الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

إجراءات عقابية بحق من رفضوا المشاركة في دورات وبرامج تدريبية

إعلاميون وناشطون يمنيون أجبرهم الحوثيون على الالتحاق بدورات تعبوية في الحديدة (فيسبوك)
إعلاميون وناشطون يمنيون أجبرهم الحوثيون على الالتحاق بدورات تعبوية في الحديدة (فيسبوك)
TT

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

إعلاميون وناشطون يمنيون أجبرهم الحوثيون على الالتحاق بدورات تعبوية في الحديدة (فيسبوك)
إعلاميون وناشطون يمنيون أجبرهم الحوثيون على الالتحاق بدورات تعبوية في الحديدة (فيسبوك)

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل في الوسائل العمومية أو التابعة لها أو النشر على منصات التواصل الاجتماعي، كإجراءات عقابية بسبب رفضهم المشاركة في دوراتها التعبوية.

وأكدت مصادر إعلامية مطلعة في الحديدة لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة أخضعت خلال الأيام القليلة الماضية ما يزيد على 50 إعلامياً وناشطاً في مناطق تخضع لسيطرتها في الحديدة لدورات تعبوية وعسكرية تحت اسم دورات «طوفان الأقصى» بحجة نصرة الشعب اللبناني وتحرير فلسطين.

ودفعت الجماعة بأعداد من الصحافيين والإعلاميين والناشطين من غير الموالين لها في الحديدة، للالتحاق قسرياً في الدورات التي يُشرِف عليها، وفق المصادر، خبراء في الإعلام العسكري الإيراني، وبتمويل من قبل ما تسمى «شعبة التعبئة» في الحديدة.

جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

وكشفت المصادر عن أن الجماعة أوقفت عدداً من الصحافيين العاملين في مؤسسات إعلامية عمومية تخضع لسيطرتها منذ انقلابها قبل عشرة أعوام، عن العمل وهددتهم بالاستهداف المباشر في حال نشرهم، سواء في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي حول ما تعرضوا له.

وبحسب المصادر، تركّز الجماعة الحوثية جُلّ اهتمامها في الدورات التعبوية، على الجانب الفكري والعسكري، إذ أرغمت المشاركين، بعد ممارسة أساليب الترغيب والترهيب ضدهم، على الجمع بين أدوارهم الإعلامية وأدوار قتالية ولوجيستية في سياق استعدادها لأي مواجهات عسكرية في الحديدة.

وحضّ القيادي في الجماعة، أحمد البشيري، والمعين بصفة وكيل أول للمحافظة؛ الإعلاميين والناشطين على المشاركة الفاعلة، عقب اختتام الدورة، فيما سماه حملات الحشد والتعبئة في أوساط المجتمع، بغية استقطاب أفراد منه، وإخضاعهم لتدريبات قتالية لإشراكهم فيما تسميه الجماعة «معركة الجهاد المقدس» لتحرير فلسطين.

مسيّرات لطلاب في جامعة الحديدة نظمتها الجماعة الحوثية (إكس)

ونقلت وسائل إعلام الجماعة عن القيادي الحوثي أن هذه الدورات تأتي استمراراً لأنشطة الحشد والتعبئة العامة للقطاعين الرسمي والشعبي في محافظة الحديدة.

واتهم إعلاميون وناشطون، ممن أجبروا على المشاركة في تلك الدورات، الجماعة الحوثية بمحاولة إشغالهم عن متابعة الممارسات التي يرتكبها قادتها ومسلحوها بشكل متكرر ضد أبناء تهامة، والسعي لاكتشاف من منهم يعمل على تسريب معلومات حول وقائع تلك الانتهاكات إلى وسائل الإعلام في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية أو وسائل الإعلام الخارجية.

وعدّ ناشطون وإعلاميون يمنيون تلك الدورات التي استهدفت الإعلاميين والناشطين في الحديدة، أنها تأتي ضمن مساعي الجماعة لاكتشاف ولائهم لها، مستشهدين على ذلك، بإجبارهم منذ بدء الدورة قبل نحو أسبوعين، على الحضور للاستماع إلى محاضرات ودروس طائفية والقيام بتدريبات مكثفة على استخدام مختلف أنواع الأسلحة في مواقع مفتوحة.

مدنيون في الحديدة يشاركون في دورات عسكرية تنظمها الجماعة الحوثية (إكس)

وقال علي حميد الأهدل، مدير عام الإعلام في محافظة الحديدة، إن الجماعة الحوثية أخضعت عشرات الإعلاميين والناشطين التهاميين في المحافظة لدورات تدريبية مكثفة استمرت نحو أسبوعين.

وأوضح الأهدل أن الجماعة أجبرت المشاركين في الدورة على التدريب على أداء أدوار قتالية ولوجيستية، إلى جانب عملهم الإعلامي، وألزمتهم بإنتاج محتوى إعلامي عسكري يخدم الآلة الإعلامية الحوثية ويعزز التعبئة العامة والحرب النفسية، حسب وصفه.

وطبقاً للمسؤول الإعلامي اليمني، فإن ذلك التوجه الحوثي يعكس استهدافاً حقيقياً وممنهجاً لمحافظة الحديدة وأبنائها، لا سيما شريحة الإعلاميين والناشطين، بغية فرض كامل السيطرة على العمل الإعلامي وتحويله إلى أداة بيد الجماعة لخدمة أجندتها التخريبية.

وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بالتدخل لوقف هذه الانتهاكات وحماية الإعلاميين من محاولات الاستغلال والإخضاع، مشدداً على ضرورة التصدي لهذه السياسات التي تهدف إلى تدمير الإعلام الحر في اليمن.


مقالات ذات صلة

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

اشتباكات سورية جديدة تُهدّد خرائط النفوذ القديمة

سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)
سيارة تمر عبر معقل للفصائل المسلحة في خان العسل بحلب شمال سوريا 29 نوفمبر (أ.ف.ب)

غيّرت التحركات العسكرية حول حلب لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات خرائط السيطرة ومناطق النفوذ في شمال غربي سوريا، وحرّكت حدود التماس بين جهات سورية محلية متصارعة، وقوات إقليمية ودولية منتشرة في تلك البقعة الجغرافية.

وتشي سخونة العمليات العسكرية بأن الهجوم قد يتمدد إلى كامل الشمال السوري، وينذر بإشعال جبهة شمال شرقي البلاد الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت روسيا وتركيا، اتفقتا في مارس (آذار) 2020 على تفاهمات تكرّس خفض التصعيد ووقف إطلاق النار شمال غربي سوريا، بعد سنوات من دعم موسكو للقوات الحكومية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، ومساندة أنقرة لفصائل مسلحة معارضة.

دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب 29 نوفمبر (أ.ب)

الخبير العسكري والمحلّل السياسي عبد الناصر العايد قال لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة حلب وحدودها الإدارية خارج دائرة الهجوم، حتى الآن، سيما مركز المدينة نظراً لتشابك وتعقد الحسابات الدولية وخضوعها لتفاهمات روسية - تركية أعقبت الاتفاقية الموقّعة عام 2020.

وتوقع العايد أن يصبح «التركيز بالدرجة الأولى على إخراج الميليشيات الإيرانية من المنطقة، وأن تستمر المعارك بشكل أعنف في قادم الأيام لتشتعل مناطق جغرافية تمتد بين ريف إدلب الشرقي والجنوبي، إلى جانب ريف حلب الغربي والشمالي».

حسابات إقليمية

وتخضع مدينة إدلب ومحيطها ومناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة لـ«هيئة تحرير الشام» وفصائل مسلحة معارضة أقل نفوذاً، ويسري منذ 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته روسيا الداعمة لدمشق؛ وتركيا التي تدعم الفصائل المسلحة المعارضة بعد هجوم واسع شنّته القوات النظامية بدعم روسي واستعادت آنذاك مناطق شاسعة من قبضة تلك الفصائل.

ويرجع الخبير العسكري عبد الناصر العايد، وهو ضابط سوري سابق منشق يقيم في فرنسا، تقدم الفصائل المسلحة ووصولهم نحو مدخل حلب الغربي، إلى: «شدة الهجوم وزخم التحشيد الذي أُعد له منذ أشهر»، مشيراً إلى أن «المعارك ستتركز في تخوم حلب الغربية والجنوبية، ومناطق شرق إدلب وصولاً إلى معرة النعمان».

وباتت الطريق الدولية السريعة (إم 5) التي تربط مدينتي حلب شمالاً بالعاصمة دمشق خارجة عن الخدمة؛ معيدة للأذهان مشهد توقفها كلياً لسنوات بعد اندلاع الحرب السورية لتجدد العمليات العسكرية خلال الأيام الماضية على طرفي الطريق.

وما يزيد من ضبابية معارك الشمال السوري غياب الدعم الروسي للقوات النظامية وإحجامها عن الهجمات الجوية، كسابق تدخلاتها لصالح الحكومة السورية، ويعزو العايد موقف موسكو إلى عدم رغبتها في دعم الميليشيات الإيرانية المقاتلة هناك، ليقول: «لأن حلب بالكامل خرجت عن السيطرة الروسية ولم يبقَ لها أي تأثير فعلي، علماً أن الروس شاركوا بقوة برياً وجوياً لاستعادة شطر حلب الشرقية من قبضة الفصائل المعارضة منتصف 2016»، ويعتقد أن «عدم مشاركة روسيا، حتى الآن، بمعركة حلب مردّه: (بمثابة عقوبة مضاعفة للميليشيات الإيرانية، ويبدو هنالك أبعاد متعلقة بملفات استراتيجية خارج سوريا)»، على حد تعبير المحلل العسكري العايد.

تبادل لإطلاق النار في محيط حلب بين الجيش السوري وفصائل المعارضة المسلحة (أ.ف.ب)

مقايضة تركية - روسية

وبحسب مقاطع فيديو وصور نشرها نشطاء محليون على منصات التواصل الاجتماعي، وصلت الهجمات لمدخل مدينة حلب الغربي بالقرب من حي الحمدانية العريق، كما أصبحوا على بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء وهما بلدتان شيعيتان تتمتع جماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران بحضور عسكري وأمني قوي هناك، إلى جانب قربهما من بلدة تل رفعت الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً؛ ما ينذر بتوسع وتمدّد المعارك القتالية نحو كامل الريف الشمالي لمحافظة حلب ثاني أكبر المدن السورية.

بدوره؛ يرى براء صبري، وهو باحث مساهم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن قوات «قسد»، شريكة واشنطن في حربها ضد التنظيمات الإرهابية، تخشى من حصول تركيا على مقايضة عسكرية من روسيا على الأرض «تشمل بلدة تل رفعت مقابل الضغط على (هيئة تحرير الشام) وفصائل (رد العدوان) للتوقف وضبط إيقاع الهجوم».

وتابع صبري حديثه قائلاً: «على الرغم من أن الهجوم السريع على قوات دمشق (القوات الحكومية) والخسائر الكبيرة هناك توحي بتسجيل نصر لصالح المعارضة و(هيئة تحرير الشام)، لكن من غير المتوقع تغطية مدينة حلب ولن يُسمح بسقوطها، لا من قِبل الروس أولاً، ولا من قِبل الإيرانيين و(حزب الله) المنهكين في صراعهما مع إسرائيل ثانياً».

وتشير المعطيات الميدانية لمعركة حلب إلى أن الحدود التي ستشعلها المرحلة المقبلة لن تكون كما سابق عهدها، بعد اتفاق سوتشي 2020، بين الرئيس التركي إردوغان والروسي بوتين، ومنذ 4 سنوات لم تتغير حدود السيطرة بين الجهات السورية المتحاربة والجهات الدولية الفاعلة، بما فيها فصائل المعارضة في شمال سوريا التي تدعمها تركيا، وقوات «قسد» التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي من البلاد.

مسلحون يستولون يوم 29 نوفمبر على دبابة للجيش السوري بالقرب من الطريق الدولية M5 (أ.ف.ب)

الإيرانيون لا يملكون الكثير

وعن الموقف الإيراني ودور جماعة «حزب الله» اللبنانية في حين وصلت العمليات العسكرية إلى بلدتي النبل والزهراء، أوضح صبري أن الإيرانيين: «لا يملكون الكثير ليقوموا به للدفاع عن المنطقة لأن الطيران الإسرائيلي يترصدهم، لكن المتوقع أن يتحول (حزب الله) مجموعة مستميتة عندما يصل الخطر إلى نبل والزهراء وهما معقل الشيعة السوريين هناك».

وحذَّر هذا الباحث من انزلاق المعركة إلى طابع مذهبي، منوهاً بأن الهدنة في لبنان التي دخلت حيز التنفيذ: «ستمكن (حزب الله) من لملمة صفوفه والتحرك أكثر بدعم إيراني، وسيحول الحزب ما يسميه انتصاراً في لبنان إلى حافز لإظهار وجوده من جديد في سوريا».

وقد تكون الهجمات العسكرية لـ«تحرير الشام» محاولةً لإعادة تموضع جغرافي في مساحة واسعة في أرياف حلب وحماة وإدلب غربي سوريا، غير أن الباحث براء صبري شدد بأن الروس ستكون لهم الكلمة الفصل، وقال: «بالنسبة للروس سقوط حلب بمثابة النكبة لانتصاراتهم المدوية التي حققوها خلال الأسبوعين الماضيين في خط الدونباس بأوكرانيا، وداخل روسيا نفسها في منطقة كورسك».

وذكر صبري في ختام حديثه بأن حلب أكبر من قدرات المعارضة المسلحة و«هيئة تحرير الشام»، «وأكبر من استطاعة تركيا نفسها، وإذا أخذنا بأن الهجوم خرج عن تخطيطها أو سُمح له بالمرور دون اعتراض؛ فسيقابله تشدد تركي إذا تسبب بسقوط حلب التي ستُغضّب الروس كثيراً».