«شيغا» كلمة تعني «كفى»... وتعبّر عن النقمة على الواقع السياسي

فنتورا ... وجه اليمين المتطرف البرتغالي (رويترز)
فنتورا ... وجه اليمين المتطرف البرتغالي (رويترز)
TT

«شيغا» كلمة تعني «كفى»... وتعبّر عن النقمة على الواقع السياسي

فنتورا ... وجه اليمين المتطرف البرتغالي (رويترز)
فنتورا ... وجه اليمين المتطرف البرتغالي (رويترز)

>كلمة «شيغا» CHEGA تعبير اصطلاحي مركّب بالبرتغالية يقصد به «كفى» في معرض الإعراب عن النقمة والاستياء من وضع معيّن. وهي من ثم الاسم الذي يحمله الحزب اليميني المتطرف الذي ضاعف في انتخابات الأحد الفائت عدد المقاعد التي يحتلها في البرلمان البرتغالي.

في عام 2018 اتصّل آندريه فنتورا بصديقه نونو ألفونسو لطلب المساعدة والتعاون من أجل تأسيس حزب جديد في البرتغال، بعدما انشق الرجلان عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يمين الوسط)، بسبب خلافهما مع زعيمه المعتدل روي ريو، وبعدما كان فنتورا قد فشل في قيادة تمرد داخل الحزب لإطاحته.

ألفونسو يقول إنه لم يكترث للأمر كثيراً في البداية «لأن رأس فنتورا كان يحفل دائماً بالمشاريع الغريبة، مثل أن يكون رئيساً لنادي بنفيكا الرياضي الشهير بكرة القدم، أو أن يصبح أفضل كاتب في العالم، أو أن يتولّى رئاسة بلدية مدينة سينترا التاريخية».

ولكن، بعد إلحاح فنتورا تجاوب ألفونسو مع طلبه. وخلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام (2018) عُقد الاجتماع الأول للحزب الذي لم يكن يعرف بعد باسمه الحالي، وضمّ ذلك الاجتماع عدداً ضئيلاً من «الليبراليين الجدد» من المدرسة النمساوية، والمعجبين بدونالد ترمب، ومؤيدي الإجهاض والمعارضين له. وهنا يقول ألفونسو إن فنتورا ما كان يهتمّ بشيء من ذلك، «... بل كان يهمّه أننا جميعاً من أصدقائه الذين درسوا معه في إسبانيا وآيرلندا، ولم نكن نعارض آراءه». وبالفعل، تولّى ألفونسو منصب نائب الرئيس بعد تأسيس الحزب، ثم صار مديراً لمكتب فنتورا، قبل أن يفترقا في عام 2022 إثر خلافات متكرّرة.

هذا، وتلقّى فنتورا دراسته الجامعية الحقوقية في جامعة نوفا البرتغالية، ثم نال شهادة الدكتوراه من جامعة كورك الآيرلندية (كلية كورك الجامعية التابعة لجامعة آيرلندا الوطنية). وقرر تسمية الحزب الذي أسسه عام 2019 تيمناً باسم الحركة اليمينية التي قادها داخل الحزب الديمقراطي الاجتماعي... وفشل يومذاك في إزاحة زعيمه. لقد نشأ «شيغا» بوصفه مشروعاً شخصياً لزعيمه الذي يرى أن «الله كلفّه مهمة إنقاذ البرتغال من براثن اليسار»، كما ردد في غير مناسبة. ولكون فنتورا أمضى سنوات دراسته التكميلية والثانوية في مدرسة لاهوتية، فإنه جعل من الإيمان المسيحي الركيزة العقائدية الأساسية لحزبه، فيما كان «يفصّل» آراءه السياسية وفقاً للظروف والمقتضيات المرحلية. وهنا يقول الباحث السياسي ميغيل كارفايو: «فنتورا لا يؤمن بنصف ما يصدر عنه من تصريحات، لكنه يتكيّف كالحرباء مع جمهوره ببراعة مذهلة لا يجاريه أحد فيها».

وحقاً، كثيرون من رفاق الرعيل الأول انشقوا عن الحزب بسبب خلافاتهم مع فنتورا، وهي خلافات غالباً ما كانت تصل إلى المحاكم، حتى إن المحكمة الدستورية قضت بإلغاء مؤتمر الحزب العام الماضي، وتعديل دستوره. وللعلم، كان فنتورا يدعو إلى معاقبة المغتصبين بالخصي الكيميائي، وتخصيص حجر صحي للغجر إبان جائحة «كوفيد - 19»، ويرفع لواء الحملة التي يقودها الفرنسي رينو كامو لمواجهة ما يراه محاولة لتغيير الوجه الديموغرافي لأوروبا عن طريق الهجرة غير الشرعية. ثم إنه اختار لحملته الانتخابية الأخيرة شعار «تنظيف البرتغال»، موضحاً في خطبه أنه يقصد «تنظيفها من السياسيين الاشتراكيين والمتهمين بفضائح الفساد».

يبقى القول إن فنتورا، قبل دخوله البرلمان عام 2019، كان معروفاً بتعليقاته الرياضية بوصفه مشجّعاً لنادي بنفيكا، أعرق الأندية البرتغالية الرياضية والكروية، وكان يقول إن الرياضة هي أفضل منصة لدخول المعترك السياسي. ومن جهة أخرى، يرى السينو كوستا، الباحث السياسي في جامعة سينترا، أن مناصري فنتورا «يؤمنون بفكرة أو اثنتين فقط من أفكاره، لكنهم جميعاً قد سئموا السياسة الراهنة... وهم مصممون على وضع حد لها مهما كان الثمن». ويبدو اليوم أن الثمن هو السير في ركاب هذا «المُلهِم» حتى يصل إلى رئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.