issue16667

Issue 16667 - العدد Tuesday - 2024/7/16 الثالثاء ربما هناك عراقيل ومقاومة لعودة اليمين سياسيا لكن انتشار ثقافته الشعبوية هو ما يدعو للقلق الحل لن يكون إال لبنانياً... ولبنان لن يكون أولوية إال عند اللبنانيين أنفسهم يوسف الديني *إبراهيم العثيمين رامي الريّس OPINION الرأي 14 كان دائما انتخاب الرئيس اللبناني بمثابة ترجمة لتسوية خارجيّة ــ داخليّة عالقات أوروبا ويمينها المتطرف هناك مخاوف لألوروبيني داخل الحقلني الــســيــاســي والــثــقــافــي ال تـخـطـئـهـا الـــعـــ مع صعود اليمني املتطرف على مستوى انتشار اآليــديــولــوجــيــا والــثــقــافــة والـــحـــيـــاة الـيـومـيـة والــــشــــعــــارات املـــرفـــوعـــة تـــجـــاه شــركــائــهــم في املــواطــنــة مـــن ذوي األصـــــول غـيـر األوروبـــيـــة، فضال عن ملفات الهجرة والهوية والدين. هـزمـت فـكـرة اليمني املـتـطـرف فـي نسخة هتلر وموسوليني بعد انتهاء الحرب العاملية الـثـانـيـة، لـكـن الـفـكـرة ظـلـت كـامـنـة ومـتـجـذرة تنتظر الظروف املالئمة النبعاث نيرانها وإن بـأشـكـال مختلفة، كـمـا نــراقــب الــيــوم انبعاث الــيــمــ املـــتـــطـــرف بـنـسـخـتـه الــشــعــبــويــة ذات الشعارات املغرية لعدد كبير من األوروبـيـ فـــي املـــــدن الــطــرفــيــة بـشـكـل أســــاســــي، وداخــــل العواصم ضمن فئات عمرية وخلفيات تتصل بالقلق من األوضاع والفشل في أداء األحزاب السياسية. صــــحــــيــــح أن هــــــنــــــاك تـــــــجـــــــارب ســـابـــقـــة لحكومات يمينية فـي املجر وبـولـنـدا وحتى إيطاليا، لكن الشعبية الـجـارفـة الـيـوم تصل إلــــــى مـــنـــاطـــق جـــــديـــــدة، مـــثـــل مـــــا فـــعـــل حـــزب «تشيغا» اليميني املتطرف في البرتغال، الذي في املائة من األصوات 18 حقق فوزًا بأكثر من ليصبح ثالث أكبر حزب سياسي في البالد، وهو األمر ذاته الذي حصل مع صعود حزب 37 » الـيـمـيـنـي املــتــطــرف فـــي هــولــنــدا بــــ PVV« مقعدًا، وتشيع مقوالته 150 مقعدًا من أصـل حول الهجرة وعدم جدوى االتحاد األوروبي بني أوســاط املأخوذين بهذه الشعارات التي تأتي في وقت استثنائي على مستوى األزمة االقــتــصــاديــة واملـــخـــاوف األمــنــيــة الــتــي تعيد إنـتـاج مسألة االنـفـصـال عـن أوروبــــا، رغــم أن تـجـربـة «الـبـريـكـسـت» مـحـل جـــدل كبير حتى عند املتعاطفني مع اليمني املتطرف. والـــــســـــؤال الـــــــذي يـــعـــنـــي مــنــطــقــة الـــشـــرق األوســـــــط، هـــو ســـــؤال املــســتــقــبــل لـلـسـيـاسـات األوروبــــــيــــــة فــــي ظــــل صــــعــــود ثـــقـــافـــة الــيــمــ والـشـعـبـويـة الـقـومـيـة، وهـــو مــا يـعـنـي مـزيـدًا مـن الـحـالـة االنـعـزالـيـة والـتـقـوقـع على الـــذات، خـــصـــوصـــا مــــع تـــنـــامـــي تـــدفـــقـــات املــهــاجــريــن واالنـــكـــســـارات الـعـمـيـقـة فـــي مـفـهـوم املـواطـنـة للمواطنني من أصول عربية وإسالمية. عـلـى مـسـتـوى الــعــ قــات الــدولــيــة تـراجـع حــضــور أوروبـــــا فــي الــشــرق األوســــط بـعـد أن كـــان فــاعــ بشكل قـــوي مـنـذ الــحــرب العاملية األولى، إال أن الصراع واملنافسة الشرسة على الحضور والتأثير تكاد تكون منحصرة على الـــواليـــات املـتـحـدة والــصــ وروســـيـــا، بينما تحاول أوروبــا لعب دور املساندة لسياسات واشنطن، والتدخل بحلول جزئية ال تُعبر عن استراتيجية واضحة هدفها فقط منع اتساع دائـــرة الـنـزاعـات والـعـنـف، ومــا يتبع ذلــك من إفـ س ينتهي بنزوح أعــداد كبيرة بوصفهم مهاجرين، وهذا التدخل الفردي الذي ال يُعبر عـن رؤيـــة متحدة ألوروبــــا شهدنا مخرجاته الرديئة في التنافس اإليطالي - الفرنسي في ليبيا، وفشل مقاربة باريس للغرب األفريقي، وانحصار دورها في وساطة هشة في لبنان، وعــــــدم قــــــدرة االتــــحــــاد األوروبــــــــــي عـــلـــى لـعـب دور فــاعــل فـــي وقــــف الـــحـــرب الــوحــشــيــة على غــزة والفلسطينيني. ويمكن الـقـول أضعاف ذلــــك عــلــى ضــعــف دور أوروبــــــا فـــي الـــحـــد من التغول اإليــرانــي فـي املنطقة، وعسكرة كثير من البلدان من خـ ل بناء أذرع ميليشياوية مهددة الستقرار املنطقة. الــــبــــدايــــة فــــي لـــعـــب دور أوروبــــــــــي فــاعــل يـجـب أن يـبـدأ مــع األكــثــر نـجـاعـة وقــــدرة على إعــادة ترتيب االتـحـاد من خـ ل دول الخليج واالعـتـدال العربي وفي مقدمتهم السعودية، حـيـث تـسـتـطـيـع هـــذه الـــــدول املــســتــقــرة، الـتـي تعيش نهضة اقتصادية وفرصا واعــدة مما يؤهلها ألن تـكـون حلقة الـوصـل بـ الشرق والــــغــــرب مــــع عـــ قـــاتـــهـــا الـــتـــي تــشــهــد أفــضــل حاالتها مع الصني، وتوازنا استراتيجيا مع روسيا. فــرصــة االتـــحـــاد األوروبــــــي الـــيـــوم كبيرة لـــتـــجـــاوز حـــالـــة الــعـــطـــل مـــنــذ تـــوقـــف اتــفــاقــيــة التجارة الحرة بني دول مجلس التعاون لدول الخليج فــي التسعينات عـلـى خلفية ملفات حقوقية، يـدرك العقالء اليوم في املجتمعات الـغـربـيـة أنــهــا جـــزء مـــن حــالــة الـتـنـمـيـط الـتـي تحتاج إلى كثير من املراجعة وإعادة التقييم، وعـــــدم تـضـيـيـع الـــفـــرص الـحـقـيـقـيـة لـلـشـراكـة املبنية على االحترام املتبادل، ومراعاة مسائل الهوية والثقافة والسيادة، ومنح النقاشات حول أطر التعاون مجاال أرحب على مستوى االقــــتــــصــــاد املـــعـــرفـــي بـــمـــعـــنـــاه الـــشـــامـــل مـثـل االسـتـثـمـار، والتغير املـنـاخـي، وأمـــن الطاقة، والتنمية، وتثمني فضيلة االستقرار والسالم، وقدرة دول الخليج على لعب أدوار مهمة في خفض منسوب الصراعات، ونزع فتيل األزمة في أكثر من منطقة توتر. الـــــنـــــضـــــج فـــــــي إعـــــــــــــادة قـــــــــــــراءة الــــعــــ قــــة األوروبـيـة - الخليجية يعني ببساطة تثمني الــديــنــامــيــكــيــة والـــتـــجـــدد الـــــذي تـعـيـشـه دول الخليج، خصوصا مع السعودية التي تحقق تحوالت مذهلة باعتراف العقالء في أوروبـا عــلــى مــســتــوى الــحــوكــمــة والـــتـــحـــول الــرقــمــي، واملـــــنـــــاخ االســـتـــثـــمـــاري املـــــدعـــــوم بــســيــاســات تشريعية وقانونية صلبة. ربما هناك عراقيل ومقاومة لعودة اليمني سياسيا، لكن انتشار ثقافته الشعبوية هو ما يدعو للقلق، ويعيد لألذهان كلمة األديب األملــــانــــي غـــونـــتـــر غــــــراس عــــن مــعــضــلــة نــشــأة االتحاد األوروبـــي، حيث النزعة االقتصادية التي أهملت الهوية الثقافية. لبنان... الجمود كصخرة جلمود بـعـد مـــرور أكـثـر مــن عـــام ونـصـف عـلـى الـفـراغ الـــرئـــاســـي فـــي لـــبـــنـــان، مــنــذ نــهــايــة واليـــــة الـرئـيـس الـسـابـق مـيـشـال عـــون فــي أكـتـوبـر (تـشـريـن األول) ، وفـــشـــل مـجـلـس الــــنــــواب فـــي الـــقـــيـــام بــــدوره 2022 جلسة 12 فــي انـتـخـاب رئـيـس جـديـد لـلـبـ د خـــ ل عُقدت لذلك، ال يـزال الجمود مسيطرًا على املشهد الـسـيـاسـي الـلـبـنـانـي، وال تــــزال الـــقـــوى السياسية والطائفية في حالة استقطاب وخالف حاد، حالت حتى اآلن دون التوافق على رئيس للجمهورية. وفي محاولة لكسر الجمود والتوصل إلى حل يُنهي األزمـة، تسعى «اللجنة الخماسية» الدولية، الـــتـــي تـــضـــم كـــــ مــــن الـــــواليـــــات املـــتـــحـــدة وفــرنــســا والسعودية ومصر وقطر، عبر جوالتهم املكوكية لعقد اجتماعات مع رؤساء الكتل النيابية، لتسهيل الــــحــــوار بــــ هـــــذه األطــــــــراف وحـــثّـــهـــا عـــلـــى إخـــــراج االسـتـحـقـاق الـرئـاسـي مـن الــتــأزم بانتخاب رئيس لـلـجـمـهـوريـة، إال أن هـــذه الــجــهــود أيــضــا مـــا زالـــت تراوح مكانها، في ظل إصرار كل طرف على موقفه، مما يصعّب من مهمة اللجنة في إخـراج لبنان من أزمته الحالية. ورغم حدة األزمة الحالية وتزامنها مع تدهور اقتصادي واجتماعي كبير جدًا، وتوترات إقليمية وتــأثــيــراتــهــا الـسـلـبـيـة عــلــى لـــبـــنـــان، فــإنــهــا ليست جديدة على لبنان، حيث اعتاد لبنان لألسف على شغور املناصب القيادية مثل رئـاسـة الجمهورية ورئاسة الوزراء. وانتقال السلطة في لبنان دائما ما يصاحبها تشنج سياسي أو طائفي إال في حاالت استثنائية. وهـذا برأيي انعكاس حقيقي وتعبير عـــن مـجـمـوعـة مـــن الــعــوامــل املـتـشـابـكـة واملـتـرابـطـة لطبيعة النظام السياسي اللبناني وبنيته، وأزمة الفراغ الرئاسي ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، إن صــح التعبير. فالنظام الطائفي الـذي بـشـكـل رســمــي مـــن تخصيص 1926 أقـــــرّه دســـتـــور املناصب الرئيسية في الدولة على أساس الطوائف. ثــم جــــاءت الــحــرب األهـلـيـة الــدامــيــة الــتــي اسـتـمـرت عــامــا، لـتـكـريـسـهـا، ولَّــــدت الحــقــا آثـــارًا 16 أكــثــر مــن سلبية عـلـى بنية املجتمع اللبناني الـــذي أصبح يعاني االصـطـفـاف الطائفي واملـذهـبـي، وأسهمت بشكل كبير في إبـراز التصدع والترنّح في النظام السياسي وعدم قدرته على االستقرار. ونـــتـــيـــجـــة لــــهــــذه الــــحــــالــــة املـــســـتـــمـــرة مــــن عـــدم االســتــقــرار الـسـيـاسـي، شــهــدت مـؤسـسـات الــدولــة، خـصـوصـا األمــنــيــة مـنـهـا، تــرهــ واضـــحـــا، بسبب بروز انتماءات ووالءات إلى هويات ما دون الدولة أضحت تقوم مؤسساتيا مقام الدولة، وأثرت سلبا على قـــدرة الــدولــة على بسط سيطرتها. ف«حــزب ،2000 الــــلــــه»، بـــعـــد االنـــســـحـــاب اإلســـرائـــيـــلـــي عـــــام وبـسـبـب ضـعـف الـــدولـــة، تـــحـــوَّل إلـــى دويـــلـــة داخـــل الدولة. ولوال ضعف مؤسسات الدولة ملا استطاع التمدّد عموديا وأفقيا بهذا الشكل الذي شل قدرات الدولة على الحركة. ونعلم أن االغتياالت واألحداث املأساوية التي شهدتها الساحة اللبنانية، والتي كان «حزب الله» متورطا، بشكل مباشر أو غير مباشر فيها -بداية من اغتيال رئيس الوزراء األسبق رفيق الحريري في ، مــرورًا باغتيال الـلـواء وســام الحسن رئيس 2005 ،2012 فــــرع املــعــلــومــات لــقــوى األمــــن الـــداخـــلـــي فـــي - تعكس 2020 وصـوال إلى انفجار مرفأ بيروت في بـوضـوح هــذا الـتـرهـل املـؤسـسـاتـي. ف«حـــزب الله» اآلن يمثل القوة الوحيدة على الساحة السياسية اللبنانية واملهيمن على جميع مؤسسات الدولة. يقول فرنسيس فوكوياما، أحد أهم الفالسفة واملفكرين األميركيني املعاصرين، في كتابه «بناء الدولة... الحكم والنظام العاملي في القرن الحادي والـــعـــشـــريـــن»: إن جــوهــر الـــدولـــة هـــو فـــي مـقـدرتـهـا على فرض قرارها بالقوة. عندما خرجت الحركات السياسية الفلسطينية في األردن عن إطـار الدولة وبـــدأت تـهـدد الحكم فيها، تمكن األردن مـن إنهاء وجـــــود املــنــظــمــات الـفـلـسـطـيـنـيـة فـــي األردن، فيما .1970 عُرفت بـ«أحداث أيلول األسود» عام لــــــــذا، فــــــــإن الـــضـــعـــف فـــــي مــــؤســــســــات الــــدولــــة اللبنانية أتاح املجال للتدخل الخارجي في الشأن اللبناني، خصوصا التدخل اإليـرانـي عبر العالقة الوثيقة بـ«حزب الله»، مما أدّى إلى تعقيد املشهد اللبناني وتفاقم األزمـــات الداخلية، وجعل لبنان ساحة للصراعات اإلقليمية والتجاذبات الدولية، ومـنـصـة يستخدمها «حـــزب الــلــه» لتمرير رسـائـل التهديد اإليرانية لزعزعة استقرار املنطقة والتدخّل في شؤونها. الـحـل لـن يـكـون إال لبنانيا، ولـبـنـان لـن يكون أولــــويــــة إال عـــنـــد الــلــبــنــانــيــ أنـــفـــســـهـــم. املـجـتـمـع الــــدولــــي والـــــــدول الــعـــربـــيـــة، وعـــلـــى رأســـهـــا املـمـلـكـة العربية الـسـعـوديـة، حريصة على اسـتـقـرار لبنان وسيادته وأمنه وازدهــاره، وعودته إلى لعب دوره الــطــبــيــعــي وحــــضــــوره الـــدبـــلـــومـــاســـي والــســيــاســي ضمن محيطه العربي، لكن دون مراجعة لبنانية حقيقية وإصـ حــات جـذريـة فـي نظامه السياسي والدستوري، لن يكون قادرًا على التغلب على هذه األزمات وتحقيق االستقرار السياسي واالجتماعي املطلوب واسترداد الثقة؛ عربيا ودوليا. * كاتب سعودي رفض الحوار اللبناني ــ اللبناني... ما البديل؟ ال يستطيع لـبـنـان أن يـصـرف مــزيــدًا مــن الـوقـت على رصيف االنتظار. الوقت الـذي هُــدر في السنوات األخـيـرة تعطيال لالستحقاقات الدستوريّة وتأخيرًا ملـواعـيـدهـا املـفـتـرضـة؛ كـــان كـفـيـ بتحقيق كثير من اإلنـجـازات التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، ولكن انتظارهم يبقى من دون طائل. الخالف القائم حاليا بني القوى اللبنانيّة حيال قضيّة وطنيّة حيويّة للغاية؛ أال وهي انتخاب رئيس جـديـد للجمهوريّة بعد مـــرور أكـثـر مـن سنة ونصف أكـتـوبـر 31 الـسـنـة عـلـى الــشــغــور الــرئــاســي (بــــدءًا مــن )، هو خالف غير مبرر وفي غير 2022 ) (تشرين األول مـكـانـه تـمـامــا، ال سـيّــمـا أنـــه أدّى إلـــى تعطيل محطة دستوريّة في غاية األهميّة، تبعها شلل شبه تام في املؤسسات الدستوريّة خصوصا أن الحكومة القائمة حــالــيــا هـــي حــكــومــة تــصــريــف أعـــمـــال وغـــيـــر مكتملة الصالحيات، ومن املفترض أن تنحصر نشاطاتها في اإلطــار الضيّق لتسيير أمـور البالد بانتظار انتخاب رئيس جديد، وتاليا تشكيل حكومة جديدة. إذا كـــانـــت بــعــض األطـــــــراف تـــعـــد أن الــــحــــوار هو السبيل الوحيد للتفاهم على انتخاب رئيس جديد، فـــي حـــ تــجــاهــر أطـــــراف أخـــــرى هــــذا الــخــيــار وتــعــده بمثابة تـكـريـس ألعــــراف جــديــدة، وإذا كـانـت مـوازيـن القوى ال تتيح ألي من املعسكرات السياسيّة املتقابلة واملتعارضة أن تنفرد بانتخاب الرئيس (وربما هذا أفضل قياسا إلى طبيعة التركيبة اللبنانيّة املعقدة)؛ فــفــي نــهــايــة املـــطـــاف ال بـــد مـــن الــبــحــث عـــن مــخــرج ما للخروج من املأزق. عمليّا، لم يكن انتخاب الرئيس اللبناني في أي مرحلة مـن املـراحـل مـجـرّد عمليّة اقـتـراع ألصـــوات في صـنـدوق االنتخاب الخشبي (التصويت فـي البرملان الـــلـــبـــنـــانـــي ال يــــــزال «يـــــدويـــــا» رغـــــم تـــوفـــر الــتــصــويــت اإللــكــتــرونــي)، وقـلّــمـا شــهــدت االنــتــخــابــات الـرئـاسـيّــة الـلـبـنـانـيّــة تـنـافـسـا جــديــا خــــارج اإلطــــار الـفـولـكـلـوري (بـاسـتـثـنـاء تـلـك الـتـجـربـة الــفــريــدة الــتــي حـصـلـت في ؛ إذ فاز الرئيس سليمان فرنجيّة 1970 انتخابات عام -يومذاك- بفارق صوت واحد). بشكل دائـــم، كـان انتخاب الرئيس اللبناني هو بمثابة تـرجـمـة لتسوية خـارجـيّــة - داخــلــيّــة، وكـانـت تُــحــدد مـسـاراتـهـا والــخــيــارات الــرئـاســيّــة تـبـعـا لعمق تـأثـيـر الـ عـبـ الــخــارجــ وهـويـاتـهـم. لـطـاملـا كانت السياسة اللبنانيّة مخترقة، ولـو بدرجات متفاوتة. ولــــكــــن، دائــــمــــا كـــانـــت ثـــمـــة تـــأثـــيـــرات كـــبـــيـــرة لـ عـبـ الخارجني في قضيّة اختيار الرئيس اللبناني. بالتالي، إذا اتّسع «الهامش» املحلي في انتخاب الرئيس، فمن املفترض أن يُشكّل ذلك فرصة حقيقيّة للبنانيني للتحاور والـتـشـاور، وصـــوال إلــى التفاهم عـلـى هـويـة الـرئـيـس، بـــدل أن يـقـدّمـوا إلـــى اللبنانيني وإلــــــى الـــعـــالـــم صــــــورة بــشــعــة تــتــمــثّــل فــــي انـقـسـامـهـم الـعـمـيـق، وفـــي غــيــاب قــدرتــهــم الـسـيـاسـيّــة عـلـى إدارة شـــؤون الـبـ د، ومـمـارسـة السياسة فيها بمسؤوليّة وحـــكـــمـــة. ويـــحـــق لـلـبـنـانـيـ الـــتـــســـاؤل عـــن مستقبل بالدهم في ظل مشاهدتهم اليوميّة العجز السياسي عن إنجاز االستحقاقات الدستوريّة ال سيّما في ظل أزمة اجتماعيّة ومعيشيّة خانقة وغير مسبوقة، وفي ظـــل حـــرب مـسـتـعـرة فـــي جــنــوب الـــبـــ د تــنــذر بتوسع خطير ومخيف كل يوم وفي كل لحظة. ليست املرة األولى التي يخوض فيها اللبنانيون الــــحــــوار، ال، بـــل هـــم عـــقـــدوا الـــعـــشـــرات مـــن الـــطـــاوالت الـــحـــواريّـــة خـــ ل الـعـقـود املــاضــيــة، بعضها أدّى إلـى نتائج سياسيّة جـيّــدة، وبعضها اآلخــر بـاء بالفشل، وانـــتـــهـــى إلـــــى عـــــدم ســـيـــاســـي. بـــعـــض تـــلـــك الـــتـــجـــارب الحواريّة كان في الداخل والبعض اآلخر في الخارج. إال أن أيـا من األطــراف السياسيّة اللبنانيّة لم يُسجّل في السابق مواقف غريبة من نوع الخشية من تسجيل «سـابـقـة» فـي الــحــوار! مـــاذا عـن «الـسـابـقـات» األخـــرى؟ ملـــاذا لـم تكن املـشـاركـة فـي الــحــوار فـي املـــرات السابقة تـثـيـر الـــخـــوف والــقــلــق مـــن تـسـجـيـل سـابـقـة سـيـاسـيّــة معيّنة؟ باملنطق السياسي، هل يجوز أن يرفض أي طرف الـــحـــوار أو أن يـغـلّــف رفــضــه بــعــبــارات ومصطلحات سياسيّة تخفي هـدفـه األســاســي؟ وهــل يـجـوز أيضا ألطـــــراف أخــــرى أن تــربــط إنــفـــاذ األحـــكـــام الــدســتــوريّــة بـمـقـتـرحـات يـمـكـن تـــجـــاوز شـكـلـيـاتـهـا لــلــوصــول إلـى املبتغى األساسي؟ وإذا كانت بعض القوى اللبنانيّة متمسكة بمرشح مع (إلى حد تعطيل االستحقاق)، فهل يمكن للقوى املناهضة إعــ ن مرشحها الجديد بـــعـــد أن اســتــهــلــكــت و«حـــــرقـــــت» كـــثـــيـــرًا مــــن األســـمـــاء السابقة؟ مــشــكــورة دول الـلـجـنـة الـخـمـاسـيّــة (الـــواليـــات املـــتـــحـــدة األمـــيـــركـــيّـــة، وفـــرنـــســـا، ومـــصـــر، واملـمـلـكـة العربيّة السعودية، وقطر) على مواكبتها املتواصلة لـ سـتـحـقـاق الــرئــاســي الـلـبـنـانـي، ومــشــكــورة هـي؛ ألنـــهـــا تــتــولــى مـهـمـة يــفــتــرض أن تـــكـــون فـــي صلب مسؤوليّة األطــراف السياسيّة اللبنانيّة، ولعله من املفيد لها أن توسّع مروحة مشاوراتها مع أطـراف خـــارجـــيّـــة فــاعــلــة، بــمــا يــســاعــد فـــي إنـــجـــاز انـتـخـاب رئيس جديد للبنان!

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==