مصر تشكو نقص المياه... وترفض المشروعات «الأحادية» على النيل

تزامناً مع استمرار أعمال تعلية «سد النهضة» الإثيوبي

وزير الري المصري على هامش مشاركته في احتفال «يوم المياه العالمي» بباريس (مجلس الوزراء المصري)
وزير الري المصري على هامش مشاركته في احتفال «يوم المياه العالمي» بباريس (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تشكو نقص المياه... وترفض المشروعات «الأحادية» على النيل

وزير الري المصري على هامش مشاركته في احتفال «يوم المياه العالمي» بباريس (مجلس الوزراء المصري)
وزير الري المصري على هامش مشاركته في احتفال «يوم المياه العالمي» بباريس (مجلس الوزراء المصري)

شكت مصر مجدداً من نقص المياه، وأكدت أن «المشروعات الأحادية غير التعاونية على نهر النيل يُمكن أن تضر بها بسبب اعتمادها على النيل». تزامن ذلك مع استمرار أعمال تعلية «سد النهضة» الإثيوبي.

وقال وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، إن «مصر تُعد مثالاً للبلدان التي تواجه التحديات المزدوجة المتمثلة في ندرة المياه وتغير المناخ، حيث يبلغ نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة بمصر 50 في المائة من خط الفقر المائي العالمي». وأكد سويلم، (السبت)، أن «بلاده تعتمد بشكل كامل على نهر النيل لتوفير أكثر من 98 في المائة من مواردها المائية المتجددة».

وبدأت إثيوبيا في تشييد «سد النهضة» على نهر النيل الأزرق عام 2011 بهدف توليد الكهرباء. وتخشى مصر من تأثر حصتها من مياه نهر النيل جرّاء السد الإثيوبي، وتُقدر مصر «فجوتها المائية» بأكثر من 20 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يخشى السودان من الأضرار البيئية والاقتصادية الناجمة عن «السد».

ووفق إفادة لمجلس الوزراء المصري، السبت، قال وزير الري المصري على هامش مشاركته في احتفال «يوم المياه العالمي» في باريس، إن «مصر تقوم باستثمارات كبيرة لزيادة كفاءة نظام المياه لديها بلغت 10 مليارات دولار خلال السنوات الخمس الماضية» (الدولار يساوي 46.5 جنيهاً في البنوك المصرية)، لافتاً إلى أن «بلاده تتبنى سياسة إعادة استخدام المياه مما يضيف نحو 21 مليار متر مكعب من الموارد المائية غير التقليدية، كما تضطر مصر لاستيراد نسبة كبيرة من غذائها سنوياً، تصل قيمتها إلى نحو 15 مليار دولار من واردات الغذاء، أي ما يعادل 40 مليار متر مكعب على الأقل من المياه الافتراضية».

وفد مصر خلال محادثات القاهرة بشأن «سد النهضة» في أكتوبر الماضي (وزارة الري المصرية)

دول حوض النيل

وأشار الوزير المصري إلى أن مصر تدعم باستمرار دول حوض النيل، وتتجلى هذه المجهودات في تعاون مصر مع دول؛ السودان، وجنوب السودان، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، وبوروندي، ورواندا، وأوغندا، وتنزانيا في مشروعات مختلفة مثل إنشاء 35 سداً لتجميع مياه الأمطار، لافتاً إلى أن «التعاون بين الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية يعد مسألة وجودية بالنسبة لمصر، ولكي يكون هذا التعاون ناجحاً فلا بد أن تكون الإدارة المتكاملة للموارد المائية على مستوى الحوض بالكامل، بما في ذلك الإدارة الشاملة للمياه الزرقاء والخضراء، بالإضافة للالتزام غير الانتقائي بمبادئ القانون الدولي المعمول بها، خصوصاً مبدأ التشاور والتعاون المبني على دراسات علمية سليمة».

وقال وزير الري المصري إن «القاهرة ترى أن الإجراءات غير التعاونية والأحادية التي تتجاهل الامتثال للقانون الدولي تُشكّل تحدياً كبيراً للتعاون عبر الحدود، مثل تجاهل المبدأ الأساسي للتعاون، الذي يتضمن واجب التشاور وإجراء دراسات الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على التدابير المخطط لها لضمان الاستخدام المنصف والمعقول وتجنب إلحاق ضرر جسيم»، موضحاً أن «مثل هذه الإجراءات والمشروعات الأحادية غير التعاونية على نهر النيل يُمكن أن تضر بمصر؛ بسبب اعتمادها على نهر النيل في وجودها، خصوصاً أنه حال حدوث نقص نسبته 2 في المائة من المياه سنوياً بسبب مثل هذه الإجراءات الأحادية سيؤدي ذلك إلى إجبار 290 ألف شخص على التوقف عن العمل، بالإضافة إلى خسائر كبيرة في إنتاج الزراعة والطاقة الكهرمائية، فضلاً عن ارتفاع الواردات الغذائية».

صورة عامة لـ«سد النهضة» الإثيوبي (وزارة المياه والطاقة الإثيوبية)

توقف المفاوضات

ولسنوات عدة، تمسّكت مصر بالحلول السلمية التي أسفرت عن توقيع مصر والسودان وإثيوبيا على «إعلان مبادئ» في الخرطوم عام 2015، ومنذ ذلك الوقت تواصلت المفاوضات «المتعثرة»، التي دخلت الولايات المتحدة الأميركية طرفاً فيها نهاية 2019، لكن الوساطة الأميركية التي خلصت إلى توافق مبدئي على 6 بنود للحل، لم تستطع إنهاء النزاع، فقد تغيبت إثيوبيا عن توقيع الاتفاق، في حين وقّعت مصر بالأحرف الأولى، وامتنع السودان. وتواصلت لاحقاً المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، لكنها لم تنجح أيضاً، مما دعا مصر إلى اللجوء لمجلس الأمن الدولي للمطالبة بـ«الضغط على إثيوبيا».

ومطلع مارس (آذار) الحالي، وتزامناً مع استمرار أعمال تعلية «سد النهضة»، أعلن «مكتب التنسيق الوطني» لبناء «سد النهضة» الإثيوبي «وصول نسبة بناء السد إلى 95 في المائة». وأكد «المكتب» وفق ما ذكرت «وكالة الأنباء الإثيوبية» أنه «تم الانتهاء بالفعل من نحو 98 في المائة من الأعمال المدنية، و78 في المائة من الأعمال الكهرميكانيكية»، لافتاً إلى أنه «سيتم الاحتفال بمرور 13 عاماً على وضع أساس مشروع (السد) نهاية الشهر الحالي». ودعت نائب المدير العام لـ«مكتب التنسيق الوطني» لبناء «سد النهضة» حينها، فكرتي تاميرو، الإثيوبيين إلى «تعزيز دعمهم لاستكمال بناء (السد)». وفي فبراير (شباط) الماضي، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، استعداد بلاده للتفاوض بشأن «السد».

جانب من إنشاءات «سد النهضة» في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

تحديات المياه

وأعلنت مصر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي «فشل» آخر جولة للمفاوضات بشأن «السد»، التي استمرت نحو 4 أشهر. وقالت وزارة الري آنذاك إن «المسارات التفاوضية انتهت» في الوقت الحالي؛ بسبب ما عدّته «استمرار المواقف الإثيوبية الرافضة للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط، التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)».

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، أن «بلاده توقفت عن الاستمرار في العملية التفاوضية التي لا تقود إلى نهاية واضحة، ولا تكشف عن نوايا وإرادة سياسية حقيقية للتوصل إلى اتفاق». وقال أبو زيد، الشهر الماضي، إن «القاهرة أعلنت مئات المرات أنها ليست ضد التنمية في إثيوبيا، وأنها مستعدة للمساعدة في مشروعات التنمية، كما أنها ليست ضد بناء (السد) من حيث المبدأ، لكنها تريد ضمان حقوق شعبها في مياه نهر النيل».

وعلى هامش زيارة وزير الري المصري لباريس، أكد، السبت، قائلاً: «دول العالم عليها التكاتف معًا لتحقيق مستقبل مائي آمن وعادل يدعم الرخاء والسلام للجميع، خصوصاً أن عديداً من التحديات مثل الفقر والتوترات الاجتماعية والسياسية قد تؤدي لتدهور الأمن المائي على المستوى العالمي».


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تدعو إلى «حلول سلمية» للنزاعات في القارة السمراء

دعت مصر إلى ضرورة التوصل لحلول سلمية ومستدامة بشأن الأزمات والنزاعات القائمة في قارة أفريقيا. وأكدت تعاونها مع الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة الإعمار والتنمية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة» الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد).

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
TT

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد، وذلك بعد أيام من إعلان «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» (جهاز حكومي يتبع وزارة الاتصالات) الموافقة مبدئياً على «رفع أسعار خدمات الاتصالات»، و«قرب تطبيق الزيادة الجديدة».

وقدَّم عضو مجلس النواب، النائب عبد السلام خضراوي، طلب إحاطة لرئيس المجلس، ورئيس الوزراء، ووزير الاتصالات حول الزيادة المرتقبة، مطالباً الحكومة بالتدخل لوقف أي زيادات جديدة في أسعار المحمول والإنترنت، في ظل «سوء خدمات شركات المحمول»، على حد قوله.

وجاءت إحاطة خضراوي بالتزامن مع إعلان عدد من النواب، اليوم (السبت)، رفضهم الزيادات المرتقبة، ومنهم النائبة عبلة الهواري، التي قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها ترفض قرار الزيادة «في ظل الظروف الاقتصادية الحالية».

وبحسب مصدر برلماني مطلع «يتجه عدد من النواب إلى تقديم طلبات إحاطة برلمانية بشأن زيادة الأسعار المرتقبة على خدمات الاتصالات، حتى لا يتم إقرارها من قبل الحكومة المصرية».

وكان خضراوي قد أكد في إحاطته البرلمانية أنه كان على الحكومة أن تتدخل لإجبار الشركات على تحسين الخدمة، التي «أصبحت سيئة خصوصاً في المناطق الحدودية والقرى»، عادّاً أن الشركات «تحقق أرباحاً كبيرة جداً»، ولا يوجد ما يستدعي رفع الأسعار، سواء في الوقت الحالي أو حتى في المستقبل.

وأعلن الرئيس التنفيذي لـ«الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات»، محمد شمروخ، قبل أيام «الموافقة المبدئية على رفع أسعار خدمات الاتصالات؛ بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل التي تواجه شركات الاتصالات». وقال خلال مشاركته في فعاليات «معرض القاهرة الدولي للاتصالات» أخيراً، إن الجهاز «يدرس حالياً التوقيت المناسب لتطبيق الزيادة».

الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات (مجلس الوزراء المصري)

من جهتها، أكدت وكيلة «لجنة الاتصالات» بمجلس النواب، النائبة مرثا محروس، لـ«الشرق الأوسط» أن قرار الزيادة لم يُتَّخذ بعد، لكنه مطروح منذ تحريك سعر الصرف في مارس (آذار) الماضي لأسباب عدة، مرتبطة بالإنفاق الدولاري للشركات، والرغبة في عدم تأثر الخدمات التي تقدمها «نتيجة تغير سعر الصرف»، عادّة أن الزيادة المتوقعة ستكون «طفيفة».

ويشترط القانون المصري موافقة «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» قبل تطبيق شركات الاتصالات أي زيادة في الأسعار، في حين ستكون الزيادة الجديدة، حال تطبيقها، هي الثانية خلال عام 2024 بعدما سمح «الجهاز» برفع أسعار خدمات الجوال للمكالمات والبيانات، بنسب تتراوح ما بين 10 و17 في المائة في فبراير (شباط) الماضي.

وتعمل في مصر 4 شركات لخدمات الاتصالات، منها شركة حكومية هي «المصرية للاتصالات»، التي تمتلك أيضاً حصة 45 في المائة من أسهم شركة «فودافون مصر»، وجميعها طلبت زيادة الأسعار مرات عدة في الأشهر الماضية، بحسب تصريحات رسمية لمسؤولين حكوميين.

وجاء الإعلان عن الزيادة المرتقبة بعد أسابيع قليلة من إنهاء جميع الشركات الاتفاق مع الحكومة المصرية على عقود رخص تشغيل خدمة «الجيل الخامس»، مقابل 150 مليون دولار للرخصة لمدة 15 عاماً، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، مع انتهاء التجهيزات الفنية اللازمة للتشغيل. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

احدى شركات الاتصالات تقدم خدماتها للمستخدمين (وزارة الاتصالات)

بدوره، رأى عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء»، أحمد مدكور، أن الحديث عن زيادة أسعار خدمات الاتصالات في الوقت الحالي «يبدو طبيعياً مع زيادة تكلفة المحروقات على الشركات، والتزامها بزيادات الأجور السنوية، بالإضافة إلى زيادة نفقات التشغيل بشكل عام»، عادّاً أن الزيادة «ستضمن الحفاظ على جودة انتظام الشبكات».

وقال مدكور لـ«الشرق الأوسط» إن نسب الأرباح التي تحققها الشركات، والتي جرى رصد زيادتها في العام الحالي حتى الآن، «لا تعكس النسب نفسها عند احتسابها بالدولار في سنوات سابقة»، متوقعاً «ألا تكون نسب الزيادة كبيرة في ضوء مراجعتها حكومياً قبل الموافقة عليها».

الرأي السابق تدعمه وكيلة «لجنة الاتصالات» بالبرلمان، التي تشير إلى وجود زيادات جرى تطبيقها في قطاعات وخدمات مختلفة، على غرار «الكهرباء»، و«المحروقات»، الأمر الذي يجعل لدى الشركات مبرراً قوياً لتنفيذ زيادات في أسعار الخدمات «لكي تتمكّن من استمرار تنفيذ خططها التوسعية، وتحسين جودة الخدمات، وتطوير الشبكات المستمر».