تونس لانفتاح أوسع على الصين في مشاريع البنية التحتية

أبرزها قطار سريع يربط بين شمال البلاد وجنوبها

الرئيس التونسي في لقاء سابق مع نظيره الصيني في بكين (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي في لقاء سابق مع نظيره الصيني في بكين (إ.ب.أ)
TT

تونس لانفتاح أوسع على الصين في مشاريع البنية التحتية

الرئيس التونسي في لقاء سابق مع نظيره الصيني في بكين (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي في لقاء سابق مع نظيره الصيني في بكين (إ.ب.أ)

قالت الرئاسة التونسية، الأربعاء، إن الصين ستتولى تشييد مشاريع كبرى في البنية التحتية، من بينها مدينة صحية في القيروان وسط تونس، في مؤشر على زيادة الحضور للشريك الصيني.

وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية، فقد أفادت الرئاسة بتوقيع مذكرة تفاهم مع الصين لإنجاز مشروع المدينة الصحية، الذي عرضه الرئيس قيس سعيد منذ صعوده إلى الحكم في 2019، لكنه افتقر إلى التمويلات اللازمة. ووقعت تونس في مايو (أيار) الماضي اتفاقاً لإقامة علاقات شراكة استراتيجية مع الصين، في زيارة دولة كان قد أداها الرئيس سعيد إلى بكين.

وأضافت الرئاسة أن المشاريع المعلنة هي تجسيد للاتفاق. وترتبط تونس بشراكات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعد شريكها الاقتصادي والتجاري الأول. لكن مع تفاقم التوتر بعد خطوة الرئيس سعيد بحل النظام السياسي في 2021، ووضع مؤسسات بديلة، بدأت تونس خطوات من أجل انفتاح أوسع مع الشريك الصيني، الأقل تدخلاً في السياسات الوطنية.

ويأتي الإعلان عن مشاريع التعاون بينما يستعد الرئيس سعيد لخوض السباق الرئاسي في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من أجل ولاية ثانية، وسط اتهامات من خصومه من المعارضة بالسعي للهيمنة على الحكم. ومن بين المشاريع الأخرى، التي تحدثت عنها الرئاسة التونسية، مشروع القطار السريع الذي يربط بين شمال تونس وجنوبها، ومشروع إعادة تهيئة الحي الأولمبي بالمنزه في العاصمة، وصفقة لاقتناء حافلات للنقل العمومي.

وتونس شريك في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية منذ عام 2018، ويرتبط البلدان باتفاقات تعاون في مجالات الطاقة المتجددة والبحث العلمي والبنية التحتية. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، افتتحت الصين أكاديمية دبلوماسية في تونس بتمويل صيني قيمته 29 مليون دولار أميركي. ويشير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير له إلى أنه على الرغم من هذه المكاسب الدبلوماسية، فإن الوجود العملي لبكين في تونس اقتصر إلى حد كبير على المشاريع الرمزية حتى الآن. ومن ملامح ذلك، وفق التقرير ذاته، أن الصين جاءت على سبيل المثال في المركز الثالث كأكبر مورد للسلع الاستهلاكية لتونس، اعتباراً من عام 2021؛ حيث بلغت الواردات السنوية 2.‏2 مليار دولار في ذلك العام. ومع ذلك، لم تحتل الصين سوى المركز 35 في قائمة الدول، التي تستثمر بنشاط في تونس عبر 12 شركة، وبحجم استثمار لا يتجاوز 34 مليون دولار. ويعد المبلغ ضئيلاً مقارنة بفرنسا، التي تعتبر أكبر مستثمر في تونس، بحجم استثمارات بلغت 4.‏2 مليار دولار في ذلك العام.

وأوضح معهد واشنطن، في تقريره، أنه «من الناحية النظرية، يمكن أن يتوسع النفوذ الصيني بسرعة إذا تخلفت تونس عن سداد ديونها العامة أو انهارت اقتصادياً». لكنه لفت من جهة أخرى إلى أن معظم عمليات الإنقاذ الضخمة هذه قد حدثت في بلدان تعد فيها الصين مستثمراً كبيراً فعلاً، مثل بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء، الأمر الذي لا ينطبق على تونس. وتابع التقرير: «بالإضافة إلى ذلك، حثّت بكين الحكومة التونسية علناً على العمل مع صندوق النقد الدولي لتأمين حزمة قروض كانت معلقة منذ أكتوبر 2022، مما يشير إلى أنها تفضل عدم التصرف كمقرض طارئ في هذه الحالة».



ماكرون لتقديم اعتراف مثير في «مصالحة الذاكرة» مع الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

ماكرون لتقديم اعتراف مثير في «مصالحة الذاكرة» مع الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

تشير مؤشرات تتعلق بمسعى «مصالحة الذاكرتين» بين الجزائر وفرنسا إلى اعتراف وشيك من الرئيس إيمانويل ماكرون بمسؤولية الدولة الفرنسية عن تعذيب واغتيال العربي بن مهيدي، أحد كبار ثورة التحرير ضد الاستعمار (1954 - 1962)، وذلك بعد مرور أكثر من 67 سنة على حادثة اعتقاله، في وقت كانت فيه «معركة الجزائر العاصمة» على أشدها مع قوات المظليين الفرنسية.

والتقى ماكرون في 19 من الشهر الحالي الأعضاء الخمسة الفرنسيين بـ«لجنة الذاكرة» المشتركة مع الجزائر، بغرض متابعة نتائج اجتماعات عقدوها مع نظرائهم الخمسة الجزائريين في الأشهر الماضية، في إطار ما يعرف بـ«التوصل إلى مصالحة بين الذاكرتين»، قصد تجاوز خلافات التاريخ، التي تقف عائقاً أمام إقامة علاقات عادية بين البلدين.

أعضاء لجنة الذاكرة الجزائريين مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

وقالت الرئاسة الفرنسية بعد يومين من الاجتماع إن ماكرون «أكد إرادته مواصلة الاشتغال على الذاكرة والحقيقة والمصالحة»، حول الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر (1830-1962). وقال بن جامان ستورا، رئيس فريق المؤرخين الفرنسيين الخمسة، لمجلة «لوبوان» الأسبوعية الصادرة الخميس إنه سأل ماكرون خلال الاجتماع إن كان لديه استعداد للاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال العربي بن مهيدي، فأجاب الرئيس بالقول: «سنرى كيف سنتقدم».

وأضاف الباحث في التاريخ المولود بالجزائر لعائلة يهودية: «لم يقل لا، وشعوري هو أنه ينتظر اللحظة المناسبة ليقدم على ذلك... شعرت أن الرئيس كان مصمماً للغاية، بغض النظر عن رد فعل الجزائريين. إنه يريد مواصلة العمل»، فيما يخص «الذاكرة».

المؤرخ بن جامان ستورا وفي الصورة كتاب صدر حديثاً له عن الجزائر (حسابه الشخصي)

وكان إيمانويل ماكرون قد قدم في 13 من سبتمبر (أيلول) 2018 اعترافاً مهماً من «أجل الحقيقة التاريخية»، في تقدير باحثين جزائريين في تاريخ الاستعمار الفرنسي، يخص خطف وقتل الناشط الفرنسي اليساري من أجل استقلال الجزائر، موريس أودان عام 1957، تحت التعذيب.

وفي الثالث من 3 مارس (آذار) 2021، قدم ماكرون اعترافاً بمسؤولية الجيش الاستعماري الفرنسي عن تعذيب وقتل المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل عام 1957، في حين كانت الرواية الفرنسية السائدة منذ عشرات السنين هي أن بومنجل «مات بعد أن قفز من طابق مرتفع»، حيث كان البوليس الفرنسي يستجوبه في مكاتبه بالعاصمة.

صورة أرشيفية لمظاهرات الثامن من مايو 1945 بشرق الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وضمن سلسلة «الاعترافات»، ندد ماكرون في 16 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بحملة دموية شنتها الشرطة على المتظاهرين الجزائريين في باريس عام 1961، ووصفها بأنها «جريمة لا تُغتفر بالنسبة للجمهورية»، وكان ذلك أقوى اعتراف من رئيس فرنسي بمذبحة ألقيت خلالها جثث كثيرة في نهر السين.

وبمناسبة اعتراف ماكرون بقتل أودان، ناشدته شقيقة بن مهيدي، ظريفة بن مهيدي، «الاعتراف بجريمة الدولة» بحق بطل «معركة الجزائر»، الذي اعتقله كومندوز مظلي فرنسي في فبراير (شباط) 1957، بينما كان مختبئاً في شقة بالعاصمة، يخطط لعمليات فدائية. وقتلت «الكتيبة الثالثة» للمظليين، التي كانت تتبع العقيد مارسيل بيجار، العربي بن مهيدي شنقاً بمنطقة جنوب العاصمة، في الرابع من مارس من السنة نفسها، بعد أن أذاقته صنوف التعذيب، وأشيع في تلك الفترة أنه «انتحر».

غير أن الخطوة الأكثر قوة فيما يخص جريمة بن مهيدي جاءت من القائد العسكري الكبير في ذلك الوقت، الجنرال بول أوساريس. ففي كتاب له صدر عام 2000 بعنوان: «مصالح الاستخبارات... الجزائر 1955-1957»، ذكر أن رجاله قتلوا بن مهيدي شنقاً في مزرعة تعود لمستوطن متطرف في سهل المتيجة، وأن المخابرات أذاعت بأنه «انتحر». وتوفي أوساريس عام 2013 من دون أن يحاكم على جريمته.

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وعاد الجدل بشأن التعذيب، الذي مارسته فرنسا الاستعمارية، في الرابع من مارس الماضي، بمناسبة صدور فيلم جديد يحمل اسم «بن مهيدي»، يصور الانتهاكات التي تعرض لها على أيدي ضباط الجيش الفرنسي. وفي اليوم نفسه، راسلت 20 منظمة في فرنسا مهتمة بالتاريخ «الإليزيه» تطالبه بـ«اعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن ممارسة التعذيب» بشكل عام خلال الثورة الجزائرية.