هاني النقشبندي: أبطال التاريخ ليسوا قادة فقط بل شعراء ومغنون أيضاً!

برنامجه يتناول قصصاً غير معروفة لشخصيات معروفة

هاني النقشبندي
هاني النقشبندي
TT

هاني النقشبندي: أبطال التاريخ ليسوا قادة فقط بل شعراء ومغنون أيضاً!

هاني النقشبندي
هاني النقشبندي

من النادر أن تجد ذلك الالتصاق بين الثقافة والأدب الشعبي في صورة الحكاء والراوي. فما عرفنا من مغنين، أو ملحنين كانوا أبطال ملاحم تُروى للعامة، إذ كانت حكراً على القادة والأمراء والخلفاء أو حتى الشخصيات الفانتازية. وهو ما خالفه الإعلامي هاني النقشبندي في برنامجه لرمضان الماضي الذي حمل اسم «الهنواتي» في موسمه الأول، والذي قدمه على قناة ومنصة «المشهد من دبي»، إذ حفل بشخصيات فكرية وأدبية وثقافية، تناوبت بين شعر ونثر ولحن.

ما حققه من نجاح رمضاني، يدفع النقشبندي (الهنواتي) إلى موسم ثانٍ رديف لموسم الحج القادم. أما موضوعه، فهو الرحلات إلى الحج، في سياق حكايات تمتد على 15 حلقة متتالية، وتحت الاسم نفسه «الهنواتي».

عن البرنامج، وتفاصيل نشأته، وطموحاته، سألْنا الإعلامي هاني النقشبندي.

> أولاً، ماذا تعني بـ«الهنواتي»، ومن أين جاءت التسمية؟

- «الهنواتي» اسم مقتبس من «الحكواتي». وتحاشيا لتكرار أسماء البرامج كما يحدث في الإعلام العربي، فقد قررتْ إدارة القناة وتحديداً مديرها العام السيد طوني خليفة، أن يحمل الاسم طابعاً إنسانياً شخصياً، يرتبط بصاحبه، فكان «الهنواتي».

> وما فكرته؟

- قصص تُروى لشخصيات تاريخية، فنكشف جوانب جديدة عنها لا يعرفها أحد. بمعنى آخر، قصص غير معروفة لشخصيات معروفة. هو معلوم في مجهول أو العكس، إن جازت التسمية. خذْ على سبيل المثال، شخصية مثل نزار قباني. كلنا نعرفه، لكنّ أحداً لا يعرف كيف ولا أين انتهى. هنا يأتي دور الهنواتي في تقديم معلومة تضيف شيئاً للمتلقي. لنقل إنه برنامج ثقافي ترفيهي معرفي.

> من أين تستقى مصادرك؟

- من كتب التاريخ. أنا لا أجتهد في المعلومة، بل أجتهد في التحري عنها. وأوثّق ما أقول وأُعيد المشاهد إلى مصادري لمن شاء الاستزادة. في التاريخ لا مجال للاجتهاد.

> ما دمتم تتحدثون عن شخصيات تركت بصمتها، فلماذا تختزلونها في 10 دقائق فقط لكل حلقة؟

- احتراماً لوقت المشاهد. ما عاد أحد يملك الوقت. أصبح هذا الوقت عملة نادرة لا يمكن هدرها. لذلك أعتقد أن 10 دقائق كافية وإلا أُصيبَ المتلقي بالملل، والناس بطبعها سريعة الملل. أضف إلى هذا أن برنامج «الهنواتي» لا يعتمد على الصور أو الرسومات، بل هي شخصية راوٍ فقط.

> لماذا لا تعتمدون على الصور أو الرسومات في أثناء رواية القصة؟

- لأن ذلك سيُفقد البرنامج هويته. الهوية هنا قائمة حكواتي يروي سيرة شخصية ما. راوٍ يصف لك شكل الشخصية، وصفاتها، فيعطيك الفرصة لتخيُّلها. ليس شكلاً فقط، بل سلوكاً. خذ على سبيل المثال الملحن بليغ حمدي. تعرف شكله، لكن شكل سلوكه أنت لا تعرفه. إنه خيال أدبي يساعدك على بناء الدراما كيفما تراها كمتلقٍّ، دون أن يفرض عليك صورة معينة.

> من يسمع اسم «الهنواتي» أو لِنَقُلْ «الحكواتي»، ستتبادر إلى ذهنه قصص أبطال وروايات أسطورية، لكنك اعتمدت في موسمك الأول على شخصيات ثقافية أدبية وشعرية وحتى غنائية؟

- ومن قال إن المثقف أو الشاعر وحتى الممثل ليسوا أبطالاً؟ كل بطل في مجاله. القائد بطل في موقعه. ومثله الشاعر والأديب. أنا لا أتحدث هنا عن سيرة أبو زيد الهلالي وأعيدها مرة ومرات، ولا أتحدث عن معارك عسكرية. أنا أتحدث عن الجانب الإنساني في شخصيات تركت أثراً. سواء أكان أثراً موسيقياً أو أدبياً -وبالمثل- عسكرياً.

> أشرت إلى علاقة ربطتك ببعض من كانوا ضمن شخصياتك في موسم رمضان الماضي، وأذكر منهم نزار قباني وبليغ حمدي مثلاً. فكيف جعلتهما مادة في برنامجك؟

- لأني عرفتهما شخصياً. فقد ارتأيت أن هناك قصة تُروى عنهما كما عشتها مع كل منهما. نزار عرفته عامين قبل وفاته، وتحديداً في فبراير 1996. وكنت أسير معه صباحاً في حديقة «غرين بارك». وكثيراً ما تحدثنا عن الشعر وقصصه، وحتى القصص التي أوحت له بالشعر. وبالمثل مع بليغ حمدي الذي التقيته في باريس وجلست إليه، وتحدثنا كثيراً عن الموسيقى. ودعْني أقل شيئاً بالمناسبة، روى لي، سواء نزار وبليغ، قصصاً لم أوردها لأني خفت أن يشكك أحد في مصداقيتها، وصاحباها ما عادا على قيد الحياة.

> وماذا عن الموسم الثاني من «الهنواتي»؟

- مشابه للموسم الأول، غير أنه مرتبط بموسم الحج وقصصه. ولم يكن الأمر سهلاً.

> في ماذا؟

- في البحث عن المادة الملائمة. فالبحث في كتب التاريخ عن أحداث أو شخصيات ليس بالعمل الهين. وفوق ما هو مضنٍ، فهو خطير لأنه مليء بالتناقضات.

> حتى في كتب التاريخ؟

- كتب التاريخ هي التناقض ذاته. فقد وجدت في بعضها ما لم أجده في بعضها الآخر. الأسوأ أن بعضها يؤكد قصة بالقطع وغيرها ينفيها بالقطع. وهنا تكمن الصعوبة.

> لماذا لا تثق بالتاريخ حتى في أعمالك الروائية؟ أنت تشكك فيه دائماً، وترفضه في بعض الأحيان؟

- لأني لست أثق في من كتبه. هل تثق أنت؟ لا أعتقد أن على المثقف أن يثق بكتاب وُضع قبل مائة عام، فكيف بما كُتب قبل ألف عام مثلاً. ثم إننا على يقين أن التاريخ يكتبه المنتصر والمنهزم أيضاً. كلٌّ يكتب من وجهة نظره. فكيف تثق بصحّته؟ نعم، لا أشكك في كل شيء، لكني أيضاً لا أصدق كل شيء. ولعل هذا من مهام المثقف؛ ألا يصدق كل شيء، ولا كل ما يقرأ، ولا حتى كل ما يسمع.

> هل سننتظر «الهنواتي» في موسم ثالث؟ ومتى؟

- قد لا يكون هناك موسم ثالث، لأن إدارة التلفزيون ترى، خصوصاً بعد ما حققه البرنامج من نجاح، أن تجعله بمعدل 3 حلقات أسبوعياً. وبنفس الزمن، أي عشر دقائق فقط. لكن لم يتأكد شيء بعد، هي مجرد فكرة حتى الآن.

> صدرت لك بضع روايات آخرها منذ سنوات. فإلى أي مدى ابتعدتَ عن الرواية، ولماذا؟

- إن توقفت عنها فلن تتوقف هي عن المجيء إليّ. وإن ابتعدتُ عنها اقتربتْ هي منّي. أنا لم أتوقف عن الرواية أبداً. وآخر ما صدر لي رواية «قصة حلم» التي تحولت إلى عمل تلفزيوني بعنوان «صانع الأحلام» لصالح قناة «أبوظبي». أنا اليوم أقرب للرواية مما مضى، خصوصاً مع برنامجي الجديد على قناة «المشهد». وأقصد به «الهنواتي»، لأنه يحرك الروائي في داخلي مع كل شخصية أبحث عنها. وقريباً سيكون لي إصدار قريب هو الثامن في سلسلة أعمالي الروائية.


مقالات ذات صلة

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

تكنولوجيا غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

أكدت دراسة جديدة أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
ثقافة وفنون «اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)

جاهدة وهبة «تعيش مع الضوء» وتجول العواصم بصوتها دعماً للبنان

كان لا بد أن تعود الأغنية لتنبض في حنجرة جاهدة وهبة بعد صمت صدمة الحرب. وها هي الفنانة اللبنانية تحمل أغنيتها وتجول العواصم الأوروبية والعربية رافعةً صوت وطنها.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

يحتضن الشاعر المصري كريم عبد السلام، فلسطين، في ديوانه الذي وسمه باسمها «أكتب فلسطين - متجاهلاً ما بعد الحداثة»، ويكشف أقنعة المواقف والسياسات المتخاذلة.....

جمال القصاص
ثقافة وفنون قصيدتان

قصيدتان

متحف العائلة رغم رحيلها لم تخسر الفتاة غرفتها في بيت العائلة المزدحم لم تسمح الأم أن يتوارث الباقون مكانها، حولت غرفتها إلى متحف: احتفظت بالبوسترات…


ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.