تمكين النساء اليمنيات: طموحات واسعة تصطدم بكارثية الواقع

في مواجهة الإقصاء والتهميش والنزوح والعنف والتطرف

حظي قرار تعيين 8 نساء في مواقع قيادية قضائية بترحيب واسع في الأوساط النسوية (إعلام حكومي)
حظي قرار تعيين 8 نساء في مواقع قيادية قضائية بترحيب واسع في الأوساط النسوية (إعلام حكومي)
TT

تمكين النساء اليمنيات: طموحات واسعة تصطدم بكارثية الواقع

حظي قرار تعيين 8 نساء في مواقع قيادية قضائية بترحيب واسع في الأوساط النسوية (إعلام حكومي)
حظي قرار تعيين 8 نساء في مواقع قيادية قضائية بترحيب واسع في الأوساط النسوية (إعلام حكومي)

بينما تحصل بعض النساء اليمنيات على فرص لتمكينهن سياسياً واقتصادياً، يتسبب الصراع بمضاعفة معاناة الغالبية العظمى منهن، وحرمانهن من مكتسبات كانت بدأت تتحقق قبل حدوث الانقلاب واندلاع الحرب، اللذين زادا تهميش المرأة ورفعا منسوب العنف ضدها، وتملك الحكومة خططاً لمعالجة تلك الأوضاع القاسية.

ومنذ قرابة الشهر، حذّرت قمة نسوية، أقيمت في العاصمة المؤقتة عدن، مما تتعرض له المرأة اليمنية من انتهاكات ومحاكمات غير قانونية، منبهة إلى تراجع الاهتمام بقضايا وحقوق المرأة منذ عام 2015 نتيجة لظروف الانقلاب والحرب الحوثيين، بالتزامن مع حملة الأيام العالمية الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة. وصدر مرسوم رئاسي بتعيين 8 قاضيات في عضوية المحكمة العليا في اليمن في سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي عدته الأوساط المدنية والنسوية منجزاً كبيراً للمرأة اليمنية برغم الحرب ورفض قوى متطرفة، تعارض تولي النساء مناصب قيادية، خصوصاً تلك المرتبطة بالقضاء.

اضطرت النساء في اليمن إلى القيام بأدوار إعالة أسرهن بسبب ظروف الحرب والنزوح (إعلام حكومي)

وأخيراً، أوضحت دراسة عربية أنه لا توجد مشكلات من الناحية القانونية والشرعية من تمكين النساء اليمنيات من الحصول على الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن المشكلة تكمن في التطبيق على الواقع، مطالبة الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات المتخصصة في قضايا النساء باتخاذ الإجراءات والمواقف اللازمة لتفعيل تلك القوانين وتحقيقها في الواقع.

الدراسة الصادرة عن المعهد العربي للتدريب والبحوث الإحصائية ومجلة البحوث الإحصائية، كشفت ضعف قطاع الأعمال النسائي، حيث تبلغ الأصول المالية للنساء المساهمات في قطاع الأعمال 11 في المائة فقط، لتدعو إلى توفير الدعم وتمكين النساء من الحصول على تمويل لازم يمكنهن من الحصول على الأصول المادية التي تدر عليهن دخولاً كافية.

وتوصلت الدراسة إلى أن النساء في الحضر أكثر تمكيناً من النساء في الريف بسبب توفر مجموعة من العوامل في الحضر، مثل التعليم، والخدمات الصحية، وخدمات البيئة الأساسية، موصية بتطوير البنية الأساسية في الريف، وخاصة خدمات التعليم.

النساء وفاتورة الحرب

وجد الباحثون أن 44 في المائة من الأسر المبحوثة كانت تحت مستوى خط الفقر، ما يعدّ مؤشراً على نسبة الفقراء داخل المجتمع لدى هذه الأسر، ليطالبوا بناء على ذلك الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بالعمل على استغلال الموارد الاقتصادية المتوفرة في المجتمع، وإتاحة مزيد من فرص العمل، ورفع مستوى التدريب والتأهيل للنساء حتى يصبحن قادرات على استغلال فرص العمل القائمة، والمستقبلية.

تقف الجماعات المتشددة، ومنها الجماعة الحوثية، ضد مطالب تمكين نساء اليمن (رويترز)

تقول ماريا راشد، مديرة إدارة الإعلام في اللجنة الوطنية للمرأة، إن سنوات الصراع التسع في اليمن فرضت المعاناة والتراجع على المجتمع برمته، وكان للنساء جزء كبير من هذا التراجع الذي شمل التمكين الاقتصادي والسياسي، إلا أنهن لم يستسلمن، وساهمت الناشطات المجتمعيات في تطبيع الحياة، خصوصاً خلال أزمة «كورونا».

وأكدت راشد تأثر وضع النساء بسبب تراجع الوعي بأهمية مشاركة المرأة، فالوعي والفكر لدى أفراد المجتمع تراجعا كثيراً، خاصة في أوساط الشباب ممن نشأوا في ظل ظروف الحرب وتنامي ثقافة الكراهية والعنف، كنتيجة حتمية لطول بقاء الصراع وارتفاع معدلات الجريمة.

وتضيف ماريا أن الوجود السياسي للنساء في مواقع صنع القرار وفي التشكيلات الحكومية المتتالية تراجع خلال فترة الحرب وتعطل البرلمان، إلى جانب أن النساء أكثر من دفع فاتورة الحرب بنزوح مليوني امرأة، وارتفاع نسب الأمية، وتسرب الفتيات من التعليم، وإصابة ما يقارب 1600 امرأة بالألغام، وغيرها من الانتهاكات التي طالت المرأة أثناء الحرب.

تسببت الحروب وظروف النزوح في تسرب الفتيات اليمنيات من الدراسة (الأمم المتحدة)

وتوقف عمل اللجنة منذ بدء الحرب، ليُعاد تفعيلها في العاصمة المؤقتة عدن في عام 2020، وكان ثمة دور كبير للمنظمات الإقليمية والدولية في مساعدة النساء في مرحلة الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية للنساء، وعملت الحكومة أيضاً على إنشاء مكاتب خاصة للشرطيات في بعض المحافظات المحررة، وفقاً لمديرة إعلام اللجنة.

إنجازات وتحديات

تسعى اللجنة الوطنية للمرأة لإقرار استراتيجية بهدف تمكين النساء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتتضمن سياسات لمساعدة النساء النازحات للعودة إلى ديارهن بعد أن هُجرن قسرياً، ولمعالجة الوضع الصحي للنساء نحو الأمومة الآمنة وعودة الفتيات إلى المدارس.

وتؤكد إشراق هائل، مديرة مركز بحوث ودراسات تنمية المرأة في جامعة تعز، أن المرأة حققت كثيراً من المكتسبات قبل وقوع الانقلاب والحرب، وأن الفترة الانتقالية التي سبقتها، والتي امتدت لـ3 أعوام، كانت تبشر بتعزيز مكانة ودور المرأة، إلا أنه بعد 9 سنوات من الحرب عادت المرأة اليمنية عشرات الخطوات إلى الوراء، وتعرضت للإقصاء وللتهميش.

وأشادت هائل بقدرة المرأة اليمنية على إثبات ذاتها في زمن الصراع، إذ إنها واجهت الظروف الصعبة بكل قوة، وأصبحت هي الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها دخل الأسرة بعد التدهور الاقتصادي في البلاد، فشقّت الطريق بمشاريع صغيرة أو أعمالٍ تقوم بها من أجل إعالة أسرتها.

تواجه النساء في اليمن قيوداً مجتمعية لا تعترف بها التشريعات المحلية التي يصعب تنفيذها (أ.ف.ب)

واستطاعت النساء تعزيز انخراطهن في أعمال كانت حتى وقت قريب حكراً على الرجال، وفقاً للأكاديمية في جامعة تعز، حيث استطاعت النساء افتتاح كثير من المشاريع التجارية المختلفة، برغم أن هذه الفرص لا تتناسب مع طموحاتهن، ويظل غيابهن الحالي عن المشهد السياسي يؤثر سلباً على المجتمع.

وتعد هائل مشاركة النساء في الفعاليات السياسية، مثل المفاوضات واللجان التي يجرى تشكيلها والتعيينات، انتصاراً للمرأة اليمنية، فالنساء هن من يدفعن الثمن نتيجة الحرب والصراع في اليمن، وهن أيضاً صاحبات دور هام في بناء السلام.

وانتقدت دعوات استبعاد المرأة من عمليات السلام، بما في ذلك مفاوضات وقف إطلاق النار وغيرها من المبادرات، على أساس الافتقار الملحوظ للقدرات، باعتبارها حججاً واهية تنقضها إنجازات المرأة اليمنية وتجاربها المكثفة كصانعة سلام.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.