حملة أمنية في مصر لتوقيف «عصابات التسول»

بعد واقعة «الثقب الأسود» بالجيزة

ضبط عصابة للتسول في الجيزة (وزارة الداخلية)
ضبط عصابة للتسول في الجيزة (وزارة الداخلية)
TT

حملة أمنية في مصر لتوقيف «عصابات التسول»

ضبط عصابة للتسول في الجيزة (وزارة الداخلية)
ضبط عصابة للتسول في الجيزة (وزارة الداخلية)

نظّمت السلطات المصرية حملة أمنية لتوقيف «عصابات التسول»، على خلفية ما تم تداوله أخيراً، وأطلق عليه مستخدمو «السوشيال ميديا» اسم «الثقب الأسود»، ونشروا مقاطع فيديو تشير إلى مكان مريب تحت أحد الكباري في محافظة الجيزة (غرب القاهرة).

وأعلنت وزارة الداخلية المصرية «كشف ملابسات منشور مدعوم بمقاطع فيديو تداولها مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، تتضمّن وجود فتحة أسفل أحد الكباري، يتردد عليها أطفال ونساء وشباب، واتخاذها وكراً لاستغلال الأطفال في أعمال التسول».

وضبطت القوات الأمنية 20 شخصاً في دائرة قسم شرطة الأهرام بالجيزة (7 منهم لهم معلومات جنائية، وكان من ضمنهم 8 سيدات و5 أطفال)، وبحوزة 9 أشخاص منهم 9 أسلحة بيضاء، واتضح قيامهم باستغلال الأطفال الأحداث في أعمال التسول واستجداء المارة وبيع السلع بطريقة ملحة في المنطقة المحيطة بمكان ضبطهم، وفق بيان لـ«الداخلية».

وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، والتنسيق مع الجهات المعنية لإغلاق الفتحة المشار إليها، التي عُرفت إعلامياً بـ«الثقب الأسود»، واتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إيداع الأطفال إحدى دور الرعاية.

وكانت الأجهزة الأمنية كثّفت حملاتها لمكافحة جرائم استغلال الأحداث، وتمكّنت في وقت سابق من ضبط 23 شخصاً وسيدة، بينهم 14 لهم معلومات جنائية، بتهمة استغلال أطفال في أعمال التسول واستجداء المارة وبيع السلع بشكل ملح، وذلك في محافظتي القاهرة والجيزة.

ويرى أستاذ كشف الجريمة في «المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية»، الدكتور فتحي قناوي، أن «جرائم التسول موجودة في أماكن كثيرة، وهناك من يأخذون الأطفال ويجبرونهم على التسول». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الأمر يشوه الوجه الحضاري لمصر، ويحدث بطريقة مستفزة وغير إنسانية في بعض الأحيان، خصوصاً في الإلحاح أو بيع المناديل أو الورد». ويلفت قناوي إلى أن «الشرطة المصرية تحركت ضد هذا الأمر، وفق بلاغات أو فيديوهات عن (الثقب الأسود)، ولكن لم تقم بحملة موسعة ضد التسول عموماً، مع العلم أن الأماكن التي توجد بها تجمعات أو عصابات للتسول تكون للأسف بؤرة فساد وجرائم متنوعة».

وإلى جانب التحركات الأمنية أكد قناوي أهمية «الوعي المجتمعي ودوره في رصد هذه الأماكن والإبلاغ عنها، ومن يقوم بذلك فهو لا يحمي نفسه وأسرته فقط، بل يحمي المجتمع كله من أضرار تلك الظاهرة وتداعياتها، فطفل اليوم الذي يقع في أيدي هذه العصابات بالاختطاف أو الإجبار أو غيرهما، سيكون هو مجرم الغد الذي يهدد سلام المجتمع».

وأعلنت وزارة الداخلية من قبل بيانات لضبط قضايا التسول على مستوى الجمهورية، ومنها ضبط 20 ألفاً و703 قضايا تسول خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، واتخذت الإجراءات القانونية اللازمة بشأنها.

لقطة من الفيديو الذي نشرته «الداخلية» لـ«الثقب الأسود» (وزارة الداخلية على «فيسبوك»)

ويؤكد رئيس «المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة»، هاني هلال، أن «الحملات الأمنية ضرورة ملحة لوقف عصابات التسول واستغلال الأطفال، لكن أرفض تماماً إدانة الأطفال في هذا الصدد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك عصابات وأشخاص بالغون يستغلون الأطفال في التسول، فحين تحدث حملات أمنية للقبض الجماعي على الأطفال يجب إيداعهم مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو إعادتهم إلى أسرهم مع أخذ تعهدات على الأسر بحمايتهم، لكن تجب محاسبة العصابات المسؤولة عن استغلال الأطفال في التسول».

ولفت إلى أن وزارة التضامن الاجتماعي كانت تقوم بدور مهم في حماية الأطفال عبر الانتشار السريع، وقال: «نحتاج إلى استمرار هذا الدور من (التضامن الاجتماعي) بالتعاون مع (الداخلية)، وكذلك التوعية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، لإنهاء مسألة استغلال الأطفال»، مشيراً إلى «وجود منافذ كثيرة للإبلاغ، وليس بالضرورة الذهاب إلى قسم الشرطة، فهناك خط ساخن لوزارة التضامن، وهناك خط لنجدة الطفل، والمطلوب من المواطنين خطوات إيجابية والإبلاغ عما يرونه من مظاهر استغلال الأطفال؛ لأن هناك قطاعاً من الناس يتعاطف معهم، ولا يرى ما خلف هذا الطفل من عصابات تستغله».

ويُعدّ التسول جنحة في القانون المصري، ويُعاقب بالحبس 3 أشهر كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن 15 سنة على التسول، وكل من استخدم صغيراً في هذه السن أو سلمه إلى آخر بغرض التسول. وإذا كان المتسول والياً أو وصياً على الصغير أو مكلفاً بملاحظته تكون العقوبة الحبس من ثلاثة إلى ستة أشهر، وفق القانون رقم 49 لسنة 1933.

وتصف الخبيرة الحقوقية، رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، هبة عادل، الواقعة التي تم التعارف عليها بـ«الثقب الأسود» بأنها «من أصعب الوقائع التي تهدد أمن المجتمع وسلامة الأطفال والمرأة أيضاً؛ لأن الوكر الذي تم ضبطه كانت به مجموعة من النساء، فضلاً عن الأطفال الذين تم إيداعهم دور الرعاية».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الواقعة بها جانب إيجابي، وهو أن المواطن استخدم حقه المنصوص عليه في قانون العقوبات بالإبلاغ عن أي جريمة يراها، مثلما فعل الشخص الذي رأى هذا المكان المريب وصوّره ووثّقه، كما تُظهر الواقعة قوة (السوشيال ميديا) وأهمية وسائل التواصل التي أحياناً ما تكون إحدى أدوات ضبط الجرائم».

ولفتت الخبيرة القانونية إلى أن «التعامل الفعّال من وزارة الداخلية تجاه الواقعة من الإيجابيات، فقد تلقفت مقطع الفيديو وتحركت بأسرع وقت، لضبط الموجودين في هذا الوكر والتحفظ على الأطفال وتقديم الرعاية إليهم، والتحقيق مع المجرمين».

وأكدت أهمية استخدام المواطنين حقهم القانوني في الإبلاغ عن الجرائم التي يرونها، سواء عن طريق الشرطة أو «السوشيال ميديا»، أو موقع النيابة العامة الذي يتيح الإبلاغ إلكترونياً عن الجرائم دون حاجة المواطنين للتوجه إلى أقسام الشرطة. وأشارت إلى «ضرورة تنظيم حملات للتوعية المجتمعية، للإسهام في ضبط الجرائم عبر الآليات والأدوات المتاحة».


مقالات ذات صلة

طعن امرأة في رقبتها في مدينة برمنغهام البريطانية

أوروبا الشرطة البريطانية تعتقل متظاهراً في برمنغهام (د.ب.أ)

طعن امرأة في رقبتها في مدينة برمنغهام البريطانية

تعرضت امرأة للطعن برقبتها في «هجوم غير مبرر» بوسط مدينة برمنغهام البريطانية، حيث لا تزال حالتها حرجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا إبراهيم قدور شريف الجزائري المُدان بارتكاب جرائم (أ.ف.ب)

بريطانيا تقبض على جزائري بعد الإفراج عنه من السجن بطريق الخطأ

كشفت الشرطة البريطانية، اليوم الجمعة، أنها ألقت القبض على الجزائري المُدان بارتكاب جرائم جنسية، إبراهيم قدور شريف، بعد إطلاق سراحه من السجن عن طريق الخطأ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة ماشية تسير على طول منطقة تمت إزالة الغابات منها بشكل غير قانوني في محمية بالقرب من جاسي بارانا بولاية روندونيا في البرازيل 12 يوليو 2023 (أ.ب)

الإنتربول يعلن عن حملة عالمية جديدة لمكافحة الإزالة غير القانونية للغابات

أعلن الإنتربول وشركاؤه، اليوم (الأربعاء)، عن إطلاق حملة إنفاذ قانون عالمية تهدف إلى تفكيك الشبكات الإجرامية التي تقف وراء قطع الأشجار غير القانوني.

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)
يوميات الشرق الممرض السابق يُخفي وجهه أثناء محاكمته (د.ب.أ)

ألمانيا: السجن مدى الحياة لممرض أُدين بقتل 10 مرضى

أصدرت محكمة ألمانية، الأربعاء، حكماً بالسجن مدى الحياة بحق ممرض في الرعاية التلطيفية لإدانته بقتل عشرة مرضى ومحاولة قتل 27 آخرين بحقنة مميتة.

«الشرق الأوسط» (آخن (ألمانيا))
أوروبا رجال شرطة دنماركيون يقفون حراسة أمام محكمة المدينة في العاصمة كوبنهاغن (أ.ف.ب - أرشيفية)

الدنمارك توقف رجلاً يُشتبه بانخراطه في تسهيل تنفيذ هجوم ضد أهداف يهودية بألمانيا

ألقت السلطات في الدنمارك القبض، اليوم (الأربعاء)، على رجل يُشتبه في تعهده بتوفير أسلحة لتنفيذ هجوم ضد أهداف يهودية في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)

تامر حسني يعلن استئصال جزء من كليته

صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)
صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)
TT

تامر حسني يعلن استئصال جزء من كليته

صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)
صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)

كشف الفنان المصري تامر حسني عن مروره بأزمة صحية خلال الأيام الماضية، استدعت إجراء عملية جراحية عاجلة لاستئصال جزء من كليته أثناء وجوده في ألمانيا ضمن جولته الأوروبية، التي قام بها خلال الأسبوع الماضي وتضمنت فرنسا وهولندا وألمانيا.

وفي بيان نشره عبر حساباته الرسمية، قال تامر حسني: «لم أكن (أنوي) التحدث في أموري الشخصية، لكن بعد نشر الخبر، أحب أن أطمئنكم... أعاني منذ فترة من أزمة في الكليتين، ومنذ أيام اضطررت للدخول إلى غرفة العمليات فوراً، وتم استئصال جزء من الكلية».

جاء إعلان حسني عن مرضه بعد أيام قليلة من حفله الجماهيري الكبير في فرنسا، الذي شَكّل إحدى أهم محطاته خلال الجولة الأوروبية التي حضرها جمهور من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية، فيما تسببت كثافة الحضور في إغلاق محيط المسرح لساعات. وعبّر حسني عن دهشته من حجم التفاعل عبر حسابه بـ«إنستغرام»: «عددكم العظيم قفل شوارع فرنسا... فرحتوني من قلبي ونورتوني ورفعتوا راسي أمام تالية».

تامر حسني في إحدى حفلاته (حسابه على فيسبوك)

وروى الفنان المصري موقفاً جمعه بابنته تالية أثناء توجهه إلى المسرح، حين عبّرت له عن خوفها من عدم امتلاء القاعة: «قالت لي: يا بابا أنت معروف في الوطن العربي لكن ليس لدرجة فرنسا، قولت لها خليها على الله، وفعلاً ربنا فرحنا».

وقدم تامر حسني خلال جولته الغنائية مجموعة كبيرة من أهم وأشهر أغنياته منها «نور عيني، وملكة جمال الكون، وحلو المكان، ومعلمين، والذوق العالي».

وقال الشاعر رمضان محمد لـ«الشرق الأوسط» إن «تامر تحامل على نفسه بدرجة كبيرة حفاظاً على ارتباطاته الفنية خلال جولته الغنائية وبالتحديد أثناء حفله في فرنسا، حيث كان يعاني من آلام حادة ومستمرّة في الكليتين. ورغم ذلك، أصرّ على الصعود إلى المسرح واستكمال الحفل بالكامل دون تقليل أو تخفيف في فقراته الغنائية، ثم واصل جولته كما هي مُجدولة في هولندا وألمانيا؛ احتراماً للجمهور الذي حجز تذاكر الحفلات منذ أسابيع طويلة».

تامر يعلن تعرضه لمتاعب في كليته (حسابه على فيسبوك)

وأضاف أن «تامر أخبره بمرضه قبل نحو عشرة أيام، وقال لي إنه متعب للغاية وإن الأطباء نصحوه بالراحة، لكنه لم يكن قادراً على إلغاء حفلاته بسبب التزامه مع الجمهور. كما أوصاني بألّا أخبر أحداً، حفاظاً على مشاعر أولاده، وحتى لا يتسبب لهم الخبر في صدمة أو قلق غير ضروري».

وعلى الصعيد الفني، طرح تامر حسني مؤخراً أغنيته «من كان يا مكان»، من كلمات الشاعر طارق علي، وألحان كريم نيازي، وتوزيع مؤمن ياسر، التي استعاد خلالها ذكريات المسرح المصري ورموزه الكبار، من بينهم: سمير غانم، وفؤاد المهندس، وشويكار، وعبد المنعم مدبولي، وسهير البابلي، وجورج سيدهم وغيرهم من رواد الكوميديا الذين تركوا إرثاً لا يُنسى.


بعد زخم المتحف الكبير... مصر تسابق الزمن للانتهاء من «الآتوني»

المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

بعد زخم المتحف الكبير... مصر تسابق الزمن للانتهاء من «الآتوني»

المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

على الضفة الشرقية لنهر النيل في محافظة المنيا (صعيد مصر) يطل مبنى «المتحف الآتوني» الذي يترقب كثيرون افتتاحه ليستكمل الخريطة المتحفية للآثار المصرية، مستفيداً من زخم افتتاح المتحف الكبير والإقبال اللافت على زيارته راهناً.

المشروع الذي بدأ عام 2004 وشهد فترات توقف لأسباب عدة، من بينها التمويل، استؤنف العمل فيه أخيراً، «تمهيداً لافتتاحه في أقرب وقت ممكن»، حسب إفادة رسمية لوزارة السياحة والآثار منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عقب جولة تفقدية قام بها الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، محمد إسماعيل خالد، لمتابعة مستجدات مشروع «المتحف الآتوني»، ونقل القطع الأثرية إلى مواقع عرضها الدائم وفقاً لسيناريو العرض المتحفي المعتمد، واستعراض الأعمال الجارية لتطوير المرسى النيلي المخصص لاستقبال السفن السياحية، وممشى الزوار الممتد على النيل بطول 400 متر، إلى جانب البحيرات الصناعية والمسطحات الخضراء التي يجري تجهيزها لتتكامل مع تصميم المتحف ومحيطه.

وأوضح مؤمن عثمان، رئيس قطاع الترميم ومشروعات الآثار والمتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، أن «المتحف سيشكل نقطة جذب سياحي مهمة في المنيا، حيث سيتم ربطه بمواقع الآثار في المحافظة، كما سيشهد إقامة أول حديقة للنباتات التاريخية في مصر القديمة»، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المتحف سيكون إضافة للصعيد وسيعد أحد أهم متاحف المنطقة».

ويسلط سيناريو العرض المتحفي في القاعة الرئيسية الضوء على تاريخ محافظة المنيا عبر العصور وأبرز مواقعها الأثرية، بينما تتناول قاعات المتحف الأخرى عصر الملك إخناتون، وبدايات فكر العمارنة، وتاريخ الملك أمنحتب الثالث.

مشروع مهم

وعد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، «المتحف الآتوني» واحداً من «أهم» المشروعات الأثرية والثقافية في مصر، لأنه «يسلّط الضوء على فترة استثنائية في تاريخ مصر القديمة، وهي فترة حكم إخناتون ونفرتيتي وبناء (عاصمة التوحيد) أخيتاتون في تل العمارنة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الحقبة شهدت ثورة دينية وفنية غير مسبوقة، انعكست في فن العمارنة الذي يمتاز بواقعيته وإنسانيته وتمرده على القوالب الفنية التقليدية».

وأضاف عبد البصير أن «افتتاح المتحف سيغيّر وجه السياحة في محافظة المنيا تغييراً جوهرياً. فالمنيا تمتلك ثروة أثرية هائلة، لكنها لم تستطع عبر سنوات طويلة أن تستفيد منها بالشكل الأمثل لغياب مؤسسة متحفية كبيرة تكون نقطة انطلاق للمسار السياحي».

وتوقع عبد البصير أن «يجعل المتحف محافظة المنيا مقصداً رئيسياً لعشّاق التاريخ المصري القديم، حيث سيربط بين المواقع الأثرية الكبرى مثل بني حسن، وتونا الجبل، وتل العمارنة، وجبل الطير، في منظومة واحدة متكاملة، ما سيُسهم في جذب السياح في تنشيط الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل لأبناء المحافظة».

استئناف العمل في المتحف الآتوني بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وشهدت السنوات الماضية جولات تفقدية عدة لمبنى ومحاولات لاستكمال المشروع الذي تجاوز العشرين عاماً، آملين أن يدفع المتحف حركة الجذب السياحي في المنيا، لكن العمل في المشروع توقف عدة مرات، لأسباب مالية وسياسية.

وأرجع عبد البصير أسباب تأخر إنشاء المتحف إلى «عوامل متعددة، من بينها توقف التمويل في مراحل مختلفة، والتعثر في استكمال الأعمال الإنشائية والتجهيزية، إضافة إلى بعض التحديات الإدارية والبيروقراطية التي طالت المشروع»، مشيراً إلى «تأثر خطط افتتاحه بالظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال العقد الأخير».

كان وزير السياحة والآثار الأسبق الدكتور خالد العناني قال في تصريحات صحافية منتصف عام 2022 إن «إجمالي ما تم إنفاقه من المجلس الأعلى للآثار على مشروع إنشاء المتحف الآتوني بلغ 150 مليون جنيه حتى ذلك الوقت».

وتبلغ مساحة «المتحف الآتوني» حوالي 25 فدان؛ تشمل المبنى الرئيسي الذي يضم قاعات العرض الدائم، ومسرحاً، ومركزاً للمؤتمرات، ومكتبة علمية، بالإضافة إلى منطقة الخدمات السياحية، حيث المطاعم والكافيهات والبازارات، والممشى السياحي على النيل. وتم اختيار أكثر من موقع لبناء المتحف إلى أن تم تخصيص الموقع الحالي على الضفة الشرقية للنيل أمام مدينة المنيا.

ومن بين قاعات المتحف قاعة تحمل اسم «المنيا عبر العصور»، التي من المقرر أن يتم تخصيصها لعرض تاريخ المنيا منذ أقدم العصور وحتى العصر اليوناني الروماني، بالإضافة إلى باقي قاعات العرض التي سوف تخصص لسرد تاريخ فترة ما قبل العمارنة وفترة العمارنة وفلسفة الملك إخناتون في الترسيخ للديانة الآتونية، وفن العمارنة الذي يعتبر من الفترات المتفردة في الفن المصري القديم.


طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
TT

طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)

خطف الطفل التونسي هادي بن جابورية، بطل فيلم «الجولة 13»، الأنظار في «مهرجان القاهرة السينمائي» عقب عرض الفيلم، بفضل موهبته وحضوره الواثق في العمل الذي يجسّد من خلاله شخصية طفل يصارع مرض السرطان.

ويشارك الفيلم في مسابقة «آفاق السينما العربية» خلال الدورة الـ46 من المهرجان. وتدور أحداثه حول بطل الملاكمة التونسي «كمال» الذي يُنهي مسيرته الاحترافية، لكنه لا يُنهي تعلقه بهذه الرياضة، بل ينقل شغفه بها إلى ابنه الوحيد «صبري». ويستمد الفيلم عنوانه «الجولة 13» من عالم مباريات الملاكمة، غير أن مأساة تقع في حياة البطل، تشكّل إحدى أقسى هزائمه.

عُرض الفيلم مساء الاثنين بحضور نقاد وسينمائيين تونسيين وعرب، إضافة إلى طاقم العمل الذي يضم مخرجه محمد علي النهدي، ووالده الفنان التونسي الأمين النهدي الذي يشارك في مشهد واحد بالفيلم، والفنانة عفاف بن محمود، والطفل هادي. وقد أُنتج الفيلم بدعم من وزارة الثقافة التونسية، كما حاز دعم «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» و«الدوحة للأفلام» وقناة «ART».

وفي المشاهد الأولى للفيلم، يدرب الأب «كمال» طفله «صبري» على رياضة الملاكمة في المنزل، ويتابعان معاً المباريات. يتعلق الطفل بالرياضة، ويصبح حلمه أن يكون ملاكماً في المستقبل مثل والده.

الأب والابن في لقطة من الفيلم (إدارة المهرجان)

يخوض «صبري» مباراة في ساحة المدرسة مع أحد زملائه، فيتعرّض لإصابة في ذراعه. يحمله والداه إلى المستشفى، وبعد سلسلة من التحاليل والأشعة يفاجئهما الطبيب بتشخيص إصابة ابنهما بمرض السرطان. تهتزّ العائلة لهذا الخبر، ويتحوّل استقرارها إلى صراع قاسٍ مع مرض لا يرحم. ويتتبع الفيلم تفاصيل هذا الصراع بكل مآسيه، وما يمرّ به الطفل من أوجاع خلال مراحل العلاج، وانقطاعه عن المدرسة، وسقوط شعره، وتشبث الأسرة كلها بالأمل. إلا أنّ الأب يبدو الأقل تماسكاً والأكثر تأثراً وتشتتاً، فيعود إلى ممارسة الملاكمة ويقع في أزمات تنتهي بدخوله السجن.

وبعد فترة علاج شاقة، يصارح الطبيب الوالدين بخطورة حالة ابنهما، فتنقله الأم إلى المنزل ليعيش أيامه الأخيرة بين أفراد أسرته، في حين يحتفلون بعيد ميلاده التاسع وهو يصارع الموت.

ويقدم الطفل هادي حضوراً لافتاً في الفيلم، مستقطباً الأنظار إلى موهبته الفطرية ووجهه البريء وقدرته على تجسيد الشخصية بصدق، متنقلاً من لحظات السعادة الأولى إلى صدمة المرض، حيث تختفي ابتسامته وحيويته، وتبدو معاناته من الآلام المبرحة بوضوح مؤثر.

المخرج يتحدث خلال جلسة نقاشية عقب العرض (إدارة المهرجان)

وكشف المخرج محمد علي النهدي، خلال جلسة نقاشية أعقبت عرض الفيلم، أن اكتشاف هادي جاء بالصدفة، إذ اختير من بين 300 طفل ترشحوا لأداء الدور. وقال: «كنا نبحث عن منزل نصوّر فيه في أحد أحياء تونس، فالتقينا هادي بالصدفة، حيث توجه إلينا وسأل: هل ستصورون مسلسلاً؟ فأجبناه بأننا نصوّر فيلماً، فقال: أريد التمثيل معكم. وقد لفت نظري فوراً، فأجرينا له اختبارات أداء اكتشفت خلالها أنه طفل موهوب وذكي. وخلال التصوير أثبت إرادة لافتة، فكان ملتزماً بمواعيده، ويصل جاهزاً وقد حفظ دوره، ولا يملّ، خلافاً لمعظم الأطفال، من ساعات التصوير الطويلة».

من جانبها، أكدت الفنانة عفاف بن محمود أن هادي موهوب بالفطرة، وكان شديد الالتزام والأكثر جاهزية طوال فترة التصوير. وتحدث هادي مؤكداً رغبته في مواصلة عمله في التمثيل إلى جانب دراسته.

وأضافت عفاف أن السيناريو جذبها منذ القراءة الأولى، وأن شخصية الأم كانت صعبة لأنها تعتمد على المشاعر وتتضمن مشاهد صامتة. وأوضحت أنها اعتادت أن تمنح الشخصية التي تؤديها من قلبها وروحها حتى تصل بصدق إلى المشاهد.

طاقم الفيلم على «الرد كاربت» في مهرجان القاهرة (إدارة المهرجان)

ولفت المخرج إلى أنه قدّم فيلماً برؤية واقعية، رافضاً النظرة الغربية التي تتعمّد تصوير العنف والفقر المدقع في الأفلام العربية وفرض أسلوب سرد معيّن كي تنال الأعمال إعجابهم في المهرجانات الكبرى، رافضاً في الوقت نفسه انسياق بعض المخرجين خلف هذه التوجهات. وقال: «أرفض تشويه واقعنا وثقافتنا، وقدّمت عملاً أبطاله ينتمون إلى الطبقة الشعبية من دون أي مزايدة».

وأعرب الفنان التونسي الأمين النهدي عن سعادته بالفيلم، قائلاً: «أنا فخور بهذا الفيلم، ليس من باب الانحياز لنجلي مخرج العمل، بل لأنه بالفعل فيلم مختلف في إيقاعه عن معظم الأفلام التونسية».

وردّ المخرج قائلاً إن «والده الفنان الكبير هو المدرسة الأولى التي تعلّم فيها منذ طفولته، حيث تعرّف على السيناريو وقيمة العمل الفني وأهمية الثقافة، ورافقه إلى مواقع التصوير».

وعدّ الناقد خالد محمود الفيلم واحداً من الأعمال التونسية اللافتة في دورة العام الحالي من «مهرجان القاهرة السينمائي»، مشيراً إلى أنه يطرح قضية اجتماعية مهمة بصياغة فنية مميزة، وأنه يمثل تجربة واعدة لمخرجه في ثاني أفلامه الطويلة. وأوضح أن المخرج استطاع أن يجعل المتفرج شريكاً في قلب الأزمة خلال رحلة المعاناة التي تخوضها الأسرة مع مرض طفلها.

وأشار محمود إلى أنّ المخرج أدار الصراع في الفيلم على «نار هادئة»، مضيفاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن اختيار فريق التمثيل كان موفقاً، وأن منح الطفل الموهوب هذه الفرصة كان في محلّه نظراً لأدائه البارع وتجسيده المؤثر لشخصية طفل مصاب بالسرطان، متوقعاً أن ينافس الفيلم على الجوائز.