بيكي أندرسون: «الذكاء الاصطناعي» من الأدوات الأساسية في الإعلام وقد يكون تهديداً

مذيعة الـ«سي إن إن» قالت إن بعض أكبر القصص تأتي من الأشخاص العاديين... ومتابعة توتنهام ترهقها

بيكي أندرسون مذيعة ومديرة التحرير في «سي إن إن» - أبوظبي (الشرق الأوسط)
بيكي أندرسون مذيعة ومديرة التحرير في «سي إن إن» - أبوظبي (الشرق الأوسط)
TT

بيكي أندرسون: «الذكاء الاصطناعي» من الأدوات الأساسية في الإعلام وقد يكون تهديداً

بيكي أندرسون مذيعة ومديرة التحرير في «سي إن إن» - أبوظبي (الشرق الأوسط)
بيكي أندرسون مذيعة ومديرة التحرير في «سي إن إن» - أبوظبي (الشرق الأوسط)

لم تخفِ بيكي أندرسون مذيعة ومديرة التحرير في «سي إن إن» - أبوظبي قلقها من الآثار السلبية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، لكنها في المقابل شددت على أنه قد يكون من الأدوات الأساسية في القطاع.

أندرسون، أحد أكثر الوجوه الحاضرة في القناة الأميركية العالمية للأخبار في المنطقة، قالت لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معها: «على قطاع الإعلام اليوم التكيف مع التغييرات المتسارعة التي نشهدها كتقنيات الذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك». وأردفت: «بالفعل، فإن غرف الأخبار تتبنى هذا النهج من خلال استخدامها أدوات التحليل الرقمي المفتوحة المصدر لتحليل الصور والبيانات. وباستخدام التقنيات الحديثة، أصبح من الممكن مثلاً التقاط صورة لعمود (التلغراف) في مكان، وبات بإمكان زملائنا تحديد موقعه بالضبط من خلال استخدام الأدوات المتاحة لدينا في غرفة الأخبار».

وأوضحت أندرسون أن لديهم موظفين متخصصين يمكنهم تحليل مقاطع الفيديو والتأكد من مصداقيتها وصحة المعلومات التي تحتويها. وتأتي أهمية هذا النوع من التحليل الرقمي من قدرته على تحليل الكم الهائل من المعلومات المتاحة والمعلومات المضللة التي تصعب معالجتها، ما يجعله إحدى الأدوات الأساسية في عالم الإعلام للتأكد من صحة المعلومات وتحليلها.

ثم تابعت قائلة: «رغم قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات وكشف المعلومات المضللة بشكل أسرع وأكثر دقة مما يمكن للإنسان القيام، هناك كثير من الآثار السلبية المحتملة من استخدامه في هذا القطاع. وبالنسبة لي، فإن التزييف العميق، واختراق حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، والتلاعب بالصور من بعض أخطر التهديدات، ما لم نعالجها فنتفادى تداعياتها الخطيرة».

تجربتها العملية

بيكي أندرسون وصفت تجربتها في محطتي «بلومبرغ» و«سي إن بي سي» بـ«الرائعة»، وقالت: «لقد ساعدتني على تنمية مهاراتي وتعلم الأساسيات في المجال. ولكن عندما يتعلق الأمر بالبث التلفزيوني المباشر، فـ(سي إن إن) تمتلك سجلاً حافلاً في تغطية الأحداث الحيّة»، مشيرة إلى أن ما يثير دهشتها حتى الآن «الحجم الهائل لهذه العلامة الرائدة... والطريقة التي تتبعها في تطوير وصقل المهارات، بالإضافة إلى الخبرة الواسعة التي يتمتع بها فريقها الميداني في تغطية الأحداث». ومن ثم، أضافت: «غالباً ما نتعاون مع مهندسين ومصوّرين صحافيين من الذين طوّروا مهاراتهم في مناطق النزاع أو في بيئات قاسية أخرى، وبالتالي، فمن غير المرجح أن يتأثر هؤلاء الأشخاص المحترفون بالمشاكل الصغيرة».

واستطردت أندرسون: «تنعكس هذه الخبرة على طريقة عملنا في الاستوديو وكيفية تقديمنا للبث التلفزيوني المباشر في جميع أنحاء العالم، إذ إننا نستخدمها في الانتقال بين القصص والمواقع والمراسلين بسلاسة ودقة عالية... وأعتقد أن ثقافة ريادة الأعمال التي أسّسها تيد تيرنر في (سي إن إن) ما زالت متجذرة بقوة، وهذا يتجلى في الالتزام الدائم للمؤسسة بالعمل بحماسة لكشف القصص المهمة وسردها».

تغطياتها المثيرة

من ناحية ثانية، ذكرت مديرة تحرير «سي إن إن» في أبوظبي ومذيعتها اللامعة أنها حظيت «بفرصة تغطية كثير من الأحداث الكبيرة والقصص المهمة، بما في ذلك الأحداث المهمة التي شهدتها المنطقة، حيث استفدت كثيراً من جميع هذه التجارب». وقالت: «بالتأكيد تعلمت درساً مهماً في عالم الصحافة، وهو أن بعض أكبر القصص تأتي من الأشخاص العاديين الذين يتأثرون بما يجري حولهم في العالم... في كثير من الأحيان يمكن أن يكون الأشخاص العاديون، الأبطال الحقيقيين أثناء تغطية الأحداث». وفصّلت أندرسون: «على سبيل المثال، في حالة وقوع كارثة طبيعية، يمكن أن يكون عامل الإنقاذ المُنهَك الذي يعمل بلا كلل لكي ينقذ الأرواح هو بطل القصة الحقيقي، أو قد يكون الأب الذي يحاول العثور على ابنته وسط الدمار هو الشخص الذي يلهمنا ويترك أثراً في نفوسنا. وحقاً، يبحث المراسلون عن الأشخاص الذين يقفون وراء القصص والذين يلعبون دوراً حاسماً في تشكيل الأحداث».

وهنا، أشارت أندرسون إلى «المقاتلين في أوكرانيا يرتجلون باستخدام طائرات الدرون المسيّرة لاكتشاف الدبابات الروسية المتطورة ومهاجمتها، والزوجين المسنين اللذين يرفضان مغادرة منزلهما رغم القصف المستمر، وكذلك عامل الإغاثة الذي يعبر الحدود كل يوم في شاحنته... إن أولئك جميعاً أبطال حقيقيون، تلك القصص الصغيرة تدعم الصورة الأكبر وتعزّز فهم الأحداث والقضايا التي تهم الناس».

أداء «سي إن إن»

وحول أداء «سي إن إن» في الشرق الأوسط والخليج، قالت بيكي أندرسون: «يتضمن هذا النوع من الأسئلة كثيراً من الإجابات المحتملة، إلا أنه يمكن الكلام عن تفاعل رائع من قبل الجمهور مع منصات (سي إن إن). ويتضح هذا، خصوصاً، على منصات التواصل الاجتماعي، عبر القصص والمقابلات التي نعرضها على التلفزيون ومنصاتنا الرقمية باللغتين الإنجليزية والعربية... هذه المنصات تعد وجهات رئيسية للأخبار في المنطقة والعالم على حدٍ سواء». وأضافت: «نحن نهتم كثيراً بأخبار المنطقة، ونعتقد أننا نسرد قصصها بشكل جيد... هذا ليس مجرد كلام، بل هو واقع ملموس وحقيقي سواء كان ذلك في برنامجي، أو في برامج زملائي كريستيان أمانبور وريتشارد كويست وإيسا سواريس وجوليا شاتيرلي، التي تغطي كثيراً من الجوانب السياسية والاقتصادية، فضلاً عن الشؤون الراهنة والأحداث الحالية، والرياضة التي تلقى اهتماماً واسعاً في المنطقة».

ثم تطرقت أندرسون إلى وجود عامل مهم آخر يتجاهله البعض أحياناً، ويتمثل في «الأهمية الحيوية لوجود منظور محلي في تغطية الأحداث الجارية بمناطق مختلفة من العالم». وشرحت: «على سبيل المثال، في قصة أوكرانيا، يختلف المنظور من هذه المنطقة عن نظيره في أوروبا أو الولايات المتحدة أو آسيا أو أفريقيا. ولذا من الأهمية بمكان مراعاة وجود هذا العامل كجزء من تغطيتنا للأحداث. قد لا تكون هذه المقاييس الوحيدة المستخدمة للتقييم، إلا أنها تلعب دوراً كبيراً في فهم الأداء وتقييمه».

«كونيكت ذا وورلد»

وحول المواضيع التي يتناولها برنامج «كونيكت ذا وورلد» مع بيكي أندرسون، قالت إن «التنوع الكبير في المواضيع والقصص التي نغطيها أهم ما يميز البرنامج ويجعله ممتعاً للمشاهدين. إذ يوجد لدينا فريق كبير يعمل بجد على نجاح البرنامج، وبفضل ذلك التنوع يمكنني إجراء مقابلات مع زعماء دول في لحظة، ونجوم في عالم الرياضة في اللحظة التالية... وأستطيع التحدث مع كثيرين من رواد الأعمال والنشطاء والعلماء وصناع السينما وما إلى ذلك. ثم إن البرنامج يستغرق ساعتين، ما يمنحنا الوقت الكافي للتركيز على القصص الإخبارية العاجلة والمتغيرة، والغوص في القضايا الأكثر تعقيداً، فضلاً عن تسليط الضوء على جوانب مختلفة من القصص التي تتطلب كثيراً من الشرح والتحليل والنقاش».

بعدها طرحنا على بيكي أندرسون مجموعة من الأسئلة كالتالي:

أسئلة سريعة

* ما النجاح في حياتك المهنية؟

- «إيماني الشديد بأن النجاح مزيج من العمل الجاد والحظ، وكلما عملت بجد أكثر زادت حظوظك. آمنت بهذا الشعار لفترة طويلة، ولاحظت أن الأشخاص الناجحين الذين قابلتهم وأجريت معهم مقابلات، يعملون ويستمتعون في الوقت ذاته. الموهبة مهمة بالطبع، لكنها لا تكفي، فالتفاني في العمل الطريقة الوحيدة لتحقيق النجاح».

* ما أبرز التحديات التي واجهتك؟

- «قد يكون عملنا مرهقاً على المستوى العاطفي، إذ يمكن أن تترك بعض القصص والأحداث الصعبة أثراً عميقاً فينا. ومع أنني أعود إلى غرفتي في الفندق أو منزلي بعد انتهاء عملي، تترك معاناة الأشخاص في تلك القصص التي نغطيها أثراً في نفسي. بعد زيارتي الأخيرة إلى تركيا عقب الزلزال المدمر الذي حدث هناك، أدركت تماماً الصعوبات التي واجهها زملائي في تغطية تلك القصص الصعبة... قد يكون هذا النوع من الأحداث مرهقاً للغاية، ولكن على المرء تخفيف الضغط عن نفسه، ومهم جداً أن يحافظ على هذا التوازن بين العمل والحياة الشخصية، لصالحه ولصالح الأشخاص الذين يحبهم».

* ماذا عن أهم إنجازاتك؟

- «لقد كنت محظوظة للغاية، إذ أتيحت لي فرصة لقاء بعض شخصياتي المفضلة، كما أجريت كثيراً من المقابلات مع بعض القادة السياسيين في لحظات تاريخية وحاسمة، وشاهدت الإنسانية في أفضل حالاتها وفي أسوأ حالاتها في آن معاً، وسافرت إلى أكثر من 100 دولة ورأيت عدداً من المشاهد الأكثر استثنائية في العالم».

* هل من نصيحة تقدمينها للجيل الجديد؟

- «نعم، التفاني في العمل ورفض الاستسلام للفشل... لا تدع الفشل يثني عزيمتك، بل استخدمه فرصة للنمو والتطور. أيضاً، مهم أن تلاحق حلمك وتسعى إلى تحقيقه، ولكن عليك أن تكون مرناً وتتعلم من التحديات التي قد تواجهها... طبعاً توسيع معرفتك وتنمية مهاراتك».

* وماذا عن هواياتك؟

- «أحب السفر وأحرص على زيارة الأماكن التي تمنحني الراحة والاسترخاء... في حال أتيحت لي الفرصة، أفضل تمضية بعض الوقت على أحد الشواطئ المهجورة في المكسيك أو البرازيل والاستمتاع بالهدوء. وبجانب شغفي بالسفر، فإن الرياضة من هواياتي المفضلة، أنا أهوى لعب كرة المضرب، ثم إن استكشاف الممرات المائية المحيطة بمدينة أبوظبي من النشاطات التي أحب القيام بها للاسترخاء والابتعاد عن الضوضاء. بالإضافة إلى كل ذلك، أنا من مشجعي فريق نادي هوتسبير اللندني لكرة القدم، ولكن قد يكون مرهقاً للأعصاب مشاهدة مباريات فريقك المفضل في بعض الأحيان، لذا قررت الابتعاد عن ذلك قليلاً في الوقت الحالي».


مقالات ذات صلة

«امسك مزيّف»... استنفار مصري لمواجهة «الشائعات»

العالم العربي ندوة «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر

«امسك مزيّف»... استنفار مصري لمواجهة «الشائعات»

حالة استنفار تشهدها مصر أخيراً لمواجهة انتشار «الشائعات»، تصاعدت مع إعلان «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، الثلاثاء، عزمه إطلاق موقع «امسك مزيف».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
إعلام إدمون ساسين (إنستغرام)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق وزير الإعلام سلمان الدوسري التقى رئيسة الإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون الصينية كاو شومين (واس)

شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص

اختتم وزير الإعلام السعودي، اليوم، أعمال برنامج الشراكة الإعلامية السعودية الصينية، وشهدت الزيارة إبرام اتفاقيات وبرامج تنفيذية وورش عمل بين الجانبين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
إعلام توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين منصة سعوديبيديا وجامعة بكين للغات والثقافة (الخارجية السعودية)

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

التقى سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، في بكين، اليوم الخميس، مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي.

«الشرق الأوسط» (بكين)
إعلام ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية

إيلي يوسف (واشنطن)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)
TT

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)

في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الولايات المتحدة، كان للمؤسسات الإعلامية الأميركية على الدوام نصيب من تداعياتها. وفي العادة أن جلّ المؤسسات الاعلامية كانت تنحاز لأحد طرفي السباق، حتى في بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تاريخية»، كالجارية هذا العام. بل وكان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي».

غير أن الواقع كان دائماً يشير إلى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصاً في لحظات «الغموض والالتباس» كالتي يمر بها السباق الرئاسي المحتدم هذا العام بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

مقر «اللوس أنجليس تايمز» (أ.ب)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح!

يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، رئيس شركة «أمازون» العملاقة، أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي لا في هذه الانتخابات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضاف لويس، في مقال: «نحن نعود إلى جذورنا بالإحجام عن تأييد المرشحين الرئاسيين... هذا من تقاليدنا ويتفق مع عملنا في 5 من الانتخابات الـ6 الأخيرة». وتابع لويس: «ندرك أن هذا سيُفسَّر بطرق مختلفة، بما في ذلك اعتباره تأييداً ضمنياً لمرشح واحد، أو إدانة لمرشح آخر، أو تنازلاً عن المسؤولية... هذا أمر لا مفر منه. لكننا لا نرى الأمر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقاً مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واختتم: «إن وظيفتنا في الصحيفة هي أن نقدّم من خلال غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيين، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديفيد إغناتيوس ويوجين روبنسون ودانا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف الموقّعون القرار بأنه «خطأ فادح». وتابع البيان أن القرار «يمثّل تخلّياً عن المُعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والتحالفات الدولية والتهديد الذي يشكله دونالد ترمب على هذه القيم...». ومضى البيان: «لا يوجد تناقض بين الدور المهم الذي تلعبه (واشنطن بوست) بوصفها صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد السياسي... وقد تختار الصحيفة ذات يوم الامتناع عن التأييد، لكن هذه ليست اللحظة المناسبة، عندما يدافع أحد المرشحين عن مواقف تهدّد بشكل مباشر حرية الصحافة وقِيَم الدستور».

مقر «الواشنطن بوست» (آ. ب.)

... وأيضاً «لوس أنجليس تايمز»

في الواقع خطوة «واشنطن بوست» سبقتها، يوم الأربعاء، استقالة مارييل غارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كبرى صحف ولاية كاليفورنيا، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة، الملياردير باتريك سون شيونغ، مجلس التحرير من إعلان تأييد هاريس. وهذه الخطوة أشاد بها ترمب، وعلّقت حملته، في بيان، بأن «زملاء هاريس في كاليفورنيا يعرفون أنها ليست مؤهلة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مجرد لامبالاة، بل هو تواطؤ»، معربة عن قلقها من أن هذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقين، وربما حتى متحيّزين جنسياً وعنصريين بعض الشيء». وأردفت: «كيف يمكننا أن نمضي 8 سنوات في مهاجمة ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلاد ثم نمتنع عن تأييد المنافس الديمقراطي اللائق تماماً الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الشيوخ؟»، في إشارة إلى هاريس. من جانبه، كتب سون شيونغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كي يتمكّن «القراء (أنفسهم) من تحديد مَن يستحق أن يكون رئيساً»، مضيفاً أن الهيئة «اختارت الصمت»!

هل الدافع تجاري؟

بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمين للديمقراطيين عموماً، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جذب مزيد من القراء، بمَن فيهم الموالون للجمهوريين، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعلانات، عبر محاولة تقديم الصحيفة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية من منطقة لوس أنجليس، الذي ليست له أي خبرة إعلامية، كان قد اشترى الصحيفة التي يزيد عمرها على 140 سنة والشركات التابعة لها، مقابل 500 مليون دولار عام 2018. لكن خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح نحو 20 في المائة من موظفيها هذا العام. وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات الملايين من الدولارات» منذ شرائها.

ترمب يدعو لإلغاء تراخيص الأخبار

ما حصل في «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» سلّط حقاً الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي.

وفي الواقع، تعرّضت وسائل الإعلام خلال العقد الأخير للتهديدات ولتشويه صورتها، وبالأخص من الرئيس السابق ترمب، الذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بالتشهير، ومنع الصحافيين من حضور التجمّعات والفعاليات التي تقام في البيت الأبيض، وروّج لمصطلح «الأخبار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.

وفي حملات ترمب الجديدة على الإعلام، اقترح أخيراً تجريد شبكات التلفزيون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقف بث برنامج (60 دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه في الخطب والمقابلات، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب استيائه من الطريقة التي تعاملت بها مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس.

وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الداعمة له: «سنستدعي سجلاتهم»، مجدداً ادعاءه أن تحرير الشبكة لمقابلتها مع هاريس في برنامج «60 دقيقة»، كان «مضللاً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضاً رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقاباً صارماً»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلاً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية».