حكومتا ليبيا تلتزمان الصمت حيال اتهام أميركي بـ«الإنفاق دون رقابة»

تحدث عن «فشل في تلبية الحد الأدنى من متطلبات الشفافية المالية»

أعضاء «اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» برئاسة المحافظ الجديد بمقر «المركزي» بطرابلس (المصرف)
أعضاء «اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» برئاسة المحافظ الجديد بمقر «المركزي» بطرابلس (المصرف)
TT

حكومتا ليبيا تلتزمان الصمت حيال اتهام أميركي بـ«الإنفاق دون رقابة»

أعضاء «اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» برئاسة المحافظ الجديد بمقر «المركزي» بطرابلس (المصرف)
أعضاء «اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» برئاسة المحافظ الجديد بمقر «المركزي» بطرابلس (المصرف)

التزمت السلطات الليبية بشرق البلاد وغربها الصمت حيال التقرير السنوي، الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، والذي اتهم السلطات بـ«الإنفاق دون رقابة»، والفشل في تلبية الحد الأدنى من متطلبات الشفافية المالية، وفقاً للمعايير المطبقة في التقرير العالمي الذي يفرضه «الكونغرس».

وتواكب صدور هذا التقرير السنوي للشفافية المالية لعام 2024، مع زيارة يجريها بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، إلى واشنطن، التقى خلالها خبراء مختصين بالشأن الليبي في وزارة الخارجية الأميركية.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» الوطنية المؤقتة (الوحدة)

وقالت الخارجية الأميركية إن ليبيا، وعلى غرار السنوات الماضية، «فشلت في تلبية الحد الأدنى من متطلبات الشفافية المالية، وفقاً للمعايير المطبقة في هذا التقرير العالمي»، وحثت القادة الليبيين على «ضمان إنفاق الأموال العامة بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة»، من خلال التوصل إلى «حل وسط بشأن التوزيع العادل لعائدات النفط الليبية، ووضع ميزانية موحدة، والإفصاح علناً عن كيفية استخدام الإيرادات العامة، خاصة في ظل الأزمة الحالية، التي يمر بها مصرف ليبيا المركزي، والتي تزيد من أهمية هذه الأولويات أكثر من أي وقت مضى».

واجهة البنك المركزي في طرابلس (رويترز)

وأشارت الخارجية إلى أن الانقسامات السياسية الداخلية «استمرت في منع الحكومة من تنفيذ عمليات الميزانية العادية، الأمر الذي أثر سلباً على الشفافية المالية، وعمليات الحكومة»، مضيفة أن حكومة «الوحدة الوطنية» التي تتخذ من طرابلس مقراً لها «لم تنشر مقترحاً للميزانية التنفيذية، فضلاً عن تخصيص وصرف الأموال دون إشراف في غياب موافقة البرلمان»، الذي يترأسه عقيلة صالح، ويمارس مهامه من مدينة بنغازي (شرق).

واقترح التقرير مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تتخذها ليبيا لتحسين الشفافية المالية، أبرزها نشر وثائق الميزانية في مدة زمنية معقولة، ووفقاً للمبادئ المقبولة دولياً، والكشف في وثائق ميزانيتها عن المعلومات المتعلقة بالتزامات الديون، بما في ذلك ديون الشركات الكبرى المملوكة للدولة، مع ضمان أن تكون وثائق الميزانية قابلة للمقارنة من سنة إلى أخرى.

كما اقترح كذلك إخضاع الميزانيات العسكرية والاستخباراتية للرقابة البرلمانية، أو المدنية العامة، وضمان أن المؤسسة العليا للرقابة المالية والمحاسبة تفي بالمعايير الدولية للاستقلال، وضمان إفصاح صندوق الثروة السيادية عن البيانات المالية واستراتيجية الاستثمار.

توماس هيل مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام وبلقاسم حفتر في واشنطن (صندوق إعمار درنة)

وفي ظل تجاذبات محلية بشأن طبيعة زيارة بلقاسم حفتر إلى واشنطن، وهل جاءت بناء على دعوة رسمية أم لا، قالت السفارة الأميركية لدى ليبيا إنه كان «من دواعي سرور الخبراء الإقليميين المختصين بالشأن الليبي في وزارة خارجيتها، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أن يلتقوا في واشنطن بالمهندس بلقاسم حفتر بناءً على طلبه».

وأضافت السفارة عبر حسابها على منصبة «إكس» أنه «بالتعاون مع زملائنا في واشنطن، ستواصل سفارة الولايات المتحدة في ليبيا التواصل مع الفاعلين الأساسيين في جميع أنحاء البلاد، بهدف تعزيز الاستقرار، والمساعدة في إعادة الإعمار، والمضي قدماً في تحقيق الازدهار».

ونقل «صندوق إعادة إعمار درنة»، الذي يترأسه بلقاسم، أنه التقى في واشنطن توماس هيل، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام. وقال المكتب الإعلامي للصندوق إن الجانبين ناقشا عدة ملفات، وصفها بـ«المهمة»، كما بحثا سبل تعزيز التعاون بين معهد الولايات المتحدة للسلام وصندوق التنمية والإعمار لتعزيز الشراكة في مجالات مشتركة.

وكان الصندوق قد أوضح أن «المحادثات الرسمية التي يجريها بلقاسم في واشنطن تشمل التحضيرات للمنتدى الأميركي - الليبي للتنمية والإعمار المزمع عقده قريباً».

عملية إجلاء عالقين من مجرى السيل بغرب ليبيا (وحدة الإنقاذ البحري كعام - زليتن)

في غضون ذلك، انشغلت سلطات غرب ليبيا بتحذيرات تتعلق بهطول أمطار غزيرة، تسببت في جريان أودية، صباح الجمعة، فيما تشهد ليبيا مناخاً متقلباً منذ الشهر الماضي، تسبب في وقوع سيول، وتضرر بعض المناطق بعموم البلاد.

وتحدثت مديرية أمن النواحي الأربع، الجمعة، عن «جريان وادي الخروع عبر مجرى وادي المجنيين، نتيجة هطول أمطار غزيرة بالمناطق الجبلية»، ودعت المواطنين القاطنين بمحاذاة الوادي وسائقي المركبات أخذ الحيطة والحذرـ وتجنب المرور بالطرق التي تعبر مجرى الوادي.

إنقاذ عالقين في مجرى سيل بغرب ليبيا (وحدة الإنقاذ البحري كعام - زليتن)

من جهة ثانية، عقدت «اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، اجتماعاً بمقر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، مساء الخميس، برئاسة محافظ المصرف المكلف، عبد الفتاح عبد الغفار، وبحضور كل أعضاء اللجنة.

وبحث الاجتماع العديد من الملفات المتعلقة بعمل اللجنة، وآلية تطوير البنية التحتية المعنية بالتقنيات المتخصصة، بالإضافة إلى دور اللجنة لدعم الأطر التشريعية، التي من شأنها ضمان فاعلية جهود مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وتعزيز سبل التواصل بين جميع الأطراف المعنية.


مقالات ذات صلة

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)

المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

في تصعيد جديد على مسار الصراع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اتهم خالد المشري غريمه محمد تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة المصرف المركزي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، التوصل إلى تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة إدارة المصرف المركزي الذي يشهد تنازعاً على السلطة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية (المجلس الرئاسي)

​توقعات بحسم أزمة المصرف المركزي الليبي

وسط توقعات بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي خلال اجتماع ممثلي مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» برعاية أممية في العاصمة طرابلس

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا بات جُلّ الليبيين يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية

أغلقت السلطات المحلية سوق المشير، مساء الاثنين الماضي، سعياً للتحكم في سعر صرف الدولار بالسوق الموازية.

جاكلين زاهر (القاهرة)

صراع «القرن الأفريقي»… نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»… نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق واضح للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة، إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضرّ بحركة التجارة العالمية أيضاً.

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، اعترفت بموجبه أديس أبابا باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، ولا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، برغم أنه لم يحظَ باعتراف دولي منذ أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991.

عارضت مقديشو الاتفاق، ووقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع، قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية ومؤسسات دولية أخرى دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، وحذّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة، في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «ماحدش (لا أحد) يجرب مصر».

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، ووقّع في 21 فبراير (شباط) اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى 5 قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدّد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحلّ الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الحالي.

ومع تصاعد الأزمة، وقّع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكرياً في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل، اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه «يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال».

وردّ وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

الصراع الحالي ليس إلا «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة حيث يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها».

وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي الباحث السياسي، أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى «المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب»، وتحديداً «حركة الشباب»، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشاكل الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية. وهي تحديات ليست ببعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية بما في ذلك صراع تيغراي إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

وتحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب، من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر، وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الآريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما يسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحدث آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال لشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك، في حديث له مع «الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من 10 سنوات، بسبب «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيس لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

والتدخل المصري في الأزمة الصومالية يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة».

بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة»، لا يستطيع، في الوقت نفسه، استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة، واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإرتيري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

واحتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، ولا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد يؤدي إلى إشعال مزيد من الصراعات». ويقول: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة في ما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة». ويشير إلى أن «أديس أبابا لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة، من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً، «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حلّ الصراع بمفردها.

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، «بحيث قد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذّر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لـ«معهد إنتربرايز» الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».