4 مذكرات سجن ضد مسؤولين تونسيين تلاعبوا بأموال مصادَرة

بالتزامن مع الكشف عن تمتع أغنياء بـ62 ألف بطاقة علاج مجاني مخصصة للفقراء

وزير الشؤون الاجتماعية خلال الجلسة البرلمانية (موقع البرلمان التونسي)
وزير الشؤون الاجتماعية خلال الجلسة البرلمانية (موقع البرلمان التونسي)
TT

4 مذكرات سجن ضد مسؤولين تونسيين تلاعبوا بأموال مصادَرة

وزير الشؤون الاجتماعية خلال الجلسة البرلمانية (موقع البرلمان التونسي)
وزير الشؤون الاجتماعية خلال الجلسة البرلمانية (موقع البرلمان التونسي)

كشفت السلطات التونسية، الأحد، عن مجموعة من ملفات الفساد التي يعود البعض منها إلى عقود مضت، في حين يرجع البعض الآخر إلى ما بعد سنة 2011، مؤكدة أنها «لن تتوانى في ملاحقة الأطراف المتهمة بالفساد، واستغلال النفوذ، والاستفادة من مواقعها في الإدارة التونسية»، وهي دعوة تتوافق مع سعي الرئيس التونسي قيس سعيد إلى «تطهير الإدارة التونسية من كل مظاهر الفساد».

وفي هذا السياق، أصدر قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، أربع مذكرات إيداع بالسجن، في حق أربعة مسؤولين بشركات تونسية تخضع للمصادرة، ووجّه لهم تهماً تتعلق بـ«الاستيلاء والتلاعب بأموال وممتلكات مصادرة تسعى الدولة للاستفادة منها في تمويل الموازنة، وتنفيذ مشاريع تنمية في الجهات الفقيرة».

من أشغال جلسة برلمانية (إ.ب.أ)

ووفق ما قدمته مصادر حقوقية تونسية، فإن ملف الفساد هذا، يتمثل في الاستيلاء على أموال شركة مصادرة والتلاعب بممتلكاتها، وقد شملت التحقيقات المدير التجاري للشركة، وأحد الموظفين، وخبيراً عدلياً معتمداً لدى المحاكم، إضافة إلى تاجر مختص في بيع وتوزيع قطع الغيار.

وتمخضت الأبحاث والتحريات الأمنية والمالية، عن وجود شبهات تجاوزات مالية، وقدرت عمليات التلاعب والاستيلاء على أموال الشركة المصادرة، بأكثر من خمسة ملايين دينار تونسي (نحو 1.6 مليون دولار).

وعلى صعيد متصل، كشف مالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة أحمد الحشاني، خلال جلسة برلمانية مخصصة لمناقشة موازنة تونس للسنة المقبلة، عن نتائج حملة مراقبة وتثبت، مؤكداً وجود 62 ألف بطاقة علاج مجاني، توجّه عادة إلى العائلات الفقيرة والمحدودة الدخل، وأفاد أمام نواب البرلمان بأنها «لم توجّه لمستحقيها في إطار العدالة الاجتماعية، بل إن الوزارة كشفت عن تمتع أشخاص ببطاقة العلاج المجانية (البطاقة البيضاء). وهؤلاء لديهم مئات الهكتارات من الأراضي الفلاحية والعقارات والسيارات ومحلات تجارية، ومع ذلك طمعوا في تلك البطاقات المخصصة لعلاج الفقراء».

الرئيس التونسي لدى استقباله رئيس الحكومة أحمد الحشاني (أرشيفية - موقع رئاسة الجمهورية)

وللحد من مظاهر «الفساد الإداري»، أكد وزير الشؤون الاجتماعية أن سنة 2024، ستشهد إصدار «بطاقة الأمان الاجتماعي» فقط. وهي ستعوض بطاقتَي العلاج الصفراء والبيضاء اللتين كانتا مستعملتين في السابق، وذلك لتجاوز مظاهر الفساد التي تتكرر، كلما كانت الفرصة مواتية، في غياب المراقبة الإدارية الصارمة.

وكان الزاهي، قد أبرز دور الوزارة في الإحاطة بجميع الفئات الاجتماعية والمضمونين الاجتماعيين، وبقيّة شرائح المجتمع، لا سيما من ذوي الدخل المحدود، فضلاً عن جهودها المبذولة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة من كلّ تمييز، وضمان أسباب اندماجهم الكامل في المجتمع وفي الحياة النشيطة.

وأكد أن التعاطي مع الشأن الاجتماعي «ينطلق من قناعة راسخة بوجاهة الخيارات التي انتهجها الرئيس التونسي قيس سعيد، وحرصه على تكريس الدور الاجتماعي للدولة التي لا يمكن أن تتخلى عنه وعن مسؤوليتها في محاربة الفقر، والقضاء على كلّ أشكال التهميش».


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.