـع مع الدولة العميقة. بايدن بدوره وحني يقطع بأن وصول ترمب إلى البيت األبيض لن يحدث إال على جثته، يظهر نموذج آل كابوني، ال توماس جيفرسون. ماذا لو طال تأخر ظهور غودو في البيت األبيض؟ غـــالـــب الـــظـــن لــــن تـــتـــأخـــر ثــــــورة حــــــراس الــنــظــام األميركي وربما سجنائه. Issue 16668 - العدد Wednesday - 2024/7/17 األربعاء OPINION الرأي 14 مجابهة الشعبوية هي التحدي األخطر في العقد الراهن وإال فإنها من جديد حريق ال ينتهي إميل أمين سمير التقي جمعة بوكليب هل ستكون الحادثة التي جرت يقظة للملمة األميركيين وتصحيح المسار الدموي؟ حظوظ ترمب في العودة إلى البيت األبيض تزداد تأكيدا يوما إثر آخر كما في زمن ابن بطوطة عالمنا يحترق ترمب... باق ويتمدد متى يظهر غودو في البيت األبيض؟

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==