مصر تخطط للتوسع في مشروعات التحلية لسد «العجز المائي»

«الصندوق السيادي» يعتزم طرح محطات أمام تحالفات عالمية خلال أسابيع

إحدى محطات إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي بمحافظة الإسماعيلية (وزارة الري المصرية)
إحدى محطات إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي بمحافظة الإسماعيلية (وزارة الري المصرية)
TT

مصر تخطط للتوسع في مشروعات التحلية لسد «العجز المائي»

إحدى محطات إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي بمحافظة الإسماعيلية (وزارة الري المصرية)
إحدى محطات إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي بمحافظة الإسماعيلية (وزارة الري المصرية)

تعتزم مصر التوسع في إقامة مشروعات لتحلية مياه البحر ضمن استراتيجية قومية للتغلب على «العجز المائي» الذي تعاني منه. ووفق الرئيس التنفيذي لـ«صندوق مصر السيادي» أيمن سليمان، فإن «الصندوق يعمل على خطة لطرح محطات تحلية مياه في جميع المحافظات، بدءاً بالمدن الساحلية على البحرين المتوسط والأحمر»، موضحاً أنه سيتم الإعلان خلال أسابيع عن أول طرح لمحطات المياه في مصر.

وقال سليمان خلال ندوة «مجموعة بورصة لندن»، مساء الأحد، إن «الأولوية لطرح المحطات ستكون في المدن الساحلية على البحر الأبيض والساحل الشمالي الغربي، ثم البحر الأحمر والقناة»، وبحسب سليمان فإنه «يوجد 17 تحالفاً لإنشاء محطات التحلية»، كما أشار إلى أن «استراتيجية تحلية المياه في مصر تتضمن التوسع في إنشاء والاستثمار في إنشاء محطات تحلية المياه، ومشاركة القطاع الخاص، بحيث يقوم القطاع الخاص بتنفيذ المحطات مقابل انتفاع لمدة 25 عاماً».

وتقدر مصر «فجوتها المائية» بأكثر من 20 مليار متر مكعب سنوياً، بحسب تصريحات رسمية. بينما تسود مخاوف لديها من مخاطر تأثر حصتها في مياه النيل، والمقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، جراء مشروع «سد النهضة» الإثيوبي.

لا يتجاوز نصيب الفرد المصري من المياه 500 متر مكعب في السنة (أ.ف.ب)

سد «العجز المائي»

ويرى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، أن التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر رغم أهميته، لا يمكن بمفرده أن يسد «العجز المائي» في مصر، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحلية مياه البحار خاصة بالشرب، ويتم إنشاؤها بالمدن والتجمعات العمرانية الجديدة، لأنه لا يمكن وصول مياه النيل إليها، بينما العجز المائي المصري يتركز في الزراعة». وبحسب شراقي فإنه «يوجد في مصر أكثر من 100 مليون فدان صالحة للزراعة، تقوم بزراعة 10 ملايين منها فقط نتيجة نقص المياه».

وتقوم مصر بتدوير وإعادة استخدام نحو 26 مليار متر مكعب سنوياً من مياه الصرف الزراعي، وفق وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور هاني سويلم، الذي ذكر في إفادة رسمية الاثنين، خلال تفقده محطة معالجة مياه «مصرف المحسمة وسحارة سرابيوم»، بمحافظة الإسماعيلية، أن «هذا المشروع المهم يعد نقلة نوعية كبيرة في مجال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي في مصر».

لجنة من وزارة الزراعة المصرية خلال تفقد حقول لإرشاد المزارعين (وزارة الزراعة «فيسبوك»)

مياه الصرف الزراعي

وكان وزير الري المصري ذكر خلال مؤتمر «أسبوع القاهرة للمياه» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن «الاستخدامات الحالية لمصر من المياه تبلغ نحو 80 مليار متر مكعب سنوياً، ويتم تعويض الفجوة بتدوير وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي».

ويشير شراقي إلى أن «نحو 50 مليار متر مكعب من موارد مصر المائية تذهب إلى الزراعة، وهو رقم أقل من الاحتياجات كثيراً، في حين أن نصيب الفرد من المياه بمصر نحو 500 متر مكعب سنوياً، بينما يحتاج فعلياً إلى 1000 متر مكعب، بما يعني وجود عجز نسبته 50 بالمائة».

وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011، بداعي «توليد الكهرباء»، لكن مصر تخشى من تأثر حصتها من مياه نهر النيل، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية، أوائل أبريل (نيسان) الحالي، عن مسؤولين إثيوبيين تأكيدهم أنه «جرى الانتهاء من نحو 95 في المائة من إنشاءات سد النهضة»، استعداداً لـ«الملء الخامس»، الذي يتوقع أن يكون في فترة الفيضان المقبلة من يوليو (تموز) المقبل، وحتى سبتمبر (أيلول) المقبل.

وعدّ مستشار وزير الري المصري الأسبق، خبير المياه الدكتور ضياء الدين القوصي، قضية المياه لمصر بـ«الوجودية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر تتكبد مبالغ مالية طائلة لاستيراد المنتجات الزراعية والسلع الغذائية من الخارج نتيجة عدم وجود مياه لزراعتها بالبلاد، رغم توافر الأراضي الزراعية المناسبة»، وبحسب القوصي، فإن «مصر تحتاج إلى منظومة مياه متكاملة بغض النظر عن أزمة سد النهضة، مثل محطات تحلية مياه البحر، ومحطات إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي».


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

دعت مصر إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية ومستدامة بشأن الأزمات والنزاعات القائمة في قارة أفريقيا. وأكدت تعاونها مع الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة الإعمار والتنمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة» الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد).

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».