جورج تيان: «تدقيق أخلاقي» للتطبيقات

سلامة البشر قبل رفاهيتهم

جورج تيان، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة التكنولوجيا بسيدني
جورج تيان، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة التكنولوجيا بسيدني
TT

جورج تيان: «تدقيق أخلاقي» للتطبيقات

جورج تيان، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة التكنولوجيا بسيدني
جورج تيان، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة التكنولوجيا بسيدني

حذر جورج ييجون تيان، الأكاديمي المتخصص في القانون بجامعة التكنولوجيا في سيدني، من «خدعة» يتورط فيها المتفاعلون مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمتعلقة بأن «الراحة التي توفرها، لا تجعلنا نهتم بالحذر منها»، داعياً في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى إعطاء الأولوية لـ«سلامة البشر قبل رفاهيتهم» عند التعاطي المستقبلي مع القطاع.

وقدم تيان الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، عبر البريد الإلكتروني، مساهمات عدة في مجالات «القانون الإلكتروني، والملكية الفكرية، والمعاملات التجارية عبر الحدود»، كما شارك في دراسة بحثية اهتمت بالتحقيق في «القضايا الأخلاقية المحيطة بالذكاء الاصطناعي»، نشرتها دورية «النظم القائمة على المعرفة»، في يونيو (حزيران) 2021. ويرى تيان أن «هناك ثلاث تحركات يجب تنفيذها لضمان أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستعطي الأولوية لرفاهية الإنسان».

ويشرح أن «أول التحركات يتمثل في تطوير إطار عمل لتقييم المخاطر الأخلاقية للذكاء الاصطناعي ما من شأنه المساعدة في ترقية الوعي العام بالجوانب السلبية، أما التحرك الثاني فهو: الاستثمار ببرامج التعليم والتدريب لمساعدة الأفراد على اكتساب المهارات والمعرفة للتكيف مع أسواق العمل المتغيرة، وأخيراً، يأتي التأكد من أن صناع السياسات وقادة الأعمال والمنظمين يتبنون نهجاً مسؤولاً وأخلاقياً لنشر الذكاء الاصطناعي».

وأوضح تيان أن «الخوف والخطر يأتيان من أن الراحة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي قد تخدعنا ولا تجعلنا نهتم بالحذر منه، وهذا من شأنه أن يحول دفة تطبيقات الذكاء الاصطناعي (...) وتقويض القيم والأولويات الإنسانية».

ويشدد الخبير القانوني على أن تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره «يجب أن يعطيا الأولوية لسلامة الإنسان ورفاهيته، وأن يخضعا لتدقيق أخلاقي وقانوني»، مشيراً إلى «ضرورة حظر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، المستخدمة في الأسلحة أو تلك التي تنتهك حقوق الإنسان وتديم التحيزات، عبر معاهدات دولية، على غرار معاهدات حظر الأسلحة النووية». وقال تيان إنه «قد لا تكون هناك حاجة عاجلة لقوانين جديدة للذكاء الاصطناعي، ولكن يجب على الجهات الحكومية المنظمة إصدار الإرشادات لتوضيح النصوص في التشريعات الحالية، التي قد تتضمن عقوبات على بعض الممارسات غير المنضبطة من الذكاء الاصطناعي، لكن هذا لا يمنع أن تكون هناك مرونة تسمح بتحديث القوانين حسب الحاجة».

وحول مخاوف أثارتها بعض أفلام الخيال العلمي، وتم خلالها الترويج لخطر سيطرة الآلات على البشر، قال إن «دراستنا كشفت عن أن هناك احتمالية لسيناريوهات واقعية مماثلة لتلك التي يتم تصويرها في أفلام الخيال العلمي». وأضاف: «نحن كبشر، يجب أن نركز على إدارة نقاط ضعفنا ورغباتنا، والامتناع عن تفضيل الراحة على الحذر».

وتطرق تيان إلى قضية «التشهير» التي أثارها مسؤول أسترالي قدم تطبيق «تشات جي بي تي» معلومات خاطئة عنه، وقال: «للأسف، يبدو أن التركيز الحالي للباحثين على استخدام الذكاء الاصطناعي، مثل (تشات جي بي تي) هو إنشاء محتوى جديد، بدلاً من تطوير أدوات قائمة على الذكاء لكشف المحتوى الذي يحتمل أن يكون تشهيرياً والإبلاغ عنه». وأضاف أنه «من المهم تثقيف الأفراد، وباحثي الذكاء الاصطناعي والمخترعين، حول مخاطر المعلومات الخاطئة، بالإضافة إلى مسؤولياتهم الاجتماعية والقانونية عند تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واستخدامها».


مقالات ذات صلة

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تكنولوجيا لدى خدمة «ChatGPT Plus» التي تعتمد على الاشتراك نحو 7.7 مليون مستخدم على مستوى العالم (أدوبي)

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تشكل الخاصية الجديدة نقلة في كيفية التفاعل مع المعلومات عبر إجابات أكثر ذكاءً وسرعة مع سياق الأسئلة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)

باحثون يختبرون نموذج ذكاء اصطناعي يتلقى أسئلة دينية في سويسرا

أصدر باحثون وقادة دينيون، الأربعاء، نتائج تجربة استمرت شهرين في كنيسة كاثوليكية في سويسرا، حيث كان الذكاء الاصطناعي يتلقى أسئلة الزوار الدينية.

الاقتصاد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه خلال كلمته في المؤتمر (الشرق الأوسط)

وزير الاتصالات السعودي في ملتقى الميزانية: تصدير التقنية في المرحلة المقبلة

قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه إن المملكة تتجه في المرحلة المقبلة نحو تصدير التقنية بهدف فتح آفاق جديدة للأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)

«أوبن إيه آي» تسمح لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار إلى «سوفت بنك»

سمحت شركة «أوبن إيه آي» لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار تقريباً، في عرض شراء جديد لمجموعة «سوفت بنك» اليابانية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا متجر هواوي في شنغهاي

«هواوي» الصينية تستهدف «أبل» بأحدث هواتفها الذكية «مايت 70»

في العام الماضي، وضع الاختراق في تطوير الرقائق الإلكترونية شركة «هواوي» على قمة سوق الهواتف الذكية الصينية. والآن تطرح الشركة أحدث هواتفها، سلسلة «مايت 70» …

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».