امرأة الطحين

سيدة فلسطينية تطهو الطعام أمام خيمتها في رفح جنوب غزة (رويترز)
سيدة فلسطينية تطهو الطعام أمام خيمتها في رفح جنوب غزة (رويترز)
TT

امرأة الطحين

سيدة فلسطينية تطهو الطعام أمام خيمتها في رفح جنوب غزة (رويترز)
سيدة فلسطينية تطهو الطعام أمام خيمتها في رفح جنوب غزة (رويترز)

يذوب الطحين رماداً بين أصابعها النحيلة. رماد الأحبة رغيف مشتهى. تعجن براحتي أكفها أقماراً، لم تكن تعلم أن جوعى أقمارها يُستشهدون بينما يحملون أكياس الطحين إلى لجنها؛ لجن النزوح، تلطخ البياض بالدم. وكانت سؤالاً واحداً للأمومة. كبرت الفتاة على فجأة، ذاب الوالدان بين أكفها رماداً وخبزت أقمارها لصغار أمومتها المبكرة. ذهبت عنها ولادة طفولتها. رحمها الصغير خيمة تتسع لكفيها الصغيرتين، معاً يعجنان.

لم يدر القمر مفتاحاً في باب خيمة، كان يدور في عينيها عبر الثقب الصغير، ويلوك بين أسنانها رغيفاً لم تخبزه بعد.

مواء القطة إليها سؤال جوع آخر، تغمض عينيها، الطنين يحمي وحدتها وإن كان مرعباً، ووهج النيران يؤنس بردها الخجول تحت رداء الظلام الدامس.

تجدل ضفيرتيها ابنة الأحد عشر عاماً، حنظلة صغيرة وحنظلات كثر يقفون خلفها، يضفرون معها الجديلة جواباً للجوع.

على الرمال يسدلون مائدة مشتهاة والدم خلفهم يسيل، لكنه الصبار ينمو حولهم، ينزعون الشوك عنه، يأكلون ويزينون ضفيرتها بشوكه، يرونه جميلاً.

يدور القمر وسط البلد، ويختفي دوّار السيارات والناقلات والشاحنات، حجارة... حجارة... وعلى الحجارة يرثي الظل المواء.

يدور الأمل خياراً في حدقتيها، يضمر خداها، وتتقشف يداها، ملابس ممزقة، لا حذاء يخبئ قدميها.

لكنها والرمال تسير، لمدينة مشتهاة، لبحرها. سرقوا الموج والزبد ودفء العائلة على شاطئ.

تدور الشمس وهجاً على خصال شعرها، لم تغسله بماء الطحين، غمرته ومياه البحر واستقت بين شفاهها ملوحة ارتشفتها على كتفي والدها.

كورال ناعس يوقظ قلوب أطفال ضائعة.

هل صنع المستشفى بأسرّته ملجأ لهم، وغابت سيارات الإسعاف في ظلام بعيد تنتشل هياكل لم تمت عنها ابتساماتها، وذاب عنها دهنها.

والد حي على رأس تلة من رماد، يصرخ عالياً: «وجدت لك قميصاً يا ابنتي!»، والطفلة تنتظر هدية.

يقتل الوعد والحب والسمسم، يحرق الزيت والزعتر، والأرض تسقى بالدماء، والرجال لحاهم تبتل بالدموع. ما زالت الطفلة الأم الصامدة، تقف على ناصية الصبار، وتزرع في ضفيرتها شوك أطفالها.

طائرات ورقية تزين وحدة حالهم في أرض قريبة بعيدة.

شاشات تلتقط الرماد والألوان والأصوات خبراً، لكن الجثث لم تحزنها كفاية. حتى تقفل بثها وتفتح عزاء أخيراً لا يحمل مزيداً من ضحايا الطحين، وزارعي الشوك في ضفيرة تائهة.

* كاتبة وقاصّة فلسطينية من غزة


مقالات ذات صلة

بالجدّات والقطط ومواسم الزيتون... آية دبس ترسم التعلُّق بالمكان

يوميات الشرق تشبه موضوعاتها المكان وناسه وترسم مواسم الزيتون (آية دبس)

بالجدّات والقطط ومواسم الزيتون... آية دبس ترسم التعلُّق بالمكان

الوفاء للمكان جعل تناوُل إشكالية النزوح الطارئة جراء الحرب، مُلحَّاً. وها هي تحضُر في رسومها، كأنها تتدفّق لتشغل المساحة بمظاهر هذا التدفُّق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

نتنياهو يرفع مكافأة معلومات الرهائن إلى 5 ملايين شيقل مع ضمان الخروج الآمن من غزة

أعلن بنيامين نتنياهو رفع قيمة المكافأة المخصصة لتقديم معلومات موثوق بها بشأن مكانهم إلى 5 ملايين شيقل (1300 ألف) لكل رهينة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي فلسطينيون يجلسون بجوار أنقاض المنازل المدمرة في الهجوم الإسرائيلي على خان يونس بجنوب قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2024 (رويترز)

داعية معروف في غزة يتساءل عن الضرر الذي أحدثه هجوم 7 أكتوبر

أثار هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 الذي أشعل فتيل الحرب في قطاع غزة، جدلاً بين رجال الدين الفلسطينيين في القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية عند الحدود مع قطاع غزة (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط وجندي في اشتباكات بشمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الأحد، مقتل ضابط وجندي، وإصابة ثالث بجروح خطيرة في اشتباكات بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle 00:33

الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ ضربات على «أهداف إرهابية» في غزة

قال الجيش الإسرائيلي، الأحد، إنه نفذ ضربات عدة على «أهداف إرهابية» في منطقة بيت لاهيا بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
TT

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)
الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)

أثار خبر وفاة الملحن المصري محمد رحيم، السبت، بشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 45 عاماً الجدل وسط شكوك حول أسباب الوفاة، كما تصدر اسم رحيم «ترند» موقعي «غوغل»، و«إكس»، خلال الساعات الأخيرة.

وكان الفنان المصري تامر حسني قد أعلن عن موعد مراسم الجنازة عبر خاصية «ستوري» بصفحته الرسمية بموقع «إنستغرام»، لكنه سرعان ما أعلن تأجيل المراسم، لافتاً إلى أن طاهر رحيم، شقيق الفنان الراحل، سيعلن عن موعد الجنازة مجدداً، وكان الأخير أعلن تأجيلها «حتى إشعار آخر»، وفق ما كتب عبر حسابه بـ«فيسبوك».

وحسب مواقع إخبارية محلية، فقد تم تأجيل مراسم الجنازة عقب توقيع الكشف الطبي على جثمان الملحن الراحل، ووجود شكوك في شبهة جنائية حول وفاته، إذ تضمن تقرير طبي متداول إعلامياً ومنسوب لإحدى الإدارات الصحية بمحافظة الجيزة وجود «خدوش وخربشة»، و«كدمات» في الجثمان.

يذكر أن رحيم كان قد أعلن في شهر فبراير (شباط) الماضي عبر حسابه بموقع «فيسبوك» عن اعتزاله الفن، لكنه تراجع عن قراره ونشر مقطعاً مصوراً أكد خلاله عودته مجدداً من أجل جمهوره.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حسابه على «فيسبوك») ‫‬

كان الراحل قد تعرض لذبحة صدرية في شهر يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته مدربة الأسود المصرية أنوسة كوتة.

من جانبها، أعلنت أرملة رحيم قبل ساعات عبر صفحتها الشخصية بموقع «فيسبوك»، عن موعد الجنازة مجدداً بعد صلاة عصر اليوم (السبت)، من مسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد، لكنها قامت بحذف المنشور.

الشاعر والناقد الموسيقي المصري فوزي إبراهيم أكد أن «وفاة رحيم شكلت صدمةً لجمهوره ومحبيه حيث كان بصحة جيدة، وخرج من محنته المرضية الأخيرة وتعافى تماماً وذهب لأداء العمرة قبل شهر».

الملحن المصري محمد رحيم (حسابه على «فيسبوك»)

وتحدث فوزي لـ«الشرق الأوسط» عن رحيم الملحن، لافتاً إلى أن «إنتاجاته لها مذاق مختلف، وهذه السمة نادرة الوجود حيث عُرف بالتفرد والإبداع والابتكار الذاتي».

وذكر فوزي أن تعاونه مع رحيم بدأ مطلع الألفية الحالية واستمر حتى رحيله، حيث كان على موعد لتسجيل أحدث أغاني «الكينج» محمد منير من كلماته وتلحين رحيم.

ووصف فوزي، رحيم، بأنه «أحد عباقرة العصر وإحدى علامات الأغنية المصرية في الربع قرن الأخير»، لكنه كان يعاني بسبب تجاهله وعدم تقديره إعلامياً.

ويستكمل فوزي حديثه قائلاً: «إحساسه بعدم التقدير جعله يوظف طاقته بالعمل، ويبتعد عن السلبيات، حتى صار مؤخراً في المرتبة الأولى في قائمة التحصيل وحق الأداء العلني بالأرقام الرسمية من جمعية (المؤلفين والملحنين المصرية - الساسيرو)، حتى أن اسمه فاق اسم الموسيقار بليغ حمدي في التحصيل، كما جرى تكريمه بالعضوية الذهبية».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب الملحن الراحل على «فيسبوك»)

وتعاون رحيم مع عدد من الفنانين، من بينهم نانسي عجرم، وعمرو دياب، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وساندي، وكارول سماحة، وبهاء سلطان، وتامر عاشور، وجنات، وهيفاء وهبي، وغيرهم.

ومن بين الألحان التي قدمها محمد رحيم منذ بدايته قبل 26 عاماً أغنيات «وغلاوتك» لعمرو دياب، و«أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق»، و«أنا في الغرام» لشيرين، و«بنت بلادي» لفارس، و«ليه بيداري كده» لروبي، و«في حاجات» لنانسي عجرم.