سوزان عليوان تعود مع 9 دواوين بعد عقدٍ من الغياب

الشاعرة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: الابتعاد عن النشر شفاني من الوهم وأتاح إعادة تقييم كتاباتي

المجموعة الجديدة للشاعرة اللبنانية سوزان عليوان (الشرق الأوسط)
المجموعة الجديدة للشاعرة اللبنانية سوزان عليوان (الشرق الأوسط)
TT

سوزان عليوان تعود مع 9 دواوين بعد عقدٍ من الغياب

المجموعة الجديدة للشاعرة اللبنانية سوزان عليوان (الشرق الأوسط)
المجموعة الجديدة للشاعرة اللبنانية سوزان عليوان (الشرق الأوسط)

أن يصل الشعر على هيئة بريدٍ يلفّه شريطٌ أحمر، فلا بدّ أنها دعوةٌ إلى الحب. أما أن يضمّ الطردُ 9 دواوين على هيئة مروحةٍ من الألوان، فذلك حتماً دعوةٌ إلى مرافقة القصيدة في رحلة الدهشة المتجدّدة. 9 سنوات أمضتها الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان في عزلتها مع الشعر. طال الغياب، فقلقَ القرّاء من أن تكون العزلةُ قد استحالت اعتزالاً.

«ما إن وطأت قدماي الرمل في خريف 2023، حتى شعرتُ بأنّ أوان خروج الرحلة من داخلي قد حان». تتحدّث عليوان لـ«الشرق الأوسط» عن آخر ديوانٍ في المجموعة، «أمشي على كلمات الرمل»؛ ذاك الذي أشعل في روحها رغبةً طارئة في العودة إلى الورق وإلى أيادي القرّاء.

9 دواوين كتبتها عليوان ما بين 2014 و2023 (الشرق الأوسط)

لم تترك الشاعرةُ الديوانَ المولود حديثاً وحيداً، فأرفقت معه إخوته الثمانية الذين أبصروا النور ما بين 2014 و2021. «شارع نصف القمر»، «الجافية»، «مرثيّة ندفة الثلج»، «قمصانٌ واسعة على وحدتي»، «بريد باريس»، «دفتر محصّل الدموع»، «حزنٌ بزرقة السنافر»، و«كوكبٌ في حفرة الغولف».

ليست تجربة عليوان حديثةً مع النشر، فهي سبق أن أطلقت إلى النور 14 كتاباً ما بين 1994 و2014. لكنّ المخاض الذي امتدّ 9 سنوات هذه المرة، انبثق عن قرارٍ متعمّد «بالوقوف بعيداً عن النشر حتى تنضج النقلة». في الأثناء، أصدرت الدواوين إلكترونياً باستثناء الأخير، وأتاحت قراءتَها أمام زوّار موقعها. لكن بين الأبيات الافتراضيّة والحبر، مسافةٌ من «التنقيح وتقييم النصوص وإعادة نَحتِها قبل أن تنسكب فوق الورق».

بعد تخصصها في الإعلام بالقاهرة تفرّغت عليوان للشعر منذ عام 1994 (مجموعة عليوان)

منحتِ الشعرَ وقته فهو لا يحب الاستعجال. لا داعي للعجلةِ أصلاً، فسوزان عليوان ومنذ بلغت الـ12، قرّرت أن تُمضي العمر كلّه متفرّغةً لقصيدة النثر العربيّة. وهكذا فعلت، فهي شاعرة بدوامٍ كامل، أما في هوامش الوقت والقصائد، فتسكب ألوانها وموهبتها الخاصة في الرسم.

الرسوم والألوان رفيقةٌ وفيّة لشِعر عليوان ودواوينها (من ديوان «الجافية»)

قد تبدو الرسوم المرافقة لبعض دواوين المجموعة، فسحةً ترفيهيّة أو صفحاتٍ طالعة من دفتر تلوينٍ للأطفال. لكن حذار الشكل الذي تصفه عليوان بـ«المخادع»، موضحةً: «الرسم كما الحلوى التي تسبق المرّ. فعندما أرسم أشعر بالفرح والطيران، أما الكتابة فيرافقها الألم والتعب». يبدو ذلك جلّياً من خلال ديوان «بريد باريس» الذي تقول عنه عليوان إنه آلمَها فحاولت التنصّل منه، إلا أنها روّضت ذاك الألم بالخطوط والألوان.

«ها هي تحطّ كشمسٍ على شرفة

الحمامةُ التي ليست رسالةً من أحد

الحمامةُ التي ليست رسالةً إلى أحد

الواسعةُ الواسعةُ كعُمر دمعة».

من الرسوم المرافقة لديوان «بريد باريس» (مجموعة عليوان)

العلاقة وثيقة بين شِعر سوزان ورسمِها، فالخيط الذي أمسكت به لحياكة المجموعة الجديدة، كان الرسم الذي افتتحت به ديوان «شارع نصف القمر» (2014). «لفرط فرحي بما رأيت، احتفظت به لنفسي رسماً وديواناً سنة كاملة قبل أن أنشره إلكترونياً. من حق الشاعر أن يستأثر بحلمه، خصوصاً إذا كانت فكرة المتلقّي تُربكه»، تشرح عليوان التي تتعامل مع النشر على قدرٍ عالٍ من المسؤوليّة.

لم تسحبها زوبعة وسائل التواصل الاجتماعي، كما نأت بنفسها عن مبدأ النشر السهل والسريع؛ «يجب أن أكون حاضرة بنصّي قبل أن أكون حاضرة في المشهد». حصّنت هذه القناعةُ عليوان ضدّ الأضواء التي قد تحرق الشاعر. في نظرها، «أوهامُ الأدب والشعر تنافي الأدبَ والشعر»، وهي لا تستهويها «فكرةُ أنّ الشاعر نجم». لا يعنيها الضوء الذي يُحيط بالشاعر بل «النور المنبعث من الشعر». وكما أنها لا تبتغي الضوء، فإنّ سوزان عليوان شاعرةٌ لا تبتغي الربح؛ «أنشر لنفسي بنفسي. لا يعنيني أبداً عدد القرّاء ولا نِسَب المبيع».

الرسم المرافق لديوان «شارع نصف القمر» (مجموعة عليوان)

في نصّ سوزان عليوان، يمتزج الواقع بالخيال ليصنعا القصيدة. تمنح أبياتُها انطباعاً بأنّ المؤلّفة دائمةُ الإبحار على سطح المستديرة، في مركبٍ من شعر. تمشي ولا تتعب. تجرّ القارئ خلفها، يتفرّج معها، يندهش، يلهث، ثم يستريح على طاولة مقهى باريسيّ أو في حديقةٍ يابانيّة وسط أزهار الكرز.

هي رحلةٌ عبر الفصول، بورقِها الأصفر وطلّها الربيعيّ وثلوجها الذائبة. أما رفاق الرحلة فشخصيّاتٌ من شعرٍ وهيولى؛ من فان غوخ مروراً بميكي ماوس، وصولاً إلى «مارينا» و«فادية» وسائر مشرّدي الشوارع. تبدو الصور أحياناً كأنّها طالعةٌ من فانتازيا ملوّنة أو من مناماتٍ مبعثرة، لتصطدم بعد مشهدٍ أو اثنَين بمرارة واقع السنوات الأخيرة بجائحتها واهتزازاتها. «لا يمكنني أن أفصل المخيّلة عن الواقع، خصوصاً في قصيدة النثر. أحاول أن تكون الكتابة بقامة الحياة التي نعيش أو تلك التي نحلم»، تقول عليوان.

ديوان «بريد باريس» آلمَ عليوان فروّضت الألم بالخطوط والألوان (مجموعة عليوان)

«أكتافُنا مُنهكةٌ من مكابرة الأعلام والمكانس،

ولسْنا طيورَ فينيقٍ كي ننهضَ من نِثار الزجاج

نحن الّذين بهشاشةِ ما تهشّمَ مع نوافذنا».

تنزل القصيدة إلى الحُفَر الكثيرة التي خلّفها تفجير بيروت (4 أغسطس/ آب 2020). تعاينُ الندوب والأحزان، ترثي المدينة، ثمّ تحلّق بها على جناحَي ملاك. يحدثُ ذلك من دون السقوط في التراجيديا الذاتيّة. تقول عليوان في السياق: «لا أؤمن بالشعر كعلبة بريد ولا كأداةٍ شخصية. لا يجوز أن نحمّل شيئاً عظيماً ورقراقاً كالشعر، أوجاعَنا». تهجس بقدسيّة الشعر وتسعى إلى تحصينه بالنقاء، لافتةً إلى أنّ الابتعاد عن النشر شفاها من أوهامٍ كثيرة وأتاح لها إعادة تقييم كتاباتها، بمنأى عن التوقّعات وخيبة الأمل.

من رسوم ديوان «كوكب في حفرة الغولف» (مجموعة عليوان)

لا يمرّ يومٌ من دون أن تجالس سوزان عليوان شِعرَها. تفعل ذلك من باب المثابرة. «أحاول أن أكتب بشكل منتظم مهما كانت النتيجة، فالشعر مكانٌ تجب زيارته دائماً»، وفق تعبيرها. وهكذا القراءة بالنسبة إليها؛ واجبٌ يوميّ ترافقها فيه دواوين امرؤ القيس والمتنبّي وطرفة بن العبد.

منذ طفولتها التي كانت تشكّلُ فيها سوزان عليوان «الجريدة الخضراء بالقلم الأحمر من الغلاف إلى الغلاف»، واللغةُ العربيّة وطنُها في ترحالها. وهي ما إن وجدت في الشعر بيتاً، حتى انتهت تلك الغربة.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
TT

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة.

من التقديم:

«نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.

يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار...

حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه»

جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.

أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.