«بيرونيو» الأرجنتين يأملون بحسم الرئاسة بعد مفاجأة الجولة الأولى

تصدر مرشحهم أظهر قدرة حركتهم على استعادة موقعها في المشهد السياسي

المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)
المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)
TT

«بيرونيو» الأرجنتين يأملون بحسم الرئاسة بعد مفاجأة الجولة الأولى

المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)
المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)

كثيرون في الأرجنتين حبسوا أنفاسهم عندما ذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع، الأحد الفائت؛ لاختيار رئيس جديد للبلاد، وتجديد أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب؛ خوفاً من حدوث مفاجأة حصول المرشح اليميني المتطرف خافيير ميلي على النسبة التي تخوّل له الوصول إلى الرئاسة من الجولة الأولى، لا سيّما أنه كان يتصدّر جميع الاستطلاعات بعد الصعود السريع الذي شهدته شعبيته في الأشهر الأخيرة. إلا أن القلة الضئيلة من المحللين العارفين بمسالك السياسة الأرجنتينية الوعرة - والمتداخلة ضمن شبكة معقدة من الانقسامات داخل الأحزاب والمصالح المحلية الضيّقة - كانت على يقين من أن وزير الاقتصاد الحالي و«ثعلب» الحركة البيرونية سيرجيو ماسّا سيتمكّن، عندما تدقّ ساعة الحقيقة، من وقف المدّ الشعبوي اليميني وإعادة عقارب المشهد السياسي إلى ما كان عليه في السنوات الأخيرة. فخلال هذه الفترة كان الوضع متأرجحاً بين التيارات المتناحرة داخل الحركات والأحزاب من جهة، والكتلة الشعبية المتنامية في نقمتها ضد مؤسسات الدولة والطبقة السياسية التقليدية التي أغرقت الأرجنتين في أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية شهدتها في تاريخها الحديث من جهة أخرى. مع هذا، فإن الفوز المرحلي الذي قطفه ماسّا، في انتظار الجولة الثانية والحاسمة، يحمل في طيّاته كل تعقيدات السياسة الأرجنتينية وصعوبة التكهن بردود فعل الناخبين عند الاستحقاقات الانتخابية، وهي غالباً ما تناقض كل قواعد المنطق السياسي التي تستند إليها التوقعات والتحليلات. وهذا هو التفسير الوحيد لفوز مرشح الحزب الحاكم منذ سنوات، مع أن نسبة التضخم السنوي تلامس 150 في المائة، في حين يعيش 40 في المائة من السكان دون خط الفقر في واحد من أهم البلدان المنتجة للمواد الغذائية في العالم، وكذلك تنهار قيمة العملة الوطنية بوتيرة غير مسبوقة أمام فراغ خزائن المصرف المركزي من الاحتياط، وتفقد رواتب القطاع العام قدرتها الشرائية، مولّدة حالة من النقمة الشعبية العارمة تدفع بالبلاد نحو الانفجار الاجتماعي والانجراف وراء الحركات الشعبوية.

المشهد الاقتصادي والاجتماعي التعيس يكفي ويزيد للقضاء على أي حظوظ انتخابية للمرشح الحكومي في أي بلد من العالم. غير أن الأرجنتين تبدو الاستثناء الأقوى من القاعدة. بل إن ما يزيد من «غرابة» نتيجة الجولة الانتخابية الأولى من الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية هو أن المرشح الذي تصدّر النتائج، سيرجيو ماسّا، هو الذي يتولّى حقيبة الاقتصاد في الحكومة الحالية، وكان تولّاها عدة مرات في السابق.

الواقع أن ماسّا برهن مراراً على قدرة خارقة وبراعة في تجاوز المطبّات والنهوض من رماد الأزمات. وهذه المرة نال 36.7 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، مقابل 30 في المائة للمرشح اليميني المتطرف خافيير ميلي، فيما نالت مرشحة اليمين المحافظ باتريسيا بولريتش 23.8 في المائة من الأصوات التي سيحتدم التنافس عليها بين ماسّا وميلي أواسط الشهر المقبل.

لقد نجح الوزير والمرشح الرئاسي البيروني في تغليب صوت الخوف، الذي أطلقه شعاراً لحملته. وبالخصوص، تحذيره من عواقب الانجرار وراء البرنامج الراديكالي الذي طرحه ميلي ودعا فيه إلى التعامل رسمياً بالدولار الأميركي عوضاً عن العملة الوطنية، وإلغاء المصرف المركزي، والتوقّف عن سداد الدين العام، والسماح باقتناء السلاح الخاص. وفي المقابل، فشل ميلي في الوصول إلى أبواب الرئاسة على صهوة الغضب الشعبي الذي كان وراء صعوده السريع إلى صدارة جميع الاستطلاعات قبل الجولة الأولى.

ميلي (رويترز)

الاستثناء البيروني

ولئن كان التقدّم الذي حققه ماسّا ضد جميع التوقّعات في الجولة الأولى دليلاً على أن الحركة البيرونية - التي تعاني من انقسامات داخلية حادة تهدد بانهيارها منذ سنوات - ما زالت قادرة على استعادة موقعها بوصفها لاعباً أساسياً في المشهد السياسي الأرجنتيني، فإن هزيمة المرشحة اليمينية ووزيرة الأمن السابقة باتريسيا بولريتش تنذر بمرحلة عسيرة قد تؤدي إلى تفكّك جبهة اليمين التي وصلت إلى الحكم عام 2015 مع الرئيس السابق ماوريسيو ماكري.

في الانتخابات الأولية الإلزامية إلى أجريت في أغسطس (آب) الفائت، حلّ ماسّا في المرتبة الثالثة، بعد ميلي وبولريتش. إلا أن التعبئة التي شهدتها صفوف الحركة البيرونية في العاصمة بوينس آيريس، وبخاصة في ضواحيها حيث يعيش رُبع الناخبين الأرجنتينيين وأكثرهم فقراً، هي التي رفعته إلى المرتبة الأولى لتضعه على بعد أسابيع قليلة من الرئاسة.

في تلك الضواحي الشعبية نشأت الحركة البيرونية، بين أوساط الطبقة الكادحة والنقابات العمالية. وظلت منذ ذلك الوقت الكتلة الوازنة في جميع الانتخابات التي خاضتها، إلى أن ظهر ميلي، فهدد بتقويض دعائم هيمنتها، وتعهّد بالقضاء على جميع الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية التي كانت هي وراءها، ناهيك عن تسريح عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام الذين ينتمي معظمهم إلى الحركة التي أسسها الرئيس الأسبق خوان دومينغو بيرون.

ولكن يوم الأحد الفائت، استجمعت الحركة البيرونية قواها في «مسقط رأسها»، وأعادت انتخاب حاكم ولاية العاصمة بغالبية تعفيه من الجولة الثانية. وأعطت ماسّا الأصوات التي كان يحتاج إليها للعبور إلى الجولة الثانية ومنافسة ميلي على أصوات التحالف اليميني الذي تقوده بولريتش. لكن هذه المنافسة لن تكون سهلة؛ لأن أنصار التحالف اليميني ينقسمون بين فئتين: الأولى تعلن العداء المطلق للحركة البيرونية، وبالتالي من غير الوارد أن تعطي أصواتها لماسّا. والثانية، تتوزّع بين مؤيد لميلي وممتنع عن المشاركة في الجولة الثانية للمفاضلة بين المرشح البيروني ومنافسه اليميني المتطرف.

وللعلم، كان ميلي قد مدّ يده يوم الأحد الفائت إلى أنصار بولريتش التي تبادل معها التهم القاسية خلال الحملة الانتخابية، وقال: «جئت لكي أعلن نهاية الاتهامات التي تبادلناها طوال الحملة الانتخابية، ولنفتح صفحة جديدة من التعاون، ونترك كل خلافاتنا جانباً من أجل إنهاء الحركة الكيرشنيرية (نسبة إلى الرئيس الأسبق نستور كيرشنير وزوجته الرئيسة السابقة ونائبة الرئيس الحالية كريستينا)؛ لأننا في مواجهة منظمة إجرامية هي أسوأ ما عرفته الأرجنتين في تاريخها».

وبعد أيام قليلة من مبادرة ميلي، أعلنت بولريتش، يوم الأربعاء الفائت، أنها ستؤيد ميلي في الجولة الثانية لمنع وصول المرشح الحكومي سيرجيو ماسّا، الذي قالت إن فوزه في الجولة الثانية سيدفع البلاد نحو المزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. ولكن من شأن هذا القرار أن يزلزل التحالف المحافظ «معاً من أجل التغيير» الذي ترأسه. جدير بالذكر أن بولريتش أعلنت قرارها بعد الاجتماع الذي عقدته مع «الزعيم الفعلي» للتحالف المحافظ والرئيس السابق ماوريسيو ماكري.

كذلك لا بد من الإشارة إلى أن تحديد وجهة التصويت في الجولة الثانية، للمفاضلة بين ماسّا وميلي، كان موضع نقاش منذ أيام داخل التحالف، الذي يضمّ تيارات يمينية تؤيد التصويت لصالح ميلي من أجل قطع الطريق على عودة البيرونيين، وتيارات أخرى رافضة بشكل قطعي مثل هذا الخيار... وهو ما سيؤدي قطعاً إلى انفراط عقد هذا التحالف المحافظ.

بولريتش قالت في مؤتمرها الصحافي الذي أعلنت فيه هذا القرار: «غالبية الأرجنتينيين اختارت التغيير الذي نمثّل نحن جزءاً منه. عندما يكون الوطن في خطر تسقط المحرّمات، ومن واجبنا ألا نقف على الحياد». وأردفت أنه على الرغم من اعتراضها على «بعض» مواقف وطروحات ميلي، فالبلاد «أمام معضلة المفاضلة بين التغيير واستمرار حكم المافيا - على حد قولها - في الأرجنتين».

لن يكون سهلاً على ماسّا استقطاب الناخبين غير الحزبيين

باقتراحات لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردّي، مع أن الصين هبّت لإنقاذه مطلع هذا الأسبوع

التحالف المعادي لليمين

في الضفة الأخرى، فإن الجبهة التي بإمكان ماسّا الاعتماد على تأييدها في الجولة الثانية يمثلها «التحالف التغييري» الذي كان وراء وصول ماكري إلى الرئاسة عام 2015، والذي دعم خلال الجولة الأولى حاكم بوينس آيرس لمنع وصول مرشح ميلي إلى حاكمية العاصمة.

وبعد ظهور نتائج الجولة الأولى، توجّه ماسّا إلى أنصار الحزب الراديكالي، وقال إنه سيبذل أقصى جهده لإقناعهم بالانضمام إلى معسكره للدفاع عن مؤسسات التعليم الرسمي، والخدمات الصحية المجانية، وفصل السلطات التي يدعو ميلي إلى تدميرها. وللتذكير، فإن الحزب الراديكالي اليساري - وهو أقدم حزب سياسي في الأرجنتين - خرج من صفوفه رئيسان للجمهورية هما راؤول ألفونسين (1983)، وفرناندو دي لا روا (1999)، سبق له أن تحالف ظرفياً مع الحركة البيرونية، وبات من شبه المؤكد أن الأصوات التي حصلت عليها مرشحته ميريام برغمان، وبلغت 700 ألف صوت في العاصمة، ستذهب إلى ماسّا. إلا أنه ليس من الواضح بعدُ ماذا سيكون عليه مصير الأصوات، التي تزيد على المليونين، التي حصل عليها حاكم ولاية كوردوبا (البيروني المحافظ) خوان سكياريتي. معظم التوقعات تشير إلى أن معظم هذه الأصوات سيذهب إلى ميلي، ما دفع ماسّا إلى القول في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد صدور نتائج الجولة الأولى: «أعرف أن مهمتي لن تكون سهلة. أصوات الناخبين ليست ملك المرشحين، بل ملك المواطنين، وإذا حاولنا وضع اليد على إرادة المواطن سنفقد ثقته نهائياً».

ميلي، من جهته، يدرك أن مهمته الرئيسة بعد نكسة الجولة الأولى وتراجع شعبيته مقارنة بالاستطلاعات التي سبقتها، ستكون التخفيف من حدة الصورة التي أظهرها منذ بداية المعركة الانتخابية حين أطلق الاتهامات القاسية في كل الاتجاهات، وبشكل خاص ضد رموز الحركة البيرونية والطبقة السياسية التي حكمت الأرجنتين في العقود الأخيرة، والتي ادعى أنها «اعتاشت من نهب الأموال العامة». ومن غير المستبعد - وفق مراقبين - أن يبادر في لحظة ما إلى سحب الشعار الأساسي الذي رفعه في معركته الانتخابية، داعياً إلى «دولرة» الاقتصاد، تجاوباً مع نصائح مستشاريه الاقتصاديين الذين كان معظمهم من فريق الرئيس الأسبق كارلوس منعم، الذي صمّم نظام تحويل البيزو الأرجنتيني إلى الدولار الأميركي.

الاقتصاد... الاقتصاد... الاقتصاد

هذا، ولن يكون من السهل على ماسّا استقطاب الناخبين غير الحزبيين باقتراحات لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي، مع أن الصين هبّت لإنقاذه مطلع هذا الأسبوع، عندما أعلنت عن منحها الأرجنتين قرضاً ميسّراً بمقدار 6.5 مليار دولار، مع وعد بقرض إضافي في الأشهر المقبلة. ولكن، في أول ردة فعل له على إعلان بولريتش تأييدها لميلي، قال ماسّا خلال لقاء مع مراسلي الصحافة الأجنبية: «إن العالم ينتظر من الأرجنتين التوازن والتعقّل واليقين... ينتظر منّا التروّي والترقّب ودوراً فاعلاً في النظام المتعدد الأطراف». وأيضاً، نبّه ماسّا إلى أن خصمه يعتزم تفكيك منظومة «ميركوسور» الاقتصادية التي تضمّ كلاً من الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والأوروغواي، وفسخ الاتفاقات المعقودة مع الصين، وقطع العلاقات مع الفاتيكان الذي يوجد على رأسه بابا أرجنتيني.

ومما قاله ماسّا إن تفكيك «ميركوسور» من شأنه التسبب في فقدان 150 ألف فرصة عمل في القطاع الأرجنتيني للصناعات الثقيلة، إضافة إلى 68 ألف فرصة عمل في قطاع الصناعات الزراعية والغذائية، أي في الركيزتين الأساسيتين للاقتصاد الأرجنتيني. وذكّر كذلك بأن ما يزيد على 1500 مؤسسة أرجنتينية تعتمد على التجارة البينية مع البرازيل التي تتابع باهتمام شديد الانتخابات الأرجنتينية ونتائجها. وقال، من ثم، إنه في حال وصوله إلى سدة الرئاسة سيسعى إلى توثيق العلاقات التجارية مع الشركاء الأساسيين مثل البرازيل والصين، وسيفتح مسارات جديدة واسعة مع الدول العربية والأفريقية. وأضاف أن الأرجنتين «لا يمكن أن تستمر كمتسوّل مزمن للدين الخارجي»، وأنه يريد تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم النخبة من كل الأحزاب السياسية، بغض النظر عن مشاربها، وذلك من أجل وضع سياسة إنقاذ موحدة خارج التجاذبات الحزبية.

ويعوّل ماسا في حال وصوله إلى الرئاسة على انتعاش القطاع الزراعي بعد الجفاف التاريخي الذي ضرب الأرجنتين العام الماضي؛ إذ يقدّر أن صادرات هذا القطاع ستزيد على 40 مليار دولار قبل حلول الموسم التالي. لكن تعافي القطاع الزراعي لن يكون كافياً لمواجهة استحقاق إعادة جدولة الديون الخارجية مع صندوق النقد الدولي، بعد أن تعذّر سدادها في المواقيت المتفق عليها، وامتناع المؤسسات المالية الدولية عن إقراض الأرجنتين منذ عام 2018.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.