لبنان يتفاعل مع الإعلام الجديد لكن ليس بالوتيرة المطلوبة

يديره نبض شبابي ويتحكم بمفاعيله على الأرض

مشاكل الإنترنت جزء أساسي من المشكلة (أ.ب)
مشاكل الإنترنت جزء أساسي من المشكلة (أ.ب)
TT

لبنان يتفاعل مع الإعلام الجديد لكن ليس بالوتيرة المطلوبة

مشاكل الإنترنت جزء أساسي من المشكلة (أ.ب)
مشاكل الإنترنت جزء أساسي من المشكلة (أ.ب)

يجري التعريف عن الإعلام الجديد باعتباره يستخدم الوسائل التقنية الحديثة لنقل المعلومات ونشرها والوصول إلى الناس. وهو يعتمد على الشبكة العنكبوتية والتطور التكنولوجي. وتشهد هذه الوسائل تجدداً مستمراً كان أحدثها «ثريدز» الذي ولد من رحم «إنستغرام» لينافس مباشرة «تويتر».

ومن خصائص الإعلام الجديد توفيره التفاعل بين الأطراف وتسهيل عمليات تبادل المعلومات. وتكمن ميزته في امتلاك أغلبية أفراد المجتمع القدرة على الانخراط في وسائطه المتعددة من خلال الأجهزة المحمولة. وتعد المدوّنات «بلوغر» و«بودكاست» ومواقع التواصل الاجتماعي عامةً من ضمن وسائل الإعلام الجديد. وكذلك المنصات والمواقع والصحافة الإلكترونية تندرج في الخانة نفسها.

الدكتور محمود طربيه (خاص - الشرق الأوسط)

راهناً، يواكب لبنان الإعلام الجديد ولكن ليس بالوتيرة المطلوبة؛ إذ إن أزماته الاقتصادية ونقص الإمداد بالتيار الكهربائي وغيرها، من الخدمات لا تلبي المستخدم. ولكن في الوقت عينه، يشهد لبنان تطوراً من خلال بروز منصات إعلامية تعرف بـ«الإعلام البديل». ويلاحظ اهتمام اللبنانيين أكثر فأكثر بـ«البودكاست» والـ«إنستغرام» والـ«تيك توك» وغيرها. فهي شكلت لهم عناوين جديدة يأخذون منها المعلومات والأخبار عن أحداث آنية تشغل العالم. بيد أن السؤال المطروح اليوم يتعلق بالظروف المساعدة وغير المساعدة لانتشار الإعلام الجديد في لبنان.

الدكتورة جوان عازار (خاص - الشرق الأوسط)

فهل بدأ لبنان حقاً مرحلة إعلامية جديدة... وكيف؟

اختبار 17 أكتوبر

منذ انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) في لبنان اتخذ الإعلام بكل وجوهه منحى مغايراً، فقد ظهرت منصات تواكب هذا الحدث بعدما حجبته بعض وسائل الإعلام المرئية عن شاشاتها في الفترة الأولى. ووجد المواطن في المنصات الإلكترونية - أو «الإعلام البديل» - ما يضعه في صورة ما يجري على الأرض مباشرة، وما عاد يحتاج إلى متابعة هذه الشاشة أو تلك الإذاعة كي يواكب الحدث.

حسين الشريف، منسّق الأبحاث والمشاريع في مؤسسة «مهارات»، وهو عضو في الشبكة الدولية للتبادل الحر للمعلومات، يرى أن الإعلام الجديد «شق طريقه بقوة في لبنان منذ فترة الثورة، وترجم على الأرض ببروز الإعلام البديل».

ويضيف: «كلنا على علم بأن غالبية إعلامنا يرتبط ارتباطاً مباشراً بالتمويل السياسي. ومن نتائجه إعطاء تراخيص لأحزاب وزعماء سياسيين لإطلاق وسائل إعلامهم في المرئي والمسموع والمكتوب. وهكذا تحكّمت بالمشهد الإعلامي اللبناني أجندات لأحزاب وجهات مختلفة. حتى المحطات التلفزيونية المستقلة يملكها رجال أعمال لديهم مصالحهم مع الدولة. وبالتالي، كان من الضروري الاعتماد على الإعلام البديل للوقوف على وجهات نظر حقيقية ترتبط باللبنانيين مباشرة وليس بزعمائهم. وبالفعل، صار الناس أنفسهم يؤلفون هذا الإعلام عندما يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي، ويخبروننا عن الحدث مباشرة على أرض الواقع».

حسين الشريف (خاص الشرق الأوسط)

لا يتواصلون مع الإعلام التقليدي

في الحقيقة، انكباب اللبناني على متابعة الأحداث محلياً، وفي العالم ككل، عبر وسائل الإعلام الجديد، غدا ظاهرة تتوسع يوماً بعد يوم. وهو يقرأها عبر تطبيقات ومنصّات إلكترونية فخفتَ تلقائياً وهج الإعلام التقليدي، وصارت منصّات مثل «درج» و«ميغافون» و«خطيرة» و«بوليتوكس» وغيرها تشكل عناوينهم العريضة لملاحقة المعلومة.

هذه وسائل إعلامية غير تقليدية تتمتع بطريق إبداعية في عرض الخبر ونشره.

ولقد توسّع هذا الإعلام الجديد إلى حدّ انتمائه إلى المناطقية، فصار يلقي الضوء على مشاكل وهموم أهالي مناطق معينة. وهذا ما كانوا يفتقدونه قبل ظهور الإعلام الجديد. وكمثال، مع موقع «بشوفك» الخاص بأخبار منطقة الشوف، استطاع اللبناني إيصال صوته لأكبر شريحة اجتماعية.

من هنا باتت العلاقة بين اللبناني ووسائل الإعلام التقليدية تتراجع، بحسب الدكتور محمود طربيه، الأستاذ الجامعي الخبير في الإعلام الرقمي؛ إذ يرى أن الإعلام التقليدي بنفسه ذهب نحو الإعلام الجديد، فاضطر إلى أن يواكب نهم اللبناني للحصول على المعلومة من خلال اعتماد تطبيقات إلكترونية. ومن ثم يوضح طربيه: «كي تستطيع الوصول إلى أكبر عدد من اللبنانيين اضطرت وسائل الإعلام الرئيسة التواصل معهم عبر هذه التطبيقات. وثبت اليوم أن وسائل الإعلام التقليدية تلجأ إلى مواقع التواصل كي تشد هذا الجمهور، فيتوجه إلى موقعها الإلكتروني وتحديداً عبر تطبيقاته. وأيضاً، بات الجمهور يتكل هو أيضاً على الإعلام الجديد؛ لأن هناك شريحة واسعة من جيل الشباب صار يرغب في قراءة أو مشاهدة فيديوهات محددة تهمه من دون تكبّد عناء قراءة صحيفة». ويختتم طربيه، وهو أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية، بالقول: «إن خير دليل على ذلك هو تجاهل جيل الشباب أخباراً عدة وتركيزه على معلومات معينة تمده بها منصات الإعلام الجديد. ولذلك يمكن أن تفوته أحداث كثيرة ما لم يشاهدها على (إنستغرام) مثلاً».

تطور سريع

واقع الحال أنه لا يوجد تعريف دقيق للإعلام الجديد بسبب التطور السريع الذي يشهده. ويمكن من يوم إلى آخر أن تتغيّر كل ملامحه من خلال ولادة جديدة له. وهنا تشرح الدكتورة جوان عازار، أستاذة الإعلام و«الغلوبال ميديا» في جامعة سيدة اللويزة (إن دي يو) لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «لقد بدأنا أولاً بالهاتف الجوّال والصورة، فصار كل واحد منا صحافياً على طريقته... ومن ثم، ولدت المواقع الإلكترونية وانتشر الـ(فيسبوك) والـ(إنستغرام) و(تويتر)، وأخيراً أطل (ثريدز)... كما نبتت فجأة فكرة الذكاء الاصطناعي فقطعت شوطاً كبيراً لم يحققه أي اختراع من قبل. بناءً عليه لا نستطيع الجزم حتى الساعة بأن هذه المشهدية تصور الشكل النهائي للإعلام».

بحسب الدكتورة عازار، فإن لبنان «يواكب هذه التطورات بشكل جيد... إلا أننا في المقابل نلاحظ بعض الثغرات لأسباب عدة. فهناك شريحة من اللبنانيين لا تملك القدرة المادية على مواكبته كما يجب، وهو ما يترك آثاره السلبية على طلاب الجامعات وشبابنا وتلامذة المدارس».

وتضيف عازار: «للإعلام الجديد أوجه إيجابية كثيرة، وبإمكاننا تفادي السلبية منها في حال وضعت قوانين ودراسات له. اليوم صار لدينا القدرة على إيجاد الجواب لأي سؤال نطرحه وأينما كنا في بقاع الأرض، فالقرية الكونية التي سبق وتحدثوا عنها صارت حقيقة ملموسة... وحتى المواطن العادي صار بمقدوره إيصال صوته عبر مساحة افتراضية واسعة. جميع هذه وجوه إيجابية للإعلام الجديد لم يكن التقليدي منه يستطيع إنجازها».

أكثر وسائل التواصل شهرة

شكل «فيسبوك» في فترة سابقة ضجة كبيرة بحيث شهد ازدهاراً واسعاً لدى اللبنانيين. وصار الكبار والصغار يعتمدونه للتواصل وتمدد الأخبار والمعلومات. فهل لا يزال حتى اليوم يتصدر المشهدية الرقمية في لبنان؟

يرد الدكتور طربيه: «جيل الشباب اليوم تخلى عنه... لا بل يعتبره بمثابة (دقّة قديمة) تخصّ من هم أكبر منه عمراً. أما المساحات الافتراضية الأكثر انتشاراً في لبنان الآن فهي (إنستغرام) و(تيك توك)... كما يشهد (البودكاست) أيضاً ازدهاراً بمحتواه الإعلامي». ثم يضيف: «لقد صار الجيل الأوسع في لبنان يندرج على لائحة (الجيل الرقمي)، منذ أواخر التسعينات كبر حتى صار اليوم هو من يديرها ويتحكم بها... أما (تويتر) فصار وجهة معروفة أكثر لدى السياسيين والصحافيين، ويشهد هذا الموقع تغييرات عدة يفرضها رئيسها الجديد إيلون ماسك، الأمر الذي أثر سلباً عليه وتوجه كثيرون من مستخدميه إلى (ثريدز)».

ظروف مساعدة وعكسها تتضارب

من ناحية ثانية، لا يوفر لبنان لمستخدمي الإنترنت خدمات على المستوى المطلوب، ولذلك نشهد ظروفاً مساعدة وغير مساعدة تؤثر مباشرة على «الإعلام الجديد». وهنا يشرح طربيه: «توسع رقعة الإعلام الجديد يرتبط بالبنية التحتية لخدمات الإنترنت. ولدينا نقص في تعزيزها وتأمينها، ولذلك الاتصالات بطيئة وصعبة. ومن ناحية أخرى، هناك كلفة استخدام الإنترنت المرتفعة التي تؤخر تعاطي المواطن مع الإعلام الجديد. هذه تشكل عبئاً ثقيلاً بأسعارها المرتفعة على المستهلك اللبناني». ومن ثم يستطرد فيقول: «بشكل مختصر، أكثر ما يؤثر على انتشاره هو تواضع مستوى البنى التحتية، وكلفة خدمات الاتصالات. ومع الأسف ليس عندنا في لبنان مَن يرعى الناحيتين. حتى إن قانون النشر الرقمي لا يزال موجوداً في الأدراج. والخدمات التي يؤمنها الإعلام الجديد غير متاحة لجميع اللبنانيين... وهو ما يترك أثره السلبي على هذا المجال الذي يتطور ويتوسع بشكل مستمر».

عودة إلى حسين الشريف، فإنه يرى أن الإعلام الجديد بحاجة إلى التمويل كي يتطور. ويشرح لـ«الشرق الأوسط» مشدداً: «لذلك تقوم بعض منصات هذا الإعلام في البحث عن جهات تموّلها تحت عنوان (بيزنس موديل)... فتتحول إليه مبالغ المال من الناس المتابعة لها مباشرة، عن طريق الـ(سابسكرايب) وأيضاً عبر منصة الـ(باتريون)، وهكذا يكون المحتوى المحفز الرئيس للتربع ولو بدولار واحد.

ونحن اليوم في (مهارات) نتطلع إلى الدياسبورا اللبنانية في الخارج؛ أي مع المغتربين اللبنانيين، لنجد معهم حلاً تمويلياً يمكن أن يسهم في تعزيز الإعلام البديل». ثم يوضح: «نحن نعمل أيضاً على إصلاح قوانين الإعلام وعلى مبادئ قد تسهم في إصلاحها، من بينها موضوع الحوافز والإبداع في الإعلام... وترتبط هذه النقطة باستدامة وسائل الإعلام كافة. وأخيراً، نعمل على تحفيز الإعلام وكيفية دفعه نحو الابتكار بشكل أكبر... فمن خلال ذلك يمكن تأمين مداخيل أخرى غير المال السياسي كي يكون إعلاماً مستقلاً لاستدامة أطول».



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.