issue16667

OPINION الرأي 12 Issue 16667 - العدد Tuesday - 2024/7/16 الثالثاء وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com «العمال» البريطاني بين الديمقراطية والفشل؟ الـديـمـقـراطـيـة األوروبـــيـــة فــي خطر، ليس ملواجهتها عدوًا خارجيًا، بل بسبب نزيف داخلي ظهرت بــوادره بجالء عقب االنـــتـــخـــابـــات الــبــرملــانــيــة فـــي بـريـطـانـيـا، واالنـــتـــخـــابـــات الـــفـــرنـــســـيـــة، وانـــتـــخـــابـــات بـــــرملـــــان االتــــــحــــــاد األوروبـــــــــــــــي. الـــجـــامـــع املشترك بـن هـذه االنتخابات هـو فقدان الثقة بالديمقراطية وعجزها عن ضمان رفـــاهـــيـــة املـــــواطـــــن األوروبـــــــــــي. الـــروائـــيـــة البريطانية زادي سميث، نقلت هـذا العجز بـهـذه الـكـلـمـات املــعــبــرة: كـنـت أرى انـدهـاش األمـــيـــركـــيـــن كـــلـــمـــا حـــدثـــتـــهـــم عــــن الــطــبــابــة املجانية في بريطانيا، والتعليم الجامعي املــجــانــي، والـــرعـــايـــة االجـتـمـاعـيـة املـجـانـيـة، وكانوا يردون: هذا بال مقابل! أصـبـح البريطانيون يحنون إلــى زمن ولــــى، بــعــدمــا تــــردى وضــعــهــم االقـــتـــصـــادي، وتناقصت الـرعـايـة االجتماعية، لـدرجـة أن في 34 نسبة الفقر عند األطفال وصلت إلى املــائــة فــي شاسترفيليد، ثـانـي أفـقـر مدينة بـــريـــطـــانـــيـــة؛ هـــــذا ســبــبــه بــــالــــذات الــســيــاســة االقتصادية الليبرالية التي أغلقت املصانع، واملـنـاجـم، ثـم نقلها لـخـارج بريطانيا بحثًا عـــن الــعــمــالــة الـــرخـــيـــصـــة، وكـــذلـــك االنــحــيــاز لقطاع الـبـنـوك ورفـــع الـقـيـود عـنـه؛ مما أدى إلـــى أزمــــات مـالـيـة أفــقــرت شــرائــح كـبـيـرة من املواطني، وهزت مالية الدولة، والتغافل عن اتـسـاع الـهـوة بـن الـفـقـراء واألغـنـيـاء ثـم لوم الفقراء، واتهامهم بالكسل. وبدراسة بسيطة لــأصــوات االنتخابية البريطانية، نــرى أن أكــثــريــة وازنـــــة مـنـهـا صـــوّتـــت لـلــمــرة األولـــى لحزب اإلصـ ح اليميني املتشدد، املعارض للهجرة، واملـدافـع عـن التقاليد، والحضارة البريطانية؛ بذلك أصبح لدى هذه الشريحة حــــزب تـمـنـحـه أصـــواتـــهـــا، وســقــطــت مـقـولـة مـــهـــنـــدس حــــــزب الــــعــــمــــال، الـــــوزيـــــر األســـبـــق مـــانـــدلـــســـون، بـــــأن لـــيـــس أمــــــام هــــــؤالء مـلـجـأ ســــوى حــــزب الـــعـــمـــال. وفـــعـــ لـــم يــفــز نـــواب حزب العمال في مناطق الشمال البريطاني املهمش إال بأكثرية ال تتعدى املئات، بعدما كــانــت بـــــاآلالف؛ هـــذا يـعـنـي أن مـعـظـم نـــواب حـزب العمال سيجلسون في البرملان بدعم ثـ ثـة مــن بــن كــل عـشـرة نـاخـبـن، والفضل بذلك يعود لنظام الحزبي االنتخابي غير العادل والرافض للنظام النسبي؛ لذلك نال بينما 650 مقعدًا من أصل 411 حزب العمال في املائة، ونال 34 نسبة التصويت له بلغت مقاعد مقابل تأييد 5 حزب اإلصالح املتشدد فــــي املــــائــــة، ونــــــال حـــــزب الــديــمــقــراطــيــن 14 في املائة 17 مقعدًا مقابل نسبة 72 األحــرار من أصـوات الناخبي. هذا يفسر ملـاذا خسر حـزب اإلصـــ ح املتشدد، وملـــاذا حصد حزب العمال ثلثي املقاعد رغم قلة ناخبيه. يـــدرك زعـيـم حـــزب الـعـمـال هـــذا النقص الـديـمـقـراطـي؛ ولـهـذا أكــد فـي خـطـاب النصر أن املـــنـــصـــب الـــســـيـــاســـي لـــيـــس امــــتــــيــــازًا، بـل مــــســــؤولــــيــــة وواجـــــــــــب، وخـــــاطـــــب الـــــذيـــــن لــم يــــصــــوّتــــوا لـــــه احـــتـــجـــاجـــ عـــلـــى ســـلـــوكـــيـــات الــســيــاســيــن بـــأنـــه ســـيـــكـــون خــــــادم الـشـعـب وليس سيدهم، وناشدهم أن يحكموا على أفعاله وليس أقواله. هذا يمثل اعترافًا بأن فشله في تحسي األوضاع، واسترداد الثقة بالسياسيي سيعبّد الـطـريـق أمـــام وصـول اليمي املتطرف للسلطة. وكذلك دليل على أن حـــزب الــعــمــال سـيـعـود لـــجـــذوره كـمـدافـع عن العمال والطبقة الوسطى بعدما أصبح اليمي املتطرف ناطقًا باسم الفقراء والطبقة الوسطى، ليس في بريطانيا بل في فرنسا وغيرها؛ فمن كان يتصور أن تتحول ماري لوبان (العنصرية) إلـى اشتراكية وتحصد الـتـأيـيـد فــي مـــدن كـانـت حـكـرًا عـلـى األحـــزاب الـــيـــســـاريـــة. فـــاألمـــن الـــعـــام لــنــقــابــة الــعــمــال الفيدرالية في فرنسا، صوفي بينيه، أكدت أن نسبة كبيرة مـن الطبقة العاملة صوّتت ملاري لوبان إيمانًا بها ألن اليسار تخلى عن شعاراته واستسلم لرأس املال، وتعايش مع اتساع الالمساواة في البالد، ودعت اليسار إلى أن يكون ممثال للعمال. هذا التحول في بـريـطـانـيـا وبـــاريـــس تــكــرر فـــي أملــانــيــا بـفـوز حزب أملانيا البديل اليميني املتطرف املدافع عن املهمشي وثقافة البالد من خطر الغرباء املـــهـــاجـــريـــن، وتـــكـــرر فـــي هـــولـــنـــدا وإيــطــالــيــا وغيرها. هــــذه الـــتـــحـــوالت لـيـسـت عــرضــيــة إنـمـا تـــكـــشـــف عـــــن تـــغـــيـــر بــــنــــيــــوي فـــــي املــجــتــمــع األوروبـــــــــــي، وســـبـــبـــه عـــــامـــــ ن: اقـــتـــصـــادي، وثــــقــــافــــي. يـــتـــمـــثـــل االقـــــتـــــصـــــادي بـــاقـــتـــنـــاع املـواطـن أن العوملة الرأسمالية أفقرته، وان أصحابها اغتنوا على شقائه، ولم يلتفتوا ملجتمعاتهم وتنميتها، ويـتـمـثـل الثقافي بـتـجـاهـل خـطـر املــهــاجــريــن عـلـى الـحـضـارة األوروبـــيـــة جــريــ وراء يــد عـامـلـة رخـيـصـة؛ هذان العامالن أدّيـا، كما يقول الكاتب بيتر مــايــر فــي كـتـابـه «حــكــم الـــفـــراغ»، إلـــى فـقـدان «األحزاب الغربية االهتمام بالعامة، وفقدان العامة االهتمام باألحزاب السياسية». وقد تـولّــد عـن ذلــك فـــراغ فـي الـسـاحـة السياسية سارعت مللئه األحــزاب اليمينية واليسارية املـــتـــشـــددة. وتــكــمــن املـشـكـلـة فـــي أن الـيـسـار لديه حل اقتصادي وال يملك حال للثقافي، والـيـمـن املـتـشـدد لـديـه حـل للثقافي وليس لـــ قـــتـــصـــادي؛ والــســبــب أن الــيــســار مـعـولـم ثــقــافــيــ ، بـيـنـمـا الــيــمــن مــعــولــم اقــتــصــاديــ ؛ ولـــــهـــــذا ســـيـــفـــشـــ ن. هــــــذا ســـيـــدفـــع الــيــمــن املتشدد الستغالل العامل الثقافي لتبرير فشله، واليسار التهام اليمي بالعنصرية؛ مما سيشكل وصـفـة حتمية لـصـراع مرير، إذا لــــم يـــنـــجـــح حــــــزب الــــعــــمــــال، وســيــتــكــرر املشهد األميركي ذاتــه في أوروبـــا، وعندها ســيــضــحــك زعــــيــــمــــان: الـــــروســـــي فــ ديــمــيــر بــوتــن والـصـيـنـي شــي جينبينغ ويــقــوالن بشماتة: ألم نقل لكم إن الديمقراطية هالكة والحضارة الغربية آفلة؟ أحمد محمود عجاج الديمقراطية األميركية بخير... ولكن! اليمين قادم... حقا قادم تقاطعت لحظة الــصــراع الـداخـلـي، غير املـسـبـوق، داخـل الحزب الديمقراطي على استمرار ترشح الرئيس جو بايدن لوالية ثانية، مع محاولة اغتيال املرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب، خالل تجمع حاشد في والية بنسلفانيا، لــصــنــاعــة مــشــهــد كـــشـــف حـــــدة الـــضـــغـــوط الـــتـــي تـــتـــعـــرض لـهـا الديمقراطية األميركية. يصل تـومـاس ماثيو كــروكــس، الـشـاب العشريني الـذي أطــلــق الـــرصـــاص عـلـى تـــرمـــب، بـــن الـلـحـظـتـن بـشـكـل درامــــي. فـسـعـى ابـــن الـعـشـريـن عــامــ إلـــى الــتــدخــل الـعـنـيـف فـــي سـبـاق رئاسي يتنافس فيه مرشحان هما فوق الثماني من عمرهما، إنما يعكس التناقضات العميقة في املجتمع والسياسة. يُبرز هـذا التطور، التبعات الخطيرة للفجوة الجيلية الكبيرة بي األميركيي وقادتهم وما يمكن أن تؤدي إليه من مشاعر إحباط وتــطــرف واغـــتـــراب بــن الــشــبــاب، يفاقمها االسـتـقـطـاب الـحـاد والخطاب االنقسامي املثير الذي يسود املشهد السياسي. ولـعـل أكـثـر مـا يعكس هــذا االستقطاب تـغـريـدة الرئيس األســبــق بــــاراك أوبــامــا الـــذي تعمد وهـــو يستنكر االعـــتـــداء أ يـذكـر كلمة «اغــتــيــال»، وأوحــــى بـــأن أســلــوب تـرمـب السياسي هو ما أسهم في إيصال األمـور بي األميركيي إلى ما وصلت إليه، مقلال في الوقت نفسه من أثر محاولة االغتيال، بقوله إن إصابة ترمب كانت طفيفة! بيد أن اإلمـعـان في نعي الديمقراطية األميركية يحتاج إلى أكثر من محاولة اغتيال أيًا تكن خطورتها، ويحتاج إلى أكــثــر مـــن لـحـظـة تـشـنـج سـيـاسـي قــصــوى كـالـلـحـظـة الــراهــنــة. ولعلها من املفارقات أن صراعات الحزب الديمقراطي مع نفسه والـــــردود الـــصـــادرة بـعـد مـحـاولـة اغـتـيـال تــرمــب، تـشـيـران في الوقت نفسه إلى ما تختزنه هذه الديمقراطية من مرونة عميقة الجذور على مستوى القيم واملؤسسات. فالجدل داخل الحزب الديمقراطي وبي األميركيي عامة، حـــول تـرشـح بــايــدن وتـسـلـيـط الــضــوء عـلـى املـــخـــاوف الكبيرة بشأن عمره وقدرته على التواصل وكفاءته العامة في الحكم لـفـتـرة أخــــرى، هــو تـمـامـ مــا يتوقعه املـــرء فــي الـديـمـقـراطـيـات الـسـلـيـمـة. فـالـتـعـبـيـر الـعـلـنـي عــن الــشــكــوك، رغـــم مـــا أثـــــاره من انقسامات واضحة داخل الحزب، واألدوار الحيوية التي لعبها ويـلـعـبـهـا حـزبـيـون ومـتـبـرعـون وشـخـصـيـات عــامــة، للضغط باتجاه التنحي، يمثل جوهر الديمقراطية الفاعلة، أي الحق والقدرة على مساءلة القادة. ولعل املقالة الالذعة التي كتبها النجم السينمائي جورج كلوني في صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو أحد أشهر داعمي بــايــدن، هـي املـثـال األبـــرز على الطبيعة التشاركية الحاسمة للديمقراطية األميركية. كتب كلوني يقول إن «جو بايدن الذي كنت معه قبل ثالثة أسابيع في حفل جمع التبرعات لم يكن ، ولم يكن حتى جو بايدن 2010 الشخص نفسه الذي عرفته عام ، بل كان نفس الرجل الـذي شهدناه جميعًا 2020 ذاتـه في عام في املناظرة». واألهـم أن كلوني كشف بال أي حرج عن «أن كل ديـمـقـراطـي بـــارز تـحـدث معه يـعـرف كـل هــذا –ســـواء كــان على استعداد لالعتراف بذلك علنًا أم ال». في املقابل، صحيح أن محاولة اغتيال ترمب تسلط الضوء على احـتـمـاالت العنف املــروعــة الـتـي يستدرجها االستقطاب السياسي الـقـاسـي الــراهــن فـي أمـيـركـا، إال أن اسـتـمـرار ترمب في نشاطه السياسي ومشاركته في املؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي انطلق أمس، واالستجابة السريعة والفعالة من قوات إنفاذ القانون، واإلدانات الواسعة والعابرة لالنقسام الحزبي التي قوبل بها االعتداء، تبرز مرونة وقوة املؤسسات الديمقراطية، املصممة لحماية النظام العام. يوفر هذا الحدث لـحـظـة لـلـتـأمـل فـــي قـــوة وقـــــدرة الـديـمـقـراطـيـة األمــيــركــيــة على التحمل والتكيف، ووحــدة والـتـزام الطيف السياسي بأكمله، مـــبـــادئ الــديــمــقــراطــيــة وســـيـــادة الـــقـــانـــون وحــمــايــة الـعـمـلـيـات السياسية السلمية والقانونية. مــع ذلـــك مــن الـصـعـب الـتـكـهـن بــقــدرة املـجـتـمـع السياسي األمـــيـــركـــي عـــلـــى اســـتـــثـــمـــار هـــــذه الــلــحــظــة ملـــواجـــهـــة األســـبـــاب الجذرية لالستقطاب والتطرف السياسي الراهن. بل قد يكون مــن الـسـذاجــة االعــتــقــاد أن الــتــوتــرات الـسـيـاسـيـة فــي الــواليــات املتحدة ستخفّ، بسبب الجذور السامة للصراع. فاالستقطاب الـسـيـاسـي الـعـمـيـق واملـتـنـامـي عـلـى مـــدى الـعـقـديـن املـاضـيـن ال يُظهر أي عالمات على التراجع. االنقسامات الشديدة بي الحزبي الجمهوري والديمقراطي يغذّيها تنافر آيديولوجي حــــاد فـــي قــضــايــا رئــيــســيــة مــثــل الـــرعـــايـــة الــصــحــيــة والــهــجــرة وحيازة األسلحة الفردية وملفات الهوية العرقية والجندرية، الـتـي تفاقمت بسبب صـعـود وسـائـل اإلعـــ م الحزبية وغـرف الـــصـــدى عــلــى وســـائـــل الـــتـــواصـــل االجــتــمــاعــي الـــتـــي غــالــبــ ما تُضخّم الخطاب التحريضي واملعلومات املضللة، مما يجعل من الصعب العثور على أرضيات مشتركة. زد على ذلك أن رؤية الـخـصـوم السياسيي عـلـى أنـهـم تـهـديـدات وجــوديــة بـــدال من كونهم مواطني ذوي وجهات نظر مختلفة، بات هو السائد في الخطاب السياسي األميركي، مع كل ما يلحق ذلك من تغذية عقليات عـدائـيـة وإلـغـائـيّــة لــآخَــر، تُــبـدد الثقة فـي املؤسسات الديمقراطية وتُطيح بأُسس الحوار البنّاء، وتجعل التسويات، التي تحيا بها الديمقراطيات، مسألة أكثر صعوبة. الــديــمــقــراطــيــة األمــيــركــيــة ال تــــزال تـحـمـل عـــ مـــات الــقــوة الــراســخــة إال أنــهــا تـــواجـــه تــحــديــات غـيـر مـسـبـوقـة فـــي لحظة مــحــوريــة مـــن تــاريــخــهــا. إن قــدرتــهــا عـلـى الــصــمــود والـتـكـيـف ستكون حاسمة في تحديد مصير فكرة الديمقراطية نفسها مستقبالً. هناك نوعان من القضايا يحدّدان اتجاه الناخب الغربي؛ األول قضايا «وجودية»، والثاني قضايا «معيشية». الوجودية تشمل الحرب، أو الصراع الثقافي مع الشيوعية ســابــقــ ، ومــــع تـــيـــارات «الــــــــووك»، واإلســـــــ م الــســيــاســي حـالـيـ ، باإلضافة إلى مغذيات هذا الصراع، مثل الهجرة غير املشروعة، والتغير الديموغرافي. هذا النوع يعطيه الناخب األولوية في وقت األزمة، بينما يعطي القضايا املعيشية األولـــويــة فـي غير ذلــك مـن األوقــــات، مـن أراد قياس اتـجـاه الناخبي يجب عليه التفرقة بـن هذين النوعي، وأي منهما الحاضر خالل استحقاق انتخابي معي. بالنسبة للقضايا املعيشية، لـم تَــعُــد الـفـروق بـن أحــزاب الوسط واضحة للمواطن العادي منذ انهيار الكتلة الشيوعية، أحزاب اليسار انتقلت نحو الوسط على يد جيل من السياسيي، أبرزهم توني بلير في بريطانيا، وجيرهارد شرودر في أملانيا، تزامنًا مع رئاسة بل كلينتون في الـواليـات املتحدة. عُــرف هذا التوجه وقتها بالطريق الثالث. ومــن هـنـا، لـم يَــعُــد الـتـأرجـح الـبـنـدولـي الـبـطـيء بـن يمي ويسار الوسط في غياب األزمات الوجودية كافيًا لتحديد اتجاه أوروبــــا. الحظت فـي بريطانيا على مـــدار رُبــع قـــرن، أن املواطن صاحب املستوى املعيشي الشائع، يستفيد من منافع الرفاهية الوقتية تحت حكم يسار الوسط، وحي ترتفع فاتورة اإلنفاق االقتصادي إلـى مستوى ال تستطيع معه الـدولـة تحمّل تكلفة ، يعود إلـى يمي الوسط لضبط 2008 وعـودهـا، كما حـدث في االقتصاد، فإن مَل إجراءات التقشف وااللتزام الحكومي بترشيد اإلنــفــاق ذهــب إلــى يـسـار الــوســط. كما أن النخبة الـصـاعـدة في اإلعالم والبزنس، إن طال حكم حزب رئيسي، تسعى إلى إحالل الحزب اآلخر مكانه؛ بحثًا عن فرص جديدة في النفوذ، املوضوع أبـــســـط كــثــيــرًا مـــن الــتــفــســيــرات اآليـــديــولـــوجــيــة الـــتـــي يُسقطها املعلقون في منطقتنا على انتخابات يحسمها الناخب املتأرجح غير امللتزم حزبًا معينًا؛ شخصية زعيم الحزب، وكفاءة القيادة داخله، أهم من اآليديولوجيا. الحكم على اتجاهات الناخب يحتاج إلى مراقبة اختياراته فـي القضايا الـوجـوديـة، املـثـال األوضـــح كــان «الـبـريـكـسـت»، أو خـــروج بريطانيا مـن االتـحـاد األوروبــــي، هنا لدينا دليل على اتجاه الناخب البريطاني يمينًا، إثر شعوره أن تغيّرًا وجوديًا يحدث، وأن عليه التدخل ملنعه، الحظوا أن التصويت لصالح «بريكست» جاء على عكس رغبة النخبة على اليمي واليسار، وعلى عكس رغبة رئيس الوزراء، ممَّا أدى إلى استقالته. ثــم تـأكـد الـتـوجـه فــي املـرحـلـة الـتـي حــاولــت فيها النخبة عرقلة االختيار الشعبي، أو املماطلة في تحقيقه، فتكتَّل التوجه الـشـعـبـي، بـمـا فـيـه نــاخــبــون تـقـلـيـديـون لــحــزب الــعــمــال، خلف بوريس جونسون، بوصفه رمـزًا لـ«بريكست»، في االنتخابات العامة، إلى درجة مكّنت جونسون من اختراق «الجدار األحمر» ألول مرة منذ عقود طويلة، واالنتصار على حزب العمال في عقر داره. فـي تلك االنتخابات أنهى التكتل الشعبي مهمته، وأمَّــن إنجاز «بريكست»، الـذي كـان مدفوعًا في األســاس بالرغبة في مكافحة الهجرة القادمة عن طريق االتحاد األوروبـي، ومقاومة الهيمنة اآليديولوجية لليسار الليبرالي عبر املحكمة األوروبية، وإمالءات بروكسل. في االنتخابات التالية تخلَّى الناخبون عن مود األزمة، وعادوا إلى اختياراتهم البندولية العادية. االنتصار الكاسح ليسار الوسط في انتخابات بريطانيا األخيرة ساهمت فيه عدة عوامل؛ منها رغبة األكثر يمينية من ناخبي حـــزب املحافظي وأعـضـائـه فــي معاقبة الــنــواب الذين تجاهلوا الفريقي، وشكّلوا حكومة على مزاجهم، ومنها حصول حـــزب «اإلصــــــ ح» األكــثــر تــشــددًا فــي مـلـف الــهــجــرة، ومـواجـهـة اإلسالم السياسي على كتلة كبيرة من أصوات حزب املحافظي، ساعدت حزب العمال على حسم مزيد من الدوائر. يـخـطـئ إذن مـــن يـــقـــرأ فـــي انـــتـــصـــار الـــعـــمـــال الـــكـــاســـح في بـريـطـانـيـا، بـعـد أعـــــوام مــن حـسـم قـضـيـة «بــريــكــســت»، اتـجـاهـ جوهريًا نحو اليسار. تمامًا كما يخطئ من يقرأ في األكثرية، الـتـي حـصـل عليها الـيـسـار الــراديــكــالــي فــي انـتـخـابـات فرنسا األخـــيـــرة، نـهـايـة ملـوجـة أقـصـى الـيـمـن، هـــذا انـتـصـار جـــاء على حساب الوسط، ونتيجة إلجراء استثنائي في مواجهة مخاوف مـن حكومة يشكّلها أقـصـى اليمي. صـعـود أقـصـى اليمي في مقاعد 7 فرنسا مستمر، ومُنحَناه البياني إلى أعلى، حصل على سنوات ضاعَف هذا الرقم 7 ، واآلن بعد 2017 فقط في انتخابات مرة. 20 العامل املشترك بي بريطانيا وفرنسا هو الصعود الثابت للصوات املدافعة عن املصلحة الوطنية والقيم املحلية، واملحذّرة من اإلسالم السياسي وهيمنة «الووك»، بغض النظر عن نتائج االنتخابات، هذه ظاهرة غربية عامة، وإن اختلفت تفاصيلها من دولـة إلى دولـة، صعود ترمب على حساب املؤسسة السياسية التقليدية في الحزبي الجمهوري والديمقراطي يندرج تحت نفس الظاهرة، ونجاح النخبة السياسية املؤسسية في تهميش ترمب ثم جونسون، أو تأخير وصــول مارين لوبان إلـى موقع الـــصـــدارة لـيـس نـهـايـة املــطــاف، الـصـعـود مــن الـقـاعـدة مستمر، ولدينا اإلسالم السياسي واليسار الراديكالي ضامنان الستفزاز الرأي العام، وإشعاره بخطر وجودي يهدّد نمط حياته. نديم قطيش خالد البري

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==