تراجع العملات الأفريقية: موجات تضخم «قائمة»... واضطرابات «قادمة»

بعد انخفاضات قياسية في كينيا ونيجيريا وغانا

متظاهر كيني يلقي قنبلة غاز مسيل للدموع أطلقتها الشرطة خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في نيروبي (أ.ف.ب)
متظاهر كيني يلقي قنبلة غاز مسيل للدموع أطلقتها الشرطة خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في نيروبي (أ.ف.ب)
TT

تراجع العملات الأفريقية: موجات تضخم «قائمة»... واضطرابات «قادمة»

متظاهر كيني يلقي قنبلة غاز مسيل للدموع أطلقتها الشرطة خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في نيروبي (أ.ف.ب)
متظاهر كيني يلقي قنبلة غاز مسيل للدموع أطلقتها الشرطة خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في نيروبي (أ.ف.ب)

تواجه دول أفريقية عدة صعوبات اقتصادية، جراء تراجع ملموس في قيمة عملاتها المحلية أمام الدولار، ما يضاعف من تكلفة المعيشة، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، لا سيما الغذاء والطاقة؛ حيث تستورد البلدان الأفريقية نحو 60 في المائة من احتياجاتها من تلك السلع، الأمر الذي يفاقم من تداعيات التضخم، ويهدد باضطرابات داخلية وفق كثير من التقارير الدولية والمراقبين.

وتراجعت خلال النصف الأول من العام الحالي قيم العملات المحلية في أفريقيا، بنسب تراوحت بين 20 و70 في المائة، لعدة أسباب، أبرزها تراجع الاحتياطيات المحلية من النقد الأجنبي، بفعل ارتفاع تكاليف خدمة الديون البالغة 100 مليار دولار سنوياً، وزيادة أسعار الفائدة الأميركية، الأمر الذي أدى إلى ضغوط تضخمية عالية في تلك البلدان.

ويعد تضخم ديون دول البلدان الأفريقية البالغة حالياً نحو 1.1 تريليون دولار، هو العامل المشترك في الأزمة الهيكلية التي تعاني منها اقتصادات تلك الدول، فبينما تتركز 66 في المائة من ديون القارة الأفريقية في 9 بلدان تتصدرها جنوب أفريقيا بحصة 15 في المائة؛ نجد -وفقاً لصندوق النقد الدولي- أن «22 دولة أفريقية تعاني بالفعل من أعباء الديون، أو غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، وتستقطع أكثر من 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدى إلى إضعاف العملات المحلية».

وكشف تقرير لموقع «فوربس» نُشر في مطلع الشهر الحالي، أن البلدان الأفريقية «تجد صعوبة متزايدة في الحصول على العملات الصعبة لشراء الواردات، وتسديد المدفوعات للمستثمرين الأجانب»؛ مشيراً إلى أن المنطقة أصبحت «ضحية غير مقصودة لمكافحة التضخم في العالم المتقدم بعد الوباء».

ولفت التقرير إلى ارتفاع معدلات التضخم في القارة الأفريقية إلى 30 في المائة، مع ضعف عملات القارة. ونقل التقرير عن كريستوفر آدم، أستاذ اقتصاديات التنمية بجامعة أكسفورد، قوله إن «ظهور التضخم العالمي، والسياسة النقدية الصارمة الناتجة عن ذلك، كلاهما أدى إلى ارتفاع أسعار الواردات الرئيسية وتكلفة الاقتراض الخارجي بشكل حاد»، إضافة إلى ذلك، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية والأسمدة، مضيفاً أن صندوق النقد الدولي اقترح عدة خطوات يمكن أن تتخذها الحكومات للتخفيف من الآثار الواردة في توقعات الاقتصادات الأفريقية، وبخاصة جنوب الصحراء: «لكن جميعها ستتطلب تضحيات صعبة من مواطني تلك البلدان المتضررة».

ويعيش أكثر من ربع سكان أفريقيا البالغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة تحت خط الفقر، وحسب دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي، فقد تراجعت قيمة عدة عملات أفريقية محلية؛ إذ انخفضت قيمة السيدي في غانا بأكثر من 45 في المائة، ما جعلها ثالث أسوأ العملات أداءً في العالم خلال 2022، كما شهدت عملات مثل الشلن الكيني، والنيرة النيجيرية، تراجعات اقتربت من 45 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية.

وأدى تراجع العملات المحلية إلى ارتفاعات قياسية في معدلات التضخم، ما تسبب في إطلاق موجة من الاحتجاجات الشعبية في بعض بلدان القارة. ففي كينيا انطلقت خلال مارس (آذار) الماضي موجة من الاحتجاجات التي تقودها المعارضة، للاعتراض على ارتفاع تكلفة المعيشة، والمطالبة بعودة الدعم المرفوع عن السلع الأساسية.

وتعاني كينيا أزمة اقتصادية جراء ارتفاع تكلفة الدَّين، إذ تقوم الحكومة بإجراءات تقشف لإدارة أزمة سداد الديون المتصاعدة، مما يثير غضباً شعبياً، وتمثل القروض الصينية ما يقرب من 64 في المائة من رصيد كينيا الحالي من الدين الخارجي، بواقع 6.3 مليار دولار، وفق أحدث تقرير حكومي صادر في مارس الماضي.

من جهة أخرى، أفادت وكالة الإحصاء الوطنية في زيمبابوي، بأن التضخم في البلاد بلغ 268 في المائة سنوياً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ لكن تقديرات غير رسمية تشير إلى بلوغه 417 في المائة.

وتراجع الراند الجنوب أفريقي لأقل مستوياته منذ 3 سنوات، في الوقت الذي ارتفع فيه العائد على السندات المحلية، مع استمرار أزمة نقص إمدادات الكهرباء، مما أدى إلى تدهور النظرة المستقبلية لاقتصاد جنوب أفريقيا، صاحبة أكبر اقتصاد صناعي في القارة. واشتدت حدة أزمة نقص الكهرباء في جنوب أفريقيا خلال السنوات الأخيرة؛ حيث سجلت البلاد انقطاعات متكررة للكهرباء على مدى 16 شهراً متتالية، ووصلت مدة الانقطاع إلى 12 ساعة يومياً في بعض الحالات، الأمر الذي تسبب في احتجاجات شعبية.

وتعاني نيجيريا من أزمة اقتصادية تؤثر بشكل أساسي على القدرة الشرائية للأفراد، وسط نقص لبعض المواد الأساسية، وتراجع لقدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها في ظل تضخم كلفة الدين. وتكافح الحكومة النيجيرية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، بعدما أعلنت عجزها عن تسديد متأخرات تصل إلى 50 مليار دولار من إجمالي ديونها البالغة 102 مليار دولار. ورفعت الحكومة النيجيرية الأسبوع الماضي أسعار الوقود، واضطرت إلى الإعلان عن توزيع كميات كبيرة من القمح على الأسر الأشد احتياجاً مجاناً، لتهدئة الانتقادات الشعبية جراء زيادة أسعار الطاقة.

ويرى فريدريك نوابوفو، الكاتب والباحث الاقتصادي النيجيري، أن قضية توفير الغذاء والأزمات التي تواجه كثيراً من الدول الأفريقية في هذا الصدد باتت «قضية أمن قومي، وليست مشكلة اقتصادية». وأوضح نوابوفو لـ«الشرق الأوسط» أن قرار الحكومة الفيدرالية في نيجيريا نقل الإشراف على جميع الأمور المتعلقة بتوفر الغذاء والمياه والقدرة على تحمل التكاليف، لتكون ضمن اختصاص مجلس الأمن القومي: «لم يأتِ من فراغ؛ بل جاء نتيجة استشعار خطورة الموقف، وتأثير استمرار تلك الأزمات على الاستقرار الداخلي».

ويخلص الباحث الاقتصادي النيجيري إلى القول إن «الجوع هو العنف»؛ مشيراً إلى أن «كثيراً من الاضطرابات ومصائب التاريخ انفجرت بسبب الجوع الذي يطلق موجات لا هوادة فيها من الفوضى»، ويستشهد بأن الجوع كان المحفز الرئيسي لاندلاع الثورة الفرنسية عام 1788، وفي عام 2018 قلبت «ثورة الخبز» في السودان أوضاع البلاد رأساً على عقب إلى الآن.

من جانبه، يرى الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي المصري، أن انخفاض قيمة العملة «ليس شراً بحد ذاته»، فالدول التي لديها قدرات تصديرية كبيرة تستفيد منه في زيادة مزايا منتجاتها التنافسية؛ لكن الأمر ينقلب إلى العكس مع الدول الأكثر استيراداً، وهو ما ينطبق على معظم الدول الأفريقية.

وأضاف عبده لـ«الشرق الأوسط» أن انعكاس كثير من الأزمات الداخلية المتمثلة في عدم الاستقرار السياسي والأمني وهشاشة البنية الاقتصادية لكثير من دول القارة، أدى إلى مضاعفة تأثيرات الأزمات الخارجية، فتراجعت قيمة العملات المحلية نتيجة الاعتماد على الاستيراد؛ إذ تستورد دول القارة سنوياً سلعاً بنحو 700 مليار دولار، بما في ذلك المواد الغذائية، ويتم تسعير أكثر من ثلثي الواردات بالدولار الأميركي لمعظم دول المنطقة، ومع ارتفاع تكلفة تلك السلع بعد الحرب الروسية الأوكرانية، دخل كثير من دول القارة في أزمات «بالغة التعقيد».

وأوضح الخبير الاقتصادي المصري أن تراجع الموارد من السياحة والاستثمار أدى كذلك إلى مفاقمة الأزمة، فنتيجة غياب الاستقرار الداخلي، وانخفاض الرغبة في المخاطرة بالأسواق العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، اندفع المستثمرون بعيداً عن المنطقة نحو سندات الخزانة الأميركية الأكثر أماناً والأعلى ربحاً.


مقالات ذات صلة

غانا: تدريب قوات الكوماندوز براً وبحراً لمحاربة الإرهابيين

العالم غانا: تدريب قوات الكوماندوز براً وبحراً لمحاربة الإرهابيين

غانا: تدريب قوات الكوماندوز براً وبحراً لمحاربة الإرهابيين

قفز جنود يرتدون ملابس سوداء من زوارق بخارية بالقرب من منتجع على ضفاف النهر، وشقوا طريقهم على طول سياج خشبي صوب هدف محدد، هو مبنى احتجز فيه إرهابيون مسؤولا حكوميا رفيع المستوى. تردد دوي طلقات الرصاص ورد الجنود بفتح النيران، وسرعان ما خرج الجنود من المبنى المكون من طابق واحد ومعهم الرهينة المفرج عنه، والذي كان يرتدي رداء أبيض ملطخا بالدماء.

أفريقيا زراعة الكاكاو في كوت ديفوار (موقع وزارة التنمية الألمانية)

ألمانيا تعزز نفوذها التجاري في غرب أفريقيا

فيما فُسرت بأنها محاولة ألمانية لـ«تعزيز نفوذها التجاري» في غرب أفريقيا، بدأ وزيرا العمل والتنمية الألمانيان اليوم (الاثنين)، جولة أفريقية تشمل غانا وكوت ديفوار، تستهدف العمل من أجل إنتاج «عادل» للكاكاو والمنسوجات في دول غرب أفريقيا. وقالت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه، في تصريحات قبيل الجولة نقلتها عنها وكالة الأنباء الألمانية، إن «الجولة الأفريقية تأتي مع دخول قانون سلاسل التوريد الألماني حيز التنفيذ، ما يعطي أهمية لمساعدة المواطنين في غرب أفريقيا بوصفهم في بداية سلسلة التوريد».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شؤون إقليمية صورة لوصول جثمان الغاني أتسو إلى أكرا (رويترز)

وصول جثمان أتسو جناح غانا إلى أكرا

وصل جثمان كريستيان أتسو؛ جناح منتخب غانا لكرة القدم، إلى أكرا مساء يوم الأحد، بعد يوم من العثور عليه تحت أنقاض المبنى الذي كان يسكنه بعدما دمره زلزال تركيا الذي ضرب جنوب البلاد بقوة 7.8 درجة. وكان أتسو (31 عاماً) في عداد المفقودين بعد انهيار المبنى السكني في هاتاي منذ 6 فبراير (شباط) الحالي. وكان نائب رئيس غانا، محمدو باوميا، على رأس مستقبلي نعش اللاعب المغطى بعلم البلاد في مطار كوتوكو الدولي بالعاصمة أكرا. وقال مدير نادي هاتاي سبور إن أتسو تراجع عن مغادرة تركيا قبل ساعات من الزلزال المدمر بعدما سجل هدف الفوز لفريقه المنافس على لقب الدوري التركي لكرة القدم. وسجل لاعب غانا السابق هدف الفوز 1 -

«الشرق الأوسط» (أكرا)
العالم مجموعة من اللاجئين الفارين من العنف في بوركينا فاسو (مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)

غانا تتعهد بمواجهة أي «تمدد إرهابي» محتمل في أراضيها

مع استمرار تنامي النفوذ الإرهابي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، تحاول غانا بدء المواجهة مبكراً من أراضي بوركينا فاسو المجاورة؛ حيث تعاني غانا ودول أخرى في المنطقة من هروب اللاجئين البوركينابيين إلى أراضيها، وسط أوضاع اقتصادية سيئة تعصف بالمنطقة برمتها، يفاقمها تمدد العنف. وخلال لقاء بوزير المالية الألماني، قال الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو، الأحد: «نتحدث عن عدد كبير من الأشخاص الذين يتجهون بالفعل جنوباً نتيجة للصعوبات في بوركينا فاسو...

العالم رئيس غانا نانا أكوفو أدو خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

«فاغنر» تُفجّر سجالاً بين غانا وبوركينا فاسو

فجّرت شركة «فاغنر» الروسية سجالاً واسعاً، على مدار الأيام الماضية، بين غانا وبوركينا فاسو، بسبب اتهامات تتعلق بمنح واغادوغو أحد المناجم المهمة، إلى الشركة الأمنية الروسية مقابل خدماتها هناك. ورغم النفي البوركيني الرسمي، فإن صدى واسعاً أحدثته تلك الاتهامات. وكان رئيس غانا نانا أكوفو أدو، عبّر عن قلقه من التواجد الأمني الروسي المتنامي في بوركينا فاسو، قائلاً، إن «الجنود الروس باتوا متمركزين عند حدود بلاده الشمالية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
TT

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)
مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوات العسكرية والقوات شبه العسكرية المتحاربة في السودان، أمس الثلاثاء، بـ«تمكين المجازر» التي أودت بحياة أكثر من 24 ألف شخص، وخلفت أسوأ أزمة نزوح في العالم.

وقالت ديكارلو، لمجلس الأمن الدولي: «هذا أمر لا يمكن تصوره». وأضافت: «إنه غير قانوني، ويجب أن يتوقف»، وفق ما نقلت «وكالة الأنباء الألمانية».

ولم تُسمِّ الدول التي تقول إنها تُموّل وتُزوّد بالأسلحة الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» شبه العسكرية، لكنها قالت إن هذه الدول تتحمل مسؤولية الضغط على الجانبين للعمل نحو تسوية تفاوضية للصراع.

وانزلق السودان في الصراع، منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، عندما اندلعت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين القادة العسكريين والقادة شبه العسكريين في العاصمة الخرطوم، وانتشرت إلى مناطق أخرى، بما في ذلك غرب دارفور، التي عانت العنف والفظائع في عام 2003. وحذّرت «الأمم المتحدة» مؤخراً من أن البلاد على حافة المجاعة.