«النهضة» متهمة بإغراق البرلمان التونسي بوظائف وهمية

عدد موظفيه يُقدّر بـ400 في حين أنّه يحتاج 200

جانب من إحدى الجلسات (موقع البرلمان)
جانب من إحدى الجلسات (موقع البرلمان)
TT

«النهضة» متهمة بإغراق البرلمان التونسي بوظائف وهمية

جانب من إحدى الجلسات (موقع البرلمان)
جانب من إحدى الجلسات (موقع البرلمان)

خلف قرار البرلمان التونسي إحالة ملفات انتداب نحو 120 موظفاً إلى لجنة التدقيق في الانتدابات الحكومية، جدلاً سياسياً واسعاً حول طريقة انتدابهم في تلك الوظائف، وهل أن منظومة الحكم السابقة التي تزعمتها «حركة النهضة» هي المتهمة بإغراق البرلمان بوظائف وهمية تزيد على النصاب المعقول، وذلك في إطار محاولة السيطرة على المجلس التشريعي، وعلى بقية مفاصل الدولة بعد 2011.

وفي هذا الشأن، قال فاضل بن تركية مساعد رئيس البرلمان التونسي المكلف بالتصرّف العام، في تصريح إعلامي، إن البرلمان أحال ملفات 120 من موظفيه، إلى لجنة التدقيق في الانتدابات في الإدارات التونسية، وأضاف أنّ إبراهيم بودربالة رئيس المجلس راسل رئاسة الحكومة بهدف تكليف لجنة حكومية للتحقيق في جميع ملفات البرلمان، وهو ما يندرج ضمن دعوات الرئيس التونسي قيس سعيد إلى «غربلة» الانتدابات والكشف عن المندسين في الإدارة التونسية.

إبراهيم بودربالة رئيس البرلمان التونسي (موقع البرلمان)

وأضاف بن تركية، أن عدد موظفي البرلمان يُقدّر بـ400 موظف، في حين أنّ البرلمان لا يحتاج إلا 200 موظف، وهو ما قد يؤدي إلى التخلص من نصف الموظفين.

وكانت الحكومة التي يرأسها أحمد الحشاني، أعلنت عن تشكيل لجنة وطنية للتدقيق في ملفات الانتداب التي عرفتها الإدارة التونسية من يناير (كانون الثاني) 2011 وإلى يوليو (تموز) 2021، وذلك بعد أن تسربت شكوك بأن عدداً من الأحزاب السياسية التي تزعمت المشهد السياسي التونسي بعد 2011، أغرق الإدارة بالانتدابات العشوائية مع إمكانية تزوير عدد من الشهادات الجامعية للحصول على تلك المناصب، علاوة على إعادة آلاف المفصولين عن العمل إلى سالف نشاطهم ضمن قانون العفو التشريعي العام، ومعظمهم منتمون إلى «حركة النهضة» التي يتزعمها راشد الغنوشي.

على صعيد متصل، خلفت انتقادات بعض المسؤولين في البرلمان تجاه الميزانية المخصصة للعمل التشريعي، تساؤلات حول حقيقة ضعفها؛ إذ أكد بن تركية، أنّ الميزانية المقدرة بـ38553 ألف دينار تونسي «ضعيفة جداً، ولا تمثل أكثر من 1 بالألف من ميزانية الدولة»، على حد تعبيره.

وفي هذا السياق، فإن إعلان البرلمان التونسي عن إعطاء نوابه الفائزين في الانتخابات البرلمانية 2022، منحة إضافية قدرها ألف دينار تونسي (نحو 330 دولاراً) لأشهر أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) 2023، خلف جدلاً مضاعفاً وتساؤلات متعددة حول «عقلية الغنيمة» التي ما تزال مسيطرة على مختلف المواقع الحكومية.

عدد من نواب البرلمان في جلسة لمناقشة الميزانية (موقع البرلمان)

وطالب عدد من موظفي الدولة بمراجعة أجورهم وتمكينهم من المنحة ذاتها، ما داموا يمارسون «وظيفة» مثل باقي الوظائف الإدارية وليست وظيفة تشريعية كما كان الشأن قبل إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021.

إلى ذلك، قالت سهام نمسية وزيرة المال التونسية، إن تونس شهدت في المدة الأخيرة، تخفيضاً لترقيمها السيادي من قبل أغلب وكالات التصنيف الائتماني، مرجعة ذلك إلى أسباب موضوعية، وأخرى غير موضوعية وسياسية.

وأضافت أمام نواب البرلمان التونسي، أن مسألة التخفيض في التصنيف السيادي لتونس مردّها تباطؤ النمو الاقتصادي المحلي الذي تأثر بعدة عوامل ومقاييس أخرى على غرار حاجات تونس للتمويل، علاوة على مقياس آخر هو عدم إبرام تونس لبرنامج جديد مع صندوق النقد الدولي. وأضافت: «لا نجد في بعض الأحيان تفسيراً للتخفيض في التصنيف السيادي لتونس».

وعدّت أن الإصلاحات التي تنفذها الحكومة ليس لها علاقة بالإملاءات الخارجية، قائلة: «نقوم بالإصلاح بمنظور تونسي - تونسي، ومشروع قانون المالية 2024 يترجم مجموعة من الإصلاحات الهيكلية على صعيد إدارة الدولة بصفة عامة».


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.