القاهرة تنفي «ادعاءات» عن تحذيرها إسرائيل من «طوفان الأقصى»

رداً على تصريحات لبرلماني أميركي

دمار لحق بمدينة غزة جراء غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)
دمار لحق بمدينة غزة جراء غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)
TT

القاهرة تنفي «ادعاءات» عن تحذيرها إسرائيل من «طوفان الأقصى»

دمار لحق بمدينة غزة جراء غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)
دمار لحق بمدينة غزة جراء غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

نفت القاهرة مجدداً تصريحات مكررة لأطراف أميركية وإسرائيلية عن قيامها بتحذير إسرائيل من عملية «طوفان الأقصى». وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، النائب الجمهوري مايكل ماكول، قد قال إن «مصر حذرت إسرائيل قبل 3 أيام من هجوم (حماس) على جنوب إسرائيل من أن حدثاً مثل هذا قد يحدث».

وأضاف ماكول، في تصريحات صحافية عقب جلسة إحاطة مغلقة للجنة الشؤون الخارجية حول الحرب (الأربعاء)، أن «الحكومة الأميركية ليست متأكدة تماماً كيف أخطأت هي وإسرائيل في توقع الهجوم المفاجئ لحركة (حماس) ضد إسرائيل»، مؤكداً أنه «يُعد فشلاً استخباراتياً كبيراً».

لكن مصدراً مصرياً مطلعاً نفى تلك «الادعاءات» تماماً، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بلاده واصلت التحذير من الإجراءات التصعيدية بشكل عام منذ وصول الحكومة السابقة إلى السلطة، وهو الأمر الذي أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية (المصرية) بوضوح، كما نشرت صحف إسرائيلية تقارير عن تلك التحذيرات».

وفي محاولة لتفسير مثل هذه التصريحات، عدّ المصدر - الذي طلب عدم ذكر اسمه - تلك التصريحات «جزءاً من الصراع السياسي في إسرائيل»، مشيراً إلى أن «بعض الأطراف تُحاول أن تظهر خصومها في موقع (الضعيف وعديم الكفاءة)، عبر الإيحاء بعدم استجابته للتحذيرات الواضحة».

جاءت تصريحات ماكول بعد سلسلة من التقارير أفادت بأن مسؤولي الاستخبارات المصرية أرسلوا تحذيرات إلى إسرائيل قبل هجوم «حماس». وبحسب وكالة «أسوشييتد برس» (الاثنين) الماضي، فإن «مسؤولاً في الاستخبارات المصرية (لم تذكر اسمه) قال إن مصر حذرت إسرائيل مراراً وتكراراً من (شيء كبير)، لكن تم التقليل من أهمية هذا التحذير لأن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يركزون على الضفة الغربية». ونقلت الوكالة عن هذا «المسؤول المصري» قوله: «لقد حذرناهم من أن انفجاراً للوضع قادم وقريب جداً، وسيكون كبيراً، لكنهم قللوا من شأن هذه التحذيرات».

ولم يتجاهل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما جاء في هذه التصريحات، وخرج ليدافع عن نتنياهو، وينفي هذه التقارير، بل يصفها بـ«الكاذبة تماماً»، ويؤكد أنه «لم تصل أي رسالة مسبقة من مصر بشأن التحذيرات، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتحدث ولم يلتقِ برئيس الاستخبارات المصرية منذ تشكيل الحكومة، لا بشكل مباشر، ولا غير مباشر».

لكن صحيفة «فايننشال تايمز» نشرت تقريراً آخر، الأربعاء الماضي، عزّز النفي المصري، حيث نقلت فيه عن «مسؤولين» لم تذكر اسميهما قولهما إن «الاستخبارات المصرية حذّرت إسرائيل مراراً وتكراراً من أن الوضع في قطاع غزة قد (ينفجر)». وأضاف المسؤولان، وفق الصحيفة، أنه لا توجد معلومات استخباراتية قوية حول هجوم محدد، وأن هذا مجرد «تحذير عام».

وفيما يرى مراقبون في القاهرة أن مصر كررت تحذيراتها العلنية لإسرائيل من مغبة أفعالها تجاه الفلسطينيين، فإنهم يشددون على أن هذه التحذيرات تستهدف الوصول إلى التهدئة اللازمة لصُنع السلام. ويرى مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، فاروق المقرحي، عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن مصر «وجّهت من قبل تحذيرات كثيرة لإسرائيل بأن ما تقوم به من أعمال يُفاقم الأوضاع في فلسطين»، كما أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذه الادعاءات قد تكون من داخل تل أبيب أو من أطراف خارجية، بهدف إرباك حكومة نتنياهو، وإظهارها أمام الرأي العام الإسرائيلي بالضعف لعدم رصد ما كانت تخطط له (حماس)».

وفي هذا الصدد، يشدد المصدر المصري المطلع على أن «سياسة مصر واضحة، وهي تقوم على محاولة تنفيذ مقررات الشرعية الدولية ووقف التصرفات الاستفزازية وإيجاد سبل وآليات للتفاهم، والخطاب المصري في هذا الإطار علني، ويتم إيصاله لكل الأطراف».

وتؤدي مصر دوراً غالباً في احتواء أزمات الصراع المسلح بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، ونجحت في مرات كثيرة، آخرها بمدينة «العلمين» المصرية، في يوليو (تموز) الماضي، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في التوصل إلى اتفاقات تهدئة استمرت فعّالة لفترات متباينة.

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية، الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، علي الحفني، لـ«الشرق الأوسط»، إن القاهرة ترد على هذه «الادعاءات» بشكل عملي «عبر القيام باتصالات موسعة مع الأطراف الدولية والعربية، وكذا الفلسطينيون والإسرائيليون، لوقف العنف والتوصل إلى التهدئة».


مقالات ذات صلة

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».