كثّفت مدفعية الجيش السوداني، (الأحد)، قصفها مواقع قوات «الدعم السريع» في جبهات عدة بمدينة أمدرمان، ثاني كبرى مدن العاصمة الخرطوم، من أجل السيطرة الكاملة على المدينة، وذلك بالتزامن مع شن ضربات جوية بالطيران الحربي والمسيّرات في مناطق عدة شرق وجنوب الخرطوم. وقال سكان إن الجيش نشر قوات كبيرة مدججة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة ترافقها دبابات، لتطويق قوات «الدعم السريع» في أحياء أمدرمان، ما خلق حالة من الترقب لاندلاع معارك ضارية بين الطرفين.
من جانبها، راحت قوات «الدعم السريع» تعزز موقفها على الأرض بحشد مزيد من جنودها والسيارات المدرعة. وقال مصدر محلي لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش بدأ منذ صباح الأحد، بقصف مدفعي باتجاه وجود قوات «الدعم السريع» في عدد من حارات حي أمبدة، موضحاً أن «اشتباكات جرت مع سماع انفجارات مدوية في حي الثورات المجاور لحي أمبدة».
حفر الخنادق
ووفقاً لشهود عيان في تلك الحارات المأهولة بالسكان، بدأ جنود من الجيش في حفر خنادق وإغلاق عدد من الطرق الرئيسية بسواتر ترابية، لتطويق قوات «الدعم السريع» في المنطقة من اتجاهات عدة. ورجح الشهود أن يكون القصف الجوي والمدفعي المكثف الذي ظل الجيش يشنه على مناطق عدة في أمدرمان خلال الأيام الماضية، ربما يكون استباقاً لعملية اجتياح بري واسعة يُتوقع اندلاعها في أي وقت.
ورصد شهود تقدماً لقوات الجيش على الأرض في المنطقة، وإقامة بعض الارتكازات لهم، لكن دون توغل في المواقع التي تقع تحت سيطرة قوات «الدعم السريع»، وهو الأمر المتوقع حدوثه خلال الفترة المقبلة، على حد قولهم. وأضافوا أن حارات أمبدة تشهد اشتباكات مستمرة وعمليات كر وفر بين قوات الطرفين في وسط الأحياء السكنية لأكثر من أسبوع على التوالي.
الخريطة الجغرافية
وبحسب الخريطة الجغرافية للموقف الميداني، لا تزال قوات «الدعم السريع» تحكم قبضتها على أجزاء واسعة من مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم وبحري وأمدرمان)، وعدد من المناطق العسكرية والمؤسسات السيادية التي استولت عليها في وقت سابق. ودفع القصف المدفعي والتحشيد المضاد للجيش و«قوات الدعم» السريع حول حارات أمبدة إلى تهجير قسري لأعداد كبيرة من المواطنين في الأيام القليلة الماضية.
وتسيطر قوات «الدعم السريع» على الأحياء القديمة في وسط مدينة أمدرمان، والمناطق الغربية والجنوبية، والأحياء في محيط سلاح المهندسين الذي يقع تحت سيطرة الجيش، بالإضافة إلى أحياء كرري، وقاعدة «وادي سيدنا» الجوية شمال المدينة. وقال سكان من أحياء أمدرمان القديمة، إن قوات «الدعم السريع» أطلقت قذائف مدفعية على مقر «سلاح المهندسين» التابع للجيش في غرب أمدرمان. وأضافوا أن سقوط القذائف توالى منذ صباح يوم الأحد على المنطقة وعلى هيئة الأركان وسكن الضباط الواقع بداخلها، وأيضاً السلاح الطبي المجاور لها. وعدّ الشهود أكثر من 50 قذيفة.
من جهة أخرى، قال سكان إن قصفاً مدفعياً مكثفاً للجيش استهدف أحياء المنشية والرياض وبُري شرق الخرطوم، التي تنتشر فيها قوات «الدعم السريع» بشكل كبير. وذكر السكان أن القصف المدفعي طال أيضاً أحياء النهضة والإنقاذ والأزهري، جنوب العاصمة، المجاورة للمدينة الرياضية من الجهة الجنوبية.
سلاح المدرعات
وفي موازاة ذلك، تتداول أنباء عن تمكن قوات الجيش من تأمين محيط «سلاح المدرعات» في منطقة الشجرة جنوب الخرطوم، ويجري عمليات تمشيط واسعة للأحياء المجاورة من قوات «الدعم السريع». لكن قوات «الدعم السريع» أكدت في تعميم صحافي، سيطرتها على أجراء واسعة من مقر سلاح المدرعات، وتفرض حصاراً محكماً على المناطق المتبقية. وأضاف التعميم أن «أبواق الفلول الإعلامية تعتمد التضليل وصناعة انتصارات زائفة لرفع الروح المعنوية لقواتها». وتعهد قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، يوم السبت، بمواصلة القتال حتى إنهاء «تمرد قوات الدعم السريع». ونشر جنود تابعون لسلاح المدرعات مقطعاً مصوراً (الأحد)، قالوا إنه لتمشيط حي اللاماب الواقع غرب سلاح المدرعات.
تصاعد القتال في أمدرمان
وتصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منذ مطلع أغسطس (آب) في وسط مدينة أمدرمان، وتوسعت أكثر خلال اليومين الأخيرين نحو أحياء أمبدة غرب المدينة، في محاولة لقطع خط الإمداد عن قوات «الدعم السريع» من غرب البلاد، والسيطرة على جسر «شمبات» الحيوي الذي تستخدمه للتحرك عبر مدن العاصمة الثلاث.
وتبسط قوات «الدعم السريع» السيطرة على أجزاء واسعة من ولاية الخرطوم، بينما يسعى الجيش إلى قطع طرق الإمداد عبر الجسور التي تربط مناطق أمدرمان وبحري والخرطوم، التي تشكّل العاصمة الأوسع على جانبي نهر النيل.
في المقابل، أفاد شهود عيان بأن الطائرات الحربية التابعة للجيش شنت غارات جوية استهدفت ارتكازات لقوات «الدعم السريع» في منطقة الباقير جنوب شرقي الخرطوم على الطريق الرابطة بينها وولاية الجزيرة. نفذ الجيش أيضاً ضربات جوية بطائرات مسيّرة استهدفت تمركزات لقوات «الدعم السريع» في منطقة شرق النيل، وفقاً للشهود. كما أفاد سكان بأن مناوشات دارت بين الطرفين في حيَي اللاماب والرميلة جنوب الخرطوم.
البرهان ومناوي
من جانبه، التقى البرهان، في مقر إقامته بمدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر في شرق البلاد، حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، وبحث معه الأوضاع الأمنية والإنسانية. وقال مناوي في تصريح صحافي، إن اللقاء بحث القضايا الإنسانية التي خلفتها الحرب وتأثيراتها السالبة على المواطنين، مضيفاً أن مواطني دارفور في حاجة ماسة لمواد الإيواء والإغاثة لمساعدتهم على الاستقرار.
ووفقاً لبيان إعلام مجلس السيادة، قال حاكم إقليم دارفور إن اللقاء تناول سير تنفيذ اتفاقية «جوبا للسلام»، مشدداً على أهمية تنفيذها، خصوصاً ملف الترتيبات الأمنية، وذلك لضمان استدامة السلام والاستقرار في البلاد. واتخذ حاكم الإقليم، الذي يتزعم حركة «جيش تحرير السودان»، موقفاً محايداً بين الطرفين في الحرب الدائرة منذ 15 أبريل (نيسان) بين الجيش وقوات «الدعم السريع».
وكان البرهان قد خاطب حشداً من قواته يوم السبت، قائلاً إن «القوات المسلحة والشعب متفقان على دحر التمرد»، مشيداً بالاحترافية العالية لأفراد القوات المسلحة، ودعا في الوقت ذاته إلى مضاعفة الجهود من قبل المعاهد العسكرية لضمان زيادة الاحترافية. وأعلن البرهان ترحيبه بأي دعم من الدول الشقيقة والصديقة لإعادة إعمار البلاد، لكنه قطع بعدم قبول أي إملاءات. وقال البرهان في المنطقة العسكرية في مدينة كسلا: «إن إخوانكم في الخرطوم يقاتلون حتى القضاء على التمرد الذي نعلم أن قوته تتناقص». وأضاف: «نقاتل صفاً واحداً، القوات المسلحة والمخابرات والشرطة يقاتلون، والنصر حليفنا».