مراكز إيواء «مفترضة» للمهاجرين تثير غضباً متزايداً في موريتانيا

حركة معارضة تدعو للتظاهر بحجة أن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي «بيع لأراضي الدولة»

مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء على متن قارب قبالة سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)
مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء على متن قارب قبالة سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)
TT

مراكز إيواء «مفترضة» للمهاجرين تثير غضباً متزايداً في موريتانيا

مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء على متن قارب قبالة سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)
مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء على متن قارب قبالة سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

لا يزال اتفاق الهجرة المرتقب بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي يثير مخاوف جل الموريتانيين، خصوصاً بعد تداول منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، حذّر فيها أصحابها من أن موريتانيا ستتحول إلى معسكر كبير لاحتجاز المهاجرين المرحّلين من أوروبا، وهو ما نفته الحكومة مساء أمس (الأربعاء) بشدة.

وقال الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية، الناني ولد اشروقه، في مؤتمر صحافي بمقر «الوكالة الموريتانية للأنباء»، إن «موريتانيا لن تكون بلد توطين للمهاجرين غير النظاميين»، واصفاً ما يتم الترويج له بأنه «مجرد شائعات هدفها الوحيد ترويع المواطنين».

الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية ينفي وجود أي مراكز لإيواء المهاجرين في موريتانيا (الحكومة الموريتانية)

وتأتي هذه المخاوف بالتزامن مع اجتماعات تعقدها وزارة الداخلية الموريتانية بنواكشوط مع بعثة من الاتحاد الأوروبي، تقودها الألمانية كورينا أولريش، وبعضوية عدد من المسؤولين والخبراء في الاتحاد الأوروبي.

ويتفاوض الطرفان منذ أكثر من 10 أيام من أجل التوصل إلى صيغة اتفاق جديد للتعاون في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية، ينتظر أن يوقعه الطرفان في نواكشوط مطلع مارس (آذار)، حسب ما أعلنت الحكومة الموريتانية قبل أيام. لكن الجديد فيما كشفه الناطق باسم الحكومة الموريتانية، أمس، هو أن نواكشوط هي التي طلبت «وضع إطار تعاوني مع الاتحاد الأوربي» حول الهجرة غير الشرعية، «نظراً لموقعها الجغرافي والأوضاع الإقليمية»، مؤكداً أن «النقاش لا يزال متواصلاً حوله».

وأوضح الوزير، في حديثه أمام الصحافيين، أن «موريتانيا كانت تربطها اتفاقية ثنائية مع إسبانيا؛ لمحاربة الهجرة غير الشرعية منذ 2003، وقد طالبت لأسباب موضوعية بإلغاء هذه الاتفاقية أو تحيينها، وهو ما بدأ الطرفان العمل فيه».

مهاجرون أفارقة بموريتانيا (أ.و.ب)

وبموجب هذا الاتفاق، الذي مرّ على توقيعه عقدان من الزمن، كانت تتمركز دوريات من الحرس المدني الإسباني في المدن الساحلية الموريتانية، وتجري دوريات مشتركة مع جهاز خفر السواحل الموريتاني؛ لاعتراض قوارب المهاجرين، المقبلة من دول أفريقيا جنوب الصحراء في اتجاه جزر الخالدات الإسبانية، مروراً قبالة شواطئ موريتانيا، التي كانت في بعض الأحيان تستقبل بموجب الاتفاق القديم طائرات إسبانية محملة بالمهاجرين الأفارقة، الذين تم ترحيلهم من الأراضي الإسبانية، لكن موريتانيا لا تحتجزهم على أراضيها، بل تقوم بترحيلهم نحو بلدانهم.

وزير الداخلية الموريتاني خلال خطاب أمام مجلس وزراء الداخلية العرب الاثنين الماضي (الداخلية الموريتانية)

وبدا واضحاً من حديث الوزير أن التوجه الموريتاني هو إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، يكون أكثر إنصافاً لموريتانيا، التي تتحمل تكاليف باهظة بسبب أمواج المهاجرين غير الشرعيين، واللاجئين الفارين من المعارك في دولة مالي المجاورة (قرابة مائتي ألف لاجئ).

وقالت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن التوجه الموريتاني الجديد نحو دفع الأوروبيين لتحمل جزء من أعباء محاربة الهجرة، جاء بعد إحصاء شامل للأجانب، نظمته سلطات موريتانيا العام الماضي، كشف أرقاماً «مثيرة للقلق»؛ ما دفع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال لقاء مع وفد أوروبي رفيع، قبل أيام في نواكشوط، إلى تأكيد أن «موريتانيا كانت في السابق بلد عبور للمهاجرين، لكنها بدأت تتحول إلى بلد استقرار».

في سياق ذلك، أكد وزير الداخلية الموريتاني، محمد أحمد ولد محمد الأمين، في خطاب أمام مجلس وزراء الداخلية العرب، إن «موريتانيا تستقبل عشرات آلاف اللاجئين من مالي، وأمواجاً من المهاجرين غير الشرعيين، الوافدين من دول جنوب الصحراء والحالمين بحياةٍ أفضل في أوروبا».

وقال الوزير إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية «تشكّل تحدياً كبيراً مع تفاقم الاضطرابات السياسية والأمنية، التي تشهدها المنطقة، ورغم أن بلادنا ليست بلد مصدر أو بلد وِجهة، فقد أصبحت بلداً متضرراً من هذه الظاهرة، التي تتعامل السلطات معها بحزم، لكن مواجهتها تتطلبُ تعبئة كثير من الموارد المادية والبشرية».

مهاجرون أفارقة في نواكشوط يبيعون بضائع تقليدية من أجل تمويل رحلتهم إلى أوروبا عبر «قوارب الموت» (أ.و.ب)

وقال وزير الداخلية الموريتاني، في حديثه أمام نظرائه العرب: «أودّ منكم أن تأخذوا علماً بحجم تكاليف العملية التي نتحمّلها في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، إضافةً إلى إيواء اللاجئين الماليين، والجمهورية الإسلامية الموريتانية تتحملُ تكلفةً مالية ولوجيستية باهظة».

وبينما تتحرك الحكومة الموريتانية على مستويات عدة؛ لتخفيف أعباء تدفق المهاجرين على أراضيها، ينشغل الموريتانيون بهاجس تحول بلدهم إلى معسكر كبير لترحيل هؤلاء المهاجرين، وهو ما فتح الباب أمام سيل جارف من الأخبار الكاذبة عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ورغم النفي الرسمي المتكرر لوجود أي مراكز لإيواء المهاجرين في موريتانيا، فإن ذلك لم يقنع الجميع، حيث دعت حركة «كفانا»، المعارضة إلى الخروج في مظاهرة ضد ما قالت إنها «صفقة توطين المهاجرين في موريتانيا».

وقال رئيس الحركة المعارضة، يعقوب ولد لمرابط، في مؤتمر صحافي إن «الصفقة التي أبرمتها موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي خيانة للدولة، وبيع لأرضها التي دافع أهلها عنها بسلاحهم وعتادهم»، مشدداً على ضرورة أن يخرج الموريتانيون في مظاهرة رافضة للاتفاق قبل توقيعه.

وفي هذه الأجواء المشوشة، نظم «المركز الفرنسي الأفريقي للدراسات الاستراتيجية»، مساء أمس (الأربعاء)، ندوة بنواكشوط لنقاش موضوع «الهجرة بين التوجس والطمأنينة». ودعا لها مسؤولون وخبراء وباحثون، كان في مقدمتهم الأمين العام لوزارة الداخلية، محفوظ ولد إبراهيم، الذي جدد الموقف الرسمي الموريتاني، حين أكد للحضور أن «موريتانيا لن تكون جسر عبور ولا موطناً للمهاجرين، ولا توجد بها مراكز إيواء... وموريتانيا والاتحاد الأوروبي متضرران من قضية الهجرة غير الشرعية»، ويتوجب عليهما التعاون لمواجهة هذه «الظاهرة الخطرة».



كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.