«أخبار النِّساء» لأُسامة بن مُنقِذ.. كتاب فريد جمع بين التاريخ والأدب والسِّير

حوى الكتاب مادة غزيرة يستفيد منها المؤرخ الاجتماعي ومؤرخ الأدب

«أخبار النِّساء» لأُسامة بن مُنقِذ.. كتاب فريد جمع بين التاريخ والأدب والسِّير
TT

«أخبار النِّساء» لأُسامة بن مُنقِذ.. كتاب فريد جمع بين التاريخ والأدب والسِّير

«أخبار النِّساء» لأُسامة بن مُنقِذ.. كتاب فريد جمع بين التاريخ والأدب والسِّير

صدر حديثاً (2024) عن «مركز الملك فيصل للبحوث والدّراسات الإسلاميَّة»، كتاب «أخبار النِّساء» للأمير مجد الدولة أُسامة بن مُنِقذ الشَّيزريّ الكنانيّ (488 - 584هـ)، ضمن سلسة تحقيق التُّراث (52)، من مخطوطات المركز المحققة. عدت مخطوطة الكتاب نسخة فريدة منها بالعالم، مِن مواضيعه: كتاب الأُمهات، كتاب الزَّوجات، كتاب البنات، والأخوات، والجواري، كتاب مراثي النِّساء، كتاب أوصاف النِّساء، كتاب الخطبة والتَّزويج والتَّطليق، كتاب أحكام النِّساء. بلغ عدد صفحات المطبوع (700) صفحة متضمنة الفهارس المفصلة.

كذلك كان «أخبار النِّساء» فريداً في منهجه ومحتوياته، جمع بين التاريخ، والأدب، والسِّير لأشهر النِّساء، جاء زاخراً بالمنثور والمنظوم، والأحكام الفقهيّة؛ فقد صُنفت كتبٌ غير قليلة في أحوال النِّساء، رصدتها مقدمة التّحقيق، لكن ليس لأيٍّ منها الشُّموليّة التي امتاز بها كتاب ابن مُنقذ، وهو أحد أبرز أمراء الحرب مع الإفرنج وما عُرف بالحروب الصّليبيّة، وكان كتابه «الاعتبار» سيرة ذاتية لنفسه، وربّما عُدَّ ابن منقذ أولَ من أهتم بكتابة سيرته بقلمه، وبعده ابن خلدون (ت 808هـ)، وكتابه «التّعريف».

التقى السُّلطان صلاح الدِّين الأيوبيّ (ت 589هـ)، متأخراً، فلم يتمكن من مرافقته في الحروب التي خاضها الأيوبيّ، وذلك لكبر سنه، وقد تجاوز الثمانين، حين التقاه، وتُوفي مناهزاً السادسة والتسعين. كان صلاح الدِّين شغوفاً بشعر ابن منقذ، فضَّل ديوانه على دواوين بقية شعراء تلك الفترة، جمعه له نجله مُرْهف بن أُسامة بن منقذ، وكانت له حظوة عنده، بعد وفاة والده (ابن شامة، كتاب الرَّوضتين في أخبار الدَّولتين النُّوريّة والصّلاحيَّة). كان والد وإخوة أسامة شعراء وأدباء، وكذلك ولده أبو الفوارس مُرْهف (ت 613هـ) كان شاعراً وكاتباً وجامعاً للكتب، وحصل أن اشترى منه ياقوت الحموي (ت 622هـ) مجموعة كتب (الحمويّ، معجم الأدباء). لأبي الفوارس شرح لديوان المتنبي، قُدمت مخطوطته أطروحة في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنورة ، وهي من محفوظات مكتبة الملك فهد الوطنيّة بالرياض.

على الرّغم مِن انشغاله في الحروب، لكن ابن منقذ كان غزير التأليف، فمن غير «أخبار النّساء»، وكتاب «الاعتبار»، له عشرات الكتب مِن المنشورات والمفقودات، و«أخبار النساء» كان مفقوداً، حتّى عُثر عليه بين أكوام مِن الأوراق المخطوطة. كان للمؤرخ تقي الدّين المقريزي (ت 845هـ) فضله في جمع شتات مصنفات ابن منقذ؛ في قائمة ضمنها كتابه «المقتفى الكبير»، شملت أسماء كتبه وعناوين مواضيعها، ما وصَلَنا منها، وما ظلّ مفقوداً، وبينها «أخبار النّساء»، وما ذكره المقريزي عن محتويات الكتاب، جاء مطابقاً لما ورد في المخطوط.

لكنّ باباً مِن أبواب الكتاب، والخاص بالجواري، كان ضائعاً، فالمخطوط فُقدت منه أوراق غير قليلة، من بدايته ونهايته، غير أنَّ جلال الدّين السِّيوطيّ (ت 911هـ) اقتبسه في كتابه «المستطرف مِن أخبار الجواريّ»، ووثّق ذلك بالقول: «قال أُسامة بن مرشد في (أخبار النِّساء)». فمِن غير الوارد أنْ يُصنف ابن منقذ كتاباً في النّساء، وبهذه الشّمولية، ويغفل أخبار الجواريّ، بينما الكتب التي اقتبس منها كانت ملأى بأخبارهنَّ. يمكن إضافة ذلك إلى ما ذكرناه في مقال سابق، على صفحات «الشّرق الأوسط» «خزانة التُّراث.. كُتب تنقذ كُتباً مِن الضِّياع».

إضافة إلى شهرة أُسامة بن منقذ، التي سارت بها البغال الشُّهب مثلما يُقال؛ إلا أنّ اختياره الكتابة في «أخبار النّساء» يلفت النّظر، فقرون ولا تُعرف فهارس خزائن المخطوطات، إلا كتاب «أخبار النّساء» لأبي فرج عبد الرّحمن بن الجوزيّ (ت 597هـ)، الذي عاصر ابن منقذ، مع وجود الأول ببغداد، والأخير بين مصر والشّام، وقد نُسب كتاب ابن الجوزيّ هذا خطأً وتوهماً إلى الفقيه شمس الدين بن القيم الجوزيَّة (ت 751هـ)، بل هناك مَن ظنّه جزءاً من كتاب ابن منقذ، وقد حوى أوصاف النساء، وما يتعلق منهن بالزواج، والأشعار فيهنَّ، وما يتعلق بالغيرة وأخلاقهنَّ، هذا ما أشار إليه الباحث محمد عزيز شمس متوهماً، عندما قال: «هذا كتاب (أخبار النساء) لابن منقذ» (مجلة المجمع العلميّ العربي / العدد 2 السنة 1990). قال ذلك، ولم يطّلع على كتاب «أخبار النساء» لابن منقذ، وكان معروفاً بالاسم فقط، وإلا فالكتابان مختلفان، كتاب ابن الجوزي عنوانه الأصل «أحكام النساء»، واقتصرت موضوعاته على التعاليم والوصايا؛ من الحلال والحرام في معاملتهنَّ، وهو ما يناسب ابن الجوزي الفقيه، لا ابن منقذ الأديب والشَّاعر.

صُنفت، مثلما ذكرنا، مئات الكتب في أحوال النِّساء، وكان أغلبها بأقلام الرّجال، حتّى فترة متأخرة، بدأت النّساء الكتابة عن بنات جنسهنَّ، وربّما كان السّباقَ إلى التصنيف في النساء صاحبُ «كتاب بغداد» الشهير، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر بن طيفور الكاتب (ت 280هـ)؛ «بلاغات النساء».

لكنَّ كلَّ ما صُنف وظهر مطبوعاً، في أحوال النِّساء، لا يجاري كتاب ابن المنقذ، الذي أرّخ للمرأة الأمّ والأخت والبنت والزوجة، وبالأسماء، وفي أزمان مختلفة، ومن غير ما نقله ابن منقذ مِن الكتب التي سبقته، أضاف حوادث عاشها. عندما يأتي على باب الأمهات، أو «كتاب الأمهات»، يتفرع إلى بركاتهنَّ، وخلاف الأبناء معهنَّ، وما تعرضنَّ إليه مِن مِحن، وأخبار الأبناء معهنَّ، وأخبار الآباء مع البنات، وهكذا كان منهجه مع كلّ فئة يتعرض لها، دون إغفال ما يتعلق بالجدات والخالات.

على ما يبدو، ظل الكتاب تتداوله الأيدي حتَّى القرن العاشر الهجري، فمثلما تقدَّم، اقتبس منه جلال الدّين السّيوطي، وهو من أعلام القرنين العاشر والحادي عشر، وبسبب عدم وصول المختصين بفهرسة المخطوطات إليه، فكان بيد أفراد لم يعرفوا قيمته، ولا موضوعه، لا تجد أثراً له عند كبار المفهرسين، مثل كارل بروكلمان (ت 1956) وكتابه «تاريخ الأدب العربيّ»، حتى وقع بيد المحقق والمهتم بالمخطوطات العربيَّة، الباكستاني الدكتور أحمد خان، الذي اشتراه مع مجموعة من الأوراق، وظل يستفسر عن هويته، فاكتشف أنه «أخبار النساء» لابن منقذ، وقد راسلتُ أحمد خان، وعرفتُ منه قصة وصول الكتاب إليه، ومنه إلى خزانة المخطوطات في «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات».

هذا، ولكلِّ كتاب قصته، في الضياع والعثور عليه، والأوهام والحقائق التي تدور حول هذا الكتاب أو ذلك، فلسنواتٍ كان المحقق مصطفى جواد يعتقد أن كتابَ «الحوادث» هو كتاب «الحوادث الجامعة والتجارب النّافعة في المائة السَّابعة» للمؤرخ ابن الفوطي (ت 723هـ)، وكان مؤلفه الأقرب لواقعة اجتياح بغداد مِن قبل المغول، لكن بعد المقابلة بين أسلوب الكتاب وكتب الفوطي اكتشف جواد نفسه، ما حققه ونشره (1932)، ليس لابن الفوطي، فأعيد نشره، بعد حين، بعنوان «كتاب الحوادث» بتوقيع: مؤلف مجهول.

غير أنَّ «أخبار النِّساء»، إضافة إلى اعتراف ابن منقذ به، وعدِّه ضمن قائمة كتبه، وما نُقل عنه مِن نصوص، فأسلوبه أسلوب بقية كتب ابن منقذ، ولولا الصّدفة أن يعرض أحد باعة الأوراق القديمة، على مالكه الأول، لربّما راح مستعملاً مِن قِبل البقالين، وكمْ مِن كتب تلفت في الدكاكين للجهل بها، فكان يُصيب الكتب، التي ضمّتها خزائن مكتبات الملوك والوزراء الأقدمين، ما يصيبهم مِن عوادي الزّمان.

حوى الكتاب مادة غزيرة، يستفيد منها المؤرخ الاجتماعي، ومؤرخ الأدب، وما يتعلق بالفقه ومعاملة النّساء، وتراه يرفع شأن النّساء، على خلاف كثير مِن المصنفين الذين تناولوا أحوالهنَّ، إلى جانب ما امتاز به الكتاب من أسلوب المصنف الرشيق في الكتابة، ومادته الثّرية.

لم نقف، بسبب ضياع الصفحات الأولى والأخيرة مِن الكتاب، على دافع ابن منقذ في تصنيف الكتاب، وهو الأديب والشّاعر والمحارب، وقد اعتاد، في مقدمات كتبه، ذِكر دافع التصنيف، فنجده مثلاً ذكر سبب تصنيفه كتابه «المنازل والدّيار»، قائلاً: «ما دعاني إلى جمع هذا الكتاب، ما نال بلادي وأوطاني مِن الخراب، فإن الزَّمان جرَّ عليها ذَيله، وصرف إلى تعفيتها حوله وحِيله، فأصبحت كأنْ لم تَغْنَ بالأمس، مُوحشة العرصات بعد الأُنس، قد دثر عمرانها، وهلك سُكانها، فعادت مغانيها رسوماً، والمسرّات بها حسراتٍ وهموماً، ولقد وقفتُ بعد ما أصابها مِن الزَّلازل ما أصابها، وهي أولُ أرض مسَّ جلدي تُرابها، فما عرفتُ داري، ولا دُور والدي وإخوتي...» (المنازل والدِّيار، دمشق 1965). هذا، وكان تصنيفه «أخبار النِّساء» قد سبق أهم كتبه، كـ«الاعتبار»، و«المنازل والدِّيار»، و«التّاريخ البدريّ»، ويقصد بدر الكبرى (2هـ)، وهذا واضح مِن تضمين هذه الكتب نصوصاً مِن «أخبار النّساء».

تضمّن كتاب «أخبار النّساء» لابن منقذ، بعد أخبار السيدات الأُول؛ مِن حواء، وأمّ النّبي موسى، والسيدة مريم، وزوجة النبي أيوب، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون، وبلقيس، والسيدة خديجة الكبرى، وغيرهنَّ، ثم فصل أحوال النِّساء، كأمهات وزوجات وبنات وأخوات، وصفات النساء، بذكر أوصاف الأسنان، والعيون، والأنوف، والحواجب، والأرداف، والمعاصم، والشَّعر، مع الأقوال والأشعار.

عموماً، يُعدّ الكتاب معجماً لكلّ ما يتعلق بالنساء، وقد يكون المفقود مِن أوراقه فيه الكثير، وكان فصل الجواري منه بحكم المفقود، لولا أنَّ السّيوطي حفظه في كتابه «المستطرف مِن أخبار الجواريّ»، على أمل إلحاقه في طبعة جديدة من الكتاب، وإتمام الضائع مِن المظانّ التي أخذ عنها ابن منقذ.



«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
TT

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة بأنّك حصلت لتوّك على سِفر ثمين من الحكمة السياسيّة وخبرة الإدارة في المنصب التنفيذي الأهم في إحدى دول العالم العظمى، لا سيما أن الرجل جاء إلى فضاء السلطة من الصحافة كاتباً ورئيس تحرير لمجلّة سبيكتاتور الأسبوعيّة العريقة، ومؤرخاً نشر عدّة كتب مهمة - بما فيها سيرة لملهمه وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية - قبل أن يُنتخب عمدة للعاصمة لندن ثم رئيساً للوزراء وزعيماً لحزب المحافظين. ولعل مما يرفع وتيرة التوقعات أيضاً أنّه كان في موقع التأثير واتخاذ القرار في مراحل مفصليّة في تاريخ بلاده المعاصر، سواء الأشهر الأخيرة من عصر الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، أو خروج المملكة المتحدة من عضويّة الاتحاد الأوروبي، أو وباء «كوفيد 19». أو الحرب في أوكرانيا، ناهيك عن شهرته عبر العالم كنسخة من دونالد ترمب على الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، حتى أنّه ربما يكون السياسي البريطاني الوحيد الذي يعرفه سكان هذا العالم باسمه الأول (بوريس). لكن الحقيقة أن المذكرات ورغم تضمنها مقاطع مهمة هنا وهناك ولحظات صاعقة من الصراحة، فإنها في المحصلة أقرب إلى موجة جارفة من التبرير المقعّر، والإعجاب النرجسي بالذات، وتصفية الحسابات السياسيّة ولوم للجميع لأنهم أضاعوه، ويا ويلهم أي فتى أضاعوا؟

ومع ذلك، فإن «مطلق العنان» قراءة سهلة، يتم سردها بلغة قريبة من لغة الحوار اليومي أكثر منها لغة متعجرفة كما يتوقع من خريجي المدرسة النخبوية في إيتون وجامعة أكسفورد، مع كثير من علامات التعجب، والأصوات الشارعيّة المكتوبة بحروف كبيرة، والصفات المرصوفة كجمل طويلة، والإهانات الشخصيّة لمنافسيه، والأسئلة البلاغيّة عديمة الفائدة، فيما غلب عليها مزاج من السخريّة والهزل حتى في التعاطي مع القضايا التي يفترض أنّه جاد بشأنها.

هذا النّفس الذي اختاره جونسون لسرد مذكراته (والتي قد تدر عليه دخلاً سيتجاوز الثلاثة ملايين جنيه إسترليني وفق تقديرات صناعة النشر) أفقد الكتاب كثيراً من قيمته المتوقعة كوثيقة تاريخيّة، وبدت أجزاء كبيرة منه روايات ربما يتمنى كاتبها لو كانت الحقيقة، أو ربما أعتقد بالفعل أنها كانت الحقيقة كجزء مما يسميه جونسون نفسه التنافر المعرفي الذي يصيب الساسة المغمسين في وظيفتهم القياديّة لدرجة أنهم يصابون بالعمى عن المشاكل السياسية الهائلة التي تتراكم خارج مكاتبهم. هذا سوى بعض الأخطاء التفصيليّة في تسجيل الأحداث أيضاً والتي لا يفترض أن تمرّ على مؤرخ معتّق أو على ناشره المرموق (يقول مثلاً إن حكومة حزب العمال في أسكوتلندا أطلقت سراح الليبي المتهم بتفجيرات لوكربي، فيما الواقع أنها كانت حكومة الحزب القومي الأسكوتلندي).

من الناحية الإيجابيّة فإن جونسون يضمِّن كتابه تعليقات ذكيّة حول مسائل استراتيجيّة تبدو في ميزان اليوم أفضل من أدائه الفعلي رئيساً للوزراء كما مثلاً في رؤيته لأسباب اللامساواة الاقتصاديّة بين الأجيال، وتفسيره للانقسام الاقتصادي العميق بين العاصمة لندن الكبرى وبقيّة المملكة المتحدة، وتصوّراته حول رفع سويّة الأجزاء الأقل حظاً منها من خلال برامج تحديث البنية التحتية وتكنولوجيا الاتصال والاستفادة من أموال الخزينة العامّة لجذب استثمارات القطاع الخاص، وكذلك تحوّله من منكر لتحولات المناخ إلى منذر من مخاطرها ومفسّر للحجج الأخلاقيّة والاقتصاديّة الدّاعية إلى التصدي لجذورها من أجل مصلحة الأجيال المقبلة.

أثناء زيارة لمكتبه في عام 2017 طلب منه نتنياهو استخدام المرحاض بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت تم زرعه هناك

يفشل بوريس في تقديم مرافعة كانت متوقعة منه بشأن دوره فيما يعرف بـ«بريكست»، أو القرار بتخلي بريطانيا عن عضوية الاتحاد الأوروبيّ. وهو يعترف بأنّه كان مشتتاً وقتها بين اعتقاده بضرورة أن تتخلص بلاده من سلطة بروكسل عليها (مقر الاتحاد الأوروبي) من ناحية، وتفهمه لمشاعر كثيرين من عائلته وأصدقائه الذين أرادوا منه دعم حملة البقاء في النادي الأوروبيّ، ويقرّ بأنه في المساء الذي أعلن فيه قراره بدعم التوجه إلى الخروج من الاتحاد، كتب نسختين من المقال نفسه، واحدة (مع) وواحدة (ضد) كي يمكنه اختبار حنكة حججه، ليجد في النهاية أن حملة تأييد البقاء افتقدت إلى الحماس، ولم تمتلك أي رسالة إيجابيّة واضحة لتقولها. في المقابل، فإن جونسون يبدو في هذه المذكرات ليس مفتقراً فحسب لأي شعور بالمسؤولية عن الفوضى التي أعقبت التصويت على المغادرة، والإدارة السيئة للمفاوضات التي قادتها حكومات المحافظين وهو فيها مع الاتحاد الأوروبي، بل يبدو غاضباً حتى على مجرد اقتراح مساءلته من حيث المبدأ متسائلاً: «وماذا بحق الجحيم كان من المفترض علينا أن نفعل؟»، بينما يقفز للعب دور البطولة منفرداً فيما يتعلق برد حكومة المملكة المتحدة على حالات التسمم النووي التي نسبت لروسيا في سالزبوري عام 2018. في وقت صار فيه من المعلوم أن تيريزا ماي، رئيسة الوزراء حينها، هي من كانت وراء ذلك الموقف الحازم. ويخلص جونسون للقول إن حزب المحافظين كان سيفوز في انتخابات هذا العام لو بقي على رأس السلطة ولم يتعرّض للخيانة من رفاقه، وهي مسألة يكاد معظم المراقبين يتفقون على استحالتها بالنظر إلى تراكم سلسلة الفضائح وسوء الإدارة وهزالة الطرح الآيديولوجي لحكومات حزب المحافظين خلال الخمسة عشر عاماً الماضية على نحو تسبب للحزب النخبوي بأقسى هزيمة له في مجمل تاريخه العريق. في المذكرات يكتب جونسون عن زيارة قام بها بنيامين نتنياهو إلى مكتبه في عام 2017، طلب خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي استخدام المرحاض. بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت قد تم زرعه هناك. وقال جونسون إنه على وفاق مع نتنياهو وإن القراء يجب ألا يستخلصوا استنتاجات أوسع حول الزعيم الإسرائيلي من تلك الحكاية!