تدخل الهدنة في قطاع غزة اختباراً جديداً في اجتماع وزاري عربي - أميركي تحتضنه لندن الجمعة، قبل انتخابات أميركية مصيرية تنطلق يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، خاصة مع إعلان عودة المفاوضات خلال الأيام المقبلة بالدوحة، وتحذيرات مصرية من تهديد مصداقية النظام الدولي بعدم وقف الحرب المستمرة بالقطاع منذ أكثر من عام.
ويقول خبراء لـ«الشرق الأوسط» إن هدنة غزة ستكون قضية رئيسية في اجتماع لندن الذي يجمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بعد جولته بالشرق الأوسط، مع وزراء عرب، مؤكدين أن الاجتماع سيعزز جهود الوسطاء خلال مناقشات مرتقبة بالدوحة، التي قد تفضي لصفقة تبادل «رهائن مصغرة»، وسط مخاوف من تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتمسكه باستمرار الحرب.
اجتماع لندن سيكون المحطة الرابعة بعد جولة بلينكن الحادية عشرة للمنطقة منذ حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عقب زيارة قطر الخميس، والسعودية الأربعاء، وإسرائيل الثلاثاء.
وكشفت الخارجية الأميركية الأربعاء أن جولة بلينكن تهدف إلى «مناقشة أهمية إنهاء الحرب في غزة، وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن، وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، بجانب التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع بين إسرائيل و(حزب الله)»، بينما سيجتمع بلينكن بنظرائه من دول عربية في لندن، الجمعة، للبحث في حربَي غزة ولبنان، حسبما أفاد به المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، الأربعاء.
وعدّ الكاتب السياسي في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن بلينكن هو «رجل الإدارة الأقرب للرئيس الأميركي جو بايدن»، ويكثف جهوده الآن قبل الوصول إلى يوم الانتخابات الأميركية، لافتاً إلى أن «هناك فرصة أخيرة لإتمام الصفقة... صحيح أن هاتين الكلمتين قيلتا مراراً خلال سنة من الحرب، لكن بين فرصة وأخرى يتم تفويتها، هناك خسائر بشرية ورهائن وأضرار اقتصادية سيستغرق إصلاحها سنوات».
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن الاجتماع الذي يجمع بلينكن بوزراء عرب سيحاول مناقشة إتمام صفقة أسرى، مستدركاً: «لكن عدم تجاوب نتنياهو خلال لقاء وزير الخارجية الأميركي، وحديثه عن تمسكه بتحقيق كل أهدافه، يعد تحدياً لأي مخرجات إيجابية للاجتماع».
ويعدّ الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أن الاجتماع الذي قد يحضره وزراء من مصر والأردن والسعودية سيكون بمثابة «فرصة أخيرة في الوقت بدل الضائع قبيل الانتخابات الأميركية التي يحاول فيها نتنياهو دعم حليفه ترمب، وتعطيل أي مسار دعم لإدارة جو بايدن بتلك الانتخابات المصيرية».
وقبل التوجه لاجتماع لندن، توقع بلينكن في محطة قطر، خلال مؤتمر صحافي الخميس بالدوحة، «اجتماع المفاوضين لبحث وقف إطلاق النار في غزة خلال الأيام المقبلة»، مؤكداً أن المفاوضات ستتناول عند استئنافها إعادة الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة.
تلك العودة للمفاوضات بعد أسابيع من الجمود، أكدها رئيس وزراء قطر الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني بالمؤتمر ذاته، قائلاً إنه «سيزور وفد تفاوضي أميركي وآخر إسرائيلي الدوحة لبحث سبل إيجاد اختراق في مفاوضات غزة».
رئيس وزراء قطر أكد أن الجهود مع أميركا ومصر مستمرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وسجناء فلسطينيين، مشدداً على أن «الفرص متاحة لاتفاق، حالة وجود قابلية للأطراف لإنهاء الحرب».
تلك التأكيدات تأتي غداة وصول وفد من حركة «حماس» برئاسة عضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، الأربعاء، إلى موسكو، غريمة واشنطن، حيث سيلتقي مسؤولين لمناقشة سبل وقف الحرب في غزة والمصالحة الفلسطينية، وفق ما ذكر مصدر قيادي في الحركة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
ويرجح أن تشهد تلك المفاوضات مسعى لإبرام صفقة محدودة تشمل مزدوجي الجنسية، خاصة الأميركيين، مع وعود من أبو مرزوق لروسيا خلال زيارته، كما كشفت وسائل إعلام روسية، بإطلاق أسرى روس في أول عملية تبادل للرهائن تحدث، مستدركاً: «لكن نتنياهو يبدو أنه وعد ترمب ألا يمنح أي دعم لمنافسه بالانتخابات بإتمام أي صفقة».
وبرأي فؤاد أنور، فإن المفاوضات بالدوحة ستترقب نتائج اجتماع لندن، مرجحاً أن يفضي إحياء المفاوضات لعقد صفقة مصغرة لإطلاق سراح رهائن، خاصة أن الداخل الإسرائيلي لديه مخاوف من وجود ثأر انفعالي من عناصر «حماس» تجاه الأسرى بعد مقتل زعيم الحركة يحيى السنوار قبل أيام.
كما يمكن أن تكون الصفقة اختباراً أيضاً لمدى سيطرة قيادة «حماس» على عناصرها، وفق أنور، ويتم التعجيل بعقدها بقبول إسرائيلي مشروط، متخوفاً من أجواء التصعيد في المنطقة، الذي قد لا يخدم ذلك السيناريو المرجح بشأن الصفقة مع احتمال توجيه ضربة إسرائيلية لإيران.
وكشفت مصادر عراقية، الأربعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن شخصيات إيرانية معنية بالملف العراقي في طهران «شاركت مع قادة في الإطار التنسيقي الحاكم في تقدير موقف عن توقيت أولي للضربة الإسرائيلية»، مشيرة إلى أنها «قد تحدث خلال أسبوع».
وتلقت طهران، وفقاً للمصادر، «مؤشرات سلبية للغاية عن فشل وساطات إقليمية ودولية لثني إسرائيل عن الضربة»، فيما حذّر قائد «الحرس الثوري» الإيراني، حسين سلامي، الخميس، إسرائيل من أنها «تنتحر وتحفر تدريجياً مقبرة لتدفن نفسها فيها»، ما يشي بمزيد من التصعيد.
ومطلع الأسبوع، أعلنت الولايات المتحدة نشرها نظام «ثاد» الصاروخي في إسرائيل، وعزّزته بطاقم عسكري أميركي، للمساعدة في تعزيز دفاعاتها الجوية بعد هجوم صاروخي من إيران في الأول من أكتوبر الحالي.
ووسط تلك التوترات، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة بقمة «بريكس»، في قازان، بتضافر الجهود الدولية، لوقف التصعيد الخطير في المنطقة، ومنع انزلاقها إلى حرب شاملة. بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحات بالقمة ذاتها، إن «صراع غزة امتد إلى لبنان، والمواجهة بين إيران وإسرائيل تضع الشرق الأوسط على شفا الحرب»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.