معطيات تكشف للمرة الأولى عن كمال القضقاضي قاتل شكري بلعيد

سطا على محلات مجوهرات في الولايات المتحدة الأميركية وزوّر عملة

شكري بلعيد (وسائل إعلام تونسية)
شكري بلعيد (وسائل إعلام تونسية)
TT

معطيات تكشف للمرة الأولى عن كمال القضقاضي قاتل شكري بلعيد

شكري بلعيد (وسائل إعلام تونسية)
شكري بلعيد (وسائل إعلام تونسية)

كشفت جلسات محاكمة المتهمين في قضية اغتيال شكري بلعيد القيادي اليساري، جوانب مخفية لم تكن معلومة في شخصية كمال القضقاضي منفذ عملية الاغتيال في السادس من فبراير (شباط) 2013.

كمال القضقاضي (وسائل إعلام تونسية)

وإثر انطلاق جلسات المحاكمة في السادس من فبراير الماضي، وعلى الرغم من كونه العنصر الرئيسي في تنفيذ العملية الإرهابية، فإن شخصيته وعلاقاته بقيت محافظة على جوانب غامضة، خاصة بعد أن تم القضاء عليه من قبل وحدات مكافحة الإرهاب التونسية في الرابع من فبراير 2014 بجهة رواد القريبة من العاصمة التونسية إثر مواجهات مسلحة دارت لأيام في المنطقة، وانتهت بقتله دون النجاح في الاحتفاظ به لمد أجهزة الأمن بتفاصيل ما حصل وكيفية تنفيذ عملية الاغتيال ضد شكري بلعيد في لحظات معدودة دون الانتباه له، والحال أن مركز الأمن التونسي لا يبعد أكثر من مائة متر عن مسرح الجريمة.

قوات النخبة التابعة للحرس الوطني تتصدر فرق مكافحة الجريمة والإرهاب بتونس (أرشيف وسائل الإعلام التونسية)

ونتيجة لوجود عدة ثغرات على مستوى الرواية الرسمية، فقد كشفت المحامية إيمان قزارة، عضوة هيئة الدفاع عن شكري بلعيد، عن أن الهيئة لم تتوصل إلى معرفة الاسم الحركي للإرهابي كمال القضقاضي إلا بعد مرور 11 عاماً على ارتكاب جريمة الاغتيال، وهو ما يعني أن عدة دلائل قانونية قد تكون أخفيت أو بقيت عالقة لعدم الربط بين الاسم الحقيقي لمنفذ عملية الاغتيال واسمه الحركي الذي يعرف به لدى التنظيمات الإرهابية.

وأوضحت قزارة أن الإرهابي التونسي كمال القضقاضي منفذ عملية اغتيال شكري بلعيد كان يُكنى «وليد» وسط التنظيمات الإرهابية السرية، وكان يغضب عند مناداته بكمال أو القضقاضي، وهي حقيقة يقع الكشف عنها لأول مرة.

وما نعرفه عن القضقاضي أنه مولود بمنطقة «وادي مليز» من ولاية -محافظة - جندوبة شمال غربي تونس، أكمل دراسته في تونس، ثم غادر باتجاه الولايات المتحدة الأميركية ليتابع دراسته الجامعية على نفقة الدولة التونسية. تزوج امرأة أميركية من أصول أفغانية قبل أن يتم طرده من أميركا غداة أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وهو متدرب على السلاح في كل من أفغانستان وليبيا، وبعد عودته من أميركا عمل في إحدى الشركات بتونس العاصمة وقطن بولاية – محافظة -أريانة التي تتبعها منطقة رواد التي قتل بها.

وروى والده بعد أيام من تنفيذ عملية الاغتيال أن ابنه كمال لا يزور منزل العائلة إلا نادراً بمعدل مرة واحدة في السنة منذ أن طلق والدته، وأضاف أن ابنه ذو طبع هادئ وحسن السلوك، وديع ولا يستطيع ذبح «دجاجة»، على حد تعبيره، كان ملتزماً دينياً لكنه لم يكن من المتطرفين على حد تعبيره، فكيف نفذ عملية الاغتيال وتحت أي ضغوط.

من ناحيته، كشف أحد المتهمين في ملف الاغتيال خلال جلسات المحاكمة الحالية، عن أنه لا يتبنى الفكر الجهادي التكفيري وأنه تعرف على القضقاضي منفذ العملية عن طريق أحد المتهمين الآخرين بجهة «الكرم» (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية)، مبيناً أن القضقاضي كان: «رجل عصابات بامتياز»، وهو ما زاد من منسوب الغموض حول حقيقة منفذ الاغتيال قبل نحو 11سنة، حيث أخبره أنه نفذ عدة عمليات سطو على محلات مجوهرات بالولايات المتحدة الأميركية، وهذا قبل عودته إلى تونس، كما قام بتدليس العملة ونفذ عدة عمليات إجرامية، مؤكداً أنه كان يخطط أيضاً لسرقة مؤسسات بنكية بعدد من المدن التونسية.

في السياق ذاته، قال المحامي عبد الناصر العويني، عضو هيئة الدفاع عن بلعيد، إن الهيئة كانت طوال 11 سنة في «حرب» ضد المنظومات التي لا تريد كشف الحقيقة، مؤكداً أن ملفات المتهمين وأسماءهم الحركية لم يقع الاطلاع عليها إلا خلال هذه الفترة، وهو ما سيجعل هيئة الدفاع تبحث عن دلائل إضافية على تورط عدة أطراف سياسية في عملية الاغتيال ومحاولتها إخفاء كل الحقائق حتى لا تتم إدانتها، وعدّ أن القضاء التونسي يصطدم بتفاصيل محاكمة غير عادية لجريمة قتل غير عادية كذلك.

وكشف العويني وصول رسالة تهديد بالتصفية ضد شكري بلعيد قبل أيام من تنفيذ عملية الاغتيال، لكن الأمنيين المسؤولين في تلك الفترة عندما كان على العريض وزيراً للداخلية، تعاملوا بلامبالاة تامة مع الموضوع، على حد قوله. وقال إن حبيب اللوز القيادي في حركة النهضة، اتهمه بلعب عدة أدوار من بينها التعامل مع أجهزة الأمن في مواجهة التيارات الإسلامية في عهد الرئيس التونسي السابق بن علي، والوشاية بهم.


مقالات ذات صلة

«المافيا» تهدد على طريقة فيلم «العراب»... رأس حصان وبقرة ممزقة يرعبان صقلية

أوروبا منظر عام لجزيرة صقلية (وسائل إعلام إيطالية)

«المافيا» تهدد على طريقة فيلم «العراب»... رأس حصان وبقرة ممزقة يرعبان صقلية

هزَّ العثور على رأس حصان مقطوع، وبقرة حامل ممزقة وعجلها الميت بداخلها ملطخين بالدماء، جزيرة صقلية، إذ تعاملت السلطات مع الحادث باعتباره تهديداً من قبل المافيا.

«الشرق الأوسط» (روما)
يوميات الشرق الشرطة ألقت القبض على سارات رانجسيوثابورن في بانكوك عام 2023 (إ.ب.أ)

مدينة لهم بالمال... الإعدام لتايلاندية متهمة بقتل 14 من أصدقائها بـ«السيانيد»

حُكم على امرأة في تايلاند بالإعدام، بعدما اتُّهمت بقتل 14 من أصدقائها بمادة السيانيد.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
أوروبا ماريوس بورغ هويبي نجل ولية العهد النرويجية الأميرة ميته ماريت (أ.ف.ب)

توقيف نجل أميرة النرويج بشبهة الاغتصاب

أعلنت الشرطة النرويجية، الثلاثاء، توقيف نجل ولية العهد الأميرة ميته ماريت للاشتباه في ضلوعه في عملية اغتصاب.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شؤون إقليمية عائلات الأطفال ضحايا عصابة حديثي الولادة في وقفة أمام المحكمة في إسطنبول رافعين لافتات تطالب بأقصى عقوبات للمتهمين (أ.ف.ب)

تركيا: محاكمة عصابة «الأطفال حديثي الولادة» وسط غضب شعبي واسع

انطلقت المحاكمة في قضية «عصابة الأطفال حديثي الولادة» المتورط فيها عاملون في القطاع الصحي والتي هزت تركيا منذ الكشف عنها وتعهد الرئيس رجب طيب إردوغان بمتابعتها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا شرطيان إيطاليان (رويترز - أرشيفية)

توقيفات ومصادرة 520 مليون يورو في تحقيق أوروبي بشأن المافيا والتهرب الضريبي

ألقت الشرطة في أنحاء أوروبا القبض على 43 شخصاً وصادرت 520 مليون يورو، في تحقيق أوروبي بمؤامرة إجرامية للتهرب من ضريبة القيمة المضافة.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».