صور وأسماء من حياة يهود مصر منذ القرن الـ19

ليلى مراد
ليلى مراد
TT

صور وأسماء من حياة يهود مصر منذ القرن الـ19

ليلى مراد
ليلى مراد

لليهود تاريخ قديم جداً في مصر، ولكن خلال القرنين الـ19 والـ20 لعب اليهود المصريون رغم تقلص حجم الطائفة (3 آلاف يهودي في القاهرة إبان الحملة الفرنسية)، دوراً بارزاً على 3 أصعدة هي الاقتصاد والثقافة والسياسة. وكان تركزهم الأساسي في القاهرة بحي السكاكيني في منطقة الظاهر بحي غمرة. وعلى الصعيد الاقتصادي، خصوصاً حققوا القدر الأكبر من النجاح. وقادت عائلات سوارس، وقطاوي، ومنشّه (منشّي/ ده منشه)، وموصيري ورولو وادّا عملية تأسيس شركات مصرية مهمة، منها «شركة السكر» في كوم أمبو، وسكك حديد حلوان والدلتا وقنا/أسوان، و«أوتوبيسات سوارس»، و«شركة الملح والصودا»، و«البنك الزراعي المصري» و«شركة مياه طنطا» وغيرها.

بجانب نجاحات عائلة موصيري، أسست عائلة شيكوريل، تحت ريادة عميدها مورينو شيكوريل، عدداً من المتاجر الكبرى المشهورة، ونشط أولاده من بعده (سولومون وجوزيف وسلفاتور) وطوّروا مؤسساتهم، وبات «شيكوريل» أكبر وأهم متجر من نوعه في مصر، كما شارك جوزيف شيكوريل بتأسيس «بنك مصر»، وتولى رئاسة منظمة القاهرة الصهيونية. وبعد وفاة سولومون وجوزيف، واصل سلفاتور إدارة أعمال العائلة وأسس بجانب المتجر الشهير سلسلة متاجر «أوريكو» وترأس سلفاتور (بك) غرفة التجارة المصرية لسنوات عدة. وعُين قاضياً في المحاكم المختلطة. وحتى بعد ثورة 1952 حرصت الحكومة المصرية على استشارته في القضايا الاقتصادية. وبجانب نشاطه الاقتصادي اهتم مثل أخيه جوزيف بشؤون طائفته فاختير رئيساً للطائفة اليهودية المصرية خلفاً لرينيه قطاوي.

يوسف أصلان قطاوي باشا

وعائلة سوارس بدورها حققت شهرة كبيرة في مجال التجارة وملكية الأراضي والأعمال الخيرية، وأُطلق اسمها على ميدان في القاهرة، يعرف اليوم بـ«ميدان مصطفى كامل».

إلا أن النجاح السياسي الأكبر كان من نصيب عائلة قطاوي، التي توارثت الغنى والجاه والنفوذ جيلاً بعد جيل بدءاً من عميدها يوسف بن إسحق سمبري قطاوي في القرن الـ17، الذي ألّف كتاباً بالعبرية عن تاريخ مصر. وبعد يوسف جاء دور ابنه يعقوب الذي عينه الخديو عباس الأول رئيس الصرافين، واحتفظ بهذا المنصب لفترة طويلة، ثم لمع نجم ابنه مويز في مجالات البنوك والصيرفة والصناعة والتجارة والقضايا اليهودية. وخلف مويز في رفع لواء العائلة يوسف أصلان قطاوي (باشا) حفيد يعقوب وابن أصلان شقيق مويز، الذي حاز شهرة واسعة وثراءً كبيراً. ودخل يوسف الحقل السياسي، فأصبح عضواً في الهيئة التشريعية (البرلمان) بين 1915 و1921. ثم انتُخب في البرلمان اللاحق عام 1923 نائباً عن دائرة كوم أمبو (جنوب مصر) وتكرر انتخابه عنها مرات عدة. ثم دخل الحكومة وزيراً للمالية ثم للمواصلات، وأصبح عام 1927 عضواً في مجلس الشيوخ، وخلف يوسف جده رئيساً للطائفة في القاهرة حتى وفاته عام 1942. كذلك، أصلان قطاوي بك - ابن يوسف باشا - جمع السياسة إلى المال والأعمال فدخل مجلس الشيوخ، وكان رئيساً لمجلس إدارة «شركة قناة السويس». بينما تولى أخوه رينيه قطاوي بك إدارة «شركة كوم أمبو» وانتخب نائباً في البرلمان عن دائرة كوم أمبو. ثم خلف أباه رئيساً للطائفة اليهودية في القاهرة.

عائلة منشّه (منشّي/ ده منشه)، برزت في الإسكندرية وبدأت صعودها في حقل الصيرفة بالتعاون مع شركات آل سوارس وآل قطاوي. ومن أبرز أفرادها البارون يعقوب ده منشه (الذي وُلد في مصر عام 1810 وتوفي في الإسكندرية عام 1883). وعام 1869، عندما جاء إلى مصر إمبراطور النمسا، فرنسوا جوزيف، لحضور الاحتفال بافتتاح قناة السويس، كان البارون منشه، على رأس مستقبليه بصفته رئيساً للمصالح النمساوية والطائفة الإسرائيلية في مصر. وفي عام 1875، منحه الإمبراطور لقب بارون، الذي توارثه أبناؤه من بعده. وقد انتُخب جاك منشه عام 1903 رئيساً للطائفة في الإسكندرية.

السياسة والفن والصحافة

عودة إلى السياسة، كان هنري كورييل من أعمدة الفكر والتنظيم اليساري في مصر، وإليه تنسب بدايات الحركة الشيوعية فيها، التي تبلورت في تجمع «حدتّو» (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني). وفي المقابل نشط عدد من اليهود المصريين خصوصاً في دعم الحركة الصهيونية، بينهم إيلي ليفي أبو عسل، الكاتب والصحافي الذي كان يدعو صراحة للصهيونية عبر مؤلفاته ومقالاته الصحافية. إلا أن الشخصية الأهم سياسياً وثقافياً وفنياً، هي شخصية يعقوب صنّوع «أبو نظارة» (1839 ـ 1912) الذي ترك بصماته على الصحافة والتأليف والسخرية والمسرح، وكتب عنه وعن تأثيره في الثقافة المصرية المعاصرة الكثير. وكذلك لمع مراد فرج (توفي 1956) الشاعر والمؤلف والمترجم.

أما في مجالات الفن فاشتهر الموسيقار الكبير داود حسني، والمخرج توجو مزراحي، والمطربة والممثلة الكبيرة ليلى مراد (اعتنقت الإسلام فيما بعد) وشقيقها الملحن منير (موريس) مراد، والممثلة الكبيرة راقية إبراهيم ـ واسمها الحقيقي راشيل ليفي ـ والممثلات نجمة إبراهيم ونجوى سالم واستير شطاح وفيكتوريا كوهين.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».