المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

محكمة جنوب طرابلس أقرت بـ«بطلان جلسة انتخابات رئاسة مجلس الدولة»

تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)
تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)
TT

المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)
تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)

دخلت تعقيدات الصراع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا منطقة تبادل الاتهامات بين خالد المشري ومحمد تكالة، المتنازعين على قيادة هذا الجسم الاستشاري بطرابلس العاصمة، وهو ما عدّه متابعون «تكريساً لانقسامه؛ ما لم يتم التوصل إلى حل».

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وفي تصعيد جديد على مسار الأزمة بينهما، اتهم المشري غريمه تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس»، وذلك عقب حكم أصدرته محكمة استئناف جنوب طرابلس، الأربعاء، بـ«بطلان وعدم صحة جلسة انتخابات رئاسة مجلس الدولة، وقبول الطعن المقدم من رئيس المجلس السابق محمد تكالة».

وبدأ النزاع على رئاسة المجلس الأعلى في السادس من أغسطس (آب) الماضي، عندما أُعلن فوز المشري على تكالة بفارق صوت واحد، مع وجود ورقة انتخابية كُتب عليها اسم الأخير من الخلف، لكن اللجنة القانونية للمجلس حسمت فيما بعد الأمر لصالح المشري، الذي تمكن من السيطرة على مقر المجلس بالعاصمة وصفحته الرسمية على «فيسبوك».

وعُقدت جلسة رسمية، حضرها 77 عضواً، صوّت 67 منهم على اعتماد رأي اللجنة القانونية بالمجلس بصحة فوزه بالرئاسة، وعَدِّ ورقة الانتخاب محل الجدل ملغاة، فيما اتجه تكالة للقضاء.

وعدّ المشري الحكم بأنه «صدر عن دائرة غير مختصة بالنظر في المسائل الدستورية»، لافتاً إلى أن قانون المحكمة العليا رقم 6 لسنة 1982 «ينص في مادته (31) على أن تكون المبادئ القانونية، التي تقررها المحكمة العليا في أحكامها، ملزمة لجميع المحاكم والجهات الأخرى كافة في ليبيا».

المشري اتهم تكالة بممارسة كل أشكال التعسف ضد أعضاء المجلس (الشرق الأوسط)

وزاد المشري من اتهاماته لتكالة قائلاً إنه «يمارس هو وداعموه طيلة المدة الماضية كل أشكال التعسف ضد أعضاء المجلس، وذلك بإسقاط عضوية بعضهم ومنحها لمن لا يستحقها، والحيلولة دون انعقاد المجلس».

وطرحت الأزمة بين طرفي النزاع تساؤلات عدة حول مصير المجلس مستقبلاً، وهل سيتوقف الأمر عند هذه النقطة من الانقسام؟ أم أن الأمر قد يتطور إلى تصعيد مسلح؟

ويرى سياسيون ليبيون أن الحكم الصادر، الأربعاء، «قد يتعارض مع ما صدر عن المحكمة العليا؛ التي أكدت اختصاص الدائرة الدستورية بالنظر في أي مخالفة للنظام الداخلي للسلطة التشريعية، والأجسام المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي». وتتفق وجهة النظر هذه مع ما ذهب إليه المشري.

وأوضح هؤلاء السياسيون أن الصراع على رئاسة المجلس الأعلى يحتاج إلى «تقديم تنازلات، وتفهّم لأوضاع ليبيا من طرفي النزاع وأنصارهما، وإلا لأصبح في البلاد جسم آخر منقسم».

اتهام الدبيبة بـ«الوقوف خلف تكالة في نزاعه مع المشري بقصد تفتيت المجلس» (الوحدة)

ووجه أحد الأعضاء المقربين من جبهة المشري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أصابع الاتهام إلى الدبيبة بـ«الوقوف خلف تكالة في نزاعه مع المشري بقصد تفتيت المجلس، ومنعه من التوافق مع مجلس النواب». غير أن حكومة الدبيبة سبق أن رفضت مثل هذه الاتهامات، ورأت أنها «بعيدة» عن تجاذبات تكالة والمشري.

ونص حكم الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف جنوب طرابلس على قبول الطعن، الذي تقدم به تكالة شكلاً ضد المشري، وفي الشق المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتاً لحين الفصل في الموضوع.

ويعتقد المشري أن الحكم الصادر من محكمة استئناف جنوب طرابلس «موصوم بالعدم»، داعياً إلى «تقديم أحكام المحكمة العليا ومبادئها على ما سواها». لكن جبهة تكالة ترى أنه «استولى على مقر المجلس من دون وجه حق».

تكالة اتهم المشري بـ«الاستيلاء» على الصفحة الرسمية للمجلس عبر موقع «فيسبوك» (إ.ب.أ)

وسبق لتكالة أن اتهم المشري بـ«الاستيلاء» على الصفحة الرسمية للمجلس عبر موقع «فيسبوك»، وقال إن الصفحة تعرضت لـ«عملية قرصنة».

وتجسد أول أشكال الانقسام في عقد جلستين للمجلس الأعلى للدولة: الأولى تابعة للمشري في مقره الرئيسي، والثانية دُعي إليها من طرف أنصار تكالة في فندق المهاري، وسط مخاوف من تزايد الأجسام المنقسمة في ليبيا، بالإضافة إلى وجود حكومتين متنازعتين على السلطة.

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس غرباً، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية، وبعض مناطق بالجنوب برئاسة أسامة حماد، وتمارس مهامها من شرق ليبيا.

ستيفاني خوري شددت على الحاجة إلى حل للحفاظ على وحدة المجلس (أ.ف.ب)

وفي أعقاب الأزمة، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني خوري، إنها تحدثت مع المشري وتكالة، كل على حدة، بشأن أهمية الحفاظ على وحدة المجلس الأعلى للدولة، مشددة على «الحاجة إلى حل للحفاظ على وحدة المجلس، ومنع أي انقسامات أخرى في المؤسسات في ليبيا».


مقالات ذات صلة

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة المصرف المركزي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، التوصل إلى تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة إدارة المصرف المركزي الذي يشهد تنازعاً على السلطة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية (المجلس الرئاسي)

​توقعات بحسم أزمة المصرف المركزي الليبي

وسط توقعات بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي خلال اجتماع ممثلي مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» برعاية أممية في العاصمة طرابلس

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا بات جُلّ الليبيين يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية

أغلقت السلطات المحلية سوق المشير، مساء الاثنين الماضي، سعياً للتحكم في سعر صرف الدولار بالسوق الموازية.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا سوق المشير لبيع وشراء الدولار بالعاصمة الليبية طرابلس قبل إغلاقه (جمال جوهر)

ليبيا: سلطات طرابلس لمواجهة «السوق السوداء» للدولار

صعّدت السلطات الأمنية بالعاصمة الليبية مواجهة المضاربات على الدولار في «السوق السوداء»، وأقدمت على إغلاق محال بيع وشراء العملات الأجنبية في سوق المشير.

جمال جوهر (القاهرة)

صراع «القرن الأفريقي»... نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»... نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق واضح للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة، إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضرّ بحركة التجارة العالمية أيضاً.

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، اعترفت بموجبه أديس أبابا باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، ولا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، برغم أنه لم يحظَ باعتراف دولي منذ أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991.

عارضت مقديشو الاتفاق، ووقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع، قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية ومؤسسات دولية أخرى دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، وحذّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة، في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «ماحدش (لا أحد) يجرب مصر».

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، ووقّع في 21 فبراير (شباط) اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى 5 قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدّد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحلّ الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الحالي.

ومع تصاعد الأزمة، وقّع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكرياً في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل، اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه «يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال».

وردّ وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

الصراع الحالي ليس إلا «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة حيث يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها».

وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي الباحث السياسي، أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى «المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب»، وتحديداً «حركة الشباب»، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشاكل الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية. وهي تحديات ليست ببعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية بما في ذلك صراع تيغراي إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

وتحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب، من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر، وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الآريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما يسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحدث آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال لشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك، في حديث له مع «الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من 10 سنوات، بسبب «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيس لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

والتدخل المصري في الأزمة الصومالية يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة».

بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة»، لا يستطيع، في الوقت نفسه، استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة، واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإرتيري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

واحتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، ولا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد يؤدي إلى إشعال مزيد من الصراعات». ويقول: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة في ما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة». ويشير إلى أن «أديس أبابا لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة، من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً، «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حلّ الصراع بمفردها.

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، «بحيث قد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذّر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لـ«معهد إنتربرايز» الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».