قالت الكاتبة الأميركية تيريز رافائيل إنه مع استمرار الحرب في أوكرانيا، و«تزايد بربرية» قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل مروع، انهارت تدريجياً المحظورات حول أنظمة الأسلحة التي ينبغي أن تعطى لأوكرانيا للدفاع عن نفسها. ويبدو أخيراً أن القوى الغربية بدأت في إدراك أن خطر التصعيد الحقيقي ناجم عن عدم امتلاك أوكرانيا لوسائل كافية للدفاع عن نفسها.
وأضافت رافائيل في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن هذا المنطق كان مرشداً لموقف بريطانيا منذ بداية الحرب ولا يزال الأمر مستمراً. وفي وقت سابق من هذا العام، أصبحت المملكة المتحدة أول دولة ترسل دبابات قتال إلى أوكرانيا. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت بريطانيا أنها تخلت عن محظور آخر، حيث أرسلت صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا.
ونشر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تغريدة عبر «تويتر» شكر فيها رئيس الوزراء ريشي سوناك بعد الإعلان الذي ورد الأسبوع الماضي، لكن عناقهما يوم الاثنين عندما التقيا شخصياً، ربما أفصح عن ذلك بشكل أفضل.
وكانت هناك أيضاً بعض الجوانب الإيجابية لإعلان الأسبوع الماضي. ولدعم الهجوم المضاد لأوكرانيا، وعد سوناك كذلك بطائرات هجومية مسيرة بعيدة المدى وتدريب طيارين مقاتلين أوكرانيين، بينما تتطلع بريطانيا إلى قيادة تحالف لتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز (إف - 16).
وتقول رافائيل إن السبب في القيام بهذا الدور يعود إلى عدد من العوامل، من إرث دور بريطانيا في الحرب العالمية الثانية إلى جهودها لتشكيل دور دولي جديد بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى قناعات الشخصيات الفردية. وخلافاً لما هو الحال داخل الولايات المتحدة وبعض حلفاء «الناتو» الآخرين، فإن دعم المملكة المتحدة لتسليح أوكرانيا يتجاوز الخطوط السياسية.
وأوضحت أن الأمر لا يتعلق بأن البريطانيين يرفضون مخاوف التصعيد التي أثارها بشكل أساسي بعض الجمهوريين في الولايات المتحدة أو كُتبت عن بطء ألمانيا في تقديم المساعدات العسكرية قبل الآن. لكن المملكة المتحدة ترى خطراً أكبر بكثير في السماح لبوتين بنصر يمكنه استخدامه للبناء عليه.
وقال سوناك يوم الاثنين: «قد تكون الخطوط الأمامية لحرب بوتين العدوانية في أوكرانيا، ولكن خطوط الصدع تمتد في جميع أنحاء العالم. من مصلحتنا جميعاً ضمان نجاح أوكرانيا وعدم مكافأة بربرية بوتين»، ومن الصعب العثور على الكثيرين في بريطانيا الذين يفضلون إجبار أوكرانيا على تسوية تفاوضية بدلاً من ذلك.
وسيتطلب النجاح في الهجوم المضاد والحرب الأطول من الدول الأخرى أن تحذو حذو المملكة المتحدة؛ إذ إن توفير صواريخ «ستورم شادو» من شأنه تشكيل المشهد العسكري والسياسي على حد سواء، على عكس الدور الذي لعبه نظام صواريخ المدفعية عالية الحركة الذي زودته الولايات المتحدة في مساعدة أوكرانيا على استعادة مساحات شاسعة من الأراضي في الخريف الماضي. ومكنت قاذفات صواريخ «هيمارس» القوات الأوكرانية من القضاء على المراكز اللوجستية ومراكز الاتصالات، وغيرها من الأهداف عالية القيمة.
ورغم أن هذه الأسلحة لا تزال حيوية لأوكرانيا، فإن مداها (بحد أقصى 50 ميلاً) غير كاف لأوكرانيا بالنسبة لدعم هجوم مضاد كبير. كما أنها عرضة للتشويش الإلكتروني من روسيا. وتوفر الصواريخ بعيدة المدى مستوى آخر تماماً من القدرة. وتتمتع صواريخ «ستورم شادو» بمدى يصل إلى 3 أضعاف «هيمارس»، مما يمنح الأوكرانيين القدرة على الضرب بعيداً خلف خط المواجهة، مما يزيد من تعطيل المشاكل اللوجستية المروعة بالفعل في روسيا.
وضغطت أوكرانيا بشدة من أجل صواريخ «أتاكمز» الأطول مدى قليلاً في الولايات المتحدة، ولكن من نواح كثيرة، تعد «ستورم شادو» التي طورتها المملكة المتحدة وفرنسا بشكل مشترك خياراً أفضل لدقتها العالية، ولديها رأس حربي «بوتش» من مرحلتين، يمكن للشحنة الأولية اختراق الخرسانة أو الأرض الصلبة، مما يمهد الطريق للرأس الحربي الداخلي لضرب هدف محمي جيداً.
ويقول المؤرخ العسكري في جامعة كينغز كوليدج لندن، سيمون أنجليم، إنه بالطبع، لا ينبغي المبالغة في التأثير العسكري لعدد قليل من الصواريخ بعيدة المدى. وبمبلغ مليوني جنيه إسترليني (2.5 مليون دولار) لكل منها، من المرجح أن تدخرها القوات الأوكرانية فقط لأهداف مهمة.
وتأتي هدية المملكة المتحدة أيضاً مع بعض القيود على الاستخدام، فضرب خطوط الإمداد داخل روسيا نفسها سيكون مغرياً لأي قائد أوكراني، لكن هذا يقلق الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين. وأكد زيلينسكي للمستشار الألماني أولاف شولتز في برلين أن أوكرانيا لن تستخدم قدراتها إلا داخل أراضيها السيادية، وهو ما يبدو أيضاً أنه شرط بريطانيا.
ومع ذلك، فإن الصواريخ وضعت شبه جزيرة القرم في النطاق وجسر كيرتش الشهير الذي يربطها بروسيا، بكل أهميتها الرمزية والعملية لبوتين. وكان الزعيم الذي نصبه الكرملين في شبه جزيرة القرم، جورجي مرادوف، لاذعاً للغاية بشأن الهدية، لدرجة أنه هدد بأن المملكة المتحدة ستتحول «إلى منطقة مدمرة» بسبب قرارها. كما يسمح ذلك لأوكرانيا باستهداف مراكز القيادة ومستودعات الإمداد في دونيتسك ولوهانسك، الأراضي الشرقية التي غزاها بوتين وضمها بشكل غير قانوني.
وتقول رافائيل إن هذا يبدو ما حدث خلال عطلة نهاية الأسبوع في غارة على بعد 80 ميلاً خلف خط الجبهة في مدينة لوهانسك، حيث أصابت مستودعاً يستخدم لتخزين المعدات العسكرية وإراحة الجنود. وبطبيعة الحال، ادعت روسيا أنه كان هدفاً مدنياً.
وخلصت رافائيل إلى أن الأهمية الحقيقية لصواريخ «ستورم شادو» سياسية بقدر ما هي عسكرية. وكما دفع قرار التبرع بعدد صغير من دبابات «تشالنجر 2» ألمانيا إلى «إطلاق دبابات ليوبارد»، ينبغي لنا أن نأمل أن تكون بريطانيا قد مهدت الطريق لدول أخرى لديها صواريخ بعيدة المدى مماثلة في ترسانتها لتقديم التبرعات، في حين تعمل على المضي قدماً في المحادثات بشأن توفير طائرات (إف - 16)، والتي من شأنها أن تضمن دفاع أوكرانيا على المدى الطويل. إن حجب هذه الأدوات للدفاع عن أوكرانيا هو الاقتصاد الزائف المطلق.