«نص صعيدي ونص خواجة» يوثّق صورة مصر في عيون الجاليات الأجنبية

كتاب جديد يمزج التاريخ بالمطبخ الإيطالي

ريكاردو خلال مناقشة كتابه «نص صعيدي ونص خواجة» (الشرق الأوسط)
ريكاردو خلال مناقشة كتابه «نص صعيدي ونص خواجة» (الشرق الأوسط)
TT

«نص صعيدي ونص خواجة» يوثّق صورة مصر في عيون الجاليات الأجنبية

ريكاردو خلال مناقشة كتابه «نص صعيدي ونص خواجة» (الشرق الأوسط)
ريكاردو خلال مناقشة كتابه «نص صعيدي ونص خواجة» (الشرق الأوسط)

بفهرس عناوين غير تقليدي يتضمن «قائمة طعام»، يدخل كتاب «نص صعيدي ونص خواجة» إلى عالم من المكونات والمقادير والوصفات الإيطالية التقليدية التي يستعرضها المؤلف، مازجاً الوصفات بالحكايات الشخصية والعائلية والتاريخية حول أبناء الجاليات الأجنبية أو العائلات الإيطالية التي عاشت في مصر سنوات طويلة.

ريكاردو فريد مانكوزو المولود لأب مصري وأم إيطالية، عاش سنوات طويلة في مصر قبل أن يستقر الآن في إيطاليا، ولا يزال يتذكر صوت والده «الصعيدي» وهو يمازحه في الطفولة، قائلاً له أنت «نصف صعيدي ونصف خواجة»، وهي الجملة التي اختارها ريكاردو عنواناً لكتابه كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن «تلك العبارة هي أفضل جملة يمكن أن تصف هُويتي كرجل لأب مصري وأم إيطالية».

وعلى الرغم من أن مؤلف الكتاب يعمل في مجال الهندسة بإيطاليا، فإن هوايته الطبخ خصوصاً الإيطالي الذي حبّبته فيه والدته، كانت دافعه لمشاركة وصفاته عبر إحدى مجموعات الطبخ المصرية الشهيرة على «فيسبوك» لسنوات، وكان يكتب وصفاته بطريقة يغلب عليها الطابع الوصفي المرح، ما جعل منشوراته تتمتع بشعبية «سوشيالية»، خصوصاً أنه كان يُضمّنها حكايات من التاريخ الإيطالي.

الكتاب يمزج وصفات الطعام بالتاريخ (الشرق الأوسط)

يقول مانكوزو: «هوايتي في الطبخ نابعة من الساعات التي كنت أقضيها في المطبخ مع أمي، وحبي للتاريخ نابع من الدردشة التي كانت تملأ كل وقتي مع والدي».

في الكتاب، الصادر عن دار «الكرمة» للنشر في مصر، يقدّم ريكاردو فواصل من الوصفات الإيطالية التقليدية، التي يضعها في سياق نشأتها والمناطق المشهورة بها في إيطاليا، فيقدم لحم البوفتيك على طريقة مدينة فلورنسا، كما يتوقف عند الخبز الإيطالي الشهير «فوكاتشيا» الذي ينحدر من منطقة ليغوريا الإيطالية، وله جذوره المعروفة من العهد الروماني، ومع ذلك صار الخبز الرئيسي في كل البيوت الإيطالية اليوم، ويستعرض ريكاردو مكونات الخبز الشهير الرئيسية من دقيق وخميرة وماء دافئ وسكر، ولا ينسى أن ينصح القارئ بمكونات إضافية اختيارية لضمان جودة الخبز؛ مثل زيت زيتون وورق الروزماري والملح الخشن.

يتشعّب الكاتب من وصفات المطبخ الإيطالي إلى حكايات تتطرق إلى طفولته في مرحلة الثمانينات في مصر، وأخرى حول قصص ملهمة لأعضاء من الجالية الإيطالية الذين عاشوا في مصر، وصار لهم باع فني بها، وهو ما يستعرضه الكتاب في تناغم بين الوصفات لا يخلو من خفة ظلّ وتأكيد على «اللكنة» المصرية الإيطالية بطابعها الذي أبرزته السينما المصرية في العديد من أفلام الأبيض والأسود.

الفنان الراحل إستيفان روستي من أبطال الكتاب (ريكاردو فريد)

ويمكن تذكر الجرس المميز لهذه اللكنة من وجوه سينمائية ذات أصول إيطالية وأشهرها إستيفان روستي، وهو ابن راقصة إيطالية مصرية ودبلوماسي نمساوي، برع في تشخيص أدوار الشر والكوميديا على السواء، ويستعرض الكتاب سيرته، ويتوقّف عند نهايته المأساوية هو وزوجته الإيطالية مع الفقر.

يقول المؤلف: «نهايته كانت تمثل كثيراً من أبناء الجالية، حيث واكب قرار التأميم في مصر إعادة تعريف الحكومة لمفهوم هوية المواطن المصري، ما جعل كثيراً من الطليان يعيدون تقييم فكرة وجودهم ومكانهم في مصر بعد وجود أجيال منهم في مصر، الأمر الذي تزامن مع دخول الاقتصاد الإيطالي في مرحلة توسع، وقرار الإيطاليين العودة لوطنهم الأم».

يشير الكاتب هنا إلى أن تلك المرحلة التي شهدت «خسارة لكل الأطراف»، ويقول: «مصر كانت حافلة بجاليات من الإيطاليين واليونانيين واليهود والمالطيين وغيرهم، وعندما تركوا مصر حزنوا كثيراً، ونزح من مصر جزء مهم من تركيبتها الاجتماعية، وتغير التركيبة الاجتماعية يُعد أكبر مأساة في المجتمع المصري الذي كان مجتمعاً متعدد الجنسيات».

بعد إحدى حفلات توقيع الكتاب (الشرق الأوسط)

ينفتح الكتاب على الحكايات التاريخية التي تجمع بين أعلام إيطاليين عاشوا في مصر، بما في ذلك مجال الهندسة والعمارة والتمثيل والرقص وغيرها من المجالات، مما يدعم أهميته باعتباره «وثيقة» حيّة من أحد أحفاد تلك الجالية الذي ارتبط بالثقافة المصرية.

وعن هوايته بخصوص وصفات الطعام يقول مانكوزو: «كنت أفاجأ بالتعليقات التي تسعى لمعرفة المزيد من الوصفات والحكايات المرتبطة بالجالية الإيطالية التي أشاركها على (فيسبوك) في المجموعة المخصصة لوصفات الطعام، والآن لم أكن أتخيّل أن تتطور تلك المنشورات إلى سرد موّسع في كتاب فتح حواراً موسعاً حول هذا التاريخ، الأمر الذي لاحظته في حفلات التوقيع التي أجريتها في مصر، فهناك فضول حول تاريخ الجالية الإيطالية وتراث الطهي اللذين لا حدّ لاستمتاعي بالحديث عنهما».


مقالات ذات صلة

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

المشرق العربي مبنى مقر «اليونيسكو» في باريس (رويترز)

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

أعلنت «اليونيسكو» أنها منحت عشرات المواقع التراثية المهددة بالغارات الإسرائيلية في لبنان «حماية مؤقتة معززة»، لتوفر لها بذلك مستوى أعلى من الحماية القانونية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق مهرجانات بعلبك حدثٌ فني عمرُه 7 عقود احترف النهوض بعد كل كبوة (صفحة المهرجانات على «إنستغرام»)

من ليالي أم كلثوم إلى شموع فيروز... ذكريات مواسم المجد تضيء ظلمة بعلبك

عشيّة جلسة الأونيسكو الخاصة بحماية المواقع الأثرية اللبنانية من النيران الإسرائيلية، تتحدث رئيسة مهرجانات بعلبك عن السنوات الذهبية لحدثٍ يضيء القلعة منذ 7 عقود.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق د. جعفر الجوثري يحمل صور الأقمار الاصطناعية ويستكشف موقع معركة القادسية (أ.ب)

في العراق... صور الأقمار الاصطناعية تقود علماء الآثار إلى موقع معركة تاريخية

قادت صور الأقمار الاصطناعية التي تم رفع السرية عنها والتي تعود إلى سبعينات القرن العشرين فريقاً أثرياً بريطانياً - عراقياً إلى ما يعتقدون أنه موقع معركة قديمة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
يوميات الشرق حمل المخرج هادي زكاك كاميرته وذهب يبحث عمّا تبقّى من سينما طرابلس (صوَر زكّاك)

«سيلَما»... روحٌ تائهة في صالات طرابلس المَنسيّة وبين ركامها

لم يبقَ من صالات السينما في طرابلس، والتي كانت 42 في الماضي، سوى واحدة. المخرج هادي زكّاك يقف على أطلال «سيلَما» من دون أن يحوّل فيلمه الوثائقي إلى مَرثيّة.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق دليل على أن إنسان الجزيرة العربية جعل من الرمز دلالة واضحة للحياة والبعث من جديد (مجلة Herança)

مدافن حجرية في السعودية تعيد كتابة تاريخ جزيرة العرب

قدم الباحثان عيد اليحيى وقصي التُّركي تحليلاً أركيولوجياً، نشرته مجلة «Herança» إحدى أهم المجلات العلمية العالمية المحكّمة ضمن مستوعبات سكوباس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي
TT

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي

نثر مهرجان للمسرح، أقيم في درنة الليبية بعضاً من الفرح على المدينة المكلومة التي ضربها فيضان عارم قبل أكثر من عام.

ومع حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة وفنانين وممثلين ليبيين وغيرهم من الضيوف الفنانين من بعض الدول العربية، أبرزها سوريا والأردن ومصر وتونس.

الفنان صابر الرباعي

واختتم، مساء الخميس، المهرجان الذي استهل أعماله بحفل غنائي أحياه الفنان صابر الرباعي، على مسرح المدينة الرياضية، وسط حضور جماهيري وفني، محلي ومن دول عربية من بينها مصر وتونس.

وتحت شعار «درنة عادت، درنة الأمل»، دعا المهرجان سبع فرق: خمساً من ليبيا، وفرقةً من مصر، وأخرى من تونس.

أحد العروض

وعُرضت أعمال عديدة من بينها مسرحية «خرف» لفرقة الركح الدولي من بنغازي، التي أثنى عليها الجمهور، من حيث الأداء المميز لجميع الفنانين المشاركين، كما عرضت مسرحية «صاحب الخطوة» لفرقة المسرح القوريني من مدينة شحات، وجاء العرض مليئاً بالرسائل العميقة، وقد نال إعجاب الحضور.

وأعلنت إدارة المهرجان عن توزيع جوائز للأعمال المشاركة، بالإضافة لتكريم عدد من نجوم الفن في ليبيا ودول عربية.

وحاز جائزة أفضل نص دنيا مناصرية من تونس، عن مسرحية «البوابة 52»، بينما حصلت الفنانة عبير الصميدي من تونس على جائز أفضل ممثلة عن العمل نفسه.

ومن ليبيا حاز الفنان إبراهيم خير الله، من «المسرح الوطني» بمدينة الخمس، جائزة أفضل ممثل عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع»، وذهبت جائزة أفضل إخراج للمخرج منير باعور، من المسرح الوطني الخمس عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع».

عرض مسرحي

كما كرمت إدارة المهرجان الفنان المصري أحمد سلامة، والفنانة عبير عيسى، والإعلامية صفاء البيلي؛ تقديراً «لإسهاماتهم القيمة في مجال الفن والمسرح». وقالت إدارة المهرجان إن هذا التكريم «يعكس التقدير والاحترام للفنانين الذين ساهموا في إثراء الثقافة والفنون، ويعزّز من أهمية دعم المواهب الفنية في المجتمع».

وكانت الدورة السادسة لمهرجان «درنة الزاهرة»، وهو اللقب الذي يُطلق على هذه المدينة المعروفة بأشجار الياسمين والورد، قد ألغيت العام الماضي بسبب الدمار الذي طال معظم مبانيها التاريخية جراء الكارثة.

في ليلة 10 إلى 11 سبتمبر (أيلول) 2023، ضربت العاصفة «دانيال» الساحل الشرقي لليبيا، ما تسبّب في فيضانات مفاجئة تفاقمت بسبب انهيار سدين في أعلى مدينة درنة. وخلفت المأساة ما لا يقل عن 4 آلاف قتيل وآلاف المفقودين وأكثر من 40 ألف نازح، حسب الأمم المتحدة.

مسرح جامعة درنة

وتقول الممثلة المسرحية التونسية عبير السميتي، التي حضرت لتقديم مسرحية «الباب 52»، لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، «هذه أول مرة آتي فيها إلى هنا. بالنسبة لي، درنة اكتشاف. كنت متشوقة للمجيء. عندما نصل إلى هنا، نشعر بالألم، وفي الوقت نفسه، نشعر بالفرح وبأن الشعب كله لديه أمل».

بدورها، ترى الممثلة والمخرجة الليبية كريمان جبر أن درنة بعدما خيّم عليها الحزن، عادت إلى عهدها في «زمن قياسي».

جانب من تكريم الفنانين في مهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

ومن الكنوز المعمارية الشاهدة على الماضي الفني والأدبي الذي فقدته درنة في الفيضانات، «بيت الثقافة»، وخصوصاً «دار المسرح»، أول مسرح تم افتتاحه في ليبيا في بداية القرن العشرين.

وفي انتظار إعادة بنائه، اختارت الجهة المنظمة إقامة المهرجان على خشبات «المسرح الصغير» بجامعة درنة.

تكريم الفنانة خدوجة صبري بمهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

وقال المدير الفني للمهرجان نزار العنيد: «كلنا نعرف ما حدث في درنة العام الماضي، أصررنا على أن يقام المهرجان (هذا العام) حتى لو كان المسرح لا يزال قيد الإنشاء».

وأوضحت عضوة لجنة التحكيم، حنان الشويهدي، أنه على هامش المهرجان، «يُنظَّم العديد من الندوات وورش العمل التدريبية المهمة للممثلين والكتاب المسرحيين الشباب».

وتقول الشويهدي: «الصورة التي تقدمها درنة اليوم تُفرح القلب، رغم الموت والدمار»، معتبرة أن المدينة المنكوبة تظهر «بوجه جديد؛ درنة تستحق أن تكون جميلة كما يستحق سكانها أن يفرحوا».