جدل ليبي بشأن دور «القبيلة» في الحياة السياسية والاجتماعية

بعد خطف النائب إبراهيم الدرسي واستمرار المطالبة بكشف مصيره

رئيس جهاز الأمن الداخلي بشرق ليبيا يلتقي مشايخ قبيلة الدرسة وأعيانها (جهاز الأمن الداخلي)
رئيس جهاز الأمن الداخلي بشرق ليبيا يلتقي مشايخ قبيلة الدرسة وأعيانها (جهاز الأمن الداخلي)
TT

جدل ليبي بشأن دور «القبيلة» في الحياة السياسية والاجتماعية

رئيس جهاز الأمن الداخلي بشرق ليبيا يلتقي مشايخ قبيلة الدرسة وأعيانها (جهاز الأمن الداخلي)
رئيس جهاز الأمن الداخلي بشرق ليبيا يلتقي مشايخ قبيلة الدرسة وأعيانها (جهاز الأمن الداخلي)

يرى مراقبون ليبيون، أن حادثة اختفاء عضو مجلس النواب الليبي إبراهيم الدرسي، في مايو (أيار) الماضي، أعادت دور القبيلة الاجتماعي إلى صدارة المشهد السياسي، وذلك لجهة تحركها للدفاع عن أبنائها.

وتمارس قبيلة الدرسة، التي ينتمي إليها النائب المخطوف، ضغوطاً على السلطات بالمنطقة الشرقية لكشف مصيره، وسط جدل بشأن دور القبيلة عموماً في الحياة السياسية والاجتماعية ومدى تأثيره في الأحداث.

ويرى رئيس حزب «تجمع تكنوقراط ليبيا» أشرف بلها، أن «التفاعل القوي» لقبيلة الدرسة عبر إلقاء البيانات الإعلامية ومقابلة المسؤولين والتلويح بالتصعيد، يؤكد أن دور القبيلة بالمجتمع «لم يختفِ كما كان البعض يعتقد».

إبراهيم الدرسي عضو مجلس النواب الليبي المتغيب منذ مايو الماضي (صفحة النائب - فيسبوك)

وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الدور «قد يخفت أحياناً، وربما لا يشعر به أحد لفترات، لكنه يعاود الظهور بسرعة إذا ما تعرّض أحد أبناء القبيلة، وتحديداً البارزين منهم، لأي مكروه».

ويلفت بلها، إلى أن «نظرة القبيلة لأي اعتداء يطول أبنائها يعد بمثابة نيل من مكانتها وهيبتها وسط بقية القبائل، بخاصة إذا كان العضو المستهدف يتولى منصباً رفيعاً».

وذكّر في هذا الصدد، «باستمرار متابعة قبيلة العبيدات بالمنطقة الشرقية، لملف مقتل نجلها اللواء عبد الفتاح يونس خلال مجريات ثورة 17 فبراير (شباط)» 2011.

وكان يونس، وهو رئيس أركان «جيش التحرير الوطني» الليبي خلال «ثورة فبراير»، ووزير داخلية ليبي سابق بعهد معمر القذافي، قد لقي حتفه مع اثنين من مرافقيه في ظروف غامضة لم يُكشف عنها بعد.

وأشار في السياق، إلى تنظيم قبيلة المقارحة في مدينة سبها جنوب البلاد مظاهرات عدّة على مدار السنوات الخمس الماضية، للإفراج عن نجلها رئيس الاستخبارات بعهد القذافي، عبد الله السنوسي؛ نظراً لتدهور حالته الصحية رغم خضوع ملفه للقضاء.

وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الداخلي في شرق ليبيا يلتقيان مشايخ قبيلة الدرسة وأعيانها (جهاز الأمن الداخلي)

وواصل: «وبالمثل، هناك اجتماعات قبيلة القذاذفة مع المسؤولين في البلاد لحضّهم على متابعة قضية هانيبال القذافي المحتجز في لبنان منذ 2015، ومن قبلها لقاءاتهم بشأن الإفراج عن شقيقه الساعدي القذافي، وهو ما تحقق في سبتمبر (أيلول) 2021».

وفي تطرقه لقضية القذاذفة، سلّط بلها الضوء على أن «الكشف عن موقع قبر معمر القذافي صار يتقدم اشتراطات القبيلة وعموم أنصار النظام السابق، للمشاركة بأي مؤتمرات تعقد في إطار المصالحة الوطنية».

ورغم مرور 13 عاماً على مقتله بمسقط رأسه بمدينة سرت، لا تزال قبور القذافي ونجله المعتصم الذي قضى معه، ووزير دفاعه أبو بكر يونس مجهولة.

إلا أن بلها قلل «من قدرة أي قبيلة على التصعيد بدرجة تؤثر على قرار السلطات بعموم البلاد لدرجة تجبرها على تنفيذ مطالبها على نحو عاجل».

وأوضح: «التصعيد عادة يتم بنطاق الضغط الاجتماعي والإعلامي؛ وذلك بالمتابعة المكثفة مع الأجهزة الرسمية وتوالي البيانات والتصريحات الإعلامية بشأن الحادثة للضغط على تلك الأجهزة لتسريع عملها».

المشير خليفة حفتر مجتمعاً في لقاء سابق بقيادات أمنية بشرق ليبيا لبحث مصير الدرسي (القيادة العامة)

ومنذ اختفاء الدرسي في الـ18 الشهر الماضي، وتحديداً في أعقاب حضوره الاحتفال بالذكرى العاشرة لـ«عملية الكرامة» التي نظمها «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر في «قاعدة بنينا الجوية»، لم تتوقف الفعاليات واللقاءات التي تنظمها قبيلته للتنديد بخطفه.

من جانبه، وفي معترك أحاديث ليبية عن القبيلة والقبلية، قال عضو مجلس النواب محمد عامر العباني، إنه «لا أحد ينكر ما للقبيلة من أهمية في المجتمع، بما تكفله من حماية ورعاية لمكوناتها»، لكنه قال في إدراج على صفحته عبر «فيسبوك» إن «الدعوة إلى القبلية، هي دعوة صريحة لتفتيت الدولة والمدن المكونة لها، وهي دعوة متخلفة لتراجع البناء الحضاري وما حققه الفكر الإنساني في بناء العمران البشري».

وذهب إلى أن «القبيلة هي كيان مجتمعي لقواعد الدولة بما تكفله من ترابط اجتماعي بديل لمنظمات المجتمع المدني في كفالة ورعاية مكوناتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية»، لافتاً إلى أن «الدولة هي وعاء سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وتواصل بشري، فهي الشخص المعنوي الممثل لجميع مكوناتها من مدن وقبائل وأسر وأشخاص طبيعيين».

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أشار بدوره إلى استمرار تأثير القبائل بالمجتمع الليبي سياسياً واجتماعياً بالوقت الراهن، وتحديداً شرق البلاد، وان كان بدرجة غير رئيسية مقارنة بعقود سابقة.

من ملتقى «مجلس شيوخ ليبيا» في مدينة بني وليد (الملتقى)

وأوضح محفوظ لـ«الشرق الأوسط»، أن «تعداد القبيلة هو عامل مؤثر في ثقلها السياسي والاجتماعي، كما هو الحال بالنسبة لقبيلة ورفلة التي يقدرها البعض بقرابة مليون مواطن، وفي السنوات الأخيرة بات وجود عدد كبير من أبناء القبيلة بقيادة التشكيلات المسلحة الكبرى، من عوامل قوتها».

إلا أن محفوظ يرى «أن هذا التأثير القبلي بعموم البلاد، قد يختفي إذا ما كانت هناك مواجهة بينها وبين قوى عسكرية كبرى، أو إذا كان هناك انقسام في الآراء داخل القبيلة بشأن الشخصية التي تم الاعتداء عليها».


مقالات ذات صلة

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

شمال افريقيا المنفي خلال حضور حفل العشاء مع الرئيس الأميركي (المنفي)

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

أعلن أعضاء في مجلس النواب الليبي، أن جلسته المرتقبة، الاثنين المقبل، ستخصص للمصادقة على اعتماد تعيين محافظ المصرف المركزي للبلاد ونائبه.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، بينما لا تزال البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

تصاعدت حالة من الجدل في ليبيا بعد أداء مستشاري المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية، أمام مجلس النواب، في ظل معارضة واسعة من المجلس الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يلتقي البرهان على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة (المجلس الرئاسي الليبي)

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

حثت أميركا ودول أوروبية وعربية الأطراف الليبية كافة على العمل لاستئناف إنتاج وتصدير النفط «بالكامل دون تعطيل أو تدخل أو تسييس».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة، تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، في وقت لا تزال فيه البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

وتأتي هذه المخاوف بعد دعوة مستشار رئيس المجلس الرئاسي، زياد دغيم، البعثة الأممية، قبيل توقيع اتفاق المصرف المركزي، إلى «قيادة آلية حوار مع مجلس النواب، للوصول إلى قانون ميزانية موحدة، أو الاتفاق على ترتيبات مالية مؤقتة».

المصرف المركزي بالعاصمة طرابلس (صفحة المصرف على فيسبوك)

وعدَّ رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، مطالبة المجلس الرئاسي في هذا التوقيت «بدايةً لظهور قضية خلافية جديدة». ويعتقد زهيو أن هذا المطلب من المجلس الرئاسي يعد «نوعاً من الضغط على كل من البعثة ومجلسَي النواب و(الأعلى للدولة) للقبول بمشاركته، وحليفه المتمثل في رئيس حكومة (الوحدة الوطنية) عبد الحميد الدبيبة، في إدارة عوائد الثروة النفطية». ولفت زهيو إلى مطالبة المجلس الرئاسي بتعيينه مجلس إدارة المصرف المركزي، أو تشكيل لجنة ترتيبات مالية مؤقتة بقيادة محمد المنفي.

البرلمان الليبي أقر مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024 بقيمة 37 مليار دولار (النواب)

وكان البرلمان الليبي قد أقر في يوليو (تموز) الماضي، مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024، بقيمة 180 مليار دينار (37 مليار دولار)، إلا أن المجلس الأعلى للدولة رفضها، وقال حينها إنها «أُقرَّت دون التشاور معه»؛ وعدَّ ذلك «مخالفة للاتفاق السياسي والتشريعات النافذة».

وخلال رسالته إلى خوري، قال مستشار المنفي، إن قانون الميزانية الذي أقره البرلمان «خلا من اشتراطات دستورية، توجب تقديم مشروع قانون الميزانية من السلطة التنفيذية، والتشاور مع المجلس الأعلى للدولة قبل تقديم المشروع».

وأوضح زهيو لـ«الشرق الأوسط» أن دغيم «يعرف أن البرلمان لن يقبل التخلي عن مشروع القانون الذي سبق أن أقره قبل 3 أشهر؛ وحتى لو قبل فلن يكون الوصول لهذا القانون متاحاً حالياً، نظراً لانقسام المجلس الأعلى للدولة».

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ونجحت البعثة الأممية في التوصل لاتفاق ينهي الصراع على إدارة المصرف المركزي، بتعيين قيادة جديدة له. ووفقاً لبنود الاتفاق، تُسند للمحافظ الجديد بالتشاور مع البرلمان مهمة ترشيح أعضاء مجلس إدارة الجديد للمصرف خلال أسبوعين من تسلم مهامه.

من جهته، يعتقد المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، أن دعوة المجلس الرئاسي لقانون جديد للميزانية، عبارة عن «نوع من الضغط لضمان تقاسم الإيرادات مع القوى الأبرز بالمنطقة الشرقية، المتمثلة في القيادة العامة لـ(الجيش الوطني) بقيادة المشير خليفة حفتر».

غير أن دغيم دافع في تصريحات صحافية عن مطلب «الرئاسي»، وقال إن «السبب الرئيسي لتفجير الأزمة الحالية هو عدم وجود قانون ميزانية يعيد للمصرف المركزي دوره الفني، بعيداً عن الدور السياسي أو تحديد أولويات الإنفاق».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة ومقرها طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، بقيادة أسامة حماد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة (الوحدة)

ولم يبتعد المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، عن الآراء السابقة؛ حيث عدَّ ما يحدث مناورة من قبل مستشار المجلس الرئاسي «لضمان حصول الأطراف بالمنطقة الغربية على نصيبهم من كعكة تقاسم (المركزي)، مثلما تحاول بقية القوى الأخرى». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن كافة الأطراف في الساحة «تسعى للحصول على نصيب من الثروة»، بما يمكن توصيفه بمعركة «كسر العظم»، كون هذا «هو السبيل الوحيد لبقائهم في سُدة السلطة؛ خصوصاً وأن لديهم حلفاء وموالين ينفقون عليهم».

يشار إلى أن مستشار المنفي قال إن «وجود قانون ميزانية موحد لسنة 2024، يتطلب 3 اشتراطات دستورية لم تتحقق فيما أصدره البرلمان»، مشيراً إلى أن «الاشتراطات تتمثل في تقديم مشروع قانون للميزانية من السلطة التنفيذية، على أن تتشاور تلك السلطة مع المجلس الأعلى للدولة بشأنه؛ ثم يقر مجلس النواب المشروع، وفق التعديل السادس للإعلان الدستوري».