ميلوني تناقش في تونس ملف الهجرة الشائك

ثالث زيارة لرئيسة الحكومة الإيطالية في أقل من سنة

ميلوني (أقصى اليمين) وسعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته في قرطاج يونيو الماضي (أ.ف.ب)
ميلوني (أقصى اليمين) وسعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته في قرطاج يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

ميلوني تناقش في تونس ملف الهجرة الشائك

ميلوني (أقصى اليمين) وسعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته في قرطاج يونيو الماضي (أ.ف.ب)
ميلوني (أقصى اليمين) وسعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته في قرطاج يونيو الماضي (أ.ف.ب)

تترقب تونس زيارة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، يوم الأربعاء المقبل، حيث سيكون على رأس اهتماماتها ملف الهجرة غير الشرعية المنطلقة من تونس في اتجاه السواحل الإيطالية. وكشفت وسائل إعلام إيطالية رسمية عن فحوى هذه الزيارة وأهدافها، كما صرّح بذلك مجدي الكرباعي النائب السابق في البرلمان التونسي والناشط السياسي، ونقله أيضاً المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المنظمة الحقوقية التونسية المهتمة بملف الهجرة.

ومن المنتظر أن تلتقي ميلوني الرئيس التونسي قيس سعيد في قصر قرطاج لمناقشة آخر التطورات في ملف الهجرة ومدى التزام الطرفين بمذكرة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في منتصف السنة الماضية في تونس.

وسيكون لهذه الزيارة الخاطفة التي لن تتجاوز بضع ساعات أهميتها الخاصة، إذ إن رئيسة الحكومة الإيطالية ستنقل وجهة النظر التونسية خلال اليوم نفسه إلى اجتماع المجلس الأوروبي المقرر يومي 17 و18 من الشهر الحالي.

وأعلنت وكالة «نوفا» الإيطالية أن ميلوني أكدت أن موضوع الزيارة، الثالثة لها في أقل من سنة، هو الهجرة غير النظامية، خصوصاً في ظل استمرار مغادرة القوارب الصغيرة «الخطيرة للغاية» من تونس نحو إيطاليا.

صورة أرشيفية لمهاجرين غير شرعيين أنقذتهم «البحرية» التونسية (رويترز)

وعود مادية

ومن المنتظر أن تقدم إيطاليا مزيداً من الوعود المادية للنظام التونسي لمزيد التصدي لحالات اجتياز الحدود خلسة، بهدف تأمين الحدود الجنوبية لإيطاليا. وكانت وسائل إعلام إيطالية قد اتهمت ميلوني بفشل «مذكرة التفاهم» مع تونس في التصدي للهجرة غير النظامية، على الرغم من أن ميلوني عدت هذه المذكرة نموذجاً يحتذى وانتصاراً لبرنامجها في التصدي لمعضلة الهجرة غير الشرعية.

وفي هذا الشأن، أشار منصف العويساوي المحلل السياسي التونسي إلى أن بعض الخبراء والمتابعين لملف الهجرة غير النظامية قد ربطوا بين سرعة برمجة زيارة لرئيسة الحكومة الإيطالية، وإعلان الوكالة الفرنسية للتنمية عن تخصيص اعتمادات مالية إلى تونس، بقيمة 5 ملايين يورو في شكل «هبة - مشروع» بهدف تعزيز حوكمة الهجرة في تونس ودعم مسارات إعادة الإدماج المستدام للمهاجرين العائدين.

من عملية لإنقاذ مهاجرين في سواحل تونس (رويترز)

تنافس فرنسي – إيطالي

وأضاف العويساوي أن التنافس الفرنسي – الإيطالي في مناطق عدة من القارة الأفريقية، والذي اتسم بتوتر سياسي في السنوات الأخيرة وصل إلى حد التلاسن بين مسؤولي البلدين، خصوصاً في الفترة الأخيرة، قد يكون أيضاً من بين الأسباب الخفية لهذه الزيارة.

وتسعى فرنسا إلى لعب دور في شمال أفريقيا، خصوصاً في تونس، في ظل تخوف من توسع الدور الإيطالي أو الروسي أو الصيني وفقدان موقعها مع أول شريك اقتصادي لها في القارة الأفريقية.

وفي غضون ذلك، واصلت قوات الأمن التونسي عمليات التصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية سواء القادمة من دول الجوار أو المهاجرين من السواحل التونسية، حيث جرى إحباط 171 عملية اجتياز، أغلبها بحراً، بنسبة 90.46 في المائة، ومنع أكثر من 5400 مهاجر غير نظامي على السواحل التونسية، أغلبهم من جنسيات غير تونسية، ليصل عدد المجتازين منذ بداية السنة إلى 8517 مهاجراً.

وعلى الرغم من عمليات التصدي اليومية لقوارب الهجرة، فإن الجانب الإيطالي يبقى غير راضٍ عن هذه النتائج، ويطالب بجدية أكثر في التعامل مع هذا الملف الشائك. وتفيد آخر المعطيات التي قدمها «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية» (منظمة حقوقية مستقلة)، بوصول 317 مهاجراً تونسياً إلى إيطاليا خلال الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) الحالي، ويؤكد المنتدى أن الحرس البحري التونسي منع أكثر من 6 آلاف مهاجر من الوصول إلى إيطاليا، مع تسجيل 200 مفقود و26 حالة وفاة على السواحل التونسية.


مقالات ذات صلة

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

شمال افريقيا قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

«رغم المسافة الكبيرة التي تفصل موريتانيا عن باكستان، والتي تقدر بنحو 7700 كيلومتر، فإنها أصبحت وجهة للمهاجرين الآسيويين».

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.