تونس تشن حرباً على مروّجي الشائعات «لضرب استقرار الدولة»

سعيد تعهّد بمقاضاتهم... وحقوقيون اعتبروا القرار «استهدافاً لحرية التعبير»

الرئيس سعيد خلال اجتماعه مع وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال (الرئاسة)
الرئيس سعيد خلال اجتماعه مع وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال (الرئاسة)
TT

تونس تشن حرباً على مروّجي الشائعات «لضرب استقرار الدولة»

الرئيس سعيد خلال اجتماعه مع وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال (الرئاسة)
الرئيس سعيد خلال اجتماعه مع وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال (الرئاسة)

قالت الحكومة التونسية إنها ستلاحق قضائياً، وبشكل دوري، منشورات ومنصات على مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى مكافحة الأخبار الكاذبة، والإضرار باستقرار ومصالح الدولة وتشويه رموزها.

وصدر بيان مشترك موقَّع من وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال، اليوم الخميس، يحذر من الإسهام أو المشاركة في نشر محتوى مواقع ملاحقة لدى القضاء، لكن هذه الخطوة أثارت مخاوف من زيادة القيود على حرية التعبير، مع تواتر دعاوى قضائية واعتقالات ضد صحافيين ومُدونين ونشطاء بسبب نشر أخبار أو آراء على مواقع إلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن البيان المشترك أكد أن السلطات بدأت بالفعل تحقيقات قضائية، للكشف عن هويات مستخدمي حسابات تنشر أو تُروج أخباراً كاذبة أو شائعات غير صحيحة، بنيّة التشهير والإساءة للغير، والإضرار بالأمن العام والسِّلم الاجتماعي ومصالح الدولة، والسعي لتشويه رموزها، مبرزاً أنه سيجري نشر قوائم الصفحات الملاحقة بشكل دوري على المواقع الرسمية.

من تظاهرة سابقة لصحافيين احتجاجاً على ما اعتبروه تضييقاً على حرية التعبير في البلاد (إ.ب.أ)

وتعهّد الرئيس قيس سعيد، منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 2021، وحلّه أغلب الهيئات الدستورية، ومن ثم تعزيز صلاحياته بشكل واسع في دستور جديد، بضمان حرية التعبير والصحافة، لكن منظمات حقوقية تتهم السلطة بالتضييق على الصحافيين والنشطاء، عبر إثارة قضايا ضدهم ومنع تداول المعلومات.

في سياق ذلك، خصَّص سعيد اللقاء، الذي جمعه، أمس الأربعاء، بوزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال، وعدد من القيادات الأمنية العليا، وكذا المستشار الأول لدى رئيس الجمهورية المكلف بالأمن القومي، لتناول ملف الجرائم الإلكترونية، ودور «الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية (حكومية)» في الكشف عن هوية مُروجي الشائعات والأخبار الزائفة على مواقع التواصل، إلى جانب ضرورة التنسيق مع عدد من الدول، لوضع حدّ «للانفلات» الذي تعجّ به بعض صفحات التواصل الاجتماعي.

وسبق هذا الاجتماع الرئاسي جلسة عمل مشتركة جمعت وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال، خُصّصت لاعتماد طريقة عمل لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وتتبُّع مرتكبيها، والتصدّي لصفحات التواصل الاجتماعي التي تسعى للمسّ بمصالح الدولة التونسية ومواطنيها، عبر نشر الشائعة والأخبار الكاذبة.

وحذّرت الوزارات الثلاث بأن «كلّ من يساهم أو يشارك في نشر محتوى موقع، أو صفحة محلّ تتبع عدلي أو جزائي، بأيّ طريقة كانت، داخل أو خارج التراب التونسي، فإنّه يُعرض نفسه إلى المساءلة». وقالت إنها ستنشر لاحقاً قوائم الصفحات والمجموعات الإلكترونية محلّ التتبع بصفة دورية على المواقع الرسمية.

لكن ناجي العباسي، المهتم باستعمالات الإنترنت، أكد، لـ«الشرق الأوسط»، أن مراقبة أكثر من 7 ملايين مستعمل للشبكة العنكبوتية في تونس «تُعدّ أمراً شبه مستحيل»، ودعا، في المقابل، إلى اللجوء إلى حملات التوعية، وإرساء مناخ اجتماعي وسياسي سليم، بدل مقاضاة مُروجي الشائعات والأخبار الزائفة.

وقال العباسي إن «غياب المعلومة الرسمية في أحيان كثيرة، وعدم وجود متحدثين باسم الكثير من المؤسسات الرسمية، قد يفتحان الأبواب على مصراعيها أمام الشائعة»، مبرزاً أن بعض الدول التي انتشرت فيها الشائعات والأخبار الزائفة عرفت كيف تقاوم الشائعات من خلال نشر المعلومة الرسمية قبل غيرها من الأطراف، التي باتت تستعمل هذه الوسيلة للتأثير في الرأي العام.

ولاحظ العباسي أن مواطني تونس «باتوا يستقون بعض المعلومات والمعطيات الرسمية من صفحات التواصل الاجتماعي، لذلك فإن الحل الأمني لن يكون مُجدياً»، على حد تعبيره.

وكان الرئيس التونسي قد أكد عدم تراجع أجهزة الدولة عن مواجهة السب والشتم في صفحات التواصل الاجتماعي، وقال إن التهديد بالقتل وهتك الأعراض، وبثّ الشائعات والسب والشتم أمور لا علاقة لها بحرية التفكير أو بحرية التعبير، ولن نتراجع عن مواجهة هذا الانفلات، معتبراً أنه لا مجال للتردد في تطبيق القانون ضد أفعال يُجرّمها القانون.

وأضاف سعيد أن حملات التشويه والتهديد تتزامن في كثير من الأحيان لتستهدف جهة محددة، أو أشخاصاً بأسمائهم ووظائفهم، ومثل هذا التزامن يدلّ، وفقاً له، على «تدبير مسبق وتخطيط مرتّب، تتولاه مجموعات هدفها بثّ الفوضى وزعزعة الاستقرار».

يُذكَر أن الرئيس التونسي أصدر، في سبتمبر (أيلول) 2022، مرسوماً يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، لكنه قُوبل بانتقادات منظمات حقوقية واجتماعية وإعلامية، حيث اعتبرته «ضرباً ممنهجاً لحرية التعبير والصحافة، وحلقة جديدة في مسار تكميم الأفواه، وتوجّهاً يهدف إلى خنق المؤسسات الإعلامية اقتصادياً واجتماعياً، ودفعها إلى التوقف عن العمل».


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
TT

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)
السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع لحظات بكاء وتأثر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه، الخميس، قادة القوات المسلحة المصرية في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة).

وتصدر وسم «#السيسي_القايد» الترند في مصر، مع مشاركة مقاطع فيديو من لقاء السيسي، والاحتفاء بكلماته.

اللقاء الذي حضره القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة، وقادة الأفرع الرئيسية، تناول، حسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، تطوّرات الأوضاع على الساحتَين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط».

وخلال اللقاء طلب السيسي من المتحدث العسكري، العقيد غريب عبد الحافظ، أن يسدي له نصيحة، قائلاً: «تنصحني بإيه؟»، ليرد الأخير: «هون على نفسك يا فندم».

وتعليقاً على رد المتحدث العسكري، قال السيسي، الذي بدا عليه التأثر حابساً دموعه: «هما يومان في الدنيا، وبعد ذلك سنموت... يا رب يقبلني».

وأضاف الرئيس المصري مخاطباً المتحدث العسكري أنه «عندما تفهم الحكاية التي نتواجد بسببها في الأرض... لن تهون عليك أبداً»، وتابع: «عندما جاءت السيدة فاطمة أثناء وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قالت له: (واكرباه). فرد عليها الرسول وهو ينتقل إلى الرفيق الأعلى: (لا كرب بعد اليوم على أبيكِ)».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال إن سياسة بلاده الخارجية تتمتع بالاعتدال (الرئاسة المصرية)

وحرص رواد مواقع «التواصل» على مشاركة مقطع الفيديو، الذي يظهر فيه تأثر الرئيس المصري وهو يرد على المتحدث العسكري، من بينهم الإعلامي المصري أحمد موسى.

بينما دعا مغردون أن يعين الله الرئيس المصري ويؤيده بنصره.

وكتب آخرون، متمنين أن يحمي الله السيسي من «كيد الحاقدين».

كما عد حساب آخر بكاء الرئيس «دليلاً على ثقل الحمل الذي يتحمله».

في المقابل، ظهرت تعليقات و«هاشتاغات» ناقدة ومشككة في المشهد الذي تم بثه عبر القنوات التلفزيونية الرسمية.

وهو ما عده الخبير العسكري المصري، اللواء سمير فرج، «محاولة للتقليل من مكانة البلاد عبر الادعاء بأن حديث السيسي وتأثره هدفهما استعطاف المصريين»، مشيراً إلى أن «وراء هذه الادعاءات جماعات تسعى باستمرار للتشكيك في كل شيء، وفي كل تصريح، بهدف إثارة البلبلة وتحريض الرأي العام».

وأكد فرج لـ«الشرق الأوسط» أن «كلمات الرئيس خلال لقائه قادة القوات المسلحة حظيت بتفاعل واسع في الداخل والخارج»، مشيراً إلى أن «تأثر السيسي خلال اللقاء يعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد». وقال إن «السيسي سبق وقال له إنه كمن يمسك جمراً في يده، نظراً لحجم المخاطر التي تحيط بالبلاد، لا سيما خلال الفترة الأخيرة منذ اندلاع حرب غزة».

وأضاف فرج: «نعيش فترة عصيبة تحتاج حنكة وحكمة في اتخاذ القرارات». وأوضح أن «السيسي تحدث خلال اللقاء عن التهديد الذي يواجه مصر عبر جبهاتها الاستراتيجية الثلاث؛ سيناء شرقاً، وليبيا غرباً، والسودان واليمن جنوباً»، وأكد الرئيس المصري «ضرورة التأني في اتخاذ القرارات حتى لا تفقد البلاد ما بنته من تسليح وتدريب خلال السنوات الماضية».

الرئيس المصري خلال لقاء قادة القوات المسلحة المصرية (الرئاسة المصرية)

ولم يقتصر التفاعل على لحظات التأثر، بل امتد لتصريحات السيسي خلال اللقاء. وقال الإعلامي وعضو ومجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، عبر حسابه على «إكس»، إن «حديث الرئيس السيسي مع قادة القوات المسلحة يعكس حرصه على التشاور معهم بشأن التحديات التي تواجه مصر في الوقت الراهن على كافة الاتجاهات الاستراتيجية».

ولفت بكري إلى أن الرئيس المصري أرسل خلال اللقاء رسائل عدة؛ من أبرزها «التأكيد على أن إدارة مصر المتزنة ساهمت في الاستقرار، وأن مصر ليست في معزل عما يدور حولها من أزمات وتحديات، مع التشديد على ضرورة الحفاظ على التدريب والجاهزية للقوات المسلحة للحفاظ على أمن مصر القومي».

من جانبه، أشار الخبير العسكري المصري إلى أن «لقاء السيسي مع الجيش هذه المرة مختلف، حيث حضره قادة الفرق واللواءات، على غير المعتاد في مثل هذه الاجتماعات التي يحضرها (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) وقادة الجيوش، ما يعني أن الرئيس أراد أن تصل رسالته لكل جندي».

وحمل لقاء السيسي مع قادة القوات المسلحة «رسائل عدة للداخل والخارج، ملخصها أن الجيش جاهز ومتيقظ»، حسب سمير فرج.

تناول اللقاء، «جهود القوات المسلحة في تأمين جميع الاتجاهات الاستراتيجية للدولة ومدى جاهزيتها لتنفيذ المهام التي تُوكل إليها»، حيث أكد الرئيس المصري أن «القوات المسلحة هي أهم ركيزة للاستقرار في مصر والمنطقة في ظل الأزمات والصراعات التي تحيط بالبلاد على كافة حدودها»، معرباً عن «اطمئنانه تجاه الدور الحيوي الذي يلعبه الجيش في الحفاظ على استقرار البلاد».

وقال السيسي إن «المنطقة تمر بظروف صعبة، ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة والتطورات الجارية في الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة، في كافة حدود الدولة الغربية والجنوبية والشرقية والشمال الشرقي».

وأضاف أن «سياسة مصر الخارجية تتمتع بالاعتدال»، مشيراً إلى أن «مهمة القوات المسلحة لا تقتصر على التدريب العسكري فحسب، بل تتفاعل أيضاً مع الوضع السياسي والأمني في الداخل والخارج»، وشدد على «أهمية اتخاذ القرارات السليمة مهما كانت جاهزية القوات للحفاظ على كل المكتسبات التي تحققت خلال 10 سنوات مضت».