ازدهار سياحي في لوس ألاموس... مدينة تصوير «أوبنهايمر» الغامضة

تمثال روبرت أوبنهايمر بحديقة مانهاتن في لوس ألاموس (أ.ف.ب)
تمثال روبرت أوبنهايمر بحديقة مانهاتن في لوس ألاموس (أ.ف.ب)
TT

ازدهار سياحي في لوس ألاموس... مدينة تصوير «أوبنهايمر» الغامضة

تمثال روبرت أوبنهايمر بحديقة مانهاتن في لوس ألاموس (أ.ف.ب)
تمثال روبرت أوبنهايمر بحديقة مانهاتن في لوس ألاموس (أ.ف.ب)

لم يكتفِ فيلم «أوبنهايمر» الذي بلغت إيراداته مليار دولار بتحقيق أرباح كبيرة للاستوديوهات الهوليوودية، بل كان من مفاعيله أيضاً ازدهار سياحي في مدينة لوس ألاموس التي يلفّها الغموض.

فمعظم وقائع فيلم المخرج كريستوفر نولان، الذي يتناول سيرة مخترع القنبلة الذرية، ويُعدّ الأوفر حظاً لنيل جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، تدور في لوس ألاموس، وهي بلدة بُنيَت على عجل في ولاية نيو مكسيكو لإيواء مختبر سري للغاية، نزولاً عند اقتراح من روبرت أوبنهايمر.

منظر لموقع التصوير حيث قام المخرج كريستوفر نولان بتصوير الفيلم (أ.ف.ب)

وكان الفيزيائي عاشقاً للأماكن الخارجية الرائعة في هذه المنطقة الواقعة جنوب غربي الولايات المتحدة، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

ومنذ عرض الفيلم في يوليو (تموز) الفائت، أصبح السياح يبدون اهتماماً بمواقع مثل منزل أوبنهايمر و«فولر لودج»، حيث كان العلماء النوويون يقيمون حفلات للاحتفال بنجاحهم في صنع القنبلة.

تأثير الأوسكار

وزادت أعداد الزوار بنسبة 68 في المائة العام الفائت، وفقاً لمسؤولي المدينة.

وقالت المرشدة في الجمعية التاريخية المحلية، كاثي أندرسون، التي اضطرت إلى زيادة عدد جولاتها اليومية 3 مرات: «بدأنا نشهد تدفقاً كبيراً في الربيع الفائت، حتى قبل أن يُعرض الفيلم في دور السينما». وتوقعت أن «يصبح الاهتمام أكبر إذا فاز الفيلم بجائزة الأوسكار».

منزل روبرت أوبنهايمر (أ.ف.ب)

لكن هذا النجاح يخفي الوجه الحقيقي للعلاقة المعقدة بين لوس ألاموس وماضيها من جهة، ومن جهة ثانية بينها وبين العالِم الذي اخترع القنبلة ولا يزال البعض يطلق عليه لقب «أوبي» تحبباً.

ترميم

من شأن الازدهار السياحي المستجدّ أن يتيح جمع مبلغ المليونَي دولار اللازم لترميم منزل آل أوبنهايمر الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان، وهو مبنى متقادم يستلزم عدداً من التصليحات.

وأشار مؤرخ مختبر لوس ألاموس الوطني، نيك لويس، إلى أن أوبنهايمر «كان معروفاً (...) بكونه مضيافاً وودوداً جداً مع ضيوفه، وقد شهدت هذه الغرف أحداثاً تاريخية عدة».

ولكن من الصعب تحمّل الإرث المدمر للقنبلتين الذريتين اللتين صُنِّعَتا في هذه المدينة، حيث لا يزال 15 ألف عالم يعملون في المختبر النووي نفسه.

مؤرخ مختبر لوس ألاموس الوطني نيك لويس داخل منزل أوبنهايمر (أ.ف.ب)

وكما يُظهِر الفيلم، أصبح أوبنهايمر نفسه من أشد منتقدي انتشار الأسلحة النووية خلال الحرب الباردة.

وبعد إلقاء القنبلتين على مدينتَي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، اعترف العالِم بأنه «المسؤول عن تدمير مكان رائع»، بحسب كتاب «American Prometheus» (بروميثيوس الأميركي) الذي استند إليه نولان في فيلمه.

وقال لويس: «نحن ندرك أنه إنسان، له عيوبه، وارتكب أخطاء». ولاحظ أنه «كان معقداً جداً، وعميقاً جداً. وأعتقد أن نولان عبّر بدقة شديدة عن هذا الجانب من أوبنهايمر».

ضجة

رغم كل شيء، أحدثَ قرار المخرج تصوير مشاهد عدة في المباني نفسها التي حدثت فيها فعلياً في لوس ألاموس، ضجة حقيقية في المدينة.

ودُعِي العلماء العاملون في المختبر عبر إعلان في الجريدة المحلية إلى تأدية أدوار صامتة (كومبارس) في الفيلم.

مكتب روبرت أوبنهايمر داخل منزله (أ.ف.ب)

وأتيحت الفرصة لعالم الفيزياء الفلكية شين فوجيرتي، المعجب بنولان، لمناقشة الاندماج النووي ونشأة القمر مع النجمين كيليان مورفي وروبرت داوني جونيور، في فترات الاستراحة بين اللقطات.

وقال فوجيرتي إن «كريس (نولان) اضطر إلى أن يذكّر الجميع باحترام جو العمل والتزام الهدوء». وهو يواظب على رواية هذه الواقعة للسياح الآخذين في التزايد، عندما يلتقيهم.

في بضعة أشهر، تغيرت حياة أبناء لوس ألاموس الذين يقتصر عددهم على 13 ألفاً. فالمدينة الهادئة نسبياً باتت مقصداً للسياح، و«أصبح من الصعب الحصول على حجز في المطاعم القليلة في المدينة».


مقالات ذات صلة

فيلم «لاف أكتشلي» من أجواء عيد الميلاد أول عمل لريتشارد كيرتس

لقطة من فيلم «عيد الميلاد» (أ.ب)

فيلم «لاف أكتشلي» من أجواء عيد الميلاد أول عمل لريتشارد كيرتس

بعد عقدين على النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الكوميدي الرومانسي «لاف أكتشلي» المتمحور حول عيد الميلاد، يحاول المخرج البريطاني ريتشارد كورتس تكرار هذا الإنجاز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

عد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك.

محمد رُضا (نيويورك)
يوميات الشرق من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)

أفلام مصرية جديدة تراهن على موسم «رأس السنة»

تُراهن أفلام مصرية جديدة على موسم «رأس السنة»، من خلال بدء طرحها في دور العرض قبيل نهاية العام الحالي (2024)، وأبرزها «الهنا اللي أنا فيه»، و«الحريفة 2».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد حلمي مع زينة عبد الباقي ووالدها وأبطال فيلمها (الشركة المنتجة للفيلم)

نجوم مصريون يدعمون ابنة أشرف عبد الباقي في تجربتها الإخراجية الأولى

حرص عدد كبير من نجوم الفن المصريين على دعم المخرجة الشابة زينة عبد الباقي ابنة الفنان أشرف عبد الباقي خلال العرض الخاص لفيلمها الروائي الطويل الأول «مين يصدق»

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان أمير المصري في «مهرجان القاهرة السينمائي» (صفحته على «إنستغرام»)

أمير المصري لـ«الشرق الأوسط»: خضت تدريبات شاقة من أجل «العملاق»

أكد الفنان المصري - البريطاني أمير المصري أنه يترقب عرض فيلمين جديدين له خلال عام 2025، هما الفيلم المصري «صيف 67» والبريطاني «العملاق».

انتصار دردير (القاهرة )

بينالي أبو ظبي... التوقيع بالفن على المساحات العامة

عمل الفنانة عزة القبيسي (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)
عمل الفنانة عزة القبيسي (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)
TT

بينالي أبو ظبي... التوقيع بالفن على المساحات العامة

عمل الفنانة عزة القبيسي (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)
عمل الفنانة عزة القبيسي (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)

ضمن خطة طموح تهدف إلى إدخال الفن إلى المساحات العامة أطلقت أبوظبي النسخة الافتتاحية من بينالي أبوظبي للفن العام، وتستمر حتى 30 أبريل (نيسان) المقبل. ومع اليوم الأول أتيح للجمهور معاينة كثير من الأعمال التركيبية على الكورنيش، وفي الحدائق، وفي واحة العين وأيضاً ضمن المباني المهمة في أبوظبي، وكأن الأعمال الفنية تضع توقيعها على المساحات العامة لتضفي عليها وهجاً مجتمعياً خاصاً يخرج بها عن صورتها اليومية المعتادة.

«النهر الحضري» للفنان قادر عطية في بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر

في أثناء المشي على كورنيش أبوظبي والاستمتاع بنسائم البحر والأجواء اللطيفة في هذا الوقت من العام، لا يملك المرء إلا التوقف أمام تشكيلات فنية جاذبة للعين والانتباه. خلال جولة سريعة نزور محطة الحافلات التي بنيت في عام 1986، وتعد واحدة من أقدم المباني في المدينة، وهنا أيضاً نرى الأعمال المختلفة سواء في خارج المحطة أو في داخلها، أما في سوق السجاد فهناك مفاجأة ضخمة صنعها فنان برازيلي، ونسج فيها قصصاً وذكريات لأصحاب المحال المجاورة.

تنقسم مساحات عرض البينالي إلى 8 دروب كما يطلق عليها، تضمنت أعمالاً لأكثر من 70 فناناً من الإمارات، ومن دول مختلفة حول العالم. أما ما يجمع بينها فهو ببساطة المدينة نفسها، فالأعمال تشترك في استكشاف الظروف البيئية للمدينة وأسلوب الحياة المجتمعي والهندسة المعمارية والتخطيط المدني.

توزعت الأعمال على مسافات كبيرة، وهو ما يشجع الزوار على المشي لمسافات لاستكشاف ما يختبئ في طريقهم من أعمال وإعادة اكتشاف معالم المدينة الشهيرة، وللتوصل إلى كل الأعمال المعروضة، فاستخدام السيارة أمر ضروري، ولا سيما لزيارة واحة العين.

رحلة البحث

على كورنيش أبوظبي تنطلق رحلة البحث عن الأعمال الفنية، للتوصل لكل الأعمال يقترح دليل البينالي المشي لمدة ساعة، وفي الأجواء اللطيفة يصبح المشوار ممتعاً. في تتابع نمر أولاً على عمل الفنان أوسكار موريو الذي نفذ لوحة ضخمة يبلغ طولها 80 متراً على مساحة 1 في المائة من كورنيش أبوظبي، لتستكشف التوسع الحضري السريع الذي تشهده المدينة.

«برزخ» للفنان وائل الأعور في بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر

أما الفنان وائل الأعور فنرى من تنفيذه عمل «برزخ»، وهو مجسم ضخم يبدو لنا عن بعد، وكأنه شبكة من القطع البلاستيكية، يدخل الضوء من فتحاته ليخلق تركيبات مختلفة، ويمنح الزوار فرصة للتمهل داخله. بحسب بطاقة التعريف بالعمل، فالفنان يستجيب للتحديات البيئية المحلية والعالمية عبر استخدام ثلاث مواد، وهي البلاستيك المعاد تدويره وألياف النخيل المستخدمة في العمارة الإماراتية منذ قرون والمحلول الملحي، وهو ناتج ثانوي من عملية تحلية المياه يضر بالنظم البيئية البحرية عند تصريفه في الخليج. يبدو أن العناصر كلها تمثل الماضي واحتمالية مستقبل العمارة في الخليج عبر استخدام الموارد المحلية التي ترمز لها ألياف النخيل والبلاستيك المعاد تدويره، وتعالج القضايا البيئية الآنية مثل تأثير عملية تحلية المياه على البيئة البحرية.

عموماً العمل يستوقف الناظر، ويجذبه لداخله عبر تشكيلة بصرية جميلة، وهكذا يجد الزائر الفرصة للتفكير في المعنى خلف العمل.

عمل الفنانة فرح القاسمي «الحنين إلى الوطن» (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)

ليس بعيداً عن عمل الأعور نرى عملاً للفنانة الإماراتية فرح القاسمي التي تقدم تشكيلاً بصرياً خارجاً من أعماق جماليات البحر يحمل عنوان «الحنين إلى الوطن»، ويتكون من محارات ضخمة تنتظم في شكل دائري على منصة مرتفعة مغطاة بالرمال البيضاء، تحتفي الفنانة هنا بمهنة الغوص والبحث عن اللؤلؤ، وهي مهنة شكلت المشهد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي للإمارات. إضافة إلى الشكل المرتبط بالبحر تضيف الفنانة بعداً جديداً، وهو الصوت، فهي جهزت كل محارة بمكبر صوت تبث جوقة من الأصوات الاصطناعية التي ألفتها من وحي أغنية «توب توب يا بحر» التي تغنيها زوجات الغواصين، بينما ينتظرن عودة الأزواج من رحلات الصيد.

عمل للفنان البرازيلي هنريك أوليفييرا أمام محطة الحافلات (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)

نتجه إلى محطة الحافلات الرئيسية، حيث توزعت أعمال عدد من الفنانين. يستوقفنا خارج المحطة مجسم على شكل شجرة متيبسة تفترش مساحة ضخمة من الرصيف الخارجي، وهو للفنان البرازيلي هنريك أوليفييرا وهو معروف باستخدامه للخشب المتآكل، الذي يحصل عليه غالباً من أسوار البناء الحضرية. تجمع ممارسات أوليفيرا بين الرسم والهندسة المعمارية والنحت، ويعمل على تحويل الخشب المهمل والمتداعي إلى أعمال عضوية وديناميكية، مما يعكس تداخل التدهور الحضري مع النمو الطبيعي.

أما زينب الهاشمي، وهي فنانة مفاهيمية إماراتية، فنرى من عملها رصيفاً حجرياً أمام المحطة، للوهلة الأولى لا نميزه فهو منسجم تماماً مع تصميم مباني المحطة وخارجها، ولكن الفنانة التي تعمل على تفكيك المحيط المعروف عبر التركيبات الفنية، استخدمت الشكل المألوف، وأضافت له العشب الأخضر، وكأنه جزء من المحيط العام لأرصفة المحطة، ولكنه ليس كذلك. فالهاشمي عرفت بالدمج بين العناصر الطبيعية والمصطنعة، لتسلط بذلك الضوء على تأثير التدخل البشري على البيئة، وتحث الناظرين على إعادة النظر في علاقتهم بمحيطهم.

فن في الحدائق العامة

في الحدائق العامة تتناثر أعمال الفنانين عبد الله السعدي، وهاشل اللمكي، ولورنس أبو حمدان، وقادر عطية، وخليل رباح، وسيما نصرت، ورامي قشوع × حرفيات الإمارات، وبافل ألتهامر، وناثان كولي، وآذار جابر، وألورا وكالزاديلا.

«بين الأشجار» للفنان خليل رباح في بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر

وفي سوق السجاد يتألق عمل الفنان كريستوفر جوشوا بنتون: «حيث تفرش سجادتي، يكون وطني (2024)»، وهو سجادة نابضة بالحياة مصنوعة من العشب الصناعي. طُوِّر هذا العمل بالتعاون مع أصحاب المحال في سوق السجاد في أبوظبي، وهو مستوحى من قصصهم وتجاربهم. تحولت السجادة فور تركيبها إلى مساحة مجتمعية حيوية تدمج بين الثقافة والفن المحليين وشهدت مرح الأطفال ولقاءات الأصدقاء.

كريستوفر جوشوا بنتون «حيث تفرش سجادتي يكون وطني» (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)

يُشكِّل بينالي إحدى الركائز الثلاث لمبادرة «أبوظبي للفن العام»، التي أعلنت عنها دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي في مارس 2023. وتتضمَّن المبادرة تكليفات فنية مباشرة سنوية، ومعرض «منار أبوظبي» الفني الضوئي الذي يُعقَد كلَّ سنتين (استمرت النسخة الأولى من 15 نوفمبر 2023 إلى 30 يناير 2024)، إضافة إلى «بينالي أبوظبي للفن العام».