التونسيون يواجهون «أزمة خانقة» في اقتناء مواد غذائية أساسية

نقص السكر والحليب والزيت أرغم التجار على تحديد الكميات المتاحة لكل مواطن

بات جل التونسيين يضطرون للوقوف طويلاً أمام المحلات التجارية للحصول على بعض المواد الغذائية الأساسية (أ.ف.ب)
بات جل التونسيين يضطرون للوقوف طويلاً أمام المحلات التجارية للحصول على بعض المواد الغذائية الأساسية (أ.ف.ب)
TT

التونسيون يواجهون «أزمة خانقة» في اقتناء مواد غذائية أساسية

بات جل التونسيين يضطرون للوقوف طويلاً أمام المحلات التجارية للحصول على بعض المواد الغذائية الأساسية (أ.ف.ب)
بات جل التونسيين يضطرون للوقوف طويلاً أمام المحلات التجارية للحصول على بعض المواد الغذائية الأساسية (أ.ف.ب)

تشهد تونس هذه الأيام أزمة خانقة نتيجة استمرار نقص بعض المواد الغذائية الأساسية في الأسواق، ما اضطر مراكز تجارية لتحديد الكميات المتاحة لكل مواطن.

ويأتي السكر والحليب والزيت والأرز والبن ضمن أبرز المواد التي تشهد نقصاً ملحوظاً في الأسواق خلال الفترة الماضية، وهو ما زاد العبء على كاهل التونسيين، الذين يعانون بالفعل من أزمة اقتصادية في بلادهم منذ فترة طويلة.

تعاني جل المتاجر التجارية من اختفاء بعض المواد الغذائية الأساسية (أ.ب)

ويرى لطفي رياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، أن الأزمة ستظل كما هي دون حل ما دام استمر منتجو هذه المواد في الحصول على دعم من الدولة، ثم بيعها بأسعار حرة.

وقال لوكالة «أنباء العالم العربي»: «ما دام يتم تقديم منتج مدعم للصناعي ليقوم ببيعه بأسعار حرة فستظل الأزمة موجودة في عدة مواد أساسية، مثل مادة الخبز والزيت والعديد من المنتجات، والتي يمكن القول بأن أكبر مشكل هو عدم إيصال هذه المنتجات لمستحقيها، وبالتالي فإن المستهلك لا يمكنه الحصول على مستلزماته في ظل هيمنة الصناعي على نصيب المستهلك».

وتأثرت تونس بعدم وصول خطوط الإمدادات المعتادة في الفترة الأخيرة من الجزائر، والتي تعاني هي الأخرى من نقص حاد في السلع والمواد داخل حدودها.

ولا ينكر التونسي محمد وجود الأزمة في بلاده، لكنه يعتقد أنها مفتعلة مع استمرار تهافت المواطنين على شراء المواد التي أصبحت كمياتها قليلة في الأسواق. وقال بهذا الخصوص إن الأزمة «موجودة ولكن يوجد فيها جانب مفتعل، وفي الأخير حدث نقص في المواد. والمشكل الأكبر هو تهافت المواطنين على أي مواد تسجل نقصاً مثل الحليب. هناك غياب لوعي المواطن... الأزمة موجودة لكن المواطن يساهم بتواصلها».

أصبح السكر والحليب والزيت والأرز والبن ضمن أبرز المواد التي تشهد نقصاً ملحوظاً في الأسواق خلال الفترة الماضية (أ.ب)

وتواجه الأسواق التونسية منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نقصاً في الحليب، وهو ما أثار استياء وقلق المستهلكين، الذين يعانون يومياً للحصول عليه، بينما أصبح مشهد الطوابير أمام المتاجر بحثاً عنه أمراً معتاداً.

من جانبه، اتهم التونسي يوسف بعض المواطنين بالتسبب في تفاقم الأزمة، بسبب غياب الوعي، واستخدام أساليب غير مباشرة للحصول على مواد أكثر من الكميات المحددة لكل شخص. وقال موضحاً: «هناك لهفة وغياب وعي من المواطن باستعماله حيلاً مختلفة، من أجل حصوله على مستلزماته، مثل وجوده في الصفوف لأكثر من مرة، وهذا ما يؤكد أن هناك معاناة كبيرة للمواطن التونسي في حصوله على مستلزماته».

وأصبح مشهد الأرفف الفارغة من السلع مألوفاً في المحال والمتاجر، بينما تستمر معاناة التونسيين في مواصلة البحث عن المواد الغذائية من مكان إلى آخر.

وإضافة لأزمة الحليب، عادت الطوابير أمام المخابز في العاصمة تونس ومدن أخرى من جديد، مع تزايد آثار النقص في منتجات الحبوب فعل الجفاف.

عادت الطوابير أمام المخابز في العاصمة تونس ومدن أخرى مجدداً مع تزايد آثار النقص في منتجات الحبوب فعل الجفاف (أ.ف.ب)

وحذرت منظمة «آلارت» التي تنشط في مجال مكافحة اقتصاد الريع، من أزمة بنظام الحبوب في تونس تهدد توفر مادة الخبز الأساسية، الذي يستهلك على نطاق واسع في بيوت التونسيين. وبسبب هذا النقص، أصبح الباحثون عن الخبز يصطفون على مدى عدة أمتار أمام أغلب المخابز في العاصمة، وفق ما عاينه مراسل «وكالة الأنباء الألمانية»، لا سيما عند أوقات الذروة في المساء.

ومع تراجع إنتاج الحبوب بنسبة 60 في المائة هذا العام، مقارنة بالعام السابق تحت وطأة الجفاف، يواجه كثير من المخابز أزمة تزود بمادتي الدقيق والسميد الأساسيتين في إنتاج الخبز.


مقالات ذات صلة

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

الاقتصاد منظر عام لشارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس (رويترز)

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

أظهرت أحدث نسخة من مشروع قانون الموازنة التونسية، أن تونس تأمل في خفض عجز الميزانية إلى 5.5 في المائة عام 2025 من 6.3 في المائة متوقعة في 2024.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من التظاهرة التي نظّمها أقارب معارضين للرئيس التونسي للمطالبة بالإفراج عنهم (د.ب.أ)

عائلات معارضين تونسيين معتقلين يتظاهرون ضد «الظلم»

تظاهر نحو مائة من أقارب معارضين للرئيس التونسي، بعضهم مسجون منذ ما يقارب العام ونصف العام، لمناسبة عيد الجمهورية للمطالبة بالإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي بإمكان العراقيين السفر إلى تونس من دون تأشيرة دخول (أ.ف.ب)

تونس تُعفي العراقيين والإيرانيين من تأشيرة الدخول

أعلنت تونس إعفاء الإيرانيين والعراقيين من تأشيرة الدخول إلى أراضيها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا تونسيون يعاينون الخراف في مركز بيع بمدينة القصرين حيث زادت أسعار الأضاحي بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف (أ.و.ب)

ارتفاع أسعار أضاحي العيد يقض مضجع التونسيين

أعداد كبيرة من التونسيين عبرت عن تذمرها وشكواها من ارتفاع أسعار أضاحي العيد، وهو ارتفاع كبير وغير منتظر، وأصبح يقض مضجع جل الآباء التونسيين.

«الشرق الأوسط» (تونس)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.