كيف استفادت إثيوبيا من توقف مفاوضات «سد النهضة»؟

أعلنت انتهاء 95 % من الإنشاءات... وتستعد لـ«الملء الخامس»

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

كيف استفادت إثيوبيا من توقف مفاوضات «سد النهضة»؟

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

أثار إعلان إثيوبيا انتهاء 95 في المائة من إنشاءات «سد النهضة» والاستعداد لـ«الملء الخامس» لخزان السد، المقام على نهر النيل، تساؤلات حول مدى استفادة أديس أبابا من توقف المفاوضات مع مصر والسودان.

ووفقا لوكالة الأنباء الإثيوبية، فإنه جرى الانتهاء من نحو 95 في المائة من إنشاءات «سد النهضة»، استعداداً لـ«الملء الخامس»، الذي يتوقع أن يكون في فترة الفيضان المقبلة من يوليو (تموز) المقبل، وحتى سبتمبر (أيلول) المقبل.

ونقلت الوكالة عن نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، تميسجين تيرونيه، خلال احتفالات أديس أبابا بمرور 13 عاماً على بدء إنشاء «سد النهضة»، مساء الأربعاء، قوله إن «المشروع الوطني الرائد (السد) وصل حالياً إلى 95.8 في المائة، وهذا الانتصار تحقق بمشاركة فعالة من الشعب والتزام غير مسبوق من القيادة».

وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011؛ بداعي «توليد الكهرباء»، لكن مصر تخشى من تأثر حصتها من مياه نهر النيل.

وكانت مصر أعلنت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي «فشل» آخر جولة للمفاوضات بشأن «سد النهضة»، التي استمرّت نحو 4 أشهر. وتقدر مصر «فجوتها المائية» بأكثر من 20 مليار متر مكعب سنوياً.

وأدى توقف المفاوضات إلى «توتر العلاقات» بين القاهرة وأديس أبابا، وأكد وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، أن «أي سد يتم إنشاؤه على مجرى النيل يؤثر على مصر، وهناك تأثيرات يمكن مواجهتها وأخرى لا يمكن مواجهتها»، لافتاً خلال الاحتفال بـ«اليوم العالمي للمياه»، الأسبوع الماضي، إلى أن «أي تأثير سيحدث على مصر سيدفع الجانب الإثيوبي ثمنه في يوم من الأيام».

ويرى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، أن «إثيوبيا استفادت من توقف المفاوضات مع مصر»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «توقف المفاوضات أعطى إثيوبيا فرصة لاستكمال الإنشاءات بسد النهضة بالأسلوب الذي تراه، بمعنى أن الكثير من تفاصيل الإنشاء والتعلية تم استكمالها، ولم تعد مطروحة في حال العودة للتفاوض، وكذلك آليات الملء الخامس»، وهو ما يعني، بحسب شراقي، «استمراراً للنهج الإثيوبي المستند إلى فرض سياسة الأمر الواقع».

في المقابل، قلل المستشار الأسبق لوزير الري المصري، خبير المياه الدكتور ضياء الدين القوصي، من تأثير توقف المفاوضات على استكمال البناء في سد النهضة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إثيوبيا مستمرة في الإجراءات الأحادية واستكمال بناء السد، سواء بوجود المفاوضات أو توقفها»، موضحاً أن «أديس أبابا تواجه مشكلات اقتصادية في تمويل السد، بجانب المشكلات الفنية المتعلقة بتشغيل التوربينات».

وذكرت تقارير صحافية، نقلاً عن مسؤولين إثيوبيين، أن «استكمال (سد النهضة) يحتاج إلى نحو 50 مليار بير إثيوبي (نحو 1 مليار دولار)»، ووفق مراقبين، تواجه أديس أبابا مشكلات اقتصادية انعكست على تمويل السد، ما دفع الحكومة الإثيوبية إلى إطلاق فعاليات «أسبوع بيع سندات (سد النهضة)»، الأسبوع الماضي، بهدف جمع التمويل اللازم لاستكمال بناء السد.

وقال نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمصر، الدكتور أيمن عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»، إن «استفادة إثيوبيا ليست مرتبطة بتوقف أو استمرار المفاوضات؛ إذ إنها منذ البداية تستند إلى سياسة فرض الأمر الواقع، وخلق مساحات للجدل تعرقل المفاوضات، مع استمرارها في الإجراءات الأحادية»؛ إذ إن أديس أبابا، وفق عبد الوهاب، «استغلت ظروف مصر في عام 2011 للبدء في أعمال السد، وقد أثبتت مسارات التفاوض بمراحلها المختلفة عدم وجود إرادة إثيوبية للتوقيع على اتفاق ملزم».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية، الخميس، عن البروفسور المشارك في جامعة أديس أبابا، ياكوب أرسانو، قوله إن «سد النهضة لديه إمكانات هائلة ليصبح حجر الأساس لكل من التنمية الاقتصادية الإثيوبية والتكامل الإقليمي»، وأشار أرسانو، إلى أن «توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا أمر بالغ الأهمية لتلبية احتياجات البلاد المحلية من الطاقة».

لكن خبراء في مصر أكدوا أن «سد النهضة لم يحقق أياً من أهداف تدشينه المعلنة حتى الآن»، وقال الدكتور عباس شراقي، إن «السد لم ينتج ما تطمح إليه إثيوبيا من كهرباء؛ إذ إنه تم تركيب 2 توربين فقط من 13 توربيناً مزمعاً تركيبها، والتوربينات تستغرق وقتاً كبيراً؛ لأنها تتضمن تفاصيل فنية معقدة، ولا تمتلك أديس أبابا شبكة كهرباء محلية يمكنها الاستفادة من عمل التوربينات، كما أنه لم يتم الاستفادة من المياه المخزنة في بحيرة السد في الزراعة، ولا مياه الشرب، وحتى الآن لا يوجد أي فائدة عادت على المواطن الإثيوبي من سد النهضة».


مقالات ذات صلة

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

شمال افريقيا مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

حملت مصر مجدداً ما تصفه بـ«التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويواجه باعتراضات دولتي المصب.

عصام فضل (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

حذّرت مصر دول نهر النيل، من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

هيمن كل من الحرب في غزة وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

عبد العاطي لبلينكن: الأمن المائي قضية «وجودية» لمصر

أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، لنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، رفض مصر وإدانتها للتصعيد الإسرائيلي ضد وكالة «أونروا».


مصر تعزّز حضورها في «القرن الأفريقي» بتعاون قضائي وبرلماني

وزير العدل المصري خلال لقائه نظيره الصومالي (وزارة العدل المصرية)
وزير العدل المصري خلال لقائه نظيره الصومالي (وزارة العدل المصرية)
TT

مصر تعزّز حضورها في «القرن الأفريقي» بتعاون قضائي وبرلماني

وزير العدل المصري خلال لقائه نظيره الصومالي (وزارة العدل المصرية)
وزير العدل المصري خلال لقائه نظيره الصومالي (وزارة العدل المصرية)

في خطوة تعزّز حضور مصر في منطقة القرن الأفريقي، بحثت الحكومة المصرية، الأربعاء، سبل تعزيز التعاون القضائي مع الصومال، وكذلك دعم مقديشو في «استكمال صياغة الدستور»، في وقت وقَّع فيه مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) مذكرة تفاهم مع الجمعية الوطنية (البرلمان) في جيبوتي؛ بهدف دعم التعاون بين المجلسين.

وتولي القاهرة أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وفق وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الذي أكد خلال تدشينه خط طيران مباشراً بين مصر والصومال وجيبوتي، في يوليو (تموز) الماضي، اهتمام بلاده بتعزيز مستوى العلاقات مع دول القرن الأفريقي، وعلى رأسها الصومال، ورغبتها في «دعم الاستقرار بدول المنطقة».

وبحسب مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن التحركات المصرية في القرن الأفريقي، باتت «ضرورية حماية لمصالحها الاستراتيجية بالمنطقة»، إلى جانب «دعم تلك الدول في مواجهة تحديات داخلية وخارجية».

وبحث وزير العدل المصري، المستشار عدنان فنجري، مع نظيره الصومالي إلياس شيخ عمر، الأربعاء في القاهرة، «تعزيز التعاون القضائي بين البلدين»، إلى جانب «الاستعانة بالخبرات المصرية في تدريب كوادر قضائية صومالية داخل المحاكم المصرية، وفي مركز الدراسات القضائية»، مع الاستفادة من المشروعات الرقمية، «لإعادة هيكلة وزارة العدل الصومالية»، حسب إفادة وزارة العدل المصرية.

وبينما دعا وزير العدل الصومالي إلى «الاستفادة من الخبرات المصرية في استكمال صياغة الدستور الصومالي، بصيغة قانونية، وفق الدساتير الدولية، مع وضع التشريعات، مثل (القانون المدني والجنائي والمرافعات)»، اقترح «إعارة قضاة مصريين للعمل في المحاكم الصومالية قصد المساعدة في التدريب العملي لنظرائهم الصوماليين». كما دعا إلى «منح الكوادر القضائية في بلاده برنامجاً دراسياً داخل الأكاديمية المصرية لمكافحة الفساد؛ بهدف المساعدة في وضع استراتيجية لمكافحة الفساد في الصومال»، حسب إفادة السفارة الصومالية في القاهرة.

ويرى الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التعاون بين البلدين في مجال القضاء والقانون «خطوة ضرورية؛ كون أغلب التوترات الداخلية في الصومال، وحالة عدم الاستقرار، ناتجة من غياب العدالة».

وأوضح حسن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «حكومة مقديشو تواجه إشكاليات في تطبيق العدالة الناجزة في مناطق مختلفة بالصومال؛ ولذلك فإن الاستعانة بالخبرات المصرية ستدعم قدرات الكوادر القضائية، وتساعدها على إنجاز دستور دائم للبلاد، بدلاً من الدستور المؤقت الحالي».

ويحتكم الصومال إلى دستور مؤقت صدر عام 2012. وفي مارس (آذار) الماضي صوّت البرلمان الصومالي على تعديلات جديدة، تشمل اعتماد نظام اقتراع عام مباشر، وتمديد الفترة الرئاسية من 4 سنوات إلى 5 سنوات.

بموازاة ذلك، وقّع رئيس مجلس الشيوخ المصري، المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، مذكرة تفاهم مع رئيس الجمعية الوطنية الجيبوتية، دليتا محمد دليتا؛ لدعم التعاون بين المجلسين.

رئيس مجلس الشيوخ المصري ورئيس برلمان جيبوتي يوقّعان مذكرة تفاهم (مجلس الشيوخ المصري)

وأكد عبد الرازق خلال استقباله وفداً برلمانياً جيبوتياً، الثلاثاء، حرص بلاده على «دعم العلاقات البرلمانية مع جيبوتي»، مشيراً إلى أن «مواجهة القضايا والتحديات الدولية وفي المنطقة، تتطلب من الدول الصديقة التعاون والتنسيق المستمر»، وفق إفادة لمجلس الشيوخ المصري.

بهذا الخصوص، يؤكد الباحث الصومالي أن «الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي متقلبة بسبب كثرة التدخلات الدولية بها»، مشيراً إلى أن «تنويع القاهرة لتعاونها مع دول المنطقة، مثل الصومال وجيبوتي، قد يساهم في تهدئة التوترات بالمنطقة، ويساعد في تحسن الأوضاع».

من جانبه، يرى الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، صلاح خليل، أن من أهداف الدعم المصري لدول القرن الأفريقي «ردع التحركات الإثيوبية بالمنطقة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تطور مستوى العلاقات بين مصر والصومال، «أعاد حضورها بقوة في المنطقة».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا اتفاقية مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض مصر وعربي.

وحشد الصومال الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، حيث وقَّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت القاهرة بموجبه شحنتَي أسلحة لدعم مقديشو، بينما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي؛ وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار».

رئيس مجلس الشيوخ المصري خلال استقباله رئيس برلمان جيبوتي (مجلس الشيوخ المصري)

وتشهد العلاقات المصرية - الصومالية تطوراً في الفترة الحالية، أكدتها نتائج زيارتين للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للقاهرة هذا العام، (في يناير/ كانون الثاني وأغسطس الماضيين)، وقد أعلنت مصر دعمها للصومال في مواجهة التحركات الإثيوبية، وقالت إن اتفاق أديس أبابا مع إقليم (أرض الصومال)، «غير قانوني»، وأكدت على «دعم سيادة الصومال على كامل أراضيه».

في سياق ذلك، أوضح خليل أن تنوع مجالات التعاون المصري مع الصومال وجيبوتي «يجعلها أقرب إلى مراكز صنع القرار في هاتين الدولتين»، كما تسعى الحكومة المصرية إلى «توسيع تعاونها مع دول المنطقة مثل إريتريا أيضاً، من منطلق حماية مصالحها الاستراتيجية؛ كونها تؤثر بشكل مباشر على حركة الملاحة في قناة السويس».