انتقادات في تونس لتقسيم البلاد إلى أقاليم استعداداً للانتخابات المحلية

المعارضة والموالاة تشتركان في مهاجمة «العمل أحادي الجانب»

خريطة تقسيم تونس إلى أقاليم (موقع هيئة الانتخابات)
خريطة تقسيم تونس إلى أقاليم (موقع هيئة الانتخابات)
TT

انتقادات في تونس لتقسيم البلاد إلى أقاليم استعداداً للانتخابات المحلية

خريطة تقسيم تونس إلى أقاليم (موقع هيئة الانتخابات)
خريطة تقسيم تونس إلى أقاليم (موقع هيئة الانتخابات)

وجهت قيادات سياسية تونسية عدة انتقادات إلى تقسيم البلاد إلى أقاليم استعداداً للانتخابات المحلية التي ستفضي إلى إرساء «المجلس الوطني للجهات والأقاليم»، والذي سيضم 77 عضواً، وسيمثل الغرفة النيابية الثانية إلى جانب البرلمان المنبثق عن انتخابات 2022.

وتركزت هذه الانتقادات الصادرة عن أطراف معارضة وأخرى مؤيدة للمسار السياسي الذي أقره الرئيس التونسي قيس سعيد، على عدم التوازن بين الجهات، مؤكدة «أن تقسيم تونس إلى 5 أقاليم بعضها من جهات الساحل، وأخرى من المناطق الداخلية الفقيرة قد يؤدي إلى ضغوطات اجتماعية إضافية، في حال لم تتوافر الاعتمادات المالية الكافية لتمويل مشاريع التنمية، وخلق فرص العمل، وفي هذه الحالة فإن المناطق الفقيرة ستستنزف قدرات المناطق الغنية، وتعيدها إلى حالة الفقر».

هيئة الانتخابات تستعد للانتخابات المحلية (موقع الهيئة)

كما أكدت قيادات سياسية معارضة أن فكرة إحداث أقطاب تنمية ليست جديدة، وقد طرحت في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وما زالت بعض المؤسسات الحكومية الكبرى، على غرار «الشركة التونسية للكهرباء والغاز»، و«الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه»، تعمل بهذا النظام وتجمع بين ولايات (محافظات) عدة في إقليم واحد، وهي فكرة صعبة التنفيذ وتتطلب إمكانات مالية هائلة.

وفي هذا الشأن، عبّرت فاطمة المسدي النائبة في البرلمان في تصريح إذاعي عن عدم رضاها عن الإقليم الرابع الذي يضم ولايات: توزر(جنوب)، وسيدي بوزيد (وسط)، وصفاقس (وسط شرق)، وقفصة (جنوبي غرب)، مؤكدة «أن كل إقليم من الأقاليم الخمسة المعلن عنها يتضمن مدينة سياحية ساحلية، وهو ما يتطلب قيام الدولة بعمليات استثمارية كبرى لتحويل صفاقس على سبيل المثال، إلى مدينة سياحية ساحلية عن طريق تحويل «مشروع تبرورة» المعطل منذ سنوات إلى مشروع سياحي... أو غيرها من الفرضيات، حتى تصبح صفاقس وجهة سياحية ترفيهية فعلية. وفي حال الفشل في هذا التوجه، فإن هذا الإقليم سيعد فقيراً ومتروكاً»، على حد تعبيرها.

وكشفت المسدي عن «عدم إشراك نواب الغرفة الأولى للبرلمان المنبثق عن انتخابات 2022 في مناقشة المشروع، وعدم طرحه من حيث الأصل للنقاش»، مؤكدة غياب التّحاور في شأنه من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، والأمر «لا يزال غير مفهوم».

الإعلان عن موعد الانتخابات المحلية (موقع الهيئة)

وأضافت المسدي: «نحن، بوصفنا نواباً نمثل التونسيين، لم نُسْتَشَرْ في تصور تقسيم تونس إلى أقاليم، وهو عمل أحادي الجانب من الرئيس». وكان فاروق بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات التونسية قد أعلن في مؤتمر صحافي يوم الخميس الماضي، عن موعد إجراء الانتخابات المحلية، مؤكداً أنها ستُجرى يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل على أن تعلن نتائجها يوم 27 يناير(كانون الثاني) على أقصى تقدير، ليجري بذلك تركيز «مجلس الجهات والأقاليم» بوصفها غرفة نيابية ثانية في منظومة الحكم، التي أقرها سعيد على أنقاض البرلمان التونسي المنحل الذي كان يرأسه زعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي.

وفي السياق نفسه، رأى أحمد نجيب الشابي رئيس «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة، أن التوازن بين المناطق وتنميتها مثّلا إحدى القنابل «التي فجرت ثورة 2011، إلى جانب تشغيل الشباب»، مؤكداً أن تقسيم تونس لأقاليم يمثل «فشلاً إضافياً».

صورة من جلسة سابقة للبرلمان التونسي (موقع البرلمان )

وأكد الشابي على هامش الوقفة التضامنية الدورية لمساندة الموقوفين في إطار ما يعرف بقضية «التآمر على أمن الدولة»، التي نُظمت السبت الماضي، أمام المسرح البلدي بالعاصمة التونسية، أن المجلس التأسيسي الذي تشكل سنة 2011، «اهتم بإرساء سلطة لا مركزية بناءً على تجارب عالمية ناجحة»، لافتاً إلى أن هذا المشروع «تُرك جانباً بعد الإطاحة بكامل منظومة الحكم».

وأضاف الشابي أن خريطة البلاد فصلت على «مقاس الحاكم من دون أي معنى، من أجل إرساء غرفة ثانية قزمية» بالبرلمان، وتوقع «لا مبالاة كاملة من قبل التونسيين تجاه هذا التقسيم الجديد» والعملية الانتخابية برمتها».


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.