اتفاق مصالحة بين تشكيلين في طرابلس يثير علامات استفهام بين الليبيين

البعض عدّه «هدنة مؤقتة»... وآخرون يؤكدون أنه أُبرم بـ«أوامر أميركية»

ليبيون من منطقة «سوق الجمعة» بطرابلس عقب الإعلان عن توقيع اتفاق مصالحة بين «الردع» و«اللواء 444 قتال» (بلدية سوق الجمعة)
ليبيون من منطقة «سوق الجمعة» بطرابلس عقب الإعلان عن توقيع اتفاق مصالحة بين «الردع» و«اللواء 444 قتال» (بلدية سوق الجمعة)
TT

اتفاق مصالحة بين تشكيلين في طرابلس يثير علامات استفهام بين الليبيين

ليبيون من منطقة «سوق الجمعة» بطرابلس عقب الإعلان عن توقيع اتفاق مصالحة بين «الردع» و«اللواء 444 قتال» (بلدية سوق الجمعة)
ليبيون من منطقة «سوق الجمعة» بطرابلس عقب الإعلان عن توقيع اتفاق مصالحة بين «الردع» و«اللواء 444 قتال» (بلدية سوق الجمعة)

تباينت آراء ووجهات نظر سياسيين ومحللين ليبيين بشأن مدى نجاح اتفاق أُبرم، الأسبوع الماضي، في منطقة سوق الجمعة بالعاصمة طرابلس، بين رئيس «جهاز الردع» عبد الرؤوف كارة، وآمر «اللواء 444 قتال» محمود حمزة، وخفايا الكواليس التي واكبت الاتفاق.

وكانت اشتباكات قد اندلعت قبل قرابة 9 أشهر بين التشكيلين المسلحين أسفرت حينذاك عن مقتل 55 شخصاً وجرح 150 آخرين.

وفور الإعلان عن الاتفاق، ربطت بعض الأوساط الليبية بين ما يتردد عن محاولة واشنطن وحلفائها التصدي لمواجهة الوجود الروسي في ليبيا وأفريقيا، عبر تأسيس قوة عسكرية من تشكيلات المنطقة الغربية، وهو ما تطلب تذويب أي خلافات بين قياداتها، فيما عدّته أصوات أخرى «مجرد اتفاق تهدئة تم بجهود اجتماعية»، لكنهم لم يتوقعوا صموده طويلاً في ظل تجدد صراعات قادة التشكيلات على مناطق النفوذ بالعاصمة.

واصطف عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، مع الطرح الأول، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة «مصالحات أخرى بين قادة التشكيلات العسكرية الكبرى بالمنطقة الغربية، تحديداً المتركزة في العاصمة بدافع من دول غربية كبرى».

عناصر الشرطة وسط العاصمة طرابلس (الشرق الأوسط)

وذهب التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تلك المصالحات «تجمّدت لبعض الوقت بسبب الصراعات المتكررة بين أمراء الحرب من قادة التشكيلات المسلحة»، ورأى أن كل قائد تشكيل «يؤمن أن فرض سيطرته على أكبر قدر من المواقع المهمة، مثل الموانئ أو مناطق تضم مقار وزارات وأجهزة سيادية، هو ضمانة لترسيخ دوره وممارسته لأكبر قدر من التأثير على أي عملية سياسية مستقبلية؛ ولهذا السبب تندلع الاشتباكات بشكل متكرر».

ويعتقد التكبالي أن قادة هذه التشكيلات باتوا الآن أمام خيار واحد هو «تصفية خلافاتهم مهما بلغت درجة الخصومة بينهم، أو على الأقل تجميدها للتفرغ للانضمام للقوة العسكرية، التي ترغب الدول الغربية الكبرى في تكوينها، وأي تشكيل سيعرقل هذا المسار لن يطول بقاؤه في الساحة».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة (الوحدة)

وعدّت الاشتباكات التي جرت في أغسطس (آب) الماضي بين «الردع» و«اللواء 444 قتال»، الأعنف خلال الأعوام القليلة الماضية، كونها جرت بين أكبر تشكيلين مسلحين بالعاصمة. في وقت تتنافس فيه على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى تسيطر على غرب البلاد ومقرها طرابلس ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان وتسيطر على شرق البلاد، ويرأسها أسامة حماد.

من جهته، نسب وكيل وزارة الخارجية الأسبق، حسن الصغير، إتمام المصالحة بين تشكيلات طرابلس للأميركيين والغرب عموماً، ولفت في إدراج له إلى أن إتمام المصالحة جاء «بعد يوم واحد من إصدار فتوى ضرورة الجهاد ضد القوات الروسية في ليبيا».

كانت دار الإفتاء في طرابلس، الموالية لحكومة «الوحدة الوطنية»، قد دعت مؤخراً لقتال القوات الروسية الموجودة بالأراضي الليبية، ووصفتهم في بيان لها بـ«القوات الغازية المعتدية التي يتوجب شرعاً الجهاد ضدها».

بالمقابل، أعرب المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، عن اقتناعه بأن اتفاق المصالحة بين كارة وحمزة تم برعاية شيوخ وأعيان سوق الجمعة، أكبر بلديات العاصمة، التي ينتمي لها القياديان، وأكد أنه لا توجد تدخلات من قوى محلية أو دولية به.

أسامة حماد رئيس حكومة الاستقرار الموازية (الاستقرار)

ورأى محفوظ في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن رفض كارة وحمزة لجهود المصالحة، التي قادها أعيان البلدية «سيعد مغامرة منهما بخسارة حاضنتهما الشعبية».

كانت عناصر تابعة لجهاز «الردع» قد احتجزت حمزة، أحد أبرز القيادات العسكرية بالمنطقة الغربية لدى محاولته السفر في أغسطس (آب) الماضي عبر مطار معيتيقة، الذي يسيطر «الردع» عليه منذ سنوات. فتدخل أعيان سوق الجمعة وأعيان مناطق أخرى بالعاصمة للإفراج عن حمزة، وإنهاء الاشتباكات العنيفة بين التشكيلين حينذاك.

إلا أن المحلل السياسي استبعد أن تنهي هذه المصالحة أي صراعات مستقبلية على مواقع النفوذ بالعاصمة، مقللاً مما طرحه البعض حول ربط توقيت الاتفاق وقرار الدبيبة بإعادة تنظيم «قوة التدخل والسيطرة»، ومنحها صلاحيات واسعة، مع إدراجها لتبعية مجلس الوزراء، مشيراً إلى أن الاتفاق بين حمزة وكارة لم يتضمن سوى ضمان عدم تجدد الاشتباكات بينهما، «لكنه لم يتطرق لتوحيد رؤيتهما السياسية وغيرهم من قادة التشكيلات المسلحة؛ فالقوتان تتبعان حكومة (الوحدة الوطنية) المؤقتة وشريكها المجلس الرئاسي».

وانضم محفوظ لبقية الأصوات، التي انتقدت عدم وجود إشارة واضحة في بيان المصالحة لتعويض القتلى والجرحى، الذين سقطوا من الجانبين خلال اشتباكاتهم في أغسطس (آب) الماضي.


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
TT

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)

شهدت مناطق متفرقة في مصر حوادث مرورية مفجعة، أخيراً؛ مما أثار تساؤلات حول أسباب تكرارها، في حين رأى خبراء أن «غالبية تلك الحوادث تقع نتيجة لأخطاء من العنصر البشري».

وشهدت مصر، الجمعة، حادثاً أُصيب خلاله نحو 52 شخصاً، إثر انقلاب حافلة (أتوبيس رحلات) على طريق «الجلالة - الزعفرانة» (شمال محافظة البحر الأحمر - جنوب مصر)، قبل توجهها إلى دير الأنبا أنطونيوس بالمحافظة.

وأعلنت وزارة الصحة المصرية «خروج جميع المصابين من المستشفى، بعد تحسّن حالاتهم»، وقالت في إفادة لها، الجمعة، إن «الحادث أسفر عن إصابة 52 راكباً؛ نُقل 31 منهم إلى مستشفى (رأس غارب) التخصصي، في حين تم إسعاف 21 مصاباً آخرين بموقع الحادث».

واحتجزت الأجهزة الأمنية سائق «الحافلة» المتسبّب في الحادث، في حين كلّفت السلطات القضائية لجنة فنية بفحص أسباب وقوع الحادث حول ما إذا كان عطلاً فنياً أم خطأ بشرياً نتيجة للقيادة الخاطئة، حسب وسائل إعلام محلية.

وأعاد انقلاب الحافلة بطريق «الجلالة - الزعفرانة» إلى الأذهان حادث انقلاب حافلة تابعة لجامعة «الجلالة الأهلية»، على الطريق السريع «الجلالة - العين السخنة»، في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ مما أدّى إلى وفاة 7 أشخاص، وإصابة نحو 25 آخرين.

وشهدت منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) حادث «دهس» سيارة، دراجةً نارية كان يستقلها عامل «دليفري» (التوصيل المنزلي)؛ مما أدى إلى مقتله.

كما شهدت محافظة الفيوم (جنوب القاهرة) حادث انقلاب سيارة نقل ركاب، الخميس، على الطريق الصحراوي السريع؛ مما أدى إلى إصابة 14 شخصاً.

وأظهرت التحريات الأولية للحادث أن السيارة تعرّضت للانقلاب، نتيجة السرعة الزائدة، وفقدان السائق السيطرة عليها.

وسجّلت إصابات حوادث الطرق في مصر ارتفاعاً بنسبة 27 في المائة، على أساس سنوي، بواقع 71016 إصابة عام 2023، في حين بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق خلال العام نفسه 5861 حالة وفاة، بنسبة انخفاض 24.5 في المائة، وفقاً للنشرة السنوية لنتائج حوادث السيارات والقطارات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في شهر مايو (أيار) الماضي.

طريق الجلالة (وزارة النقل المصرية)

وباعتقاد رئيس الجمعية المصرية لرعايا ضحايا الطرق (منظمة مدنية)، سامي مختار، أن «نحو 80 في المائة من حوادث الطرق يحدّث نتيجة لأخطاء من العنصر البشري»، مشيراً إلى أن «تكرار الحوادث المرورية يستوجب مزيداً من الاهتمام من جهات حكومية؛ للحد من وقوعها، وتعزيز السلامة على الطرق».

ودعا مختار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ضرورة تكثيف حملات التوعية بالسلامة المرورية، لجميع مستخدمي الطرق، من سائقي السيارات والركاب»، قائلاً إن حملات التوعية يجب أن تشمل «التعريف بقواعد وآداب السير على الطرق، وإجراءات السلامة، والكشف على تعاطي المخدرات للسائقين في أثناء السير»، ومشدداً على ضرورة «تكثيف حملات الرقابة بخصوص تعاطي المخدرات في أثناء القيادة».

ولقي حادث انقلاب حافلة طريق «الجلالة» تفاعلاً من رواد منصات التواصل الاجتماعي في مصر؛ حيث دعوا إلى «مراجعة الحالة الفنية للطريق، بعد تكرار حوادث انقلاب حافلات الركاب عليه».

بينما يستبعد أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، حسن مهدي، فرضية أن يكون وقوع الحوادث بسبب الحالة الفنية للطريق، مرجعاً ذلك إلى «عدم تكرار الحوادث في مكان واحد على الطريق»، ومشيراً إلى أن «وقوع الحوادث المرورية في مناطق متفرقة يعني أن السبب قد يكون فنياً؛ بسبب (المركبة)، أو لخطأ بشري من السائق».

وأشار مهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى ضرورة «تطبيق منظومة النقل الذكي، للحد من الحوادث، خصوصاً على الطرق السريعة»، مضيفاً أن «التوسع في المراقبة الذكية لحركة السير سيقلّل من الأخطاء، ويُسهم في التزام السائقين بإجراءات السلامة في أثناء القيادة»، وموضحاً أن «مشروع قانون المرور الجديد، المعروض أمام البرلمان ينص على تطبيق هذه المنظومة بشكل موسع».

وتضع الحكومة المصرية «قانون المرور الجديد» ضمن أولوياتها في الأجندة التشريعية لدور الانعقاد الحالي للبرلمان، وناقش مجلس النواب، في شهر أكتوبر الماضي «بعض التعديلات على قانون المرور، تضمّنت عقوبات مغلظة على مخالفات السير، والقيادة دون ترخيص».