قال سكان اليوم (الثلاثاء)، إن العاصمة السودانية (الخرطوم) تشهد هدوءاً حذراً بعد قتال عنيف بالمدافع والطيران بين الجيش وقوات «الدعم السريع» استمر ليومين على التوالي، عقب هدنة قصيرة لمدة 24 ساعة انتهت صباح أول من أمس.
وأبلغ سكان جنوب العاصمة «وكالة أنباء العالم العربي» بأن القصف المدفعي وسقوط القذائف على الأحياء استمر حتى وقت متأخر من مساء أمس الاثنين. وقال المواطن أيوب جمعة: «على الرغم من توقف القتال صباح اليوم، فإن الطيران الحربي ما زال يحلق في سماء العاصمة، ما يعني أن هناك نية لاستمرار القتال».
وأضاف: «لم يتوقف تساقط الدانات والقذائف على أحياء جنوب الخرطوم منذ يومين. مساء أمس، سقطت دانة بمنزل أحد الجيران تسببت في جروح لشخصين، وكسر في قدم رب الأسرة».
وأشار أيوب إلى أن الأسرة وجدت صعوبة في الوصول إلى مستشفى «بشائر»، وهو المستشفى الوحيد الذي يعمل بمنطقة جنوب الخرطوم؛ بسبب استمرار القتال وانتشار القوات العسكرية في الطرق الرئيسية والأزقة في الأحياء.
وأضاف: «كانت الدماء تغطي المكان، ولم نستطع فعل شيء. هذا إحساس صعب للغاية».
وأعلنت اللجنة التمهيدية «لنقابة أطباء السودان» في مطلع يونيو (حزيران) الحالي أن 66 في المائة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة.
وأبلغ سكان في مدينة أم درمان «وكالة أنباء العالم العربي» بسماع دوي طلقات مدافع متقطع شمال المدينة، صباح اليوم، مع تحليق مكثف للطيران الحربي.
وأشارت ماريا حامد، التي تسكن شمال المدينة، في حوار مع «وكالة أنباء العالم العربي» إلى أن الأوضاع هدأت صباح اليوم. لكنها قالت: «نسمع دوي مدافع من وقت لآخر. كانت الاشتباكات أمس في الشوارع المحيطة بنا؛ تساقطت فوارغ الرصاص في فناء منزلنا، وفي شوارع الحي، واضطررنا للاختباء تحت الأسرّة».
وذكرت أن الاشتباكات أدت إلى اندلاع حريق في إحدى الصيدليات الكبرى التي تعمل بانتظام منذ بداية الصراع المسلح بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، وأن معظم المحال التجارية والمخابز بالمنطقة لم تتمكن من فتح أبوابها نتيجة للرعب.
وتتخوف ماريا من أن يؤدي استمرار الاشتباكات وسط الأحياء إلى إحجام أصحاب المحال التجارية والمرافق الخدمية عن العمل بسبب المخاطر الأمنية العالية.
ويعاني المدنيون في السودان ظروفاً معيشة صعبة، حيث تحوّلت مناطق سكنية في الخرطوم وأنحاء أخرى من البلاد إلى ساحات للمعارك العسكرية، مع انقطاع الكهرباء والمياه لساعات طويلة، وخروج العديد من المستشفيات عن الخدمة.
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» على نحو مفاجئ في منتصف أبريل (نيسان)، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.
وكان من المفترض أن تنتهي تلك العملية بإجراء انتخابات في غضون عامين؛ لكن الطرفين كانا قد اختلفا حول خطط دمج قوات «الدعم السريع» في الجيش.
واتفق الطرفان على أكثر من هدنة خلال المعارك المستمرة بينهما منذ ما يقرب من الشهرين، كان آخرها برعاية سعودية - أميركية؛ لكنهما يتبادلان الاتهامات بانتهاكها مراراً.
ويوم الجمعة الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة توصل ممثلي الجيش وقوات «الدعم السريع» إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أنحاء السودان كافة لمدة 24 ساعة، تبدأ اعتباراً من الساعة السادسة من صباح يوم السبت الماضي بتوقيت الخرطوم.
وقال البلدان الميّسران للمحادثات، في بيان مشترك أمس، إنهما لاحظا أن وقف إطلاق النار الذي انتهى صباح الأحد «مكّن من إيصال المساعدات الإنسانية الحيوية وتحقيق بعض تدابير بناء الثقة».
غير أن الرياض وواشنطن عبّرتا عن أسفهما الشديد لعودة الطرفين إلى أعمال العنف فور انتهاء الهدنة القصيرة، وأبدتا استعدادهما لاستئناف المحادثات «بمجرد أن يُظهر طرفا الصراع تقيدهما بما اتفقا عليه في إعلان جدة» لحماية المدنيين في السودان.
وفي شمال كردفان، التي تعاني من حصار مستمر منذ بدء القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، يتعرض سكان مدينة أم روابة القريبة من الأبيض، حاضرة الولاية، لعمليات نهب مسلح نتج عنها عدد من الإصابات.
وقال مالك محمد، الطبيب بمستشفى أم روابة: «منذ الساعة العاشرة من مساء أمس وحتى الصباح، تحول مستشفى أم روابة إلى بؤرة مصابين برصاص جراء نهب مسلح عند مدخل المدينة. أكثر من 4 إصابات في حوادث مختلفة حتى اللحظة وقابلة للزيادة، لأن هناك مفقودين والوضع الأمني بالمستشفى في غاية السوء».
وشكا مالك في تصريح لـ«وكالة أنباء العالم العربي» من اقتحام أفراد مسلحين يرتدون زياً مدنياً الغرف أثناء إجراء عملية جراحية، في غياب تام لأفراد الأمن بالمستشفى. وقال: «هذه ليست بيئة عمل».
وذكر أن الأمر ذاته تكرر أول من أمس، لكن الفرق أن حوادث النهب تلك كانت بالأسلحة البيضاء، في ظل غياب تام لقوات الشرطة المدنية، مشيراً إلى أن أصوات الذخيرة تتعالى يومياً بعد صلاة العشاء «نتيجة للحرب الدائرة، وبالتأكيد سيمضي الأمر إلى أسوأ من ذلك ما دامت الحرب مستمرة».
وتشكلت قوات «الدعم السريع» قبل نحو 20 عاماً، حيث قاتلت إلى جانب القوات الحكومية من قبل في دارفور.