القاهرة تساعد الوافدين السودانيين على استعادة دفء الوطن من خلال نكهاته

المطاعم السودانية في ازدياد بسبب الأوضاع الأمنية بالبلاد

مجموعة من الاطباق السودانية التقليدية (شاتر ستوك)
مجموعة من الاطباق السودانية التقليدية (شاتر ستوك)
TT

القاهرة تساعد الوافدين السودانيين على استعادة دفء الوطن من خلال نكهاته

مجموعة من الاطباق السودانية التقليدية (شاتر ستوك)
مجموعة من الاطباق السودانية التقليدية (شاتر ستوك)

على رائحة الشواء، تحولت المطاعم السودانية في عديد من الأحياء المصرية إلى ملتقيات ومنتديات عائلية لكثير من الوافدين الجدد إلى البلاد، لاستعادة عبق ودفء الوطن عبر الأكلات الوطنية.

مجموعة من الاطباق السودانية التقليدية (شاتر ستوك)

ويحرص «المطعم السوداني» بوسط القاهرة على تقديم الأصناف الشعبية والاقتصادية لتلبية احتياجات السودانيين الوافدين، مثل العصيدة، والبامية المفروكة (الويكة)، بجانب أنواع مختلفة من اللحوم، تُقدّم مع الخبز السوداني التراثي، مثل «الكسرى» الذي يصنع من الذرة أو القمح، و«القراصة» التي تصنع من دقيق القمح وتكون أكثر سمكاً.

واجهة أحد المطاعم السودانية في مصر (الشرق الاوسط)

مدير «المطعم السوداني» بوسط القاهرة مسعد أبو نائب، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المطاعم السودانية في مصر تشهد رواجاً كبيراً بسبب ازدياد أعداد الوافدين الجدد من السودان»، لافتاً إلى أن «هذه المحال باتت مقصداً لكثير من السودانيين، خصوصاً من وصلوا إلى مصر في الآونة الأخيرة، حيث يبحثون عن أصدقائهم ومعارفهم الذين فرقت بينهم ظروف الحرب».

ويرى أبو نائب، أن «الأصناف الشعبية الاقتصادية باتت أولوية راهناً للتسهيل على الوافدين، لكننا نقدم كل أصناف المطبخ السوداني الأخرى».

طبق الفول السوداني (شاتر ستوك)

وتشكّل اللحوم بأنواعها كافة مكوناً رئيسياً بالمطبخ السوداني، ومنها «الشية» وهي لحوم حمراء متبلة تُشوى على الفحم أو الصاج، بجانب اللحم المجفف عن طريق وضعه في الشمس أو تدخينه، كما يقدم مع «الكسرى» أو «الويكة»، و«الكمونية»، بالإضافة إلى أطباق «أم فتفت» الشهية، وهي عبارة عن أجزاء من أحشاء الذبائح منقوعة في خليط من التوابل، ويضاف إليها عصير الليمون وشوربة الضأن، وأيضاً فطيرة الكوارع، وكبد الإبل، التي تؤكل نيئة مع إضافة شرائح البصل وكثير من التوابل والشطة «الساخنة».

ووسط حي مدينة نصر (شرق القاهرة) يجتذب مطعم «زول» زبائنه من السودانيين والمصريين عبر المزج بين المطبخين (السوداني والمصري) لـ«تخفيف حدة وسخونة التوابل السودانية التي لم يعتد عليها المصريون». وما بين ديكورات سودانية بألوان زاهية، وحفلات موسيقية بالأغاني السودانية الشعبية والتراثية، يشكّل المطعم ملتقى لكثير من الوافدين إلى مصر.

أجواء غنائية داخل أحد المطاعم السودانية بالقاهرة (الشرق الاوسط)

صاحبة مطعم «زول» دلال تاج الدين، تقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «بجانب زيادة أعداد السودانيين الوافدين إلى مصر أخيراً، فإن من بين الأسباب الأخرى للإقبال الذي تشهده المطاعم السودانية أنها باتت تشبه ملتقيات اجتماعية وفنية يستعيد فيها الوافدون بعضاً من رائحة الوطن، سواء من خلال الأكلات الوطنية أو الأغاني التراثية، كما أنها (المطاعم) تشكّل وسيلة فعالة للبحث عن الأصدقاء والمعارف القادمين من السودان».

وحول أسباب المزج بين المطبخين السوداني والمصري، تقول تاج الدين: «قد يواجه المصريون صعوبة في تقبل الطعم والنكهة الحارة للتوابل السودانية مرة واحدة، لذلك نقوم بتخفيف حدتها حسب طلبهم، وزيادتها تدريجياً إلى أن يتعودوا عليها».

وتعد التوابل مكوناً رئيسياً بالمطبخ السوداني، حيث تضاف بكميات كبيرة إلى معظم الأطباق، وأيضاً إلى المشروبات، مثل «الذريعة» الذي يصنع منه مشروب «الآبري» ويطلق عليه عصير «حلو مر»، ويضاف أيضاً إلى «الويكة»، و«العصيدة»، و«البامية الجافة».

ومن أبرز التوابل السودانية، الشمار والكمون الأخضر والأسود والكزبرة، والقرنجال، وهو عشب عطري بهاري يشبه الجنزبيل، والشطة الحمراء والحرجل، الذي يتميز بطعمه الحار ورائحته المميزة، والكمبة، وتستخدم في تتبيل اللحوم لإذابة دهونها، والبردقوش والقرنفل والسماق والزعفران.

مجموعة من الأطباق السودانية (الشرق الاوسط)

ومن بين الأصناف المشتركة بين المطبخين السوداني والمصري، الفول والطعمية، غير أن الفول على الطريقة السودانية يقدم غير مهروس، وتضاف إليه أنواع مختلفة من التوابل والشطة الحارة، بينما تصنع الطعمية السودانية من الحمص.

وعلى الرغم من مزج مطعم «زول» بين المطبخين السوداني والمصري، فإنه يحرص على الاهتمام بالأصناف السودانية التراثية، وتضم قائمة الطعام عنواناً عريضاً لذلك تحت اسم «التراث السوداني»، ويضم أصنافاً سودانية متنوعة، منها «أقاشي» اللحم والدجاج، وهي عبارة عن لحم ضأن أو دجاج متبل ومشوي على الفحم، وأيضاً «دمعة دجاج» وتتكون من قطع من الدجاج متبلة بالبهارات السودانية المميزة ومطهوة في صلصة «مسبكة» بالبصل والثوم وصلصة الطماطم، وكذلك «شية فحم» وهي عبارة عن لحم مشوي على الفحم، و«شية الصاج» وهي لحم ضأن سوداني بالتتبيلة السودانية.

لحم وأرز على الطريقة السودانية (الشرق الاوسط)

ولا يختلف الأمر في مطعم «كنداكة» بحي المهندسين بالجيزة، الذي يحرص على تقديم الأصناف السودانية كافة، منها «القيمة» وهي لحم ضأن مطهو بالبطاطس مع الثوم والبصل والبهارات، بجانب أنواع الشيات السودانية المختلفة، والأصناف الشعبية.

وانتهت مديرة المطعم فاتن السعيد، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «نحرص على الاهتمام بالأصناف السودانية التراثية التي قد تختلف طريقة طهوها من إقليم لآخر، كما نحافظ على رائحة الوطن من خلال الديكورات والحفلات الموسيقية التراثية».


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية

تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية
TT

تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية

تنافس بين الطهاة والمدونين على تقديم وصفات شهية واقتصادية

هل فكرتِ في إعداد أصابع الكفتة دون اللحم؟ وهل خطر في بالك أن تحضري الحليب المكثف في المنزل بدلاً من شرائه؟

قد يبدو تحضير وجبات طعام شهية، واقتصادية أمراً صعباً، في ظل ارتفاع أسعار الغذاء؛ مما يدفع الكثيرين إلى البحث عن طرق مبتكرة لتحضير وجبات شهية دون الحاجة إلى إنفاق مبالغ طائلة.

وهو ما دفع الكثيرين مؤخراً إلى إعادة التفكير في عاداتهم الغذائية، والبحث عن بدائل أكثر اقتصادية، الأمر الذي تفاعلت معه مدونات الطعام على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرز لدى القائمين عليها هذا الاتجاه في الطهي بإيقاع تنافسي، لتقديم العديد من الطرق لتحضير الطعام بما يلائم الميزانيات.

وحسب خبراء للطهي، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، فإنه بقليل من الإبداع والتخطيط، يمكن تحويل مطبخك إلى مكان لإعداد وجبات شهية واقتصادية دون تكلف.

تقول الشيف المصرية سارة صقر، صاحبة مدونة «مطبخ سارة»: «أصبح الطعام الاقتصادي من أهم اتجاهات الطهي حالياً، لمحاولة تقليل النفقات بشكل كبير، تزامن ذلك مع انتشار ثقافة توفير الوقت والجهد، من خلال تحضير وجبات سهلة وسريعة وأيضاً مبتكرة، وهو ما تفاعل معه الطهاة وأصحاب مدونات الطهي، الذين يتسابقون في تقديم أفكار تساعد الجمهور على تلبية احتياجاتهم بشكل اقتصادي، وبطريقة شهية وجذابة».

وتضيف: «من وجهة نظري فإن أساس تحقيق معادلة الشهي والاقتصادي معاً تكمن أولاً في اختيار المكونات البديلة المستخدمة، فمن المهم أن نفكر بشكل دائم في البديل الأوفر في جميع أطباقنا». وتضرب مثلاً بتعويض أنواع البروتين الحيواني بالبروتين النباتي مثل الفطر (المشروم) أو البيض؛ ويمكننا أيضاً استبدال الدواجن باللحوم، مع الابتعاد تماماً عن اللحوم المُصنعة، فهي غير صحية وليست اقتصادية».

وترى أن الابتكار في الوجبات بأبسط المكونات المتوفرة عامل رئيسي في تحقيق المعادلة، و«يمكنني تحويل وجبة تقليدية مُملة للبعض لوجبة شهية وغير تقليدية، وهذا ما أهتم به دائماً، لا سيما عن طريق إضافة التوابل والبهارات المناسبة لكل طبق، فهي أساس الطعم والرائحة الذكية».

من أكثر الأطباق التي تقدمها الشيف سارة لمتابعيها، وتحقق بها المعادلة هي الباستا أو المعكرونة بأنواعها، لكونها تتميز بطرق إعداد كثيرة، ولا تحتاج إلى كثير من المكونات أو الوقت. كما أنها تلجأ إلى الوجبات السهلة التي لا تحتوي على مكونات كثيرة دون فائدة، مع التخلي عن المكونات مرتفعة الثمن بأخرى مناسبة، مثل تعويض كريمة الطهي بالحليب الطبيعي كامل الدسم أو القشدة الطبيعية المأخوذة من الحليب الطازج، فهي تعطي النتيجة نفسها بتكلفة أقل، وبدلاً من شراء الحليب المكثف يمكن صنعه بتكلفة أقل في المنزل.

تشير الشيف سارة إلى أن كثيرات من ربات المنازل قمن باستبدال اللحوم البيضاء بالحمراء، وأصناف الحلوى التي يقمن بإعدادها منزلياً بتكلفة أقل بالحلوى الجاهزة، كذلك استعضن عن المعلبات التي تحتوي على كثير من المواد الحافظة بتحضيرها في مطابخهن.

بدورها، تقول الشيف نهال نجيب، صاحبة مدونة «مطبخ نهال»، التي تقدم خلالها وصفات موفرة وأفكاراً اقتصادية لإدارة ميزانية المنزل، إن فكرة الوجبات الاقتصادية لا تقتصر على فئة بعينها، بل أصبحت اتجاهاً عالمياً يشمل الطبقات كافة.

وترى نهال أن الادخار في الأصل هو صفة الأغنياء، وفي الوقت الحالي أولى بنا أن ندخر في الطعام لأنه أكثر ما يلتهم ميزانية المنزل، وبالتالي فالوجبات الاقتصادية عامل مساعد قوي لتوفير النفقات، لافتة إلى أن «هذا الاتجاه فتح مجالاً كبيراً أمام الشيفات لابتكار وصفات متعددة وغير مكلفة، وفي الوقت نفسه شهية لإرضاء كل الأذواق، فليس معنى أن تكون الوجبات اقتصادية أن تفقد المذاق الشهي».

وتضيف: «محاولة التوفير والاستغناء عن كل ما زاد ثمنه وإيجاد بدائله لا يعني الحرمان، فالأمر يتمثل في التنظيم وإيجاد البدائل؛ لذا أفكر دائماً فيما يفضله أفراد أسرتي من أنواع الطعام، وأحاول أن أجد لمكوناته بدائل اقتصادية، وبذلك أحصل على الأصناف نفسها ولكن بشكل موفر».

وتشير الشيف نهال إلى أن هناك العديد من الوصفات غير المكلفة والشهية في الوقت نفسه بالاعتماد على البدائل، مثال ذلك عند إعداد أصابع الكفتة يمكن إعدادها بطرق متنوعة اقتصادية، تصل إلى إمكانية التخلي عن اللحم وتعويضه بالعدس أو الأرز المطحون أو دقيق الأرز، وتقول إن «قوانص» الدجاج، والمعكرونة المسلوقة، توضع في «الكبة» مع بصل وتوابل ودقيق بسيط لإعطاء النتيجة نفسها، كما يمكن الاعتماد في الكفتة على البرغل أو الخبز أو البقسماط، الذي يضاف إلى كمية من اللحم المفروم لزيادتها.

وكذلك بالنسبة لكثير من أصناف الحلويات، التي يمكن تغيير بعض المكونات فيها لتصبح اقتصادية مع الحفاظ على مذاقها، فعند إعداد الكيك يمكن استخدام النشا كبديل للدقيق الأبيض، واستخدام عصير البرتقال أو المياه الغازية بدلاً من الحليب. وتلفت أيضاً إلى إمكانية إعداد أنواع الصوصات في المنزل بدلاً من شرائها، فهذا سيوفر المال وأيضاً لضمان أنها آمنة وصحية، وكذلك الحليب المبستر يتم الاستغناء عنه لغلو سعره والاستعاضة عنه بالحليب طبيعي، والسمن البلدي يمكن تعويضه بزيت الزيتون الصحي وليس بالسمن المهدرج المضر بالصحة.

من خلال اقترابهما من جمهور «السوشيال ميديا»، وتبادل الأحاديث معهم، توجه الطاهيتان كثيراً من النصائح لحفاظ السيدات على أطباقهن شهية واقتصادية.

فمن النصائح التي توجهها الشيف سارة، التوسع في استخدام البقوليات، خصوصاً العدس والحمص والفاصوليا المجففة، بديلاً اقتصادياً وصحياً للحوم، مع الاعتماد على المكونات الطازجة في موسمها وتخزينها بشكل آمن لتُستخدم في غير موسمها بدلاً من شرائها مُعلبة.

بينما تبين الشيف نهال أن الأجيال الجديدة تفرض على الأم وجود بروتين بشكل يومي، وهو ما زاد من مسؤوليتها في ابتكار وجبات اقتصادية وشهية، وما ننصح به هنا تعويض المكونات ببدائل أخرى، مثل الاستغناء عن اللحوم البلدية واللجوء للمستوردة في بعض الأطباق، واستخدام المشروم بديلاً للبروتين.

وتشير إلى أن لكل ربة منزل «تكات الطهي» أو ما يطلق عليها «النفس»، وهو ما عليها استغلاله لتقديم أطباق مبتكرة، مبينة أن الكثير من صفحات «يوتيوب» و«فيسبوك» توفر أفكاراً اقتصادية متنوعة يمكنها أن تساعد السيدات في تلبية احتياجاتهن.