تونس: توقيف وزير أسبق ورجل أعمال بارز في قضايا فساد

تزامناً مع توقيف أجانب وسياسيين لاتهامهم بـ«جرائم مالية»

قرار التحفظ على الزواري جاء بسبب شبهة فساد في صفقة عمومية (الشرق الأوسط)
قرار التحفظ على الزواري جاء بسبب شبهة فساد في صفقة عمومية (الشرق الأوسط)
TT

تونس: توقيف وزير أسبق ورجل أعمال بارز في قضايا فساد

قرار التحفظ على الزواري جاء بسبب شبهة فساد في صفقة عمومية (الشرق الأوسط)
قرار التحفظ على الزواري جاء بسبب شبهة فساد في صفقة عمومية (الشرق الأوسط)

قالت «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» إنه تم اعتقال الوزير الأسبق عبد الرحيم الزواري، ورجل الأعمال البارز مروان المبروك للاشتباه في صلاتهما بقضايا فساد، مضيفة أن النيابة العامة في المحكمة الابتدائية قررت التحفظ على الزواري لخمسة أيام قابلة للتمديد بشبهة فساد مالي.

ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم المحكمة الابتدائية، محمد زيتونة، قوله إن قرار التحفظ على الزواري جاء بسبب شبهة فساد في صفقة عمومية تعود للسنوات الأخيرة. والزواري هو أحد الوزراء البارزين في نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي أطاحته انتفاضة شعبية عام 2011.

وتولى الزواري أكثر من حقيبة وزارية، منها العدل والشؤون الخارجية والرياضة والسياحة والنقل والفلاحة. وقد تفرغ الزواري بعد سقوط حكم بن علي لرئاسة واحدة من أكبر شركات توريد السيارات الفرنسية وتوزيعها في تونس، كان المالك الرئيسي فيها صهره وزوجته، إلى جانب شركات سياحية معروفة.

توقيف رجل الأعمال مروان المبروك جاء على خلفية الاشتباه في صلاته بقضايا فساد (الشرق الأوسط)

كما قررت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في تونس التحفظ على المبروك، صهر الرئيس الأسبق بن علي بشبهة «الاستيلاء على أموال شركات مصادرة من قبل الدولة». وأوضح زيتونة أن النيابة قررت التحفظ على المبروك لمدة خمسة أيام بسبب شكوى تقدم بها المكلف العام بنزاعات الدولة.

وفاجأ اعتقال مروان المبروك المراقبين في تونس؛ لأنه يعد من بين أبرز رجال الأعمال في البلاد، كما أنه ينتمي إلى مجموعة اقتصادية لديها أسهم كبيرة في أحد أكبر البنوك التونسية، هو بنك تونس العربي الدولي، وأيضا في كبرى الشركات التونسية - الفرنسية، بعد أسابيع من إصدار قرار منعه من السفر، مع عدد من أفراد عائلته، وشقيقيه المتهمين بدورهما في قضايا ذات «شبهات مالية».

وسبق أن أحيل المبروك مع عدد من كبار رجال الأعمال على التحقيق في عشرات قضايا الجرائم المالية بعد ثورة 2011، بينها اتهامات بـ«تبييض الأموال وتهريبها»، و«شراء أملاك بصفة غير قانونية في الخارج»، لكن المحاكم برأتهم من أغلب تلك القضايا. كما صادقت رئاسة الحكومة في عهد يوسف الشاهد (2017 - 2020) على إلغاء قرار مصادرة أملاكه في بلد أوروبي.

وشهدت الأسابيع الماضية إيقافات بالجملة في صفوف عدد من المتهمين بجرائم مالية واقتصادية، أو في قضايا إرهابية، بينهم رجال أعمال كبار، وعدد من المسؤولين السابقين عن البنوك العامة وشبه العمومية، ممن اتهموا بالموافقة على منح قروض وتسهيلات لشخصيات سياسية، ووجهاء «دون ضمانات مقنعة». لكن تم الإفراج عن عدد من هؤلاء المعتقلين بعد موافقتهم على الصلح الجزائي، وتقديم «ضمان مالي كبير» للمحكمة. وجاء ذلك بعد أن أعلن الرئيس قيس سعيد شن حملة بلا هوادة ضد الفساد والمفسدين.

توقيف المتهمين جاء بعد أن أعلن الرئيس سعيد شن حملة بلا هوادة ضد الفساد والمفسدين (رويترز)

في المقابل، يتابع القطب القضائي لمكافحة الإرهاب تحقيقاته مع عشرات من أبرز السياسيين ورجال الأعمال المتهمين في قضايا مالية وأمنية، بينها «التخابر مع جهات أجنبية»، و«التآمر على أمن الدولة».

وقد أحالت المحكمة العسكرية على «قطب مكافحة الإرهاب» قبل أيام ملفات عشرات المتهمين في قضية «التآمر»، التي اتهم فيها رجل الأعمال والناشط السياسي السابق وليد البلطي ومقربون منه.

كما جدد القضاء حبس عدد من الشخصيات السياسية المتهمة في قضايا مالية وإرهابية وأمنية، بينها بعض قيادات حركة «النهضة»، وحزب «الدستوري الحر» و«الجمهوري» و«التيار الديمقراطي».

في سياق ذلك، كشفت مصادر قضائية وأمنية رسمية عن أن سلطات الأمن والجهات القضائية المكلفة بملفات الإرهاب والجرائم المالية أوقفت عدة أجانب وشخصيات مالية وسياسية بارزة. وكشفت عن أن قاضي التحقيق بـ«القطب القضائي لمكافحة الإرهاب» أصدر أحكاماً بالسجن في حق خمسة أجانب يحملون جنسية دولة أوروبية، من أجل تهم «الانضمام إلى تنظيم إرهابي، والتخابر مع جهة أجنبية، وامتلاك سلاح ناري دون ترخيص».

وحسب المصادر نفسها، فقد جرى اعتقال «الأجانب الخمسة» منذ أكثر من أسبوعين بمدينة الحمامات (جنوبي العاصمة). وتم في مرحلة أولى توقيف ثلاثة منهم على متن سيارة خاصة بمدخل المدينة، إثر ورود معلومة تؤكد دخولهم التراب التونسي بطرق غير قانونية. وبالتحري معهم وتفتيش سيارتهم تم العثور على قطع مخدرة، قبل الكشف عن عنصرين آخرين كانا في انتظارهما. وبعد مداهمة المنزل وجدت قوات الأمن بداخله أسلحة نارية ومخدرات، وجوازات سفر أجنبية.



«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».