مصر تؤكد تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية في ملف «إدارة المياه»

وسط استمرار تعثر مفاوضات «السد الإثيوبي»

جانب من اجتماع مجلس وزراء المياه الأفارقة «الأمكاو» في القاهرة (وزارة الري المصرية)
جانب من اجتماع مجلس وزراء المياه الأفارقة «الأمكاو» في القاهرة (وزارة الري المصرية)
TT

مصر تؤكد تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية في ملف «إدارة المياه»

جانب من اجتماع مجلس وزراء المياه الأفارقة «الأمكاو» في القاهرة (وزارة الري المصرية)
جانب من اجتماع مجلس وزراء المياه الأفارقة «الأمكاو» في القاهرة (وزارة الري المصرية)

أكدت مصر «تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية في ملف إدارة المياه، بما يضمن وضع آليات لصياغة خريطة طريق تعكس تطلعات دول القارة في ملف المياه لما بعد عام 2025». وجاء هذا التأكيد وسط استمرار تعثر مفاوضات «سد النهضة» الإثيوبي.

وأشار وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، اليوم الأربعاء، إلى «التزام مصر خلال رئاستها لمجلس وزراء المياه الأفارقة بتعزيز التعاون مع مختلف الدول الأفريقية لتحسين إدارة الموارد المائية في القارة، خاصة أن منطقة شمال أفريقيا تُعد من أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي، بالإضافة لتحديات تغير المناخ والوصول لخدمات مياه الشرب والصرف الصحي».

واستضافت مصر، الثلاثاء والأربعاء، اجتماع اللجنة الفنية الاستشارية، ولجنة الخبراء الفنيين لمجلس وزراء المياه الأفارقة عن إقليم شمال أفريقيا، الذي نظمه مجلس وزراء المياه الأفارقة (الأمكاو)، بتعاون مع وزارة الموارد المائية والري المصرية، بهدف مناقشة التحديات المشتركة في القارة.

وقال سويلم، الذي يترأس مجلس إدارة «الأمكاو»، في إفادة رسمية، إنه «يمكن تحويل التحديات إلى فرص من خلال تضافر الجهود والتعاون المشترك بين الدول، وهو ما يُبرز أهمية هذا الاجتماع لمناقشة وتحديد الأولويات الإقليمية»، لافتاً إلى أهمية الاجتماع بعدّه «منصة للمناقشة، وحشد الآراء والأفكار، وتحديد أولويات دول إقليم شمال أفريقيا فيما يخص قطاع المياه، وذلك لإثراء العملية التحضيرية التي تقوم بها القارة الأفريقية لعرض رؤيتها، وأولوياتها خلال فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه المقرر عقده في بالي – إندونيسيا، خلال مايو (أيار) المقبل».

وتقدر مصر «فجوتها المائية» بأكثر من 20 مليار متر مكعب سنوياً. وفي هذا السياق يرى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أهمية التعاون بين مصر والدول الأفريقية في ملف إدارة المياه. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التعاون «ضروري ومفيد للدول الأفريقية، ويشمل مجالات عدة، منها المشروعات المائية، والسدود وآبار المياه الجوفية، والزراعة وطرق الري الحديثة، وتوليد الكهرباء»، مشيراً إلى أن الكونغو على سبيل المثال «تمتلك ما يقترب من ثلث مياه أفريقيا التي تصب في المحيط الأطلنطي من خلال نهر الكونغو دون الاستفادة منها، ويمكن أن يتم إنشاء مشروع ربط كهربائي في هذا النهر لتوصيلها إلى مصر وتصديرها إلى أوروبا أيضاً».

من جهتها، قالت مديرة البرنامج الأفريقي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، إن التعاون بين مصر وأفريقيا في مجال المياه «له أهمية استراتيجية وليست سياسية فقط». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التعاون يمكنه استقطاب مشروعات تعاونية مشتركة، تساهم في التنمية الأفريقية».

أعمال إنشائية بـ"سد النهضة" خلال وقت سابق (صفحة إدارة السد على "فيسبوك")

ويأتي التأكيد المصري المتكرر على تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية في ملف إدارة المياه، وسط استمرار تعثر مفاوضات «سد النهضة» بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا. وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011؛ بداعي «توليد الكهرباء»، لكن مصر تخشى من تأثر حصتها من مياه نهر النيل.

وكانت مصر قد أعلنت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي «فشل» آخر جولة للمفاوضات بشأن «السد»، التي استمرت نحو 4 أشهر. فيما أعلنت إثيوبيا مطلع أبريل (نيسان) الحالي «انتهاء 95 في المائة من إنشاءات السد»، ونقلت وكالة «الأنباء الإثيوبية» حينها عن مسؤولين في أديس أبابا تأكيدهم الاستعداد لـ«الملء الخامس»، الذي يتوقع أن يكون خلال فترة الفيضان من يوليو (تموز) وحتى سبتمبر (أيلول) المقبلين.

وحول تأثير التعاون المصري - الأفريقي في ملف المياه على أزمة «سد النهضة»، قال شراقي إن «تعاون مصر مع أفريقيا ووجود مصالح اقتصادية مشتركة، خاصة مع دول حوض النيل، يمكنهما أن يدفعا إلى استئناف المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا، لذا لا بد من استئناف المفاوضات قبل الملء الخامس للسد، حتى لا تواصل إثيوبيا استكماله». كما أفادت الطويل بأن «التعاون خاصة مع دول حوض النيل يمكنه أن يؤثر إيجابياً على مفاوضات سد النهضة، وصياغة رؤية مشتركة للتفاوض، انطلاقاً من المصالح المشتركة، لكنه يحتاج أيضاً إلى ضغط إقليمي».


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

دعت مصر إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية ومستدامة بشأن الأزمات والنزاعات القائمة في قارة أفريقيا. وأكدت تعاونها مع الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة الإعمار والتنمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة» الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد).

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».