issue16651

تـــومـــاس فـــريـــدمـــان يـــقـــول إنــــه بــكــى أثـــنـــاء املــنــاظــرة متأسفًا على حال صديقه بايدن ويدعوه لعدم الترشح، وجــــــون ســـتـــيـــوارت إعــــامــــي أمـــيـــركـــي يــــهــــودي يـــقـــول إن املــرشــحــن االثـــنـــن كــــان يــجــب أن يُــعــرضــا عــلــى اخـتـبـار املخدرات بدال من مناظرة سياسية! إنـــمـــا دعـــــك مــــن هـــــذا كـــلـــه، كـــانـــت املـــنـــاظـــرة مـحـزنـة ومؤسفة فعل وتدعو للبكاء حسرة وتحسرًا؛ ألنها كانت شاهدًا على ما تبقى من ظلل لإلمبراطورية األميركية، تـلـك الـتـي تـأسـسـت عـلـى يــد رجـــال حــن تـقـرأ مـداوالتـهـم تـعـرف أنــك أمـــام مـن هـو أهل 1789 لكتابة ميثاقهم عــام لتلك املـــداولـــة فــعــاً، إنـمـا مـنـاظـرة بــايــدن وتــرمــب كانت األسوأ منذ بدأت املناظرات العلنية املتلفزة إلى اليوم؛ أي منذ تلك التي كانت بي كيندي وريتشارد نيكسون عام ؛ لذلك حزن األميركيان ألنهما شاهدا مدى تدهور 1960 مستوى األحزاب السياسية املتحكمة في حياتهم. أهذان هما أفضل ما لدى األحزاب كي يمثل الواليات املتحدة األميركية؟ إذًا ما هو وضع من هم دونهما ومن لم يفز ولم يصل لرئاسة األحزاب؟ كيف قبل حزب سياسي عريق كالحزب الديمقراطي أن يـكـون رجـــل فـاقـد اإلدراك كـبـايـدن يمثله؟ وتـتـسـاءل: مــا الـسـبـب الــــذي دفـعـهـم إلـــى إحـــراجـــه وإحـــــراج أنفسهم واالنتظار إلى وقت املناظرة حتى يدركوا خطأهم ويقروا به؟ محاوالت التغطية على أخطائه كانت فاشلة منذ البداية، ولـم يكن ترمب لينجح لقوة منطقه وحجته، إنما نجح ألن من كان يناظره بالكاد يستجمع كلماته بعد تدريبات مرهقة. كان بايدن يدعو للرثاء وتشفق دقيقة. 90 عليه لكثرة ما نفخوا في روحـه كي يصمد أهذه هي أميركا؟ عمومًا، من منظورنا لم نعد ننتظر - كما السابق - املناظرة بي املرشحي، أو ننتظر نتائج يوم االنتخابات؛ فــأثــر تـلـك اإلدارات عـلـى حـيـاتـنـا قـــل ويــكــاد يـنـعـدم منذ «الربيع العربي»، والعلقة أصابها من الحزبي شرخ من الصعب إعادة ترميمه. منذ انقلبت علينا تلك اإلدارة الديمقراطية وسعت لفرض الجماعات اإلسلمية علينا كشعوب، ثم نجحنا كـــشـــعـــوب وأنــــظــــمــــة فـــــي أن نـــتـــصـــدى مـــعـــ ملــشــاريــعــهــا الفوضوية بقول كلمة «ال»، وسمعتها الواليات املتحدة منا كما لـم تسمعها مـن قـبـل؛ والـعـاقـة لـم تعد كسابق عهدها رغم كل محاوالت الترميم التي جرت في األعوام الـعـشـرة األخــيــرة، إنـمـا بحكم كــون تأثيرها على العالم أجـمـع بنسب مـتـفـاوتـة وفـقـ للمصالح املـشـتـركـة، بتنا ننظر إلى املتغيرات هناك لنعرف ملن سنقول «ال» وعلى ماذا خارج نطاق ما نتفق عليه. إنما بوجه عـام، سقوط اليسار؛ أي خسارة بايدن، يعني مثل بالنسبة لنا أن قضايا املثلية وقضايا املناخ لن تكون ضمن اهتمامات السياسة الخارجية األميركية، وذلـك يسعدنا ألننا لن نضطر إلـى مواجهة أي ضغوط في هذين امللفي، أما فيما يتعلق بملف حقوق اإلنسان فلم تعد الخارجية األميركية تجرؤ على أن تضع نفسها موضع املعلم وتصدر التقارير بخصوص هذه امللفات. عــــدا ذلــــك كـــانـــت فـــرجـــة مــمــلــة؛ ألنــــك كــنــت تــــرى أحــد املصارعي يترنح قبل أن يبدأ. فـــي الـحـقـبـة الـعـريـضـة املـنـصـرمـة الـتـي دامت قرنًا ونيّفًا، شهد العالم أربعة تطوّرات كــبــرى تـعـارفـنـا عـلـى تصنيفها انـتـكـاسـات كبرى. انـــدلـــعـــت الــــحــــرب الــعــاملــيّــة 1914 فـــفـــي األولى التي جاءت «تتويجًا» لم ينتظره أحد لــ «الـزمـن الجميل» فـي أوروبــــا. ذاك أنّــه منذ الـحـرب الفرنسيّة الـبـروسـيّــة وقـيـام الـوحـدة ، بـــدا أن الـــقـــارّة اسـتـقـرّت 1871 األملــانــيّــة فــي على حال واعدة. فحدودها الداخليّة رُسّمت، سيّما وأن إيطاليا شهدت هي أيضًا وحدتها فــي الـسـيـاق ذاتــــه. وبـعـدمـا صـــارت الـحـروب النابوليونيّة تنتسب إلـى مـاض بعيد جـدًّا، انــضــوت فــي ذاك املــاضـــي األحـــــداث الــثــوريّــة . لكن 1848 و 1830 الكبرى كالتي عرفها عاما «الـــزمـــن الـجـمـيـل» كـــان أيــضــ زمـــن بحبوحة اقــتــصــاديّــة شـــرع الــســكّــان مـعـهـا يـحـصـدون ثمار الثورة الصناعيّة، وكان زمن تقدّم علمي وتقني هائل ربـط للمرّة األولــى في التاريخ بي أطراف العالم، بالطرق والجسور وسكك الـحـديـد والــقــنــوات، فـضـا عــن ربـطـه أطـــراف الــبــلــدان األوروبـــيّـــة نـفـسـهـا. وعـلـى الصعيد السياسي كان يتبدّى أن النمط الديمقراطي شرع يستقر ويتمدّد، وأن روسيا القيصريّة املــتــأخّــرة، املـنـزويـة فــي الــشــرق، تـغـدو أشبه باستثناء مُنفّر كبير. وبـــعـــد تــأســيــس «عــصــبــة األمــــــم»، الـتـي اســتــوحــاهــا الـــرئـــيـــس وودرو ويـــلـــســـون من أفكار إيمانويل كانط (وكان ويلسون أستاذًا في برينستون يـدرّس فلسفة كانط)، تراءى أن قـواعـد جـديـدة قـد ارتسمت لعالم مـا بعد الـــحـــرب الــعــاملــيّــة األولـــــى، وأن الــقــواعــد هـذه سوف تقي بشر املعمورة الحروب والكوارث. لـكـن ال. فـالـتـوحّــش الـــنـــازي والــفــاشــي أمسك بعنق أوروبا وهدّد العالم بأسره، فيما كانت الستالينيّة تصلّب نموذجًا بالغ االستبداديّة فـــي حـكـم املـــايـــن. وفـــي آخـــر املـــطـــاف جـــاءت الـــحـــرب الـــعـــاملـــيّـــة الــثــانــيــة تـــرفـــع عــــدد قتلى الحروب من تسعة مليي في الحرب األولى إلى ما بي خمسي وستي مليونًا، كما تزيد نسبة املدنيّي القتلى إلى املقاتلي بمعدّالت غير مسبوقة. وانــتــهــت الـــحـــرب تـلـك بـهـزيـمـة الــنــازيّــة، ثـــــم نـــشـــأت األمــــــم املـــتّـــحـــدة وريــــثــــ لـــــ «عـصـبـة األمـم» أصلب منها وأفعل، وكانت محاكمات نــورمــبــرغ، كـمـا انـتـشـرت صــرخــة «لـــن يحدث ثـــانـــيـــة أبـــــــدًا» بــوصــفــهــا درســــــ مـــســتـــفـــادًا مـن املــحــرقــة الــيــهــوديّــة، وبـــــدوره طــــوّر الـقـانـونـي الـبـولـنـدي نـظـريّــة فـي «اإلبــــادة» أُقــــرّت دولـيّــ ، وهذا فيما كانت تنطلق، ابتداء بالهند الكبرى ، حركة االستقلالت ونزع االستعمار 1947 في فـــي «الــعــالــم الـــثـــالـــث». لــكــن سـريـعـ مـــا أطـلّــت االنتكاسة الثالثة، من أملانيا ومن كوريا، مع نشوب الحرب الباردة في فجر الخمسينات. وبوضع األخيرة أوزارهــا أواخـر الثمانينات، وانــهــار الــجــدار الشهير، عــم الـتـفـاؤل بشيوع الـــديـــمـــقـــراطـــيّـــة وزوال األنـــظـــمـــة الــعــنــصــريّــة وتسوية املشكلت اإلقليميّة املزمنة. وبالفعل تـحـقّــقـت إنـــجـــازات عـلـى هـــذا الـصـعـيـد، إال أن املــــذابــــح، املــصــحــوبــة بــانــهــيــار الــــــدول، راحـــت تـتـسـارع هــي األخــــرى عـلـى صعيد آخـــر. فمن الــبــوســنــة وروانـــــــدا ومــيــانــمــار إلــــى أوكــرانــيــا وسوريّا وغزّة والسودان...، تبي أنّه «يحدث ثانيةً» بالفعل، وأن الحرب الباردة لم تنته إال لـتـبـدأ حـــروب سـاخـنـة كـثـيـرة فــي سـائـر بقاع األرض. وفـي اآلن نفسه، استولت الشعبويّة على السياسة في األغلبيّة الساحقة من بلدان العالم املـؤثّــرة وفـي الكثير مـن عموم بلدانه. وها هي املباراة الرثّة واملحزنة بي مرشّحي الــرئــاســة فــي أمــيــركــا، أو نـتـائـج االنـتـخـابـات األوروبـــيّـــة فـي فـرنـسـا، تُنبئنا بـــأن السياسة تـــعـــانـــي األمـــــرّيـــــن فــــي الـــبـــلـــدان الـــتـــي ابــتــكــرت السياسة بمعناها الحديث. بطبيعة الـحـال تحظى أعـمـال التعليل والسببيّة، وعلى نحو دائم، بأهميّة مطلقة، لكن ربّما بات مطلوبًا أيضًا قدر من التواضع أكـبـر، قــدر نقتنع معه بــأن تحليل املشكلت لـيـس بــالــضــرورة حــــا لــهــا، خـصـوصـ متى تــــولّــــى الـــتـــحـــلـــيـــلُ، بـــهـــمّـــة اإليـــديـــولـــوجـــيّـــن العُتاة، تنصيب سبب واحد وحيد تُفسَّر به املشكلت من غير استثناء. ذاك أن فــــي وســـعـــنـــا، ونـــحـــن نـحـصـي األسـبـاب، أن نعد كـل عنصر تقريبًا بوصفه مـــالـــك ســـهـــم فـــي االنـــتـــكـــاســـات، والــكــثــيــر من تــــلــــك الــــعــــنــــاصــــر نــــقــــائــــض يـــنـــفـــي واحـــــدُهـــــا الـــثـــانــي. فــمــن نــقــص الــتــحــديــث إلــــى اإلفــــراط فــي الـتـحـديـث، ومـــن الـاعـقـل إلـــى العقلنيّة الصافية، ومن تفكّك اإلمبراطوريّات إلى بناء االمبراطوريّات، ومن إنشاء املستعمرات إلى الفشل في امتلك مستعمرات، ومـن تصدير الرساميل إلى االمتناع عن تصديرها، ومن النيو ليبراليّة إلى الشيوعيّة، ومن اإلسلم السياسي إلى رُهاب اإلسلم، ومن اللساميّة إلــى الصهيونيّة، ومــن امّــحــاء الـهـويّــات إلى انـتـفـاخـهـا...، تــزدحــم أســبــاب صـالـحـة كلّها ألن تـفـسّــر انـتـكـاسـاتـنـا الـسـابـقـة والــراهــنــة. فـكـأنّــنـا، نـحـن الـبـشـر، يستولي علينا عجز باهر عن تحديد نقاط تتوازن عندها املعاني واملــســؤولــيّــات وعـــن اإلقــامــة فـيـهـا، أو البناء عليها. وإذا اســـتـــبـــعـــدنـــا الــــكــــام فــــي «طـبـيـعـة البشر» و»طبائع الشعوب» و»أصـــل الـشـرّ»، بقي أن قـــدْرًا مـن الــا أدريّـــة التحليليّة ربّما كان مفيدًا، خصوصًا وأن ما نسمّيه انتكاسة إنّما يتبدّى جـزءًا من التاريخ ال يقل أصالة ورســوخــ عـمّــا نسمّيه صـعـودًا أو تـقـدّمـ أو اســتــقــرارًا أو غـيـر ذلـــك مــن أســمــاء حسنى ال تعمّر أكثر ممّا تعمّر االنتكاسات. OPINION الرأي 12 Issue 16651 - العدد Sunday - 2024/6/30 األحد المناظرة األميركية... مصارعة مملة دفاعا عن قدْر من الال أدريّة في تحليل عالمنا وكيل التوزيع وكيل االشتراكات الوكيل اإلعالني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] املركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 املركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى اإلمارات: شركة االمارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 املدينة املنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب األولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية املوجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها املسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة ملحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي باملعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com حازم صاغيّة كأنّنا نحن البشر يستولي علينا عجز باهر عن تحديد نقاط تتوازن عندها المعاني والمسؤوليّات كانت فرجة مملة ألنك كنت ترى أحد المصارعين يترنح قبل أن يبدأ سوسن الشاعر املـــنـــاظـــرة الــرئــاســيــة األمــيــركــيــة األولـــــى بـــن «بـــايـــدن» و«ترمب» كانت بحق حديث العالم وشاغلة الناس، ملكانة أميركا بوصفها أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، ولسبب آخــر جـديـر بامللحظة، وهــو أنـهـا املـــرة األولـــى فـي التاريخ التي يظهر فيها أحد طرفي املناظرة وكأنه «خيال املآتة» أو «فزّاعة» الطيور، فهو شبه جامد ومتلعثم ومتردد وواجم في بعض األحيان، وهو ما جعل قيادات مهمة في الحزب الـديـمـقـراطـي تصف املـنـاظـرة بــ«الـكـارثـة» وتسعى إليجاد بديل عن «بايدن» حتى ال يخسر الحزب قواعده الشعبية، فضل عن االنتخابات الرئاسية املقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني). طروحات الحزب الديمقراطي أكثر تماسكًا وقوة مما مثله «بـــايـــدن» فــي املــنــاظــرة، ولـــو كـــان لـــدى الديمقراطيي شخص مثل «أوبـامـا» الختلفت نتيجة املناظرة، والسؤال املـــهـــم لــيــس عـــن مـسـتـقـبـل أمـــيـــركـــا، بـــل هـــو كــيــف اسـتـطـاع شخص بهذه القدرات أن يكون رئيس أميركا ألربع سنوات؟ وكــيــف أن الـــصـــراع غـيـر املـسـبـوق داخــــل أمـيـركـا قــد دفعها بــاتــجــاه انــتــخــاب شــخــص غـيـر قــــادر فعليًا عـلـى الــقــيــادة؟ مــع االعـــتـــراف الـكـامـل بـتـاريـخ «بـــايـــدن» الـسـيـاسـي الطويل والجدير باالحترام. في املقابل، كان ترمب في املناظرة حاضر الذهن حاد التركيز يتحكم فـي وقـتـه املخصص لـه بـن عــرض أفـكـاره والـرد على خصمه أو طروحات خصومه، ويحوّر األسئلة ملا يريد أن يقوله بذكاء، ويجول في معارك الفكر والسياسة كـاألسـد الـجـريـح، وبـغـض النظر عـن االتـفـاق مـع تـرمـب من عدمه، فإن الواضح والجلي في املناظرة أنه انتصر انتصارًا ال يجادل فيه أحدٌ، وترك قادة الحزب الديمقراطي في ريبة وارتــبــاك وتشتت بـن االسـتـمـرار فـي دعــم الرئيس الحالي «بايدن»، والتفتيش في مدة قصيرة جدًا عن بديل له يكون قادرًا على مواجهة «ترمب» في االنتخابات القادمة. ثمة أمر جدير بامللحظة، وهو أن «ديمقراطيي» العرب في بلداننا أو داعمي «الـحـزب الديمقراطي» األميركي من العرب، ملوثون فكريًا وثقافيًا وسياسيًا، وهم منتشرون في اإلعـام والثقافة وأكثر في «السوشيال ميديا»، ويشكلون ظــاهــرة جــديــرة بـــالـــدرس، بينما ال يــوجــد لـديـنـا مــؤيــدون حقيقيون لـ«الحزب الجمهوري» األميركي إال حاالت شاذة ال تشكل ظاهرة باملعنى السياسي واالجتماعي. هذه املناظرة غير املتكافئة كشفت عن كثير من املذيعي والصحافيي في وسائل اإلعـام العربية املحترمة، وأنهم مـنـدفـعـون خـلـف طــروحــات «الـيـسـار الـلـيـبـرالـي» األمـيـركـي بحماسة تثير االستغراب، فبعضهم عاجز عن رؤية ضعف «بــايــدن» الـــذي أقــر بـه قـــادة الـحـزب الديمقراطي وأقـــرت به كـبـرى وسـائـل اإلعـــام األمـيـركـيـة املـنـحـازة للديمقراطيي، وهـــم سـيـعـيـدون الـتـمـوضـع فــي املستقبل الـقـريـب حـتـى ال يكون انحيازهم مكشوفًا. فـــي تـغـطـيـة االنـــتــخـــابــات األمــيــركــيــة دائـــمـــ مـــا تـطـرح وسـائـل اإلعـــام العربية تـسـاؤال تقلبه فـي صيغ متعددةٍ؛ مفاده: ما موقف املرشحي للرئاسة أو الحزبي األميركيي من «القضايا العربية»؟ وهو تساؤل مخادع، ألنه يفترض أن ثـمـة «قــضــايــا» عـربـيـة وأن املــوقــف منها «مـــوحـــدٌ» عند جميع العرب، وهـذا افتراض غير واقعي وينتمي لألحلم أو األوهام ال للواقع السياسي القائم. ال يــــوجــــد مــــا يــمـــكــن تــســمــيــتــه «الـــقـــضـــايـــا الـــعـــربـــيـــة» فــي الـسـيـاسـة الـخـارجـيـة األمــيــركــيــة، فالحقيقة أن الـعـرب مختلفون تــجــاه غـالـبـيـة تـلـك الـقـضـايـا، ولــهــذا فالجامعة الـعـربـيـة فــي األصـــل مـؤسـسـة فـاشـلـة مـنـذ إنـشـائـهـا، ألنها بنيت عـلـى تـوحـيـد املــواقــف وهـــذا مستحيل، فــي ظــل دول وشعوب مختلفة املصالح والتوجهات، ولئن كانت القضية الفلسطينية مثاال لإلجماع العربي - على اختلفات معروفة تجاهها - فـــإن الـتـبـايـن فيما عــداهــا هــو الـغـالـب. وأوضـــح األمـثـلـة على ذلــك املـوقـف مما جــرى فيما كــان يسمى زورًا «الربيع العربي»، وهو ربيع الفوضى واإلرهاب، أو املوقف مما يسمى زورًا «محور املقاومة»، وهـو ال يعدو أن يكون غطاء للتوسع اإليراني في الدول العربية. على مستوى الدول ثمة «إجماع عربي» على «املبادرة العربية للسلم» مع إسرائيل، ولكن على مستوى الجماعات واآليـــديـــولـــوجـــيـــات والــتــنــظــيــمــات واملــيــلــيــشــيــات املـنـتـمـيـة لـ«املحور اإليراني» فثمة رفض لهذا اإلجماع العربي، وهذا الـرفـض يتجلى فـي كثير مـن وسـائـل اإلعـــام والـطـروحـات السياسية ولـه صــوت عــال وضجيج قـــادر على التشويش دائمًا على الحلول العقلنية والواقعية، وما املوقف تجاه الحرب اإلسرائيلية الظاملة تجاه غزة إال مجرد مثال، حيث قامت سوق املزايدات الفارغة والشعارات الجوفاء من بعض الكتاب واملثقفي العرب، الذين صمتوا صمت القبور بعدما تجلت كــل هـــذه الـفـظـائـع الـتـي خـدشـت الـشـعـور اإلنـسـانـي بأكمله. الــحــزب الــجـمـهــوري حــــزب يـمـيـنـي مــحــافــظ، والــحــزب الـديـمـقـراطـي حـــزب «لــيــبــرالــي» سـيـطـر عـلـيـه فــي الـسـنـوات األخــيــرة «الـيــســار الـلـيـبـرالـي» بـقـيـادة «أوبـــامـــا» الـــذي يعد «بـــايـــدن» امـــتـــدادًا لــطــروحــاتــه، والــيــســار الـلـيـبـرالـي تـغـوّل وتـضـخّــم فــي الــــدول الـغـربـيـة فــي الـعـقـود األخــيــرة وهـــو ما استدعى بمنطق التاريخ أن يتحرك اليمي، وهو ما يجري في غالب الـدول األوروبـيـة التي تشهد حاليًا صعودًا الفتًا لتيارات اليمي وأحزابه ورموزه. أخـــيـــرًا، فـانـتـخـابـات أمـيـركـا لـ مـيـركـيـن، ومـــا يهمنا منها هو مصالح دولنا واستقرارها. أميركا بين «خيال المآتة» و«األسد الجريح» انتخابات أميركا لألميركيين وما يهمنا منها هو مصالح دولنا واستقرارها عبد هللا بن بجاد العتيبي

RkJQdWJsaXNoZXIy MjA1OTI0OQ==