الآيرلندي بول لينش يفوز بجائزة «بوكر» عن رواية مستوحاة من الأزمة السورية

الكاتب الآيرلندي بول لينش أثناء حصوله على جائزة «بوكر» لعام 2023 في لندن 26 نوفمبر 2023 (إ.ب.أ)
الكاتب الآيرلندي بول لينش أثناء حصوله على جائزة «بوكر» لعام 2023 في لندن 26 نوفمبر 2023 (إ.ب.أ)
TT

الآيرلندي بول لينش يفوز بجائزة «بوكر» عن رواية مستوحاة من الأزمة السورية

الكاتب الآيرلندي بول لينش أثناء حصوله على جائزة «بوكر» لعام 2023 في لندن 26 نوفمبر 2023 (إ.ب.أ)
الكاتب الآيرلندي بول لينش أثناء حصوله على جائزة «بوكر» لعام 2023 في لندن 26 نوفمبر 2023 (إ.ب.أ)

فاز الكاتب الآيرلندي بول لينش بجائزة «بوكر» الأدبية البريطانية العريقة عن روايته «بروفِت سونغ» (أغنية نبي)، في احتفال أقيم مساء الأحد في لندن، بحسب «وكالةالصحافة الفرنسية».

و«بروفِت سونغ» هي خامس رواية لبول لينش الذي رُشّح للمرة الأولى لنيل المكافأة الأدبية العريقة. ويتناول الكتاب قصة قاتمة ومؤلمة لأم في آيرلندا تنحدر نحو نظام استبدادي.

الحرب السورية وأزمة اللاجئين

وتسعى رواية لينش الخامسة إلى إظهار الاضطرابات في الديمقراطيات الغربية وعدم اكتراثها بالكوارث، مثل الانهيار الذي حدث لسوريا.

وأكد لينش، أن رواية «أغنية النبي» مستوحاة من الحرب السورية وأزمة اللاجئين.

وقال لينش، الذي كان في السابق كبير النقاد السينمائيين لصحيفة «صنداي تريبيون» الآيرلندية، إنه أراد أن يوضح للقراء الشمولية من خلال تسليط الضوء على الواقع المرير من خلال الواقعية الشديدة في كتاباته.

وأشار الكاتب الآيرلندي في تعليقات نشرت على الموقع الإلكتروني لجائزة «بوكر»، إلى أن الرواية تحاول رصد «الاضطرابات في الديمقراطيات الغربية، انهيار أمة بأكملها مثل سوريا، حجم أزمة اللاجئين، لامبالاة الغرب». وأضاف لينش: «لم أتمكن من الكتابة مباشرة عن سوريا؛ لذلك أحضرت المشكلة إلى آيرلندا كمحاكاة».

وذكر لينش «أردت تعميق انغماس القارئ إلى درجة أنه بحلول نهاية الكتاب، لن يعرفوا هذه المشكلة فحسب، بل سيشعرون بها بأنفسهم».

وقال لينش عقب فوزه بالجائزة المرموقة: «لم تكن كتابة هذا العمل سهلة. كان ينتابني شعور بأنّني سأعرّض مسيرتي المهنية للخطر من خلال كتابته، ولكن كان عليّ إنجازه»، مبدياً «سعادة كبيرة بأنّ آيرلندياً يفوز هذه السنة بالجائزة».

جائزة «بوكر»

وتُعد جائزة «بوكر» من أبرز المكافآت الأدبية في العالم وتُمنَح لأعمال روائية بالإنجليزية، وقد أوصلت إلى الشهرة أسماء لامعة كثيرة في المجال الأدبي، بينهم الفائزون السابقون سلمان رشدي، ومارغريت أتوود وهيلاري مانتل.

ولم يُدرج أي من المتأهلين الستة للتصفيات النهائية لهذا العام، وهم أميركيان وآيرلنديان وكندية وكينية، في القائمة المختصرة من قبل، في حين أُدرج اسم واحد منهم فقط في القائمة الطويلة في النسخ السابقة للمسابقة.

ويحصل الفائز على 50 ألف جنيه إسترليني (نحو 63 ألف دولار)، فضلاً عن دفعة معنوية قوية لمسيرته الأدبية.

وكان لينش كتب أجزاءً من رواية «بروفِت سونغ» أثناء الحجر الصحي خلال جائحة «كوفيد - 19».

لكنّ الفكرة المقلقة المتمثلة في حظر التجول وانتشار الفيروس كانت طرأت في باله من قبل، على ما أكد خلال مؤتمر صحافي. وقال: «كان من الغريب جداً أن أشهد حدوث ذلك في الواقع».

«أغنية نبي»

وتتناول روايته التغيّرات الجذرية التي تطرأ على حياة إيليش ستاك، وهي أم لأربعة أبناء مقيمة في دبلن خلال مرحلة غير محددة، عندما يختفي زوجها المطلوب من قِبل الشرطة السرية الجديدة. ثم تسعى جاهدةً للحفاظ على تماسك عائلتها، في وقت تنحدر بلادها نحو نظام استبدادي.

وبول لينش المولود في ليمريك عام 1977، هو خامس آيرلندي يفوز بجائزة «بوكر». ويقيم لينش في دبلن ومن بين رواياته «بيوند ذي سي» و«غريس».

ورداً على سؤال في شأن أعمال الشغب التي شهدتها دبلن إثر هجوم بسكين قرب مدرسة، قال لينش: إنه شعر بـ«الذهول»، مشيراً إلى أنّ «هذا النوع من الأجواء حاضر دائماً، ولكنّه مستتر».

وشدّد الكاتب على أن العمل «لا يتضمّن أي استشراف»، لكنّه «يردد أصداء (مع الواقع) للقراء الذين يتعمّقون به».

روايته «بروفِت سونغ» (أغنية النبي) للكاتب الآيرلندي بول لينش 26 نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

رياضة الاسكواش ومهمّشون

وأكدت الروائية الكندية التي ترأست لجنة التحكيم إيسي إدوغيان، أنّ «رواية (بروفِت سونغ) تجسّد المخاوف الاجتماعية والسياسية في عصرنا».

وأشارت إلى أنّ «القراء سيجدونها مؤثرة وحقيقية، وستبقى التحذيرات الواردة فيه في بالهم».

واختيرت الروايات الست المشاركة في المنافسة النهائية من قائمة طويلة تضم 13 رواية اختيرت من بين 158 عملاً أدبياً منشوراً في المملكة المتحدة أو آيرلندا في الفترة ما بين 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 و30 سبتمبر (أيلول) 2023، ضمتها القائمة الأولية.

ومن بين الأعمال التي تنافست أيضاً، الرواية الأولى المؤثرة للكاتبة الكينية شيتنا مارو بعنوان «ويسترن لاين» (الخط الغربي)، وهي قصة عن الأسى والعلاقة بين شقيقات تتمحور على فتاة مراهقة تجد معنى لحياتها من خلال رياضة الاسكواش.

أما رواية «ذي بي ستينغ» (لدغة النحل) للمؤلف الآيرلندي بول موراي، فهي ملحمة تراجيدية كوميدية تنظر إلى دور القدر في متاعب إحدى العائلات الآيرلندية.

وتدور أحداث رواية «إف آي سورفايف يو» (إذا نجوت منك) للكاتب الأميركي جوناثان إيسكوفري، حول أفراد عائلة جامايكية وحياتهم الجديدة الفوضوية في ميامي خلال سبعينات القرن العشرين.

وشارك أيضاً في المنافسة المؤلف الأميركي بول هاردينغ، الذي يروي كتابه «ذي آذر إيدن» (ذيس آذر إيدن) المستوحى من أحداث تاريخية، قصة جزيرة أبل، وهو جيب قبالة السواحل الأميركية يتوافد إليه المهمشون في المجتمع ويختارونه دياراً جديدة لهم، في ظل تضييق متزايد من السلطات.

أما رواية «ستَدي فور أوبيديينس» (دراسة من أجل الطاعة) للكندية سارة بيرنشتاين، فتستكشف موضوعَي السلطة والشعور بالذنب من خلال قصة امرأة شابة تذهب لتعتني بأخيها الأكبر، وتواجه سلسلة من الأحداث المقلقة.

وفاز بجائزة «بوكر» العام الفائت الكاتب السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا عن روايته «ذي سيفن مونز أوف معالي ألميدا» (أقمار معالي ألميدا السبعة). وتستعيد هذه الرواية الماضي الدموي الذي شهدته الجزيرة خلال حربها الأهلية ضمن قالب من الفكاهة السوداء.


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ
TT

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

«لا أتذكر آخر مرة اكتشفت فيها رواية ذكية ومبهجة كهذه وعالماً واقعياً، إلى درجة أنني ظللت أنسى معها أن هؤلاء الأبطال ليسوا أصدقائي وجيراني الفعليين، كافئوا أنفسكم بهذا الكتاب من فضلكم حيث لا يسعني إلا أن أوصي بقراءته مراراً وتكراراً».

هكذا علقت إليزابيث جيلبرت، مؤلفة كتاب «طعام صلاة حب» الذي تحول إلى فيلم شهير بالعنوان نفسه من بطولة جوليا روبرتس، على رواية «جمعية جيرنزي وفطيرة قشر البطاطس» التي صدرت منها مؤخراً طبعة جديدة عن دار «الكرمة» بالقاهرة، والتي تحمل توقيع مؤلفتين أميركيتين، هما ماري آن شيفر وآني باروز، وقامت بترجمتها إيناس التركي.

تحكي الرواية كيف أنه في عام 1946 تتلقى الكاتبة جوليت آشتون رسالة من السيد آدامز من جزيرة جيرنزي ويبدآن في المراسلة ثم تتعرف على جميع أعضاء جمعية غير عادية تسمى «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس».

من خلال رسائلهم، يحكي أعضاء الجمعية لجوليت عن الحياة على الجزيرة وعن مدى حبهم للكتب وعن الأثر الذي تركه الاحتلال الألماني على حياتهم، فتنجذب جوليت إلى عالمهم الذي لا يقاوم فتبحر إلى الجزيرة لتتغير حياتها إلى الأبد.

وفي ظلال خيوط السرد المنسابة برقة تكشف الرواية الكثير عن تداعيات الحرب العالمية الثانية في إنجلترا، وهي في الوقت نفسه قصة حب غير متوقعة وتصوير للبطولة والنجاة وتقدير رقيق للرابطة التي يشكلها الأدب.

وتسلط الرسائل التي يتألف منها العمل الضوء على معاناة سكان جزر القنال الإنجليزي في أثناء الاحتلال الألماني، لكن هناك أيضاً مسحة من الدعابة اللاذعة إثر انتقال جوليت إلى «جيرنزي» للعمل على كتابها؛ حيث تجد أنه من المستحيل الرحيل عن الجزيرة ومغادرة أصدقائها الجدد، وهو شعور قد يشاركها فيه القراء عندما ينتهون من هذا النص المبهج.

وأجمع النقاد على أن المؤلفتين ماري آن شيفر وآني باروز أنجزا نصاً مدهشاً يقوم في حبكته الدرامية على الرسائل المتبادلة ليصبح العمل شبيهاً بأعمال جين أوستن من جانب، ويمنحنا دروساً مستفادة عبر قراءة التاريخ من جانب آخر.

عملت ماري آن شيفر التي توفيت عام 2008 محررة وأمينة مكتبة، كما عملت في متاجر الكتب وكانت «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس» روايتها الأولى. أما ابنة شقيقها «آني باروز» فهي مؤلفة سلسلة الأطفال «آيفي وبين» إلى جانب كتاب «النصف السحري» وهي تعيش في شمال كاليفورنيا.

حققت هذه الرواية العذبة نجاحاً كبيراً واختارتها مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات بوصفها واحدة من أفضل كتب العام، كما تحولت إلى فيلم سينمائي بهذا الاسم، إنتاج 2018. ومن أبرز الصحف التي أشادت بها «واشنطن بوست بوك وورلد» و«كريستشيان ساينس مونيتور» و«سان فرانسيسكو كورنيكل».

ومن أجواء هذه الرواية نقرأ:

«لم يتبق في جيرنزي سوى قلة من الرجال المرغوبين وبالتأكيد لم يكن هناك أحد مثير، كان الكثير منا مرهقاً ومهلهلاً وقلقاً ورث الثياب وحافي القدمين وقذراً. كنا مهزومين وبدا ذلك علينا بوضوح، لم تتبق لدينا الطاقة أو الوقت أو المال اللازم من أجل المتعة. لم يكن رجال جيرنزي يتمتعون بأي جاذبية، في حين كان الجنود الألمان يتمتعون بها. كانوا وفقاً لأحد أصدقائي طويلي القامة وشُقراً ووسيمين وقد اسمرّت بشرتهم بفعل الشمس ويبدون كالآلهة. كانوا يقيمون حفلات فخمة ورفقتهم مبهجة وممتعة، ويمتلكون السيارات ولديهم المال ويمكنهم الرقص طول الليل.

لكن بعض الفتيات اللواتي واعدن الجنود أعطين السجائر لآبائهن والخبز لأسرهن، كن يعدن من الحفلات وحقائبهن مليئة بالخبز والفطائر والفاكهة وفطائر اللحم والمربى، فتتناول عائلاتهن وجبة كاملة في اليوم التالي. لا أعتقد أن بعض سكان الجزيرة قد عدوا قط الملل خلال تلك السنوات دافعاً لمصادقة العدو، رغم أن الملل دافع قوي كما أن احتمالية المتعة عامل جذب قوي، خاصة عندما يكون المرء صغيراً في السن. كان هناك، في المقابل، الكثير من الأشخاص الذين رفضوا أن يكون لهم أي تعاملات مع الألمان، إذ إنه يكفي أن يلقي المرء تحية الصباح فحسب حتى يُعد متعاوناً مع العدو».